-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 39

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل التاسع والثلاثون



بمَغِيبِك يا خليلَ الرُّوحِ يَحُولُ وَضْحَ نهارِي إلي ظلامِ

والصَّمتُ سيِّدِي في حضرةِ هواكَ أبْلغُ مْن كُلِّ الكلامِ

فيا منْ ملكْتَ القلبَ والعقلَ والوجدانَ والأحلامَ

لكَ منِّي يا حبيبَ الرُّوحِ قُبلةً وألفُ ألفُ سلامِ


خواطر مليكة عثمان 

بقلمي روز آمين 



عادت مليكة بطفلتها إلي المنزل بعد مغادرة كارم وخروجهُ من حي المغربي،تلفتت حولها وباتت تبحث بعيناها هُنا وهُناك عن ثُريا وصغارها،وجدت أصوات أطفالها تخرج من جهة المطبخ،تحركت في طريقها إليهم وجدت ثُريا تقف أمام المنضدة المستديرة المتواجدة بالمنتصف ويصطف حولها أنس وعز ومروان يتابعون جدتهم وهي تصنع لهم كعكة الشيكولاتة المحببة لدي ثلاثتهم


هتف ذاك المشاكس الواقف فوق المقعد مهللاً بالصغيرة وبوالدته: 

-تعالي يا مسوكتي،شوفي نَاَنَاَ وهي بتعمل لنا شوكلت كيك


إبتسمت له مليكة وتحدثت موجهة حديثها إلي ثريا: 

-أنا شامة ريحة كيك البرتقال؟

صح يا ماما ولا حاسة الشم عندي فيها مشكلة؟ 


تحرك مروان إلي والدتهُ وحمل عنها الصغيرة وبات يداعبها هو وأنس وعز تحت مناغاتها لهم والتي تسر القلوب مما بث البهجة داخل قلوب جميع من بالمطبخ


أما ثريا فـ ابتسمت وتحدثت مداعبة تلك التي تكنُ لها الكثير من الحب داخل قلبها: 

-إطمني يا مليكة،حاسة الشم عندك بخير وقوية كمان 


ثم تابعت صُنع كعكتها،وتحدثت عَلية حيث كانت تفتح باب موقِد الخبز وتُخرج منه إحدي صَوَانِي كعكة البرتقال: 

-السِت ثُريا عملت صنيتين بالبرتقال،وصنيتين بالشيكولاتة علشان الأولاد


أسرعت هدي وقامت بوضع حاملاً للسخونة وقامت عَلية بوضع الصينية عليه،أما مُنى فتحدثت بنبرة حماسية وهي تنظر إلي تلك الكعكةِ الساخنةُ بلونها الوردي ورائحتها الشهية التي تسيل لعاب كل من يشتم لرائحتها الذكية: 

-تسلم ايدك يا ست ثُريا،الكيكة شكلها يفتح النِفس


أردفت بإبتسامة حنون لتحثها علي تذوقها: 

-طب يلا قطعيها ودوقي كدة وقولي لي رأيك


إبتسمت العاملة خجلاً وتحدثت علي استحياء: 

-ما يصحش يا سِت هانم


وأنا بقول لك قطعي يلا ودوقي...كلمات نطقتها بنبرة رحيمة حين رأت إشتهاء الفتاة للكعكة ثم استرسلت وهي تنظر إلي عَلية: 

-قطعي إنتِ ووزعي علي البنات يا عَلية


إعترضت تلك العَلية فتطوعت مليكة التي أردفت بإبتسامة هادئة:

-أنا اللي هقطعها يا ماما


أردف مروان قاصداً بحديثهُ والدته وهو ينسحب إلي الخارج حاملاً شقيقتهُ: 

-أنا هستناكم برة أنا ومِسك يا ماما


تمام يا حبيبي...نطقتها بعيناي ممتنة ثم بدأت بتقطيع الكعكة ووضع بعضاً منها داخل الصحون التي أحضرتها هدي ووزعت علي ثلاثتهم ومن ثم لأطفالها ولها وثريا التي إنتهت من صنع ما بيدها وقامت عَلية بوضعها بموقد الخبز وانتقل الجميع حيث جلسوا  بالخارج وبدأو يتناولون كعكتهم بتشهي والإثناء علي مذاقها المُميز


أردف مروان ممتدحاً جدتهُ: 

-تسلم إيدك يا نانا،الكيك تُحفة 


نظرت لنسخة فقيدها الغالي التي تتشكل وتتأكد يوماً بعد الآخر وتُسعد رؤية ملامحهُ قلبها وتجعلهُ يُحلق بالسماء،وتحدثت بنبرة تفيضُ من شدة الحنان:

-بألف هنا يا قلبك يا حبيبي 


إبتسم لها الصغير تحت نظراتها الحنون التي تشملهُ بها،قطع تركيزها حديث مليكة التي نطقتهُ علي استحياء: 

-ماما،أنا بعد إذنك عزمت ظابط الحراسة بتاع أيسل عندنا هنا بكرة علي الغدا


واسترسلت موضحة بتلبُك: 

-كان موصل أيسل ووقف يسلم عليا فعزمته يدخل يشرب قهوته مع حضرتك،إعتذر بمنتهي الذوق وقال إن مامته مستنياه علشان يتغدا معاها،فاتحرجت وقُلت بما إن بكرة أجازة المولد النبوي الشريف فعزمته علي الغدا 


عقبت ثُريا بنبرة هادئة: 

-خير ما عملتي يا بنتي


سألتها مستفسرة بترقُب: 

-يعني حضرتك مش متضايقة؟!


قطبت جبينها وعقبت متعجبة:

-أتضايق!

واستطردت بايضاح: 

-أتضايق ليه يا بنتي،ده بيتك وبيت أولادك ومن حقك تعزمي فيه أي حد في أي وقت 


متشكرة يا ماما...نطقتها بعيناي ممتنة فأردفت الاخري مستفهمة: 

-بلغتي ياسين وقُولتي له؟ 


أجابتها بهدوء لتيقُنها بتقبلهُ للأمر ببساطة:

-لسة يا ماما،هو كلمني وأنا عند الباشا وكان لسة في الشغل

واستطردت بإعلام: 

-هروح أتمشي شوية علي البحر ولما ييجي هكون رجعت وأبقي اتكلم معاه وأبلغه


وافقتها الرأي وانسحبت مليكة بعدما تركت لها الصغيرة بصحبة مروان وأنس 


❈-❈-❈


أما عز فقد ذهب إلي ليزا وساندرا بصحبة مُنى التي أخذت معها إحدي كعكات الشيكولاتة للصغيرتان بناءاً علي طلب ذاك العز كي يظهر بشكلٍ لائق أمام الفتاتين حتي ينال إعجابهما به 


جلس بأرضية البهو بصُحبة الصغيرتان اللتان كانتا تتناولتان من الكعكة بشهية مفتوحة تحت نظرات عز ومنال وطارق وچيچي وعمر الجالسون بمقاعدهم ينظرون علي الصغار بسعادة ويتناولون أيضاً من كعكة الصغير


نظر علي ساندرا وسألها مستفسراً باهتمام: 

-عجبتك الشوكلت كيك يا ساندرا؟ 


بنبرة رقيقة أجابتهُ تلك الراقية: 

-حلوة قوي يا عزو


أجابها بانتشاء: 

-أنا اللي خليت نانا ثُريا تعملها،قولت لها ساندرا طارق بتحبها


إبتسمت إليه وتحدثت بنبرة رقيقة تليقُ بها: 

-ميرسي يا عزو


إتسعت عيناي طارق الذي هتف بنبرة مذهولة:

-إنتَ يَلا قاعد تُشقط البنت قدامي ولا عامل لوجودي أي حساب؟ 


أطلق عز ضحكاتهُ التي وصلت حد القهقهة وتلاهُ الجميع في حين رفع الصغير بصرهُ وسأل عمهُ مستفسراً: 

-يعني إيه تُقشط يا عمو؟ 


بنبرة ساخرة أجابهُ طارق:

-تُقشط ده إيه يا روح عمو؟

واسترسل مصححاً: 

-إسمها تُشقط يا حبيبي؟ 


قطب جبينهُ وسألهُ من جديد: 

-يعني إيه بقي؟ 


أردف عز موضحاً لحفيدهُ المحبب لديه بمراوغة:

-عمو يقصد إنك باشا وملكش زي

واسترسل مادحاً إياه بدُعابة:

-إستمر يا حبيب جدو،مستقبلك باهر زي أبوك إن شاء الله


ميرسي ياجدو...نطقها بترفُع وهو يتبسم بخفوت مما جعل طارق يجن جنونهُ ويهتف بحِنقٍ مفتعل: 

-شوف الواد وغروره،إبن ياسين هينقطني يا باشا 


ضحكت چيچي وتحدثت إلي زوجها: 

-ما تسيب الولد علي حريته يا طارق،طب والله دمه زي العسل


أردفت منال وهي تنظر إلي الصغير وتشملهُ بعيناي حنون:

-عز أكتر حد من ولاد ياسين يشبهه وهو صغير  


ثم حولت بصرها إلي عز وسألتهْ بإبتسامة  هادئة: 

-فاكر ياسين وهو صُغير يا عز؟ 


إبتسم بهدوء وعيناي لامعة ببريق الماضي والحنين إليه: 

-طبعاً فاكر يا منال،وكان لمض وشايف نفسه زي إبنه كدة بالظبط


واستطرد بإيضاح: 

-بس الشهادة لله أول ما طارق إتولد ياسين إتغير وكأنه إتحول لواحد تاني،بقي بياخد باله من أخوه ومستحيل كان حد يزعله في وجود ياسين،ولما كبر شوية إتحول لأب لإخواته مش بس أخوهم الكبير


تنهدت منال وأردفت بتذكُر: 

-طول عمره راجل وسند لكل اللي حواليه،إتحمل مسؤلية إخواته مع بباه ومعايا من وهو عنده عشر سنين 


واستطردت وهي تنظر إلي عمر الذي يستمع إلي والديه بتمعن شديد: 

-بس عمر أنا اللي ربيته لوحدي


واسترسلت بإبانة: 

-بباه كان إترقي لـ عقيد وقتها ووقته كله كان مشغول،وياسين كان دخل الكلية الحربية وانشغل فيها


إبتسم عز لسردها للذكريات في حين تحدث عمر متمنياً بنبرة حزينة: 

-ده من سوء حظي يا ماما 


تنهدت بأسي حين علمت مخزي كلماته وتيقنت صحتها،هي من افرطت بدلاله وأفسدته بكثرة الأموال التي كانت تنثرها عليه


أما الصغير الذي كان منشغلاً باللهو مع تلك الجميلتان،فابتسم متفاخراً بحاله بعدما سألتهُ تلك الليزا قائلة وهى تُشير إلي شكل المنزل بعدما قامت بصنعه من المكعبات:

-عزو،هو كدة أنا عملت البيت صح؟ 


إبتسم برضا ثم تحدث بتفاخر: 

-طبعاً صح يا ليزا

واستطرد بمُبَاهَاة بحالهُ: 

-مش أنا اللي علمتك 


إبتسمت الصغيرة وهزت رأسها بموافقة فتحدثت ساندرا باعلام: 

-أنا كمان عملته معاها يا عزو


نظر عليها وتحدث معقباً: 

-برافوا عليكِ يا ساندرا


نظرت ليزا علي والدها وسألته مستفسرة وهي تُشير للفافة ساقها بتملُل وضيق: 

-بابي،هو أنتَ مش قلت لي إنك هتشيل القشرة الرخمة دي علشان بتضايقني


أومأ لها بإبتسامة وأردف مطمأناً إياها: 

-حاضر يا قلبي،هنروح بكرة المستشفي وهخلي الدكتور يشيلها لك


صفقت الصغيرة واردفت بوجهٍ مُتهلل:

-وهتاخدني معاك الشغل زي ما وعدتني؟ 


تحرك إليها وقام بحملها وسار بها إلي المقعد ثم تحدث بنبرة حنون بعدما قبل وجنتها: 

-أكيد يا ليزا،ومش بس الشُغل اللي هنروحه مع بعض،أنا هوديكي مدينة الملاهي ونروح محل الألعاب وتختاري منه كل اللي يعجبك


تهلل وجه عز وتنهد بارتياح عندما وجد نجلهُ قد تحمل مسؤلية صغيرتهُ وباتت علاقتهُ بها طبيعية كأي أب وابنته، وسعد داخل طارق وچيچي 


أما منال فسألته مستفسرة: 

-هو الكسر لحق يلم يا عُمر؟! 


أجابها طارق نيابةً عن شقيقه: 

-الكسر بسيط جداً يا ماما،والدكتور قال تلات أسابيع بالكتير وهيعمل لها إشعة ويفك الجبس بعدها


أومأت منال وتحدث عز بهدوء: 

-إن شاءالله خير 


إحتضن عُمر صغيرتهُ التي إبتسمت له وباتت تتمسح برأسها علي صدرهِ بدلالٍ أسعدهُ وشعر أنها باتت تتعلق به كما تعلقت روحهُ بها،شعر وكأنها عوضاً من الله عن تجربتهُ المريرة التي خرج منها مدمر الكيانِ


❈-❈-❈



تحركت في طريقها إلي البحر وابتعدت حتي وصلت لمكانها المعتاد لتمتع نظرها بغروب الشمس حيثُ تعشق رؤيتهُ،مزيجاً لا متناهي من الجمال ترصدهُ بعيناها أثناء تعانق لون الشمس الذهبي مع زرقة البحر الصافية لترسم أجمل لوحة فنية يمكن للعينُ أن تراها



إلتفت بجسدها لتقابل البحر وباتت تتأمل صفائهُ وتراقب غروب الشمس في مظهراً خلاباً حبس أنفاسها من شدة جمالهُ،دائماً ما كان يُشعرها منظر إنعكاس أشعة الشمس فوق سطح البحر بالسكينةِ والهدوء،وكأنهما حبيبان يتعانقان ويتهامسان بأعذب الكلماتِ


منظراً ترِقُ به المشاعر وتلينُ لهُ القلوبَ ويسحر العيون ويبثُ داخل الروح السكينةُ والطمأنينة

أغمضت عيناها ورفعت أنفها للأعلي وبدأت تتنفسُ بإنتظام،كم كان لرائحة اليود أثر السِحرُ علي تحسين مزاجها العام،باتت تأخذ شهيقاً وتزفرهُ بهدوء وترتيب حتي شعرت بتحسُن حالتها المِزاجية


إنتفض جسدها بارتعاب وشعرت بذعر إستمر لثواني فقط حينما شعرت بوقوف أحدهم خلفها وعلي عُجالة قام بلف ذراعيه حول خصرها وضمها محتضناً إياها،أُزيل ذاك الشعور بغضون دقائق بعدما اشتمت رائحتهُ التي تحفظها عن ظهر قلب،إبتسم ومال علي اذنها وهمس: 

-إتخضيتي؟ 


نفساً عميقاً أخرجته وأردفت برقة وهي تضع كفاها باحتواء كفاه المحاطين لخصرها: 

-شوية بس في الأول،لكن لما ريحتك وصلتني علي طول إطمنت 


تنهد براحة ومال علي وجنتها واضعاً قُبلة حنون، ثم انتصب بوقفته وبات ينظر علي البحر مع إحتفاظهِ باحتضانه لحبيبته


سألته باهتمام حبيبة: 

-اتغديت؟ 


عقب مُبتسماً علي سهوها: 

-لحقتي تنسي بالسرعة دي! 


واسترسل مذكراً إياها: 

-هو أنا مش قايل لك في التليفون إن سيادة الرئيس بعت جاب لنا غدا لما لقي الإجتماع طول


حولت وجهها إليه وابتسمت برقة وعقبت وهي  تنظر داخل مقلتيه بوله: 

-هو أنتَ خليت فيا عقل افتكر بيه حاجة غيرك


ما تيجي نروح...نطقها وهو يغمز لها بإحدي عيناه بوقاحه فضحكت وتحدثت بدلال: 

-وبعدين معاك يا ياسين

واسترسلت وهي تنظر للأمام من جديد: 

-خلينا نستمتع بمنظر الغروب وبعدين نبقي نروح


صمتا قليلاً وباتا ينظران لروعة الغروب بعيون مبتهجة مع تشديد ضمتهِ الحنون لها،قطعت صمتهما الهادئ وتحدثت وهي تتطلع إليه من جديد: 

-بالمناسبة يا ياسين،أنا عزمت الرائد كارم على الغدا بكرة عندنا


ضيق عيناه ونظر لها بعدم إستيعاب لما نطقت به للتو،سألها مستفسراً بتعجُب: 

-كارم مين ده اللي عزمتيه؟! 


بنبرة حماسية أجابتهُ بايضاح:

-الرائد كارم يا حبيبي،الحارس الشخصي بتاع أيسل 


علي عُجالة هتف مستفسراً: 

-وشفتيه فين الرائد زفت علشان تعزميه؟! 


قال جملتهُ وفك وثاق ذراعيه من حول خصرها ثم ابتعد تاركاً إياها ووقف مُقابلاً لها منتظراً لإجابتها علي أحر من الجمر وهو ينظر لها بملامح وجه حادة،بنبرة هادئة أجابتهُ بإبانة رغم تعجبها من طريقتهُ المتهكمة:

-شفته لما كنت خارجة من عند الباشا وهو كان موصل سيلا،عزمته يدخل يشرب فنجان قهوة مع ماما علشان يتعرف عليها،إعتذر وقال إن مامته مستنياه على الغداء


ثم رفعت منكبيها واسترسلت مبررةً لتصرفها الأحمق: 

-مش عارفة ليه حسيت إني إتحرجت،ولقيتني بعزمه على الغداء


واستطردت لإعلامه: 

-على فكرة يا حبيبي،أنا قلت لماما ثُريا وهي ما عندهاش مانع.


إشتعلت عيناه غضباً وهتف متهكماً:

-آه،ده أنا طلعت الطرطور آخر من يعلم


وضع كفاه داخل بنطاله واستطرد سائلاً إياها بنبرة ساخرة: 

-طب ممكن الهانم تتكرم وتقول لي إيه اللي مطلوب مني؟! 


شعرت بحزن تسلل داخلها وأردفت مستفهمة بنبرة خجولة أصابتها بفضل تهكمهُ عليها وتقليلهُ من شأنها بتلك الطريقةِ المهينة: 

-هو فيه إيه يا ياسين؟! 

إنتَ ليه كبرت الموضوع بالشكل ده

واستطردت مستفهمة بنبرة حزينة: 

-ومالك كدة بتكلمني وكأني إرتبكت جُرم؟! 


رمقها بنظرات حارقة ولو كانت النظرات تقتل لأنتهي أمرها،هتف بحِنقٍ بَيِنّ أظهر كم الغضب الذي أصابهُ حينما استمع الى حديثها الذي أشعل جسده بنار غيرته العمياء علي من ملكت الفؤاد واستحوذت علي كُلِ ياسين


ثم أخرج يداه ورفعهما في الهواء وهو يهتف مستكملاً وصلة تهكُمهُ الغاضب عليها: 

-جُرم إيه لا سمح الله يا مدام،فيها إيه يعني لما الهانم قررت وعزمت الراجل علي الغدا،وقالت لماما ثريا وماما ثريا ما عندهاش أي مانع


واستطرد بنظرات حادة ألمتها: 

-وبعد كُل ده جاية تبلغ المغفل اللي متجوزاه لا ومستغربة كمان إنه متضايق؟ 


ثم صرخ متسائلاً بعيناي تشتعلُ ناراً بفضل غيرتهُ العمياء: 

-هو المفروض أفرح لما أعرف إن مراتي وقفت مع راجل غريب واتكلمت معاه والكلام طال لدرجة إنها عزمته علي الغدا؟! 



اغرورقت عيناها وتلألأتِ الدُّموعُ داخل مقلتيها جراء حِدتهُ وتهكماته عليها بجانب تشكيكهُ بأخلاقها،تحاملت علي حالها وبصعوبة أخرجت صوتها المختنق بفضل دموعها الحبيسة:

-من فضلك يا ياسين تحاسب على كلامك 



وبعيناي لائمة استطردت بايضاح: 

-والمفروض يا سيادة العميد تكون ثقتك في مراتك أكتر من كدة دي أول حاجة،الحاجة التانية أنا ما وقفتش واتكلمت مع سيادة الرائد لوحدنا لا سمح الله،أيسل كانت موجودة معانا وتقدر تسألها علي الكلام اللي دار بينا بالظبط


رمقها بنظرة حارقة توحي إلي رفضه التام لفهمها الخاطئ لحديثهُ وصاح رافضاً: 

-لا ده إنتِ إتجننتي رسمي،إنتِ فاكرة إني ممكن أشك في أخلاقك أو فيكِ؟! 


هتفت متسائلة بنبرة حادة:

-أُمال عاوزني أفهم إيه من كلامك يا سيادة العميد؟


واستطردت بصوتٍ حاد بعدما إستدعت قواها للرد علي إهاناته: 

-علي العموم أنا أسفة،بس مش ليك،أسفة لنفسي لأني حطيتها في موقف سخيف واتدخلت في حكاية ما تخصنيش 


واسترسلت ساخرة: 

-قال وأنا من غبائي كُنت فاكرة نفسي بعمل حاجة كويسة وهتبسطك،غبائي صور لي إنك هتفرح لما أعزم الراجل ونكرمه في بيتنا ونعبر له عن إمتنانا ليه في إنه بيحمي بنتنا وواخد باله منها 


واكملت مؤكدة: 

-بس طلعت فعلاً غبية وغلطانة وأستاهل كل الكلام اللي سمعته منك وأكتر كمان،وأوعدك الغلطة دي مش هتتكرر تاني.


مسح على وجهه بقوةٍ وهو يحاول السيطرة علي حالة الغضب التي إجتاحت جسدهِ بالكامل،وبرغم محاولاته إلا انه أردف بنبرة حادة لم بستطع كظمها: 

-نيتك وكلامك مش مبرر في إنك تعزميه من غير ما تبلغيني يا مليكة

واستطرد بعدم إستيعاب لتصرفها العجيب والطارئ علي شخصيتها: 

-ده أنتِ حتي مافكرتيش في إني ممكن أكون مرتبط بمواعيد ومش هقدر أكون موجود في البيت؟! 


مطت شفتاها وتحدثت بلامبالاة: 

-ما أنا قُلت لك إني أسفة يا ياسين،مش فاهمة إيه اللي مطلوب مني أعمله تاني؟!


واسترسلت بنبرة متألمة اظهرت كم الإنزعاج الذي أصابها:

-ولو علي العزومة فـ الموضوع بسيط،إتفضل حالاً إتصل بيه واعتذر له،قول له إن عندك شغل وإني مكنتش أعرف


هز رأسهُ بضيق ثم أردف رافضاً إقتراحها: 

-وإنتِ بقي شايفة إن الموضوع يتحل بالبساطة دي؟ 


زفرت بضيق وهتفت بنبرة حانقة بينت وصولها للمنتهي:

-والله أنا قُلت لك اللي عندي والكورة أصبحت في ملعبك،شوف اللي يريحك وأعمله بس ياريت بعيد عني،لأن الموضوع أخد أكبر من حجمه وأنا فعلاً ندمانة 


بعد إذنك...نطقتها بتملُل ثم استدارت مغادرة دون انتظارها لتعقيبهُ مما جعله يستشيط،صاح يناديها من بين أسنانه لتنتظر:

-إستني عندك يا مدام،إحنا لسة ماخلصناش كلامنا علشان تسبيني وتمشي


بالنسبة لي الكلام خلص لحد هنا يا سيادة العميد...نطقتها بنبرة حادة دون أن تكلف حالها عناء النظر إليه وانطلقت بطريقها عائدة إلي المنزل


❈-❈-❈ 



داخل مدينة أسوان الساحرة حيث العراقة والأصل والقلوب الطيبة وبشاشة الوجوه، 

كان كل من حسن سليم يسرا إبتسام ورؤوف وسارة يجلسون في حديقة المنزل الصغيرة المملوكة للمهندس حسن المغربي،يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم ويتسامرون بالكثير من الود وهم يتناولون بعض التسالي والحلوي والمشروبات والتي تدلُ علي جود تلك الإبتسام وكرمها الزائد



تحدث حسن بحنين لشقيقتهُ الغالية: 

-ياريت لو ثُريا وافقت تيجي معاكم،علي الأقل كانت فكت شوية عن نفسها وغيرت جو


عقبت يُسرا علي تمني خالها:

-والله قعدت اتحايل عليها كتير يا خالو،بس إنتَ عارف ماما،ما بتتحركش خطوة واحدة من غير مروان وأنس

واسترسلت بشجن ملئ جُل صوتها:

-ما أنتَ عارف إن روحها بقت متعلقة فيهم من بعد موت رائف الله يرحمه


الله يرحمه...نطق بها الجميع بوجوه حزينة،فسألها رؤوف مستفسراً: 

-طب وهي ليه عمتي ما جابتهمش معاها؟ 


أجابته يُسرا بايضاح:

-ما كانش هينفع يا رؤوف علشان الدراسة


واسترسلت بإبانة: 

-ده غير إن عمتك مش هينفع تسيب مليكة مع مِسك لوحدها،وعز كمان متعلق جداً بيها ومش بينام غير في حضنها،وأكيد ياسين ماكانش هيسيبه ييجي هنا معاها


أستكمل حديثها زوجها سليم حيثُ تحدث بهدوء:

-هي قالت لي إنها هتيجي هي ومليكة والاولاد في الأجازة إن شاء الله يا باشمهندس،نرمين وأولادها كمان هييجوا معاها 


إن شاء الله...نطقها حسن وأردفت إبتسام بنبرة ودودة ووجهٍ بشوش: 

-هينوروا أسوان كلها ويشرفوها زي ما شرفتونا إنتوا كمان يا باشمهندس


بنبرة شاكرة حادثها بإحترام: 

-أشكرك يا مدام إبتسام،ده من ذوق وكرم أخلاق حضرتك 


وجه حسن سؤالاً مداعباً به سليم صديقهُ بالعمل بالماضي:

-أخبار الشغل في مينا إسكندريه إيه يا باشمهندس؟


بابتسامة هادئة عقب صديقهُ: 

-كله تمام يا باشمهندس،ماشي الحال الحمد لله


تحدث إليه حسن من جديد:

-خلاص إنتَ كدة يا هندسة،نسيت ناس أسوان وشُغل أسوان وشكلك إرتحت هناك ومش ناوي ترجع هنا تاني 


أردف سليم بنبرة مليئة بالحنين لماضي يحن لهُ من الحين للأخر:

-اللي يزور أسوان مرة ويشوف ناسها الطيبين ما يقدرش ينساهم 

واستطرد بتأكيد: 

-فما بالك بقي باللي يعيش فيها ويعاشر ناسها،أسوان وناسها في القلب يا باشمهندس 



هتف رؤوف معاتباً إياه بلُطف: 

-طب ولما أسوان وناسها عاجبينك قوي كدة سبتنا وبعدت ليه يا باسمهندس؟


اسوان في القلب يا رؤوف...نطقها بحنين ثم حول بصره الى زوجته التي تجاورهُ الجلوس وامسك يدها ثم تحدث بفكاهة:

-بس علي رأي المثل،سألوا جحا وقالوا له بلدك فين يا جُحا،قال لهم اللي فيها مراتي،وأنا خلاص اخترت بلد مرات


أطلق الجميع ضحكاتهم في حين تحدثت ابتسام بحنين لما مضي:

-والله كانت أحلى أيام اللي عشتوها معانا هنا يا باشمهندس،كُنا متونسين بيكم وماليين علينا الدنيا


ثم إلتفتت إلى رؤوف علي عُجالة وكأنها تذكرت شيئً وتحدثت مشاكستاً اياه تحت ضحكات الجميع:

-إوعي إنتَ كمان تعمل زي الباشمهندس سليم وتسيبني بعد ما ربيتك وتروح تعيش في إسكندرية وتقول بلدي اللي فيها مراتي


ضحك الجميع في حين اجابها رؤوف بتفاخر بحاله وهو ينظر إليها: 

-من الناحية دي إطمني علي الآخر يا ست الكل


واستطرد بإبتسامة واسعة: 

-أنا عاشق لتراب أسوان زي الباشمهندس حسن بالظبط وما اقدرش علي بعدك


ثم استطرد وهو ينظر إلي سارة:

-وبعدين أنا مراتي هي اللي لازم تكون تبع بلد جوزها مش العكس،ولا إيه يا سارة؟ 


إبتسمت باسْتِحْياء وقامت بتوجيه نظرها إلي إبتسام ثم تحدثت بصوتٍ خفيض يرجع إلي خجلها:

-إطمني يا طنط،أنا بحب أسوان جداً وبعشق هدوئها وبساطة ناسها


بمشاكسة لإبنتها تحدثت يُسرا:

-الوقت إسكندرية بقت وحشة يا سِت سارة،ولا علشان سي رؤوف تقومي تبيعي بلدك اللي إتربيتي فيها؟ 


إبتسمت وضحك الجميع عليها وتسائلت يُسرا زوجها:

-إسلام وياسر وعلي إتأخروا يا سليم،ما تتصل بيهم وقول لهم ييجوا وكفاية كدة


أجابها ليُطمئن قلبها: 

-خليهم علي راحتهم يا حبيبتي،الدنيا هنا أمان 


عقبت بتأكيد إبتسام:

-ما تقلقيش عليهم يا يُسرا،وزي ما الباشمهندس قال لك الدنيا هنا أمان وما فيش خوف عليهم،وبعدين لسه بدري،دي الساعة لسة ما جتش ثمانية. 


أومت برأسها وتابع الجميع حديثهم اللطيف 



❈-❈-❈


عوده الى ياسين الذي ما زال واقفا أمام شاطئ البحر،مازال جسدهُ مشتعلاً من حديث تلك التي اوصلته لحالة من الجنون بعفويتها،أغمض عيناه وبدأ يأخذ شهيقاً طويلاً ويُزفرهُ بهدوء كي يهدئ من حالة الغضب،بالفعل بدأ يهدئ وبات يسترجع كلماته مع زوجته،إكتشف كم كان حاداً معها وردة فعلهِ عنيفة


نظر الى البحر وبقوه أخرج زفرة توحي إلى إستشاطت داخلهُ،بدأ يكرر عملية الشهيق والزفير كي يهدئ من حاله ويخرج الغضب الذي ملأ صدره

أخرج هاتفه الجوال من داخل جيب بنطاله وهاتف الرائد كارم وأكد علي عزيمة زوجتهُ له،ثم أغلق معهُ وتوجه مباشرةً إلي زوجته،دخل من باب الجناح يتطلعُ عليها لكنهُ لم يجدها،إلتفت إلي باب الحمام وجد إضائتهُ شاعلة فتأكد من وجودها بالداخل،جلس علي طرف الفراش ينتظر خروجها الذي طال،لم يستطع الإنتظار أكثر فتوجه إلي الباب وقام بالطرق عليه بضعة طرقات ثم فتح الباب عندما لم يستمع إلي صوتاً لها



دار بعيناه باحثاً عنها حتي إستقر بصرهِ علي المغطس،حيثُ كانت تتمدد تحت الماء وفقاعات الصابون تطفو وتُخفي كامل جسدها،حزن داخلهُ وتألم عندما رأي جموداً بوجهها مُزِجَ بالحُزن ﻭلمح ﺩﻣﻌﺔ ﺗﻨﺴﺎﺏ ﻣﻦ عيناها الحمراويتان، جففتها بكفها سريعاً كي لا يري ضعفها 



تحمحم كي يُجلي صوتهُ ثم تحدث بنبرة هادئة:

-مليكة،إحنا محتاجين نتكلم شوية علشان أوضح لك اللبس اللي حصل بينا 


لم تعيرهُ عناء النظر إليه وتحدثت بنبرة شديدة اللهجة أظهرت كم إحتدامها:

-وإنت بقي شايف إن ده مكان مناسب للكلام يا سيادة العميد؟! 


أومأ لها وتحدث وهو يستعد للإنسحاب إلي الخارج: 

-هستناكِ برة علي ما تخلصي


قالها وأنسحب واغلق خلفه الباب،تنهدت بأسي ومن جديد إنسابت دموعها بألم جراء إهاناتها التي تلقتها علي يده مُنذُ القليل 


كان يجلس علي طرف الفراش منتظراً خروجها علي أحر من الجمر كي يسترضاها ويجعلها تغفر له خطأهُ الغير متعمد بحقها،بعد مرور حوالي الربع ساعة خرجت من الحمام متجهة إلي غرفة تبديل الملابس،وخرجت بعد إرتدائها لثوباً مُحتشماً يغطي كامل جسدها،


وقف سريعاً وتحرك إليها وتحدث وهو يُشير إلي الأريكة خاصتهم:

-تعالي نقعد علشان نعرف نتكلم


تحركت وبالفعل جلست وتحدث وهو يُمسك كف يدها ويرفعهُ إلي فمه واضعاً فوقهُ قُبلة إعتذار وتحدث بملامح أسفة: 

-أنا أسف يا حبيبي،مكانش لازم إحتد عليكِ في الكلام بالشكل ده 

واستطرد موضحاً: 

-كان لازم أفهمك غلطك بهدوء


تاني هتقول لي غلطي يا ياسين؟...نطقتها بنظرات حزينة عاتبة،فأردف بنبرة جادة:

-آه غلطك يا مليكة،إنتِ فعلاً غلطي لما عزمتي الراجل من غير ما تاخدي رأيي


واستطرد بنبرة صارمة: 

-إنتِ مش بس غلطتي،إنتِ تعديتي الإصول اللي عُمرك ما تعديتيها طول سنين جوازنا


إبتلعت لعابها خجلاً وتحدثت بعدما تمعنت بحديثهُ وتيقنت صحتهُ: 

-النقطة دي إنتَ معاك حق فيها


واسترسلت بنبرة حزينة:

-أنا أسفة واوعدك الغلطة دي مش هتتكرر تاني


ثم استرسلت بقوة وكأنها تحولت لإمرأة أخري:

-بس ده ما يمنعش إنك غلطت فيا وشكيت في أخلاقي وده اللي مش هقبله أبداً لا منك ولا من غيرك


ﺗﺠﻬﻤﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻭﺍﻋﺘﻼﻩ ﺍﻟﻐﻀﺐ ثم هتف من بين أسنانه عقب إستماعه لحديثها الجنوني والغير مقبول لدي عقله:

-مليكة،إتلمي وخدي لك ساتر في الكلام علشان ما طلعش جناني عليكِ


واستطرد موضحاً: 

-أنا عمري ما خطر علي بالي إني أشك في أخلاقك،وثقتي فيكِ ملهاش حدود


هتفت متسائلة بحدة: 

-وتسمي كلامك اللي قولتهُ لي ده إيه يا ياسين؟ 


علي عُجالة هتف بعيناي تشتعلُ بفضل غيرة عشقها: 

-كلامي ناتج عن غيرتي وجنوني علي حبيبتي اللي بموت فيها مش أكثر


وبنبرة تفيضُ عِشقاً أسترسل وهو ينظر بمقلتيها: 

-أنا أموت قبل ما أشك فيكِ يا مليكة


وضعت يدها علي فمه سريعاً لتمنعهُ تكملة الجملة وهتفت بنبرة مرتعبة: 

-بعد الشر عنك يا حبيبي 


إبتسم واعتلت ملامحهُ الراحة وسألها بنبرة حنون: 

-يعني خلاص سامحتي ياسين؟


بإبتسامة حنون أجابتهْ: 

-أنا روحي فدا ياسين

واسترسلت برجاء: 

-بس أرجوك ما تعملش كدة تاني 


تسلم لي روح حبيب جوزه...نطقها تحت إبتسامتها السعيدة،إقترب عليها وقام بإحتضانها وتحدث وهو يتنفس بانتشاء:

-إوعي تزعلي مني أبداً يا مليكة،والله لو تعرفي مقامك وغلاوتك عندي عمرك ما تزعلي مني 


لفت ساعديها حول عنقه وشددت من ضمته لصدرها تحت حبورهُ الشديد،تحدث بإعلام:

-علي فكرة،أنا كلمت الرائد كارم وأكدت عليه عزومة بكرة


مجنون...نطقتها باستسلام فأجابها وهو يشدد من إحتضانهُ لها:

-مجنون بحُبك