-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 33 - 1

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الثالث والثلاثون

الجزء الأول


ولأنَّك ساكنَ الرُوحِ والفؤادِ والوِجْدَانِ 

ولأنَّك النورُ الذِي أُضيئُ بهِ دربُ زمَانِي 

ولأنَّك حِلْمي الذي حَلَّقَ وتعلَّقَ بهِ خَيَالي

         فَدَعْنِي أهمسُ لك وأُوحِي

بأنَّك أصبحتَ لِي الكونَ والسكونَ والإحتواءِ

   ولقَلْبي ورُوحِي بتَّ أنتَ البلسمَ الشافِي.

خواطر مليكة عُثمان 

بقلمي روز آمين

أخذت نفساً عميقاً وأغلقت عيناها وهمست بيقين: 

-أشهد أن لا إله إلاّ الله واشهد أن محمد رسول الله 

سلمت أمرها لخالقها وتنفست إستعداداً لمرور دواء التخدير داخل جسدها،وفجأة إستمعت لصوت ضجيجاً وكأن أحدهم إقتحم باب غُرفة العمليات،فتحت عيناها بإرتياب وسريعاً وجهت بصرها نحو الباب بذُعرٍ،لتجدهُ أمامها يهرول إليها بعدما أتي مُسرعاً من ألمانيا حين إستمع إلي رسالة الطبيب وعلم أن حالة حبيبتهُ أصبحت سيئة،علي الفور تحرك إلي المطار حيثُ إستقل طائرة خاصة قد أبلغ أحداً من رجال الجهاز لتجهيزها له وفي خلال مُدة قصيرة كان مُحلقاً بالفضاء ولهذا كان هاتفهُ مُغلقاً 



بقلبٍ مُلتاع نظر عليها مُتلهفاً وجُل أملهُ تعلق بأن يجدها مازالت واعية،تنهد براحة حين وجدها تنظر داخل عيناه بلهفة لا تقل عن لهفته،تنفست براحة وأبتسامة طمأنة ظهرت بينة داخل مقلتيها 


كاد أن يتحرك إليها لولا طبيب التخدير الذي يُمسك بيدة الإبرة حيثُ كان موشكاً علي حقن المريضة بها لولا إقتحام ذاك الهمجي باب الغُرفة،صاح بنبرة حادة موبخاً ذاك الياسين ويرجع ذلك لعدم علمهِ بشخصه:

-إنتَ رايح فين يا حضرة؟

المكان متعقم وفيه عملية هتبتدي ولا انتَ مش واخد بالك؟! 

واستطرد محتجاً وهو ينظر إلي الجميع: 

-إيه التهريج اللي بيحصل ده يا جماعة؟! 




بعيناي مُعتذرة نظر لهُ أحمد ثم أشار لهُ مطالباً إياه بأن يتوقف عن حديثهُ المُحق،ثم أردف علي عُجالة وهو ينظر إلي ياسين: 

-من فضلك تخرج يا سيادة العميد لأن لازم نبتدي حالاً في العملية



أجابهُ بإصرار وهو يتطلع لعيناها وكأنهُ يبثُ لها الأمانُ ويُطالبها بالصمود: 

-مش هينفع أسيبها يا دكتور،لازم أكون جنبها 



كاد أحمد أن يعترض لضيق الوقت ولعدم إرتداء ياسين للثوب الجراحي المعقم فتحدثت مُنى وهي تنظر لزوجها بترجي لدرايتها مدي أهمية تواجد ياسين بجانب تلك المُرتعبة: 

-خليه يحضر من فضلك يا دكتور،وجوده هيفرق جداً مع المريضة وهيقلل من توترها وده هيساعدنا في شُغلنا 




بعجالة تحدث أحمد إلي إحدي الممرضات الموجودة:

-جهزي له يونيفورم بسرعة يا إيمان  



بالفعل إرتدي الثوب الجراحي وكان جاهزاً بعد دقائق قليلة وتحرك مهرولاً إليها ليُمسك كفها سريعاً وهو يتحدث بنظرات متلهفة: 

-ما تخافيش يا حبيبي



ما بقتش خايفة بعد ما شفتك...نطقتها بنبرة إلي حدٍ ما هادئة فابتسم لها وشدد من ضمته ليدها وتحدث ليبث داخل روحها السكينة: 

-أنا معاكِ ومش هسيب إيدك أبداً،وزي ما خرجنا قبل كدة أنا وإنتِ وعز من أوضة العمليات

واستطرد بتأكيد ليبث داخلها روح العزيمة: 

-بأمر الله هنخرج أنا وإنتِ ومِسك


أومأت له ودمعة هربت من عيناها جففها لها سريعاً بكفهِ الآخر  ثم مال برأسهِ قليلاً لليمين يترجاها بعيناه ويطالبها بأن تتحلي بالهدوء واليقين بالله،إستمدت من نظراتهِ وكلماتهِ العزيمة والقوة ثم تنفست براحة فتحدث طبيب التخدير إليها من جديد بعدما تفهم طبيعة الوضع:

-جاهزة يا مدام؟



أومأت بطمأنينة ثم تنفست ونطقت الشهادة من جديد ونظرت لذاك المبتسم أثناء ما كان يحقنها الطبيب بدواء التخدير الذي سري بجسدها،علي الفور شعرت بتنمُل يسري بوجهها ودماغها وبلحظات كانت غائبة عن الوعي مستسلمه لقدرها تحت إرتجاف قلب ذاك المُرتعب الذي بات ينظر لوجهها متمسكاً بضمة يدها وكأنهُ يعطيها القوة والثبات خلال تلك الضمة،وما أن بدأ الطبيب بالشروع بالبدأ في العملية حتي شعر وكأن ذاك المشرط الطبي يُغرس ويشق قلبهُ لا بطنها



أبعد ناظريه وثبتهما علي ملامح وجهها الملائكية وبات يناجي ربهُ ويطلب منه العون والنجاة لحبيبته وصغيرته التي إنتظرها مُنذُ الكثير والكثير 





بالخارج

كان الجميع جالسون يترقبون بقلوبٍ متألمة داعين الله أن يُنجي تلك البريئة وطفلتها ويُخرجهُما من محنتهما علي خير،توجهت أنظار الجميع إلي مدخل الرواق وهم ينظرون علي مروان حيثُ لفت إنتباههم دخولهُ وهو يتحرك مهرولاً بمشيته ويتجه إليهم بعدما عَلم بحالة والدته


إرتعب داخل شريف وهب واقفاً وعلي عُجالة تحرك إلي إبن شقيقتهُ بعدما رأي الذُعر يعتلي ملامح وجههُ،هتف مروان متسائلاً إياه بنبرة مُرتعبة:

-ماما عاملة يا خالو؟


تحدث وهو يحتويهْ بذراعيه برعاية: 

-إيه اللي جابك يا مروان ومين اللي قال لك؟ 


أردفت ثُريا بعدما وقفت من جلوسها وتحركت متجهة إلي حفيدها الغالي: 

-أنا اللي إتصلت بيه وقُلت له يا شريف 

واسترسلت بنبرة رحيمة:

-لازم لما مليكة تفوق تلاقي إبنها جنبها 



خير ما عملتي يا أم رائف...جُملة إستحسانية نطقتها سُهير من بين دموعها المنهمرة رعباً علي إبنتها


خرج الفتي من داخل أحضان خاله وتحدث إلي جدته التي إحتوت كفهُ بحنان:

-ماما فين يا تيتا؟ 



أجابتهُ بنبرة حنون كي تُطمئن قلبهُ علي غاليته: 

-ماما في أوضة العمليات وشوية وهتخرج إن شاء الله 


أشار لهُ عز ليستدعيه حيثُ تحدث بنبرة حنون: 

-تعالي إقعد جنبي يا حبيبي علي ما ماما تخرج بالسلامة



تحرك الفتي وجلس بجانب عز الذي وضع ذراعهُ فوق كتفه باحتواء وبات يُربت عليه ليُهدئ من نوبة القلق التي أصابته جراء وجود غاليتهُ داخل غرفة العمليات،باستفسار حنون تحدثت سُهير إلي الصغير:

-سيبت إخواتك مع مين يا حبيبي؟ 




أجابها بنبرة جادة: 

-سيبتهم مع دادة عَلية يا تيتا وهي هتاخد بالها منهم كويس



وأثناء حديثهم حضر سراج وبجانبهُ نرمين التي تحدثت إلي سُهير بنبرة هادئة: 

-ألف سلامة علي مليكة يا طنط،إن شاء الله تخرج بالسلامة


بدموعها نطقت: 

-يارب يا نرمين


جلس سراج بعدما ألقي التحية علي الجميع وتحدث إلي سيادة اللواء: 

-هو ياسين ما يعرفش إن مليكة بتولد ولا إيه يا أفندم؟ 


أجابهُ بهدوء: 

-عِرف من الدكتور ولسة واصل من شوية 


سألهُ مستفسراً:

-أُمال هو فين؟ 


رد طارق علي سؤالة قائلاً باقتضاب: 

-مع مراته جوة في أوضة العمليات


أومأ له بتفهم ثم تحدث إلي سالم مواسياً إياه:

-ألف سلامة علي مليكة يا سالم بيه



تأثُراً بحالته النفسية الناتجة عن حالة قرة عينه رد بنبرة صوت خافتة: 

-الله يسلمك يا سيادة العقيد  


❈-❈-❈


بمنزل اللواء عز المغربي 

صعدت منال الدرج بإتجاهها للأعلي بقلبٍ وعقلاً مشتتان تأثراً بما تمر به عائلتها من فاجعة كُبري أشعرتها وكأن عقد العائلة إنفرط وصارت حباتهُ متفرقة كل حبةً بجهةٍ تُغرد منفردة بحالها،أيسل التي باتت تفضل الإنعزال وألتزمت غُرفة والدتها لتقبع طيلة اليوم داخلها وما عادت تفضل إنخراطها وسط الجمع العائلي كسابق عهدها


وحمزة الذي إنطوي علي حاله وأنغمس بأحزانه رغم محاوطة عز له إلا أن فاجعة رحيل والدتهُ المفاجئ هزت كيانهُ وزلزلته



وما أحني ظهرها وأنهي علي ما تبقي من صمودها هو صدمة مُدللها والمفضل لدي قلبها في الفتاة التي عشقها وفضلها علي جميع ما قابل من فتيات،فمنذ ذاك اليوم الذي أزاح ياسين فيه الستار وكشف عن الوجه القبيح لتلك الشيطانة وهو منعزل بغرفته،فلا عاد يشاركهم طعاماً أو جلساتٍ وأحاديث تتمُ داخل المنزل



تحركت داخل الرواق المؤدي إلي حُجرتهُ الجديدة حيثُ أنهُ طلب من العاملات أن ينقلن جميع أشيائهُ الخاصة إلي غُرفة جديدة بعدما حطم جميع محتويات تلك التي عاش بداخلها كذبتهُ الكُبري والتي إستمرت لسنوات،حطم معالمها وما بقي بها شئ علي حاله

وصلت منال إلى غرفته ودقت بابها فلم تستمع إلي صوتهِ فأعادت دقها للباب ببضع طرقات صاح بعدها قائلاً بكامل صوتهِ الغاضب:

-أنا مش قُلت ماحدش يخبط عليا طول ما أنا نايم



أخذت نفساً عميقاً وزفرته ثم فتحت الباب لتجدهُ ممدداً علي بطنهِ مُلقياً بجسدهِ بإهمال فوق التخت،إقتربت عليه وتحدثت بنبرة هادئة:

-مليكة بتولد وحالتها صعبة وأخوك مسافر،قوم روح لها المستشفي وأقف مع بابا وطارق 




بنبرة صوت خافته عقب علي حديثها وكأن الأمر لا يعنيه: 

-أنا تعبان ومش قادر أروح لأي مكان،إخرجي وإقفلي الباب وراكِ 



هتفت بنبرة حادة: 

-لحد إمتي هتفضل عامل كدة في نفسك؟،وعلشان مين ده كُله!،علشان واحدة خاينة وحقيرة



بصياحٍ حاد هتف غاضباً: 

-يووووه بقي،هو أنتِ ما زهقتيش من الكلام في الموضوع ده! 

واسترسلت بصفاقة: 

-قُلت لك إطلعي برة وإقفلي الباب وراكِ



بدموعها هتفت بنبرة متألمة: 

-أنا عملت إيه في حياتي علشان يحصل لي كل ده يا ربي



صرخ بكامل صوته قائلاً باستخفاف: 

-إطلعي كملي ندبك بره لأني مصدع وعاوز أنام 



بيأسٍ شديد حركت رأسها يميناً ويساراً وهي تبكي بمرارة علي ما وصل إليه ذاك المصدوم وجعلهُ أكثر حِدة وصفاقة مما كان عليه من ذي قبل،بإستسلام تحركت خارج الغرفة تاركة إياه غارقاً بأحزانه وندمه الشديد علي تسليم قلبهُ لتلك الخَائنة




بنفس التوقيت بمنزل عبدالرحمن المغربي،كان يجلس بجانب وليد وراقية وهالة وهو يتناولون مشروب الشاي الدافئ ومن حولهم يلهو أطفال وليد،إستمع إلي رنين هاتفهُ فألتقطهُ من فوق المنضدة ونظر بشاشتهِ،علي عُجالة ضغط زِر الإجابة عندما وجد نقش حروف إسم شقيقهُ الغالي وتحدث قائلاً: 

-أهلاً يا عِز 



صمت لثواني ليستمع إلي حديثهُ وأردف معاتباً إياه: 

-وإزي ما كلمتنيش وبلغتني من وقتها علشان أكون معاكم 


إستمع مرةً أخرى إلى حديث شقيقهُ وتحدث بنبرة هادئة تحت عيناي راقية المترقبة بطريقة مُريبة:

-خلاص يا حبيبي أنا جاي لك على طول



أغلق معه وهتفت تلك التي كانت تتسمع علي حديثهُ والفضول يأكل من روحها ويجعلها تفرك بمجلسها بعدم راحة:

-ماله عز يا عبدالرحمن؟ 



أجابها وهو يُلملم أشيائهُ الخاصة من فوق المنضدة: 

-مليكة تعبت واضطروا يدخلوها أوضة العمليات علشان يولدوها 


يا حبيبتي يا مليكة...جملة حنون نطقت بها هالة


أما تلك الراقية فهبت واقفة وتحدثت بحماس: 

-طب إستنا لما أغير هدومي وأجي معاك



بنبرة أمرة تحدث بما أحبطها: 

-خليكي مكانك يا راقية

واسترسل متهكماً وهو يرمقها بنظرات مستهزئة: 

-الناس فيها اللي مكفيها ومش ناقصين لسانك اللي زي الكُرباج 



نظرت هالة إلي وليد وكظما ضحكاتهم التي حضرت رُغماً عنهما جراء حديث عبدالرحمن،في حين هتفت راقية بنبرة غاضبة معترضة: 

-أنا لساني زي الكرباج يا عبدالرحمن؟ 

واسترسلت معاتبة إياه: 

-الحق عليا علشان عاوزة أروح أقف مع أخوك وولاده في شدتهم


بملامح وجه حزينة استطردت بنبرة لائمة كي تستقطب تعاطفهُ وتجعلهُ يصطحبها معه: 

-طول عمرك وإنتَ كاسر نفسي ومقلل من قيمتي قدام إخواتك وستاتهم،والوقت قدام إبنك ومراته الغريبة 


أنا ماشي قبل ما تفتحي في حوار الصعبنيات اللي ما بيدخلش ذمتي بتلاتة مليم ده...نطقها وتحدث إليه وليد الذي وقف وتحدث برجولة:

-أنا جاي معاك يا بابا


عقب قائلاً بتفهم: 

-خليك إنتَ يا وليد علشان السباك اللي هييجي كمان شوية بخصوص حوض المطبخ يلاقي راجل في إستقباله


واستطرد بتنبيه:

-شِد عليه في الكلام بدل ما يكروته ويمشي زي المرة اللي فاتت


واسترسل وهو يتنقل بالنظر إلي ثلاثتهم:

-وبعد ما السباك يمشي إبقي خد أمك وهالة وروحوا إطمنوا علي مليكة بعد ما تولد

أومأ لهُ بموافقة وتحرك الاخر سريعاً إلي الخارج 



تحدثت هالة بنبرة يملؤها الشجن وملامح وجه حزينة: 

-ربنا يقومك بالسلامة يا مليكة علشان خاطر ولادك



بكلماتٍ لا تعرف للإنسانية طريق نطقت راقية:

-هينجيها يا اختي وهتقوم زي القرد،ما تقلقيش إنتِ قوي كدة عليها

واستطردت بنبرة حسُودة: 

-دي تلاقي المستشفي كلها الوقت واقفة علي رجل واحدة علشان يخدموها،طبعاً،مش مرات ياسين المغربي ومرات إبن سيادة اللواء عز محمد المغربي،يا حَسرة علينا وعلي قِلة بختنا جنبهم


واسترسلت ناقمة علي حياتها وسخطٍ ظهر علناً فوق ملامحها وهي تنظر إلي وليد: 

-دي حتي المرة الوحيدة اللي قُلت الزمن هينصفنا فيها وناخد لنا قرشين حلوين نعدل بيهم حياتنا المايلة دي،طلع لنا قرد في الموضوع وطلعت البت إرهابية وقتالة قُتلة 




بيقين وقناعة أردفت هالة شارحة بنبرة هادئة: 

-إحمدي ربنا يا طنط إن وليد خرج من الموضوع بسلام ومن غير أذية،مين عارف،مش يمكن اللي إسمها لمار دي كانت ورطته وجابت رجله في الحكاية وكان زمانه محبوس معاها؟



أما وليد فكان يستمع لحديث كلتاهما بترقُب ثم تحدث إلي هالة متهكماً علي حديث والدته: 

-أمي ولا كان يفرق معاها أروح حتي ورا الشمس يا هالة،أهم حاجة عندها الملايين اللي كانت هتطلع لنا من ورا الحية اللي إسمها لمار وإن شالله حتي بعدها يعدموني 


جحظت عيناها بذهول وتحدثت مؤنبتاً إياه: 

-يا خسارة تربيتي فيك يا وليد،بقي أنا تقول عليا كدة يا واد؟

واستطردت بوجهٍ عابس لإستقطاب تعاطفهُ:

-وأنا من امتي كُنت لاقيت حظي مع حد علشان ألاقيه معاك يا سي وليد،طالع براوي وناكر لخير الغير زي أبوك بالظبط 


أردفت هالة بدفاع عن والد زوجها التي تكنُ لهُ الكثير من الود والإحترام: 

-بقي عمو عبدالرحمن ناكر لخير غيره عليه؟ 

واستطردت بإبانة: 

-طب ده عمو حتة سُكرة والناس كلها بتشهد بأخلاقه العاليه وتواضعه مع الكل 



لوت فاهها إعتراضاً علي حديث تلك البريئة وأردفت بحِنق وهي ترمقها بنظرات ساخطة: 

-طب قومي يا حتة سُكرة جهزي الغدا وبالمرة إعملي لي فنجان قهوة أظبط بيها دماغي اللي كلتيه بكلامك ده علي الصُبح



بملامح وجه عابسة هبت واقفة وتحدثت باعتراض:

-هو أنا كُل ما أقول كلام وما يجيش علي هواكي تهبي فيا وتقولي لي إمشي علي المطبخ 

واستطردت بنبرة حزينة: 

-والله قربت أحس إني خدامة في البيت ده وعايشة معاكي بتمن لُقمتي 


خدامة مين يا لولا،ده أنتِ مرات وليد المغربي يا بت...نطقها وليد مُجبراً بها خاطر زوجتهُ الحنون ثم استطرد برجولة: 

-طب إيه رأيك مش هتدخلي المطبخ النهاردة ولا هتمدي إيدك في أي حاجة


واسترسل وهو يغمز لها بإحدي عيناه مما أسعدها وجعل روحها تتراقص من شدة إبتهاجها: 

-وخدي الكبيرة كمان،أنا عازمك علي العشا برة النهاردة في أحسن مطعم فيكي يا إسكندرية


إستشاط داخل راقية التي وضعت كف يدها فوق وجنتها وهتفت باستهزاء:

-ولما سِت الحُسن والجمال بتاعتك مش هتدخل المطبخ،مين اللي هيعمل الغدا لأبوك وولادك يا سبع البرمبة؟ 



اردف بهدوء: 

-شوفي عاوزة غدا إيه وانا هبعت أجيبه جاهز من برة يا ست الكُل


لو كدة يبقي مفيش مشكلة...نطقتها براحة،بنبرة حماسية تحدثت هالة التي تشعر بأنها تحولت لفراشة راقصة من مجرد عزيمة زوجها البسيطة:

-أنا هادخل أعمل لكم أحلا فنجانين قهوة وبعدها هطلع أجهز نفسي للسهرة 


قالت كلماتها الحماسية وانطلقت إلي الداخل فتحدثت راقية متهكمة: 

-روحي يا اختي جهزي نفسك،أهو ده اللي إنتِ فالحة فيه



بنبرة هادئة عقب علي حديث والدته:

-ما تسيبي البت في حالها وتخرجيها من دماغك يا أم وليد،دي غلبانة وزي ما أنتِ شايفة،أي حاجة بترضيها وبتبسطها 



حولت بصرها إليه وتحدثت متجنبة لحديثهُ الغير مجدي بالنسبة لها:

-سيبك من سِت الحُسن بتاعتك وقولي لي 

نظر لها بترقب فاسترسلت متلهفة بشَرَه:

-ياسين عطاك كام؟


إتسعت عيناه بذهول من حديثها اللامعقول وهتف قائلاً باستياء: 

-ياسين مين يا أم وليد اللي هيديني فلوس في ظروفه اللي ما يعلم بيها إلا ربنا دي؟! 


واستطرد بتضامن موضحاً:

-ده الراجل مش عارف ياخد نفسه من كتر المصايب اللي عمالة ترف علي دماغه وتنزل واحدة ورا التانية. 




بتراجع تحدثت كي لا تظهر بصورة بشعة أمام نجلها:

-ربنا يكون في عونه يا ابني،أنا ما قولتش حاجة 

واسترسلت شارحة:

-أنا بس لما لقيتك فاتح في المصاريف إيشي غدا من برة وإيشي عزومة عشا لمراتك،قُلت يبقي ياسين اداك الفلوس اللي وعدك بيها 


لسة ما أدانيش حاجة يا ماما،ومش وقت الكلام في الموضوع ده...قالها بحزم فأومأت له بطاعة وبدلت الحديث بأخر 

   

❈-❈-❈


عودة إلي داخل غرفة العمليات 

إنتهي الأطباء من إخراج الصغيرة وألتقطها الطبيب المختص بالكشف عن الطفلة وقام بفحصها جيداً تحت انظار ياسين المتمعنة بطفلتهِ التي وما أن لمحها حتي حزن داخلهُ علي حالتها،فقد كان جسدها نحيف وصغيراً للغاية،أما عيناها فكانت مُنغلقة وجفناي منتفخان ولا يوجد بهما أهداباً ويرجع ذلك لحضورها للدنيا مُبكراً قبل أوان إكتمالها داخل رحم والدتها،إنقبض قلبهُ عليها وخشي خسارتها،وعلي عُجالة أخرجوا الطفلة من الغرفة وألحقوها بالحضانة وحقنها ببعض الأدوية كي تساعدها علي التمسك بالحياة  



أما أحمد فقام بتقفيل العملية وبدأ طبيب التخدير بإفاقة مليكة التي بدأت بتحريك أهدابها بعدما بدأت جرعة المخدر بالإنصراف عن جسدها،فتحت عيناها بتثاقل وكأنها داخل حُلم،رأت صورتهُ أمامها وهو ينظر إليها ويبتسم بحفاوة لرؤيتهُ لها وهي تفتح عيناها للدنيا من جديد 


بنبرة ضعيفة تحدثت إليه بإبتسامة خافتة: 

-ياسين




حمدالله علي سلامتك يا حبيبي...نطقها بعيناي أظهرت كم سعادته من عودتها إليه سالمة،تذكرت حالتها وبعجالة باغتتهُ بالسؤال عن طفلتها:

-مِسك يا ياسين،طمني وقُول لي إنها بخير 



أردف مطمأناً إياها كي يُهدئ من روعها: 

-كويسة يا حبيبي،خدوها علي الحضانة وبإذن الله مع الرعاية هتبقي كويسة  


أومأت له بعيناي منكسرة وقلبٍ حزين


خرجت من غرفة العمليات فوق الترولي ومازال ذاك العاشق مُمسكاً بكفها محتوياً إياه ليبث داخلها الطمأنينة،هرول عليها الجميع وكان أول من وصل إليها هو نجلها الغالي الذي أمسك كفها وتحدث بعيناي مُرتعبة علي غاليته: 

-إنتِ كويسة يا ماما؟ 


شعرت بإرتجافة بقلبها عندما لمحت لوعة صغيرها الغالي وارتعابهُ عليها،وبعيناي حنون طمأنته بنبرة صوت خافتة للغاية جراء حالتها:

-ما تخافش يا قلبي،أنا كويسة


وبرغم تعبها وشدتها إلا أنها سألته مستفسرة عن صغارها: 

-فين إخواتك يا مروان؟ 


رد عليها ياسين كي يحثها علي الهدوء والاسترخاء: 

-إهدي وما تفكريش في حاجة غير في نفسك وحالتك يا مليكة




بعد مرور حوالي ساعة 


كان يقف مُمسكاً بكفها،حيثُ كانت تتمدد علي التخت الخاص بغرفتها التي خُصصت لها لتقبع بداخلها طيلة الأيام التي ستبقي بها داخل المشفي حسب قرار الأطباء ونظراً لحالتها الصحية،تحدث إليها عز الذي دخل للتو بعدما ترك المجال للأطباء والممرضات ليتابعوا عملهم: 

-حمدالله على السلامة يا بنتي 



بعيناي تظهر كم التعب الساكن جسدها أجابتهُ بنبرة خافتة تأثُراً بحالتها: 

-الله يسلمك يا عمو


نظر لها والدها ثم تحرك إليها ووقف بجانب سُهير التي تجلس فوق المقعد المجاور لصغيرتها،مال علي وجنتها وقام بوضع قُبلة حنون فوقها وتحدث وهو ينظر بعيناها: 

-حمدالله علي سلامتك يا نور عين أبوكِ


إبتسامة حنون إعتلت ثغرها وتحدثت بخفوت: 

-الله يسلمك يا بابا


نظر عز علي تلك الراقية الواقفة بالغرفة تتطلع علي ملكية ويجاورها مروان مسانداً إياها،تحدث إليها بنبرة خرجت حنون رُغماً عنه: 

-مالك يا ثُريا،إنتِ تعبانة؟ 


أجابتهُ بنبرة خافتة أظهرت كم التعب الذي سكنها:

-أنا بخير يا سيادة اللواء،ما تقلقش


أسرعتا يُسرا ونرمين إلي والدتهما بعدما نظرتا عليها ووجدتا لون وجهها مائل للون الأصفر مما يُشير إلي إنخاض معدل السُكر بجسدها،هتفت يُسرا مستفسرة بنبرة مرتعبة: 

-ماما إنتِ ما أخدتيش حقنة السكر ولا أكلتي لحد الوقت؟ 


هتف عز سريعاً بذُعر وهو يقترب عليها: 

-إقعدي يا ثُريا وأنا هخلي دكتورة مني تجيب لك جرعة أنسولين حالاً وهخلي طارق يجيب لك حاجة تاكليها بسرعة من الكافيتريا 


تحرك الجميع إليها كي يطمأنوا علي تلك الخلوقة وبعد مدة إستقرت حالتها وأصطحبها طارق هي ومروان وعاد بهما إلي المنزل كي تأخذ قسطاً من الراحة 


بعد قليل هاتف رئيس جهاز المخابرات اللواء عز المغربي ليشتكي لهُ ياسين بشكل ودي ويرجع ذلك لصداقة الرئيس بعز ولولا ذلك لأحالهُ للتحقيق الفوري علي كسرهِ وتعديه الأوامر،وذلك بعدما علم من خلال مصادرهُ أنه كان متواجداً بدولة ألمانيا،حيث أنهُ كُشف بعدما طلب طائرة خاصة من الجهاز لتقلهُ علي وجه السُرعة ليصل إلي مصر،أبلغهُ الرئيس عن بعض الهواجس التي هاجمت تفكيره وخشيتهُ من أن يكون السبب وراء ذهاب ياسين إلي ألمانيا هو أنه يبحث عن قاتل زوجتهُ بعيداً عن التنسيق مع الجهاز،وأخبره أيضاً أنه يخشي خسارة الجهاز لشخصٍ مثل ياسين إذا تم تصفيتهُ من عناصر تابعة لتلك المنظمة الإرهابية إذا ما علموا بتواجده هناك


بزيفٍ أخبرهُ عز أن نجلهُ ذهب لتحويل أوراق صغيرتهُ من جامعتها إلي القاهرة،فطلب منه الرئيس بأن يجلب له ياسين ويأتيا معاً لزيارتهُ ليتناقشا بالأمر فيما بينهما وبشكلٍ ودي

تابع قراءة الفصل