-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 40 - 1

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الأربعون

الجزء الأول

كانت تتمشي داخل الحديقة حاملة إبنتها فوق صدرها في محاولة منها لتهدأتها ومساعدتها علي الشروع في نومٍ هادئ بعيداً عن ضوضاء التجمع داخل المنزل،حيث مازالت أيسل وحمزة وياسين وثريا واطفال المنزل يجتمعون ويتبادلون فيما بينهم الأحاديث والدعابات


وجدت من تخرج من باب المنزل الداخلي وتقترب عليها وهي تحمل عروستها علي صدرها وتحتويها بذراعيها كمن يحتوي أثمن أشيائهُ،وقفت قبالتها وبدون مقدمات تحدثت بملامح وجه جادة: 

-هو أنا ممكن أطلب منك طلب



ضيقت مليكة عيناها باستغراب وتحدثت مُرحبة:

-أكيد طبعاً،إتفضلي


ظهر التردُد فوق ملامحها،وبدهاء طرأت في مخيلتها فكرة لإبعاد الشك عن عقل مليكة: 

-هما الحقيقة طلبين مش طلب واحد


أومأت مليكة لتشجيعها علي الحديث،فاردفت الأخرى بنبرة هادئة: 

-هي ممكن مِسك تبات معايا النهاردة؟ 


إبتسمت مليكة بهدوء وتحدثت بايضاح: 

-أكيد طبعاً دي أختك وليك فيها زيي بالظبط


واسترسلت بايضاح: 

-بس علشان يكون عندك عِلم هي مش هتنام طول الوقت،هتزعجك بالليل وتعيط علشان ترضع


ضيقت عيناها بعدم استيعاب لحديثها وأردفت باستفهامٍ حادّ بعض الشئ: 

-أفهم من كلامك إنك مش موافقة؟ 


بكثيراً من الهدوء إبتسمت مليكة كي تُزيل حِدتها وعقبت نافية: 

-أنا مليش الحق في إني أمنع مِسك عنك،دي أختك،أنا بس بفهمك اللي هيحصل وإنها هتصحيكي من نومك وهتزعجك لو جاعت


واسترسلت في محاولة منها لإقناعها: 

-وعلشان كدة أنا عندي إقتراح كويس ليكم إنتم الإتنين


قطبت جبينها وانتظرت بتمعُن فاسترسلت الأخرى بإبانة: 

-نامي معاها في سرير عزو علشان تكون قريبة مني،وعزو ينام جنب أنس ولما تصحي هاخدها أرضعها وأرجعها لك تاني تنام في حُضنك 


أومأت باستحسان ظهر بَيِنّ فوق ملامحها واردفت: 

-تمام


إبتسمت مليكة وسألتها مستفسرة: 

-إيه هو الطلب التاني؟ 


إرتجف قلبها ونظرت عليها بعيناي زائغة وبلحظة كادت أن تتراجع خشيةً إفتضاح أمرها أمام غريمتها لولا إقتحام مخيلتها لمشهد ذاك الوسيم عندما غرس شوكتهُ بأحد أصابع ورق العنب وتذوقهُ بتلذُذ جذب إنتباهها وحينها تغيرت ملامحهُ إلي مُبتهجة وباتت عيناه وكأنها تُخرجُ فراشات تتطاير هُنا وهُناك


الأمر حقاً يستحق المُجازفة والتخلي عن كبريائها ولو قليلاً،تحاملت علي حالها وبنبرة جاهدت في إخراجها جادة تحدثت:

-كُنت عوزاكِ تعلميني طاجن ورق العنب وتريكاته الخاصة اللي عملتيه بيها



فور نطقها لذاك الطلب تأكدت ظنون مليكة التي راودتها أثناء إجتماع الغداء،بعُجالة استرسلت بتوضيحٍ زائف كي لا تترك لعقل الأخري المجال للتفكير:

-أصل جدو بيحب ورق العنب جداً وكنت حابة أعملهُ له مفاجأة وأبسطه بيه 


بابتسامة هادئة أجابتها بنبرة وديعة زالت بها إرتباك الاخري: 

-أوك يا أيسل،شوفي عاوزة تتعلميه إمتي وأنا تحت أمرك في الوقت اللي هتحدديه


إبتسمت بخفوت بعدما اطمانت عدم ملاحظة الاخري لشئ،وشكرتها ثم تحدثت باعلام:

-أنا هروح أحط العروسة في أوضتي وأبلغ جدو ونانا إني هبات هنا وأرجع تاني


أومأت لها بحبور فانسحبت الاخري تحت ارتياح مليكة وتفاؤلها لتلك الخطوة المهمة في عودة الفتاة إلي مسارها الصحيح وروحها النقية كما كانت بالماضي  


بعد حوالي النصف ساعة،كانت تتمدد فوق تخت عزو حاملة الصغيرة التي فاقت من نومها وبدأت بالملاغاة،يجاورها ياسين حاملاً أنس وعز داخل أحضانهُ وجميعهم يداعبون مِسك التي همهمت وهي تنظر إلي ياسين وتتهادي بجسدها وتتراقصُ بسعادة: 

-دادددا دا


ضمتها أيسل لأحضانها أما عز فتحدث إليها مطالباً بدلال: 

-مِسكي،قولي عزو،يلا قولي يا مِسكي


أشاحت بسعادة بكفاها وابتسمت له وهمهمت: 

-دااادا



بوجهٍ عابس هتف متذمراً يشتكيها لأبيه: 

-يا بابي بقي،خليها تقول عزو 


ضحكت أيسل وتحدث ياسين موضحاً الأمر إلي صغيرهُ الحانق: 

-يا حبيبي هي لسة صُغيرة ومش بتعرف تتكلم


بطفولية مط شفتاه ثم ربع ساعديه أمام صدره وهتف بحِنقٍ ظهر بزرقاويتاه:

-طب ما هي بتنده عليك اهي وبتقول دادي



إبتسمت أيسل بسعادة علي خفة ظل شقيقها الصغير الذي يُدخل على قلبها السعادة ويبث روح الحماس داخل نفسها وتحدثت إليه بتوضيح: 

-يا حبيبي إفهم،هي مش تقصد كلمة دادي،هي بتقول الحروف السهلة بالنسبة لها 


طب ما عزو سهل يا سيلا...نطقها بوجهٍ عابس مما جعل أنس يحتضنهُ ويتحدث إليه محاولاً مراضاته: 

-ماتزعلش يا عزو،أنا هفضل أقول لها حروف عزو لحد ما تحفظهم وتقوله


إبتسم لشقيقهُ وتحدث باستحسان بعدما تهللت ملامحهُ: 

-شكراً يا أنوس


كان يستمع إليهم بحبور وقلب راضي،إنشغل الصبيان بمداعبة شقيقتهما الصغيرة،فنظر هو علي أيسل وتحدث إليها بنبرة حنون: 

-شايفك مرتاحة النهاردة


أجابته بإبتسامة وعيناي لامعة حيث لم تستطع مداراة حبورها: 

-الحمدلله يا بابي،بدأت أتأقلم علي الجامعة ومع أصحابي الجُداد والدُنيا بدأت تتظبط إلي حدٍ ما


إبتسم لها وعقب بارتياح وقلبٍ مُطمأن: 

-الحمدلله يا حبيبتي،ربنا يطمني عنك دايماً



بعد قليل ترك أطفاله بصحبة شقيقتهم الكُبري وتحرك إلي جناحه،دلف من الباب وجدها تقبع فوق تختها مُمسكة بيدها كُتيب تتنقل بين صفحاته بتمعُن وتركيز ويبدوا عليها الإستمتاع بقراءته،وما أن رأتهُ يقترب عليها حتي طوت الكُتيب ووضعته جانباً وسألته بإبتسامة مُشرقة:

-الولاد ناموا؟ 


جاورها الجلوس وتحدث نافياً: 

-لسة،قاعدين يلاعبوا مِسك،والأستاذة شكلها فرحانة باللمة حواليها والسهر واخد حقه معاها


تمعن بمقلتيها ثم أردف بعيناي مُمتنة: 

-متشكر علي كُل حاجة عملتيها مع أيسل النهاردة يا مليكة


واستطرد بإبانة: 

-ماكُنتش متخيل إن العزومة ونومها مع أخواتها هيفرقوا في تحسين نفسيتها بالشكل اللي شفته من شوية ده

واسترسل بعدم استيعاب ودَهْشة:

- إنتِ مش متخيلة الحالة اللي سبتها عليها مع أخواتها هناك في الأوضة،البنت كأنها رجعت سبع سنين لورا


كانت تستمع إليه بحبورٍ ووجهٍ متهلل تبدلوا لألم بعدما إستمعت لذكرهِ سبعةُ أعواماً،نعم،فالفتاة قد تحولت من رقيقة ناعمة إلي شرسة متمردة بعد إرتباط والدها الشرعي بمليكة 


تحاملت علي حالها كي لا يلحظ حُزنها وتتبدل بهجتهُ إلي شجن،نطقت بنبرة حنون صادقة: 

-إن شاء الله مع الوقت هترجع زي الأول وأحسن كمان يا حبيبي 


جذبها لداخل أحضانهُ وبات يُقبل جانب شِفتها برقة تحولت بغصون ثواني إلي شغفٍ ورغبة بحبيبتهُ التي لم يمل يوماً من الإرتواء من شهد عشقها الجارف والمميز

 


❈-❈-❈



صباح اليوم التالي

فاقت مبكراً من نومها المتقطع بسبب تلك الصغيرة وتحركت إلي منزل جدها ومنهُ إلي الأعلي حيثُ حُجرتها


إنتقت بعناية ثوباً أنيقاً وارتدتهُ مع حجاباً بسيطاً وقامت بوضع بعض مستحضرات التجميل التي جعلتها فاتنةُ الجمال مما أرضي غرور الأنثي بداخلها ونال علي استحسانها،خرجت من منزلها في حالة مرتفعة من النشاط وتحركت خارج البوابة


وجدتهُ يقف بانتصاب بجانب سيارته ينظر باتجاهها من خلف نظارته الشمسية واضعاً خلف أذنه سماعة البلوتوز الخاصة بتواصلهُ مع فريق الحراسة ويبدو أنهُ يتحدث أليهم كي يستعدوا للإنطلاق بسيارتهم،بمرونة تحرك إلي الباب الخلفي للسيارة إستعداداً لفتحهِ لأجلها



إقتربت عليه واردفت بنبرة رقيقة كنسيمُ الصباح جديدة علي أسماع ذاك الكارم:

-صباح الخير


انحنى فى تهذيب ليفتح لها باب السيارة ورد تحيتها بصوتٍ جهوري: 

-صباح النور يا دكتورة 


أشار بكفهِ علي الأريكة فنظرت إليه وتحدثت بابتسامه خلابة:

-ميرسي.


احني رأسهُ بترحاب مع انتشاء لروحهِ شعر به جراء نبرتها الرقيقة،جلست فوق مقعدها واغلق هو الباب بهدوء ثم تحرك واستقل مكانه أمام عجلة القيادة وقام بإدارة المحرك منطلقاً بالسيارة للأمام،نظر عليها من خلال إنعكاس المرأة وجدها تسترق النظر إليه فتحدث بنبرة هادئة لعيناي ساحرة أسرتها واربكتها بالوقت ذاته: 

-إزيك


عقبت بنبرة بدت مرتبكة: 

-أنا كويسة


إنتبه لهذان الكوبان المصنوعان من الورق  واللذان يحتويان داخلهما علي مشروباً دافئاً كان قد إبتاعهما من إحد المحال الشهيرة بصنع القهوة ليتناولهما سوياً


أمسك كوباً يختلف ما بداخلهُ عما بداخل كوبهُ ثم إستدار بجسده قليلاً وبسط يده باتجاهها بالكوب وتحدث وهو ينظر للأمام مراقباً الطريق بعناية:

-جبت لك معايا نسكافية وأنا بجيب قهوتي


إرتفعت دقات قلبها كطبول حربٍ وشعرت بروحها تهيمُ سارحتاً في سماء عشقها الوليد، وبلحظة تحول وجهها واكتسي بحُمرة الخجل والعشقِ معاً مما جعل قلبهُ ينبض بقوة إستغربها،بسطت يدها وإبتسامة حالمة إعتلت ملامحهاوتحدثت بارتباك بعدما فقدت العثور بداخلها علي كلمات:

-ده علشاني؟


إبتسم بخفوت عندما وجد تلبُكها وتحدث بمشاكسة كي يرفع عنها خجلها:

-لا طبعاً،أنا بس عاوزك تمسكيه لحد ما أشرب قهوتي واخده منك تاني


إبتسامة رقيقة كست وجهها مما أصابهُ برجفة عنيفة هزت قلبه،واسترسل بنبرة خرجت حنون دون إدراكٍ وهو ينظر لعيناها من خلال إنعكاس المرأة:

-أنا جبت لك النِسكافيه لأني عارف إنك ما بتحبيش القهوة


ضيقت عيناها واسترسلت متعجبة:

-وإنتَ عرفت منين إني مش بحب القهوة؟! 


أمسك ياقة قميصهُ وبات يعدل بها ملاطفاً إياها وتحدث بتفاخر مصطنع:

-من مصادري الخاصة حضرتك،اللي قدامك شغال رائد في جهاز المخابرات لو مش واخدة بالك


بإلحاحٍ سألته بدلال نال استحسانه: 

-إتكلم جد بقي


أجابها بإيضاح: 

-عِرفت إمبارح وأنا عندكم بعد الغدا،لما قدموا لنا كلنا قهوة وإنتِ الوحيدة اللي طلبتي نِسكافيه 


إلتمعت عيناها ببريق السعادة بعدما تيقنت إهتمامهُ بأدق تفاصيلها،فأرادت تُطيل الحديث وسألته بمشاكسة نالت إعجابه:

-طب وده سبب يخليك تقول إني مش بحب القهوة

واسترسلت بمراوغة:

-مش يمكن أكون بحبها بس مزاجي وقتها كان طالب نسكافيه؟


بغمزة من عيناه أخرج صوتاً بجانب فمه يُعني نفيهُ لإدعائها واسترسل بثقة قد تصل إلي الغرور:

-كارم المعداوي ما بيخرجش كلمة من غير ما يكون متأكد منها


واسترسل بإبانة: 

-ده غير إن عندي القدرة اللي من خلالها بقدر أفهم اللي قدامي كويس وأفهم شخصيته


إبتسمت وبدأت ترتشف النِسكافية وأقسمت بداخلها أنهُ ألذ مشروباً تذوقتهْ علي مدار سنواتِ عُمرها بالكامل،علي غير عادته بدأ يراقبها بتمعُن،تهلل وجههُ عندما لمح الفراشات تتلألأ وتتطاير من خلال لمعة عيناها البراقة،أردفت هي باستحسان عندما لاحظت تركيزهُ عليها: 

-ميرسي بجد،النسكافيه حلو قوي


أنا اللي ميرسي علي اليوم الحلو اللي قضيتهُ معاكم إمبارح...نطقها بملامح وجه ظهر عليها الإرتياح 


ازاحت ببصرها عنه وابسمت خجلاُ،فسألها باهتمام:

-عجبتك العروسة؟ 


دون إدراكٍ منها هتفت بنبرة شديدة الحماس:

-عجبتني جداً


شعرت بتسرُعها بعدما رأت تهلل وجههُ المُبتسم فأزاحت ببصرها عنه ونظرت جانبها وباتت تشغل حالها بالنظر من نافذة السيارة مما جعلهُ يبتسم وتابع قيادته ومراقبة الطريق ولا سيما النظر من الحين إلي الآخر للتطلع علي الساحرةُ عيناها 



❈-❈-❈


بعد مرور حوالي إسبوع،إصطحب عُمر صغيرتهُ إلي مقر عمله كما وعدها سابقاً وذلك بعد أن أخذها إلي الطبيب حيثُ أزال لها تلك الجبيرة بعدما تأكد من إلتئام الكسر وإطمئن علي ساقها من خلال الأشعة التي أجراها لها 



كان يحملها محاوطاً إياها بذراعيه ويتحرك داخل الرواق المؤدي إلي مكتبهُ،قابلته المهندسة تارا التي كانت تتحرك في طريقها إلي كافتيريا الشَركة كي تُجلب كوباً من القهوةِ المُحلاة كي تساعدها علي التركيز بعملها وتحمُل يومها الشاق،تعجبت من ذاك الذي يحمل طفلةً صغيرة ويتحاور معها بكثيراً من الود والحنان حيثُ ظهرا فوق ملامح وجههُ الضاحكة علي غير العادة،فمنذُ أن تعرفت عليه أثناء عملها وهو لا يبتسم أبدا


علي غير طبيعتها الجادة والعملية قطعت طريقهُ ثم وقفت قُبالتهُ وتحدثت إلي الصغيرة وهي تنظر إليها بإبتسامة مُشرقة أظهرت برائتها وكم الحب التي تحملهُ بقلبها للأطفال: 

-إيه القمر اللي منور شِركتنا ده


واسترسلت مستفسرة وهي تنظر إليه: 

-دي بنت حضرتك يا باشمهندس؟ 


بإبتسامة خافتة عقب علي استفسارها: 

-ليزا عُمر المغربي،بنوتي الجميلة 


هاي ليزا...نطقتها مداعبة إياها فابتسمت لها الصغيرة وأجابتها بملامح وجه بشوشة:

-هاي


نظر عُمر إلي صغيرتهُ وتحدث بايضاح:

-دي الباشمهندسة تارا يا ليزا،بتشتغل معايا هنا في المكتب


هزت الصغيرة رأسها وتحدثت إليها:

-ازيك يا طنط


إزيك إنتِ يا ليزا...نطقتها بنبرة حنون ثم استرسلت وهي تدعوها للذهاب معها: 

-إيه رأيك تيجي معايا الكافيتريا نختار حاجة نشربها مع بعض


هتف رافضاً بنبرة جادة أحزنت تلك التارا وأشعرتها بالحرج: 

-شكراً يا باشمهندسة


أردفت الصغيرة بترجي : 

-أنا عاوزة أروح مع طنط يا بابي


مش هينفع يا ليزا...هكذا نطقها بحزم استغربته تارا فهتفت الصغيرة بضجر وتذمر: 

-أنا عاوزة أروح معاها،علشان خاطري توافق يا بابي


رق قلبهُ لصغيرته وبالاخير ضعف أمام عيناها المترجية وتحدث بإبانة إلي تارا كي يشرح لها سبب رفضه علها تعذر ذعرهُ علي صغيرته: 

-خديها بس ياريت تخلي بالك منها لأن رجلها كانت مكسورة ولسة الدكتور شايل لها الجبيرة إمبارح،ونبه عليا ما تتحركش كتير عليها


الأن تفهمت سبب رفضهِ القاطع وبررت له حدتهُ في التعامل معها،بسطت ذراعيها والتقطت الصغيرة وطمأنته بتفهم: 

-ما تقلقش حضرتك


تحركت بالصغيرة واختارت لها بعضاً من المقرمشات والمشروبات المفضلة لدي الصغار وجلست بداخل الكافيتريا ليتناولاها معاً،ثم سألتها بفضول الأنثي: 

-هو أنتِ عندك إخوات يا ليزا؟ 


بعفوية أردفت الصغيرة معقبة: 

-لا مش عندي،عندي مامي مليكة مرات أنكل ياسين،وبابي عُمر مش كان يعرف إنه بابي أصلاً،مارو هو اللي قال له وقال لي أنا كمان يا ليزا عُمر يبقي بابي


واسترسلت بحديث طفولي شتت تلك التي فتحت فاهها بعدم فهم لثرثرة الصغيرة: 

-بس أنس قال لي إن مليكة مش مامي،وقال لي كمان إن مامي طلعت عند ربنا زي بابا أنس ومارو 


كانت تستمع إليها بعقلاٍ مشتت وتحدثت بلومٍ لحالها: 

-يا ريتني ما سألتك،هو أنا ناقصة توهان يا ربي،ده أنا دماغي في البلالة لوحدها 


إبتسمت للصغيرة وناولتها إحدي العُلب الكرتونية قائلة بإبتسامة حنون: 

-خدي يا حبيبتي إشربي العصير بتاعك 


تناولته منها الصغيرة فمسحت علي رأسها بحنان وباتت تداعبها بملاطفة



❈-❈-❈


عصراً

داخل حديقة منزل عبدالرحمن،كان يجلس بمقعدهُ المفضل يتأمل من حولهِ إبداع الخالق فيما خلق،هب واقفاً وتحرك إليها إحتراماً بعدما وجدها تدخل من البوابة الرئيسية للمنزل،تحدث بنبرة عالية الترحاب لخطوتها العزيزة:

-يا أهلاً يا أهلاً يا ثُريا،نورتي بيتك يا بنت عمي


بابتسامة هادئة ردت علي ترحاب ذاك الخلُوق: 

-البيت والدُنيا كلها منورين بوجودك يا عبدالرحمن  


في إشارة منه علي المقعد تحدث قائلاً:

-تعالي إقعدي يا أم رائف


تحركت بجانبه بخطوات هادئة حتي إقتربت من المقاعد التي تلتفُ حول تلك المنضدة البلاستيكية الصغيرة وقامت بسحب أحدهم وجلست فوقهُ فتحدث إليها عبدالرحمن:

-تحبي تشربي إيه يا ثُريا؟ 


عقبت بهدوء: 

-ولا أي حاجة،ما تتعبش نفسك 

واستطردت وهي تحثهُ علي الجلوس:

-إقعد علشان عاوزة اتكلم معاك شوية قبل ما راقية تحس بوجودي وتخرج


جلس مقابلاً لها وسألها مستفسراً بتوجُس:

-خير يا ثُريا،قلقتيني


بنبرة هادئة عقبت مطمأنة إياه: 

-ما فيش حاجة تقلق يا عبدالرحمن،إطمن،كل الحكاية إني حابة أتكلم معاك شوية بخصوص عز


وانا سامعك...كان هذا تعقيبهُ فاردفت بنبرة حكيمة:

-أنا ملاحظة في الفترة الأخيرة إن عز بقي عنده وقت فراغ كبير ومحتاج لحد جنبه ويكون عنده نفس إهتماماته


نظر لها وعلم مغزي حديثها وما تريد تلك الراقيه إيصالهُ له دون المساس بكرامة شقيقهُ الذي تكن لهُ الكثير والكثير من الإحترام والمودة،لكونه إبن عمها الغالي أولاً وما لهُ من الكثير من الجمائل التي طوق بها ذاك الفارس عنقها والتي زادت من غلاوتهِ وعلو شأنهْ بقلبها 



تنهد بأسي لأجل شقيقتهُ التي لم تلدها أمه وسألها مستفسراً عما تُريد: 

-قولي لي إيه المطلوب واللي يريحك يا ثُريا وأنا أنفذهُ لك


بنبرة حرجة أردفت مضطرة: 

-عوزاك تهتم بيه وتحاول تخرجه من العُزلة اللي حابس نفسه فيها من ساعة موت ليالي وموضوع لمار،خليه يقابل أصحابه ويخرج معاهم،يخلق حياة جديدة لنفسه يخرج فيها طاقته 

واسترسلت بنبرة حماسية: 

-إشترك في چيم إنت وهو ومارسوا رياضة تكونوا بتحبوها

واستطردت بإبانة: 

-عز كان بيحب ركوب الخيل قوي،شجعه يرجع تاني،أكيد ممارسته للرياضة هتخلق منه عز جديد وترجع له روحه ويلاقي فيها نفسه اللي ضايعة منه


سألها مستفسراً: 

-إنتِ مش حابة دخول عز بيتك تاني يا ثُريا،صح؟  


بعُجالة عقبت لتُنفي عنها تهمتهُ:

-أبقي قليلة أصل وناكرة للجميل لو ده الغرض من ورا كلامي يا عبدالرحمن،عز يدخل بيت أخوه الليل قبل النهار،بس في وجودكم


واستطردت بايضاح: 

-أنا مش هكذب عليك،أنا مش عاوزة حد يجيب سيرتي بسبب دخول عز عندي من غير منال أو ياسين،بس مش ده السبب الوحيد ولا الأساسي اللي خلاني لجأت لك


واسترسلت بصدقٍ ظهر بَيِنّ بعيناها: 

-أنا فعلاً قلقانة علي عز وعوزاك تقرب منه أكتر من كدة

واستطردت متأثرة: 

-أنا بعتبرك إنتَ وعز زي علي وفريد وأمركم يهمني زيهم بالظبط،وده بحُكم إننا إتربينا في بيت واحد وأكلنا علي نفس الطبلية وإحنا صغيرين


واسترسلت باستفسارٍ: 

-يا تري فهمت قصدي يا عبدالرحمن؟


أجابها بهدوء: 

-طبعاً فاهمك يا ثُريا ومقدر موقفك كويس،وإن شاء الله هنفذ اللي إتفقنا عليه من بكرة


بعيناي مترجية أردفت مطالبة إياه برأفة: 

-بس ليا عندك طلب


نظر لها ينتظر طلبها بتمعُن فاستطردت برجاء: 

-ياريت ماتجيبش سيرة اللي حصل بينا ده لأي حد وخصوصاً عز،مش عاوزة الكلام يجرحه أو يأثر في نفسه 


رد بسُكون تعقيباً علي حديثها: 

-إطمني يا ثُريا،أمر عز يهمني زي ما يهمك ويمكن أكتر،علشان كدة عمري ما هخليه عرضة لأي شعور ممكن يأثر عليه بالسلب


متشكرة يا عبدالرحمن...نطقتها قبل أن تستمع لتلك التي خرجت عليهم من الداخل وتحدث متعجبة: 

-ثُريا! 

إنتِ هنا من أمتي؟! 

ونظرت علي زوجها استطردت متسائلة باستغراب:

-وإنتَ ليه ما ندهتش عليا يا عبدالرحمن علشان أجي أقعد معاكم


واستطردت وهي تلوي ثغرها بتهكُم كعادتها: 

-ولا زي عوايدكم كنتوا بتقولوا كلام ومش حابيني أسمعه

،طول عمركم معتبريني غريبة عنكم يا ولاد المغربي


تنفس عبدالرحمن بضيق وهزت ثريا رأسها بيأس وتحدثت:

-كلام إيه بس اللي هنقوله من وراكِ،وحدي الله يا راقية


واستطردت بنبرة زائفة كي تتقي شر تلك الثرثارة:

-أنا لقيت نفسي زهقانة من قعدة البيت،قولت أجي أقعد معاكِ إنتِ وعبدالرحمن شوية وأشرب معاكم فنجان قهوة،ولسة داخلة حالاً ما لحقتش حتي أخد نفسي


إقتربت من مجلسيهما وسحبت مقعداً وجلست ثم تحدثت بارتياح لعلمها لشخص ثريا التي لا تنطقُ إلا بالصدق: 

-نورتي وشرفتي البيت يا أم رائف


ثم استرسلت بصوتها المُرتفع وهي تُنادي علي زوجة نجلها:

-يا هالة،إنتِ يا هالة 


أتت تلك المسكينة وما أن رأت ثريا أمامها حتي انفرجت أساريرها وتحدثت باحتفاءٍ شديد: 

-وانا أقول البيت منور ليه كدة،أتاري عمتي ثُريا مشرفانا

إبتسمت ثُريا وردت بحبور: 

-ربنا يكرمك يا هالة يا بنتي،إزيك وإزي الولاد 


عقبت بنبرة سعيدة: 

-في نعمة الحمدلله يا عمتي


بحِنقٍ هتفت تلك الراقية ذات الطباع السيئة موجهة حديثها إلي هالة بنبرة حادة: 

-هو أنتِ ما صدقتي وفتحتي في الرغي


واسترسلت أمرة: 

-ادخلي يلا إعملي قهوة لعمتك وليا أنا وعمك


تنهدت ثريا بأسي لأجل تلك التي لا تراعي حدود الله في تعاملها مع زوجة ولدها الهادئة،في حين  أردف عبدالرحمن متهكماً بلهجة حادة: 

-تصدقي بالله يا راقية،إنتِ ما كان ليكِ واحدة أميرة وطيبة ومطيعة زي هالة

واستطرد بابانة: 

-إنتِ كُنتي تستاهلي واحدة تطلع القديم والجديد علي جتتك


خرجت إبتسامة من ثغري ثُريا وهالة رُغماً عنهما،وانسحبت هالة إلي الداخل لصُنع القهوة بعدما شكرت والد زوجها الخلوق علي مدحهِ لها


 أما راقية التي احتدت ملامحها وهي ترمق عبدالرحمن بنظرات غاضبة ثم تحدثت إلي ثريا تشتكي لها: 

-شوفتي إبن عمك وعمايله يا ثريا،علي طول كاسر كلمتي قدام مرات إبنه لما قواها عليا


أجابتها بنبرة هادئة نالت بها استحسانها: 

-عبدالرحمن خايف عليكي يا راقية،هالة طيبة وبنت حلال وحمالة أسية،وإنتِ طول عُمرك بنت أصول ومايصحش تعامليها بالشكل ده


عقب علي صياحها موضحاً حديثهْ: 

-هو أنا علشان بقول لك إتقي الله في البنت أبقي بكسر كلمتك؟ 

واسترسل بتوجس لإخافتها علها تتراجع عن أفعالها تلك: 

-أنا خايف للي بتعمليه يترد في بنتي وحماتها تعاملها بنفس معاملتك لـ هالة


رسمت علي ملامحها البرائة وأردفت بادعاء مبررةً أفعالها: 

-هو أنا كنت عملت إيه بس يا جماعة لكلامكم ده كله،أنا بعاملها كويس والله وعمري ما أذيتها،أنا بس بشد عليها شوية لمصلحتها 


نظر عبدالرحمن إلي ثريا وتنهد بأسي جراء يأسهُ وتأكده من عدم تغير تلك المستبدة 

تابع قراءة الفصل