جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 39 - 2
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل التاسع والثلاثون
الجزء الثاني
❈-❈-❈
أتي المساء
وعندما يأتي المساءُ لابد أن يجلب معهُ ما ينشغل بهِ سواء القلبُ أو العقلِ،فهو لا يأتي بمفردهُ بَتَاتاً،دائماً ما يأتي معهُ بما يشغلُ بالنا لنتوه وسط حواديتهُ التي لا تنتهي
أما بالنسبةِ لتلك القابعةُ علي تختها،فتعودت عليه مؤخراً بأن يأتي مصطحباً معهُ أحزانها وأنينِ روحها المتوجعةُ جراء رحيل غاليتها،أما مساء اليوم فيختلفُ كُلياً عن كل ما سبقوه،فقد أتي بالحيرة والمشاعر المتضاربة التي لم تستوعبها تلك البريئةِ بَعد
كانت تتمدد فوق تختها ناظرة بسقف غرفتها،شاردة في ذاك الذي بدأ يستولي علي حيزاً من تفكيرها،تنهدت بهدوء ثم سحبت جسدها لأعلي وأسندتهُ علي خلفية تختها،ربعت ساقيها ومالت بجسدها بإتجاه الكومود وقامت بالتقاط جهاز الحاسوب الخاص بها وحركت مؤشر البحث حتي استقرت علي صفحة ذاك الفارس الرسمية علي أحد مواقع التواصل الإجتماعي
باتت تسحب الشاشة وهي تنظر إلي محتوي ما يتم مشاركتهُ من قِبلهِ،وفجأةً توقفت يدها عندما رأت صورةً له،حيثُ يقف بطولهُ الفارع وينظر للأمام بإبتسامة رائعة جذبتها،دون إدراكٍ منها خرجت إبتسامة حنون زينت ثغرها الذي كاد أن ينسي الإبتساماتِ،بتمعُن شديد باتت تُركز علي تفاصيل ملامح وجههُ الرجولية
كبرت حجم الصورة وباتت تنظر إليها بتركيز وتتعمق النظر بعيناه،إكتشفت أنها باللونِ العسلي،إبتسمت ودون وعي وضعت يدها علي شاشة الحاسوب وباتت تتحسس موضع شفتاه الغليظة بأصابع يدها الرقيقة
ضيقت عيناها تستغرب سلوكها ذاك والذي لا يُشبهها بتاتاً،هزت رأسها وسحبت يدها سريعاً مُستنكرة تصرفها
تنفست بضيق وقامت بغلق ذاك الحاسوب وألقت برأسها إلي الخلف،إبتسمت بخُبث عندما أتتها فكرة تهاتف بها ذاك الكارم دون أن تُمس كرامتها،اعتدلت سريعاً والتقطت هاتفها الجوال وضغطت علي نقش إسمهْ وانتظرت الإجابة بقلبٍ يخفقُ بشِدة
كان يقف داخل شُرفة غرفته الخاصة المُطلة علي شارع عام مزدحم بالسيارت المارة،استمع إلي رنين هاتفه الموضوع فوق تختهِ بالداخل،تحرك إليه ورفعهُ لمستوي وجهه وما أن رأي نقش إسمها حتي قطب جبينهُ متعجباً،فهي لا تهاتفهُ إلا وهي داخل الحرم الجامعي لتخبرهُ كي يستعد،ضغط زِر الإجابة وتحدث بنبرة جادة:
-أهلاً يا دكتورة
تسارعت وتيرة دقات قلبها فور إستماعها لنبرة صوتهُ الرجولية وما شعرت بحالها إلا وهي تُجيبهُ بنبرة رقيقة خرجت دون إدراكها:
-أهلاً بيك يا حضرة الرائد
ضيق عيناه وابعد الهاتف سريعاً وبات ينظر علي إسم المتصل بتمعُن ليتأكد من تلك النبرة الجديدة عليه،فـ أيسل التي تعود عليها مُنذ أن إستلم مُهمة حمايتها تمتلكُ صوتاً حاداً من يستمع إليه وهي تهاتفهُ يتأكد أنها مُجبره علي محادثتهُ،لوي فاههُ متعجباً ثم أعاد الهاتف إلي أذنه من جديد وسألها مستفسراً:
-خير يا دكتورة؟
إستشاط داخلها جراء إستماعها لسؤالهُ السخيف وبلحظة انقلب حالها من هائمة إلي غاضبة وتحدثت بنبرتها التي تعود عليها ذاك الوسيم:
-هو سؤال وعاوزاك تجاوبني عليه بمنتهى الصراحة
إبتسم لتحولها السريع إلي طريقتها الحادة والتي بات يحفظها عن ظهر قلب،تحدث بنبرة باردة أثارت حفيظتها:
-أنا سامعك
هتفت بنبره حادة:
-ممكن أعرف كنت تقصد ايه بالكلام اللي قُلته لطنط مليكة؟
ضيق عيناه مستغرباً حديثها،عن أي حديث تتحدث تلك الغاضبة،وبلحظة تذكر نظرتها الحادة التي رمقتهُ بها أثناء ما كان يتحدث عن مِسك ووصفها بأنها تُشبه تلك الراقية،لكنهُ لم يرد كشف أوراقهُ أمام تلك الحانقة وقرر اللعب معها كي يستدعي غضبها أكثر،فقد أعجبهُ تلك الشراسة التي تُحادثهُ بها وأراد أن يستدعي المزيد كي يتسلي بها قليلاً،وأردف مُستفهماً بخباثة:
-ممكن توضحي أكثر
واستطرد بإبتسامة ماكرة ارتسمت فوق شفتاه:
-أنا ومدام مليكة إتكلمنا في كذا موضوع وحقيقي مش فاهم تقصدي أي جُزئية من كلامنا
إشتعل داخلها من إسلوبهُ المستفز،تعلم مدي فطانته ولذا فهي أكيدة من داخلها أنه يفهم مغزي حديثها،هتفت بحِنقٍ أظهر كم غضبها:
-أنا متأكدة إن حضرتك عارف قصدي كويس قوي
واستطردت بايضاح تحت ضحكاتهِ التي يكظمها كي لا تصلها:
-ومع ذلك أنا هقول لك،أنا بتكلم عن اللي قولته عن مِسك أختي،لما قُلت إنها تشبه مامتها في خفة الدم والقبول
عقب مصححاً حديثها بنبرة جادة:
-أولاً أنا ما قولتش خفة الدم،أنا قولت عندها قبول ومرحة،ودي حقيقة لمستها في إسلوب مدام مليكة في الكام مرة اللي حالفني الحظ وقابلتها فيهم
واستطرد متسائلاً بتعجُب تحت إشتعالها من حديثهُ عن مليكة بذاك الإنبهار:
-هو اللي أنا مش قادر أفهمه بصراحة،إنتِ إيه اللي زعلك وزعجك من الكلام بالشكل ده؟!
هتفت نافية بلهجة حادة:
-ومين اللي قال لك إن أنا زعلانة من كلامك ليها،خالص علي فكرة
واستطردت بإبانة:
-أنا اللي ضايقني يا أستاذ إنك كنت بتلقح عليا وعاوز توصل لي إني دمي تقيل ومعنديش قبول
غضب من إسلوبها وهاتفها بنفس الحِدة كي تعي علي حالها وتتراجع عن طريقتها التي تستفز داخلهُ كرجل شرقي لديهِ من الكرامة وعزة النفس ما لا يجعلهُ يقبل علي حاله أن تُحادثهُ إحداهُن بتلك الفظاظة:
-أولاً أنا مش أستاذ،أنا سيادة الرائد كارم المعداوي
واستطرد بنبرة صارمة:
-ثانياً ياريت تسحبي وفوراً كلمة بتلقح،لأن التلقيح وصف حريمي وخسيس وما ينطبقش علي شخصي،وثالثاً وده الأهم يا دكتورة،أنا لو حابب أوصل لك حاجة مش هستخبي ورا الكلام زي النسوان،أنا هقف قدامك وهقوله في وشك ومفيش حاجة هتوقفني
هتفت متهكمة عليه:
-في دي بقي معاك حق،إنتَ فعلاً بجح وعملتها معايا قبل كدة
بنبرة متعجبة سألها باستغراب:
-طب ولما سيادتك متأكدة وعارفة إني عملتها قبل كدة،كان لزمته إيه إتهامك ليا؟!
واستطرد باتهام معنفاً أياها:
-ولا إنتِ من النوع اللي ما بيرتحش إلا لما تهيني الناس اللي حواليكي وتعامليهم بطريقة ما تليقش بيهم؟
واسترسل مستشهداً:
-زي معاملتك لمدام مليكة النهاردة مثلاً
واسترسل ناقداً:
-بصراحة إستغربتها ومحبتهاش أبداً
إحتدت ملامحها واشتعل قلبها وهتفت بنبرة حادة لحساسية ذاك الموضوع لديها:
-تعرف إيه إنتَ عن علاقتي بمرات بابا علشان تتهمني إن معاملتي ليها كانت مُهينة
وبنبرة حادة صاحت به:
-ثم أنتَ مين أصلاً علشان تكلمني بالطريقة دي، ومين إداك الحق في إنك تحاسبني وتنتقد أفعالي؟
بسرعة بديهة أجابها قالباً الأدوار:
-اللي إداني الحق هو نفسه اللي إدي لسيادتك الحق تكلميني في وقت زي ده وتتهميني إني شخص خبيث وبلقح بالكلام عليكِ زي النسوان
تحولت عيونها الزرقاء الصافيةُ إلي غامقة وكأنها سحابةٍ كستها غيمة،انكمشت ملامحها بفضل الألم الذي أصاب قلبها الحزين جراء كلماتهِ الهجومية والمُهينةُ لها،تجمعت الدموع بعيناها واردفت بنبرة خافتة يملؤها الندم:
-عندك حق،أنا اللي غلطانة
واسترسلت بنبرات مختنقة بفضل دموعها السجينة والتي تصرخ وتريد من يُطلق لها السراح:
-أنا أسفة
قالت كلماتها وعلي الفور أغلقت الهاتف تحت ضيق ذاك الذي زفر بضيق لائماً حالهُ للمرة الثانية علي التوالي لمعاملتهُ الجافة لتلك التي لا يعلم إن كانت قوية شامخة سليطة اللسان،أم انها تلك الضعيفةُ سريعة البكاء والإستسلام!
حقاً هو لم يفهمها بعد،لكن جُل ما يسيطر علي تفكيرهُ الأن،هو لوم حاله وحزن قلبه جراء حزنها الذي لمسهُ أثناء صوتها المختنق بفضل الدموع وهذا ما جعلهُ يشعر بالإستياء من حاله
عودة إلي تلك التي أغلقت معهُ ورمت رأسها فوق وسادتها وأجهشت ببكاءٍ مرير يقطّع نياط القلب،شعرت بغصة مُرة تقف بحلقها مانعة عنها الهواء وتكادُ تزهق بروحها،لامت حالها وشعرت بألم تغلغل بكيانها،متي وكيف أصبحت بكل ذاك السوء؟!
هي لم تكن يوماً هكذا،تذكرت كيف حولها حقدها علي مليكة إلي مسخ ومُنذ أن سلمت حالها للشيطان لم تعُد روحها النقية كما السابق وتلوثت حتي باتت تعادي الجميع وتضع حواجز بينها وبين جميع البشر،حتي هي لم تعد تتعرف علي حالها
كم كانت تتمني وجود سارة بذاك التوقيت كي تشتكي لها همها وتشاركها أحزانها،لكنهُ سوء حظها الملازم لها مؤخراً
بحثت عن حالها داخل حالها فلم تجدها،إستسلمت لألامها وباتت تزرفُ الدموع بألم وحزن لم تضاهي مثلهُ يوماً
لم تحزن منه بقدر حزنها من حالها،ضلت تبكي وتبكي وبالأخير غفت بدموعها المتألمة
❈-❈-❈
ظهر اليوم التالي
خرج كارم من حجرته الخاصة مرتدياً ثياباً عصرية عبارة عن بنطال چينز من اللون الأزرق الفاتح يعتليه تيشيرت باللون الأبيض مع تصفيفهِ لشعره وارتدائهُ نظارة شمسية جعلتهُ وسيماً للغاية
تصادف خروجهُ مع خروج بثينة من المطبخ حيث تفحصتهْ بعناية شديدة وتحدثت بمشاكسة:
-إية الشياكة دي كلها يا سيادة الرائد،اللي يشوفك وإنتَ متشيك كدة يفتكرك رايح تخطب مش معزوم على الغدا
أبتسم إلي والدتهُ وتحدث بمفاخرة مفتعلة:
-ماتنكريش إن الشياكة دايماً عنوان إبنك يا بُسبُس
إبتسمت إليه ثم تحدثت بجدية:
-ما قولتليش هتاخد إيه معاك وإنتَ رايح
علبة شيكولاته أكيد...نطقها بلامبالاة وتلقائية فتحدثت هي باعتراض:
-شيكولاتة إيه اللي هتدخل بيها علي الناس يوم مولد النبي يا ابني!
واستطردت بتوجيه:
-هات لهم علبة حلاوة غالية من محل شيك
ضيق عيناه بتفكُر ثم أومأ وأردف بموافقة:
-تمام يا حبيبتي،سلام أنا بقي علشان ما اتأخرش
قبل رأسها بتوقير وتحدثت هي بنبرة حنون:
-خلي بالك من نفسك يا حبيبي
بعد قليل كان يقف داخل أحد المحال الكبري المشهورة ببيع تلك الحلوي،إنتقي عُلبة خشبية أنيقة تحتوي علي أفخم أنواع الحلوي وأغلاهم ثمناً تقديراً لياسين وأسرته،حملها وتحرك إلي الخارج، قام بوضعها داخل السيارة وكاد أن يستقلها لولا رؤيتهُ للمتجر المجاور لمحل الحلوي والذي لفت إنتباههُ تلك العرائس المعروضة عبر الفاترينا الخاصة بواجهة المتجر
طرأت علي مخيلته فكرة خبيثة يمكنهُ من خلالها إبداء الندم والإعتذار من تلك الأيسل دون أن يضطر للإعتذار المباشر ويكفيهِ شر الحرج،إبتسم وتحرك إلي المتجر
❈-❈-❈
كانت تقبع داخل فراشها بجسدٍ مُرْهَقاً ووجهٍ ذابل جراء ليلتها التي قضتها بدموعها،إستمعت إلي دقات فوق الباب ثم دخل والدها وتحرك إليها مستفسراً:
-قاعدة لوحدك ليه يا حبيبتي؟
اجابتهُ بملامح وجه حزينة:
-مكسلة شوية يا بابا
سألها علي استحياء كي يستطلع رأيها:
-مليكة قالت لي إنها عزمتك علي الغدا مع الرائد كارم وإنتِ وافقتي
إنتفض داخلها جراء ذكر حروف إسمه وابتلعت لعابها،وبلحظة حاولت التماسك كي لا يلحظ والدها إرتباكها،وتحدثت معتذرة بنبرة هادئة:
-أنا فعلاً قلت لها إني هاجي
واستطردت باعتراض بعد حزنها من ذاك الكارم:
-لكن حاسة إني تعبانة ومش قادرة
مفيش حاجة إسمها مش قادرة،قومي إلبسي وهبعت لك حمزة يجيبك...نطقها وهب واقفاً ثم أمسك يدها ليحثها علي النهوض،وقفت وابتسمت له،إستدار وكاد أن يخرج أوقفتهُ بصوتها وهي تناديه:
-بابي
إلتف إليها من جديد وبدون مقدمات تحدثت:
-أنا عاوزة أرجع أتابع جلسات الدكتور بانتظام
تنهد براحة وتحدث بنبرة حنون وعيناي متأملة:
-حاضر يا حبيبتي،هكلم الدكتور وأخليه يحدد لك جلسة ونروح له بالليل انا وإنتِ.
أومأت له مع تنهيدة حارة خرجت من صدرها،تحدث وهو ينسحب إلي الخارج:
-يلا جهزي نفسك وأنا هبعت لك حمزة بعد نص ساعة
بعد مرور النصف ساعة،كانت تقف أمام مرأة زينتها تتطلع علي حالها باستحسان وكامل الرضا بعدما وضعت بعض الزينة البسيطة بوجهها،فحقاً كانت جميلة بل فاتنة رغم عدم تكلفها بوضع مساحيق التجميل
ارتدت بنطالاً من الچينز الواسع يعتليه سترة ضيقة ومن فوقهُ بليزر باللون البيج الفاتح،وحجاباً رقيق وبسيط بنفس لون البليزر،وحذاء رياضي باللون ذاته فأصبحت حقاً حسناء
واثناء تطلعها علي حالها إستمعت إلي طرقات فوق الباب،سمحت للطارق بالدخول فدخل حمزة الذي شهق بإعجاب وهو ينظر الى شقيقتهُ بانبهارٍ وتحدث:
-وااااو يا سيلا،إيه يا بنتي الجمال والأناقة دي كلها
إبتسمت له وتحدثت بغرور مصطنع:
-دي أقل حاجة عندي يا بيبي
غمز لها بإحدي عيناه وأردف مشاكساً شقيقته:
-طب يلا بينا يا ست المغرورة علشان إتأخرنا والراجل خلاص علي وصول
يلا بينا...قالتها بإبتسامة سعيدة وتأبطت زراع شقيقها وتحركوا متوجهان إلى منزل ثريا،دخلت من البوابه بجوار شقيقها وجدت ثُريا تجلس بصحبة ياسين وأطفال المنزل يبدوا أنهم ينتظرون الضيف كي يكونوا في إستقباله
وما أن رأها والدها حتى تهلل وجهه وتحدث إليها مُنبهراً:
-إيه الجمال ده كله يا سيلا؟
إبتسمت له وتحدثت بحبور:
-ميرسي يا بابي
وأردفت أيضاً ثريا باستحسان:
-زي القمر يا أيسل،ربنا يحميكِ يا حبيبتي
اقتربت على ثريا ثم مالت عليها بطولها وقامت بتقبيل وجنتيها وتحدثت بنبرة حنون:
-ميرسي يا نانا
إقترب منها مروان الذي تحدث بمشاكسة:
-ممكن أتعرف
بايخ قوي حضرتك...نطقتها وهي تهز رأسها بمداعبة فأطلقا ضحكاتهما،قطع ضحكاتهما خروج مليكة وهي تحمل صغيرتها بعد أن أبدلت لها ثيابها وكانت أشبه بأميرات الحكايات بثوبها الواسعُ القصير
تحرك حمزة وحمل عنها شقيقته التي ما أن رأت وجههُ البشوش حتي باتت بالمناغاة والثرثرة التي لا يفهما سواها،بدأ الأخر بمداعبتها وتقبيلها
اقتربت من زوجها الذي وقف لإستقبالها وبدأ يتطلع عليها بإنبهار لجمالها الخلاب الذي دائماً ما يخطف لُبهُ،تحدث إليها هامساً:
-إيه السِحر ده كله يا حبيبي
إبتسمت له وشكرته بامتنان وعيناي عاشقة،ثم نظرت إلى أيسل وتحدثت بنبرة هادئة وشبه رسمية ويرجع ذلك لتيقنها رفض أيسل الشديد للتقرب منها:
-ازيك يا أيسل
هزت الفتاه رأسها بايماءة بسيطة وتحدثت بنبرة جادة:
-الحمد لله
واثناء حديثهما وصل كارم بسيارته التي اصطفها أمام المنزل،إصطفت بجانب والدها ووجهت بصرها إلي البوابة وما أن رأتهُ يطل عليها حتي أصاب جسدها رعشة قوية وبات قلبها يدق بقوة كطبول حربٍ
كان يدلف من البوابة حاملاً بين ذراعية عروستان من العرائس المعروف عنها الإحتفال بالمولد النبوي الشريف،إحداهم ترتدي ثوباً باللون الوردي هادئ وجميل وغير متكلف إختارها خصيصاً للصغيرة
والأخري ترتدي ثوب زفاف منفوش باللون الأبيض وحقاً كانت مبهرة إختارها لتلك المتمردة،يليهِ حارس البوابة حاملاً بين يديه صندوقاً خشبياً ملئ بالحلوي الخاصة بالإحتفال بالمولد النبوي
ضيق ياسين عيناه متعجباً من ما يحملهُ ذاك الكارم،ثم تحدث إلي مروان الذي يجاورهُ الوقوف:
-قابل سيادة الرائد وشيل عنه يا مروان
أومأ باحترام وتحدث قبل أن يتحرك إلي ذاك الزائر:
-حاضر يا عمو.
مال علي أذن مليكة الواقفة بجانبه وتحدث متهمكاً:
-هو إيه اللي جايبة معاه المغفل ده كمان،هو فاكر نفسه جاي يقرأ فاتحة بروح أمه؟!
همست مليكة بترجي:
-إهدي يا ياسين وعدي اليوم علشان خاطري
رمقها بنظرات مبهمة ثم نظر أمامهُ يتابع ذاك الكارم
وصل مروان إلي كارم وقام بالترحيب به ثم حمل عنه إحدي العرائس وجاوره الخطوات حتي وصلا إلي ياسين الذي رحب بكارم قائلاً بحفاوة وابتسامة هادئة رسمها ببراعة بعد أن جنب غيظهُ منه:
-أهلاً يا سيادة الرائد،نورتنا
أجابه بتوقير لشخصه:
-متشكر لذوق سعادتك يا باشا
نظر ياسين إلي زوجة عمه وأشار بكفه لتقديمها إليه:
-ثُريا هانم المغربي،مرات عمي أحمد الله يرحمه وأمي التانية
إبتسمت ثُريا ونظرت إلي ياسين بحنان أما كارم فمد يدهُ كي يصافحها وتحدث بلباقة وتوقير:
-زادني شرف بمعرفة جنابك يا افندم
بابتسامتها البشوش المعهودة عقبت باحترام:
-العفو يا سيادة الرائد،شرفتنا
ثم استطردت وهي تنظر إلي ما بيده:
-تعبت نفسك ليه بس يا ابني
بهدوء عقب:
-دي حاجة بسيطة حضرتك بمناسبة المولد النبوي،كل سنة وحضرتك طيبة
قدم له ياسين مروان وحمزة وانس وعز الصغير ثم تحدث بإبتسامة قاصداً مليكة وأيسل التي تجاور والدها بقلب يدق بضرباتٍ سريعة:
-مش محتاج أعرفك علي الباقي أكيد.
أومأ له ونظر إلي مليكة وأمال بجانب رأسهِ وتحدث موقراً إياها:
-إزي حضرتك يا مدام مليكة
أجابته:
-الحمدلله يا سيادة الرائد،شرفتنا
بدهاء منه حول بصرهِ إلي حمزة واقترب من وقفته وقام بتقديم العروسة ذات الرداء الوردي والتي إحتفظ بها بيده وتحدث إلي مِسك وهو يُقبل وجنتها الرقيقة:
-كُل سنة وإنتِ طيبة يا مِسك.
ضحكات متتالية خرجت من الصغيرة التي باتت تلوح بكفاها لتمسك بها الدمية بحفاوة أسعدت الجميع
وبمنتهي المكر تحرك إلي مروان وتناول عنه الدمية الأخري والتي كانت ترتدي ثوباً أبيضاً كثوب عروس بليلة زفافها،ثم تحرك إلى أيسل وبسط لها ذراعيه بالأخري وتحدث بنبرة جادة:
-كل سنة وإنتِ طيبة يا دكتورة
مدت يداها لتتلقي هديتهُ ثم رفعت عيناها لتلتقي بعيناه لينتفضُ قلبها بعنفٍ ورجفة قوية أصابت جسدها التي إرتفعت حرارتهُ وكأن سهم عيناه المنطلق أصاب قلبها وقُضي الأمر
بلحظة مُحي كل حزنها الذي أصابها بفضل حديثهُ المهين ليلة الأمس،حمحمت لتُجلي صوتها وبصعوبة أخرجتهُ ونطقت:
-ميرسي يا سيادة الرائد
إرتبك من نظراتها ونبرة صوتها الحنون حيثُ شعر برجفة بسيطة بداخل قلبه علي أثرها،علي عُجالة حول بصره إلي ياسين خشيةً إغضابه وجدهُ بالفعل رافعاُ حاجبهُ مستغرباً ما يحدث وأردف مبرراً في محاولة منه لإظهار الصورة كطبيعية ولإبعاد الشُبهة عنه:
-أنا لقيت إنه مايصحش أجيب لبنت حضرتك الصغيرة وما اجيبش للدكتوره بما إنهم الإتنين بنات حضرتك
واستطرد موقراً إياه:
-ده طبعاً بعد إذن جنابك
إرتبكت مليكة عندما رأت تجهم ملامح ياسين الذي تحدث بنبرة في ظاهرها الهدوء عكس ما يدور بداخلهُ من تساؤلاتٍ عدة واستفسارات:
-ولا يهمك يا كارم،وبعدين الدكتورة أيسل زي أختك الصغيرة
طبعاً يا باشا...نطقها برصانة تحت إستشاطة أيسل من حديث أبيها الذي أصابها بالضيق
تحدثت ثُريا وهي تُشير للضيف بكفها للداخل:
-إتفضل يا ابني
امال رأسهُ باحترام وتحركوا جميعاً إلي الداخل عدي تلك العاشقة الصغيرة التي نظرت إلي هديتهُ وبدون إدراك وجدت حالها تضمها إلي صدرها،وبلحظة شعرت بإنها إمتلكت العالم بأسره من مجرد هدية بسيطة قدمها لها
تنهدت براحة ثم أخذت نفساً عميقاً تهدي بهِ فوران قلبها ودقاتهُ العالية،ثم تحركت لتلحق بهم كي لا يلحظ أحداً إرتباكها
بعد قليل كان الجميع يلتفون حول سُفرة الطعام المُشرفة والتي وجدت عليها أصنافاً عديدة من الاطعمة المنوعة والتي توحي علي كرم ساكني هذا المنزل
ترأس ياسين الطاولة وجاورهُ كارم علي الأيمن وتلاهُ حمزة، وعلي الأيسر من المفترض أن تجاور مليكة زوجها حيثُ أشار لها لتجلس،لكنها نظرت إلي أيسل ولمست إصابتها بالضجر وحدث هذا لسببان،أولهما هو جلوس مليكة والفصل بينها وبين أبيها
والسبب الأهم والتي باتت شبه أكيدة منه هو بداية مولد شرارة لعِشقٍ رأتها بفطانتها بعيناي تلك المتمردة حيثُ فضحتها عيناها،فأرادت بدهاء أن تصيدُ عصفورين بحجرٍ واحد،وبمنتهي الدهاء تحدثت إليها ببشاشة وجه:
-إقعدي إنتِ جنب بابا يا أيسل
مجرد لحظة وتحول ضجرها إلي حبُورٍ شديد ظهر بَيِنّ علي ملامح وجهها والتي لم تستطع حجب سعادتها مما لاحظهُ ياسين وتعجب لأمرها
نظرت أيسل إلي مليكة وتحدثت وهي تتأهب لسحب المقعد لمجاورة والدها:
-ميرسي
تعجب الجميع من تغيير إسلوب أيسل مع مليكة وانسحبت مليكة لتجاور ثريا التي ترأست الطاولة من الجهة الأخري وجاورها مروان وأنس
أما عز والصغيرة مِسك فضلا بالأعلي بصحبة المربية الخاصة بهما حتي حين إنتهاء وجبة الغداء كي لا يحدثوا فوضي في حضور الزائر
إعتدلت أيسل بجلوسها ثم تنفست بانتشاء وراحة لم تتذوقهما مُنذُ البعيد،نظرت علي استحياء إلي الذي سلبها لُبها،وجدتهُ ينظر داخل صحنهِ باحترام
تحدثت ثُريا إلي كارم:
-يلا يا حضرة الظابط بسم الله،دوق عمايل إدينا وقول لي رأيك
علي استحياء نظر إليها وتحدث بمنتهي الرُقي:
-يا افندم الكتاب بيبان من عنوانه،والأكل ماشاء الله شكله لوحده يفتح النِفس
واسترسل وهو ينظر إلي صحن ورق العنب المزين من الأعلي بشرائح اللحم الحمراء والليمون:
-ده كفاية شكل ورق العنب
إبتسمت وتحدثت إلي حمزة:
-قرب ورق العنب من حضرة الظابط وحط له منه في طبقه يا حمزة
حاضر يا تيتا...نطقها الفتي وبدأ بوضع بعضاً منه في حين تحدث ياسين إلي كارم لعلمه عشق الآخر لتلك الوجبة والتي تعني له الكثير:
-معمول لك بناءاً علي التوصية ورق العنب بشرايح الموزة ده علي فكرة
إبتسم لسيدهُ وشكره فاسترسل ياسين وهو يُشير إليه بنبرة صادقة:
-بالهنا والشفا يا كارم
غرس شوكتهُ بأحد أصابع ورق العنب وتذوقهُ وبات يمضغهُ باستمتاع ظهر عليه إنتظر حتي إبتلع الطعام وتحدث إلي ثُريا منبهراً باشادة:
-لو قلت لحضرتك إن ده أطعم والذ ورق عنب أكلته في حياتي صدقيني مش هكون ببالع
واستطرد شاكراً:
-تسلم إيد حضرتك
عقبت ببشاشة وجهها:
-بألف هنا علي قلبك،بس للأمانة ورق العنب مش أنا اللي عملاه
واسترسلت وهي تنظر إلي مليكة باطراء:
-طاجن ورق العنب بالموزة تخصص مدام مليكة، أما الحمام المحشي والبط والممبار فدول أنا اللي عملاهم
أردف بتوقير:
-هو الحقيقية الأكل كله هايل وبجد تسلم إيد حضرتك
وتحدث إلي مليكة دون النظر إلي وجهها بعدما لاحظ غيرة ياسين وقرر النأي بحاله من براثن ذاك المفترس:
-تسلم إيدك يا افندم
أومأت بهدوء وشكرته لتجنب غضب حبيبها الغيور،نظرت أيسل إلي كارم وسألته بمشاكسة:
-شكلك بتحب الأكل قوي يا حضرة الرائد مع إنه مايبانش عليك
أجابها بإيضاح:
-انا مرتب جداً في حياتي وأحب كل حاجة في حياتي تتعمل علي أكمل وجه،حتي الأكل لازم أتذوقه وأستطعمه ويعجبني علشان أقدر أكله
واستطرد مفسراً:
-ولو معجبنيش مستحيل أكمل طبقي لو حتي هموت من الجوع،وللأسف ده مسبب لي مشاكل في أي مكان بروحه،علشان كدة بتجنب العزومات وبقلل من الخروجات اللي تخص الأكل علي قد ما بقدر
كانت تستمع له بشغف،ضحك ياسين وتحدث باستفهام مشاكساً به تلميذهُ النجيب:
-إوعي يكون ده السبب في إنك فسخت خطوبتك الاخيرة
كانت كلمات والدها أشبه بمادة قابلة للإشتعال حيث نزلت علي قلبها المولع بعشقه فأصابتهُ بشرارة تحولت بلحظات إلي إشتعالاً شديد،
حدثت حالها بجنون:
-هل كان لديه خطيبة؟
أكان بينهما قصةِ عشق؟أم انها مجرد خطيبة طُرحت عليه من أحدهم؟
إبتسم بخفة وتحدث بإبانة:
-علشان أكون صادق في كلامي ده كان واحد من الأسباب، ده غير الأسباب اللي ذكرتها لجنابك قبل كدة
بطريقة حادة استرسلت حديث النفس مرة أخري:
-ما هي تلك الأسباب،إنطق واسردها أيها الخائن لعشقي الذي لم يولد ويخرج إلي النورِ بعد
أردفت ثريا بتعقل مدافعة عن الفتيات الصغيرات وتفكيرهُن:
-ما هي لازم أكلها ما يعجبكش في الأول يا ابني،ما تنساش إنها لسة بتتعلم وواحدة واحدة نفسها في الأكل هيتظبط
أجابها بجدية:
-فهمتيني غلط حضرتك،هي أصلاً ما بتدخلش المطبخ نهائي برغم إنها خلصت دراستها وما بتشتغلش،هي رافضة موضوع شغل الست في بيتها من الأساس،عاوزة شغالة وده حقها مش هنكر، لكن اللي مش مقبول ولا منطقي بالنسبة لي هو إني أعيش علي الدليفري
واسترسل بإبانة:
-ده وصل بيها الامر إنها إشترطت عليا هتقفل المطبخ وتعمله بيت للكلبة بتاعتها بحجة إن سيادتها مابتحبش ريحة الطبخ في البيت
اردف ياسين بمداعبة:
-وانا اللي كنت مستغرب إنك فسخت بعد تلات شهور بس،ده أنتَ كدة طولت يا ابني
هز رأسهُ بإبتسامة خافتة، أما ثريا فتحدثت بتريث:
-بعض بنات اليومين دول واخدين فكرة غلط عن الجواز وده للأسف بيرجع للأم،لازم الأم تفهم البنت إن الجواز عبارة عن شركة ولازم تتأسس صح ويشتغلوا عليها الطرفين علشان تنجح،
إنتبه الجميع لكلامها الحكيم حتي أيسل التي إستمعت بتمعن شديد فاسترسلت ثريا:
-من حق الست تلاقي الحب والتقدير والإحترام من شريك حياتها اللي سابت أهلها واستغنت عن نظام حياتها كلها علشانه،وحق الراجل كمان إنه يرجع بيته بعد يوم طويل يلاقي وش بيضحك قدامه ينسيه هموم اليوم،واكله حلوة تحسسه بطعم البيت وما تخلهوش يحس إنه فقد الاحتواء والدفا وهو بيسيب بيت أمه علشان يأسس بيته الجديد
أردف كارم باستحسان منبهراً بحصافة تلك الثريا:
-الله عليكي يا افندم،بجد احترمت دماغ حضرتك جداً وياريت كل البنات يفهموا كدة
عقبت علي حديثهُ:
-الحمدلله إحنا بناتنا عاقلين ومفهمينهم يعني إيه بيت وأسرة،سارة بنت بنتي الكبيرة مخطوبة حالياً وبدأنا ندخلها المطبخ والحمدلله بقت شاطرة إلي حدٍ ما
ونقلت بصرها علي أيسل وتحدثت بإبتسامة حنون:
-والدكتورة أيسل أنا بنفسي اللي هعلمها لما تتخطب إن شاءالله
كادت ان تُدمع عيناها من كلمات تلك الحنون وتحدثت إليها بنبرة متأثرة:
-حبيبتي إنتِ يا نانا
شعر بحالة من السعادة تغزو قلبه لما لا يدري، كان يريد أن ينظر عليها ويتأمل ملامح وجهها لكنه لم يرد إختراق حرمة واحترام المنزل والرجل الذي أمن له ودعاهُ للدخول إلي منزله وسط عائلته
لف ياسين ذراعهُ حول كتف إبنته وقبل رأسها وتحدث وهو يضمها لصدره تحت سعادة مدللة أبيها:
-أيسل دي قلب ابوها من جوة وجوهرتي اللي لا يمكن افرط فيها أبداً
إشتدت سعادتها وضمت والدها فتحدث حمزة مشاكساً شقيقته:
-هو حضرتك ناوي تخليها تقعد في وشنا علي طول ولا إيه
ضحك الجميع وبدأوا بتناول الطعام مع سردهم لبعض الأحاديث اللطيفة تحت سعادة أيسل التي تخطت عنان السماء وخصوصاً بعدما رأتهُ من إهتمام الجميع بها
إنتهي اليوم بسلام ورحل كارم بعد تناوله قدحاً من القهوة بصحبة الجميع،سعد بالجمع وأحاديثهم المسمرة التي كانت الغذاء لروحهُ وعقله، ضلت أيسل وحمزة بالداخل
عندما حل المساء
كانت تتمشي داخل الحديقة حاملة إبنتها فوق صدرها في محاولة منها لتهدأتها ومساعدتها علي الشروع في نومٍ هنئ، وجدت من تخرج باب المنزل وتقترب عليها وهي تحمل عروستها علي صدرها وتحتويها بذراعيها كمن يحتوي أثمن أشيائهُ،وقفت قبالتها وبدون مقدمات تحدثت بملامح وجه جادة:
-هو أنا ممكن أطلب منك طلب
ضيقت مليكة عيناها باستغراب وتحدثت مرخبة:
-أكيد طبعاً
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية