-->

رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 29 - 1

    قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية وبها متيم أنا

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر


الفصل التاسع والعشرون

الجزء الأول

على الكرسي المجاور للسرير الطبي المستلقية عليه شقيقتها منذ الأمس، وكأنها التصقت به، فقد طالت جلستها في السهر عليه حتى سقطت رأسها على الفراش حينما غلبها النُعاس، وقد أصرت على المكوث بجوارها حتى تطمئن عليها جيدًا،  رغم استفاقتها بالأمس والتي لم تدم إلا دقائق معدودة، فلم تكن فترة كافية لتريح قلبها الملتاع عليها.

كان لضوء النهار الذي اخترق النافذة الزجاجية الفضل في استيقظها لتحرك رأسها يمينًا ويسارًا، حتى تفك التشنج الذي قلص عضلات الرقبة، توقفت فجأة عن الحركة، وقد وقعت عينيها بخاصتي الأخرى والتي كانت مستندة بجسدها على الوسادة خلفها بنصف نومة، ومتابعة لها بوعي واضح، منصب كل تركيزها عليها ، على تخوف وتردد اقتربت منها تخاطبها:

- رباب، انتي معايا؟

بصوت مبحوح يرافقه دمعه ساخنة سالت على جانب وجهها:

- معاكي يا كاميليا، انا من امبارح وانا معاكي، حتى لما فوقت بنص وعي ومقدرتش اتكلم ولا ارد على حد منكم، برضوا كنت معاكي قبل التعب ما يغلبني واعود للنوم من تاني، عشان اصحى من الفجر والاقيكي جمبي بالوضع ده، واعرف قد ايه انا كنت غبية.

نهضت كاميليا لتقبلها على أعلى رأسها ووجنتيها، قائلة بصوت متأثر هي الأخرى امتزج بحنانها:

- الحمد لله انك فوقتي يا حبيبتي، انا كنت خايفة قوي عليكي امبارح، حتى وانا شايفة عيونك مفنجلة دلوقتي، والله ما كنت مصدقة غير بعد ما سمعت صوتك كويس.

- ليه يا كاميليا؟ 

ردت على سؤالها بسؤال:

- ليه إيه؟

- ليه تتعبي نفسك وتسهري مع واحدة باعتك وباعة أهلها عشان نفسها، دا غير انها رمت كل اللي عملتيه معاها ورا ضهرها؟

الصدق الذي كان ينبع من فحوى كلماتها جعل كاميليا تنتبه لهذا التغير المفاجيء من شقيقتها، حتى وهي تعلم انه ربما يكون عرض وقتي نتيجة ما حدث، وربما يعود كل شيء لوضعه السابق بمجرد الوقوف على قدميها، ولكنها ومع ذلك رحبت مستبشرة الخير لتجيبها بابتسامة:

- السؤال ده ما ينفعش اساسًا يا قلبي، لأن انتي مهما عملتي أو أي حد من خواتك عمل، أو حتى مهما يحصل ما بينا؟ ف احنا ف الأول والآخر اخوات، والضفر عمره ما يطلع من لحمه.

هذه المرة كانت المفاجأة أكبر من توقعها، طالعت كاميليا شقيقتها وهذا الصمت المطبق، النظرة الكسيرة بعينيها، ارتعاش شفتيها مع دموع لم تنتظر الإذن لتنهمر على وجنتيها، هيئة ادخلت الروع بقلبها، لتردف بنظرة استجداء اَلمتها:

- انا عارفة اني غلطانة وكلي عيوب، لكني بشر والبشر خطاء........ انااا..... 

تابعت بلهجة راجية اوجعتها بحق

- ما تسبنيش يا كاميليا، والنبي ما تبعدوني تاني عنكم.

إلى هنا وانفلت زمام امرها، اطبقت الأخيرة بذراعيها، لتضمها بلوعة واشتياق مرير مرددة:

- والله ما هاسيبك، عمري ما هاسيبك تاني، حتى لو انتي مش عايزة كمان، انا هفرض نفسي عليكي، ومش هبعد عنك تاني أبدًا.

قالتها بدموع حارقة كانت تسيل منها هي الأخرى، يعتريها اندهاش غير عادي لهذا الضعف، لقد كانت تظنها سعيدة وغير مهتمة، تظنها استغنت عن العلاقة الأخوية بالمال والشهرة، وذلك لمتابعتها لكل فيدو وكل صورة تصدر منها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وقد نست أن العالم الأفتراضي ليس هو المقياس الحقيقي لواقع الشخص. 

- إيه ده؟ إيه ده؟ طب براحة طيب وسيبولنا شوية يا شباب.

تفوه بها طارق والذي حضر في غمرة الأحضان بين الشقيقتين بصحبة محمد اللذي قال هو الاَخر فور أن ارتفعت رؤسهما إليه:

- على رأي طارق، سيبولنا شوية طيب، عاملة إيه يا رباب.

أجابته بوجه مشرق رغم التعب:

- كويسة يا حبيبي، يا ريتك ما كنت مشيت، مكنش كل كل ده حصل.

قالتها لينتبه إليها طارق فيسألها بفضول:

- هو انتي فاكرة كل اللي حصل يا رباب؟

ردت تعصر بذهنها:

- لأ طبعا انا عايزاكم تحكولي عشان افهم، أنا كل اللي متذكراه دلوقتي؛ هو الأولاد اللي حاولوا يخطفوني وحامد أنقذني منهم وبعدها اداني عصير....

- اولاد مين تاني كمان؟

صاح بها محمد بعصبية جعلتها تستدرك منتبهة لتسأله أيضًا:

- هو انت ايه اللي كسرلك دراعك؟

وقبل أن يجيبها اندفع الباب بقوة أجفلت الجميع، ليلج إليهم كارم بوجه متجهم، مظلم بغضب جحيمي، وقف أمامهم متخصرًا يوزع النظرات المشتعلة على أربعتهم، ليتوقف عند رباب بأنفاس خشنة يصدر صوته:

- ممكن افهم ايه اللي بيحصل؟ والقصة الغريبة اللي سمعتها من البوليس عن خطف الهانم حرمنا.... ايه أصلها ؟


❈-❈-❈


أمام الموقد الذي كانت تقف عليه لتسوية الفول بالشكل الذي اعتادت، كطبق رئيسي لوجبة الفطور التي تعدها الاَن في وقت الصباح، دوى هاتفها الذي كانت تسنده على الرخامة بالقرب منها، تناولته لترد بعدم انتباه لصاحب الرقم:

- الوو... مين معايا؟

- الوو صباح الخير يا طنت.

قطبت مجيدة لتبعد الهاتف عن اذنها لتتأكد من صاحبة الصوت، قبل ان تجيبها باستغراب:

- صباح الفل يا لينا عاملة ايه انتي؟

- كويسة يا طنت والحمد اا.....

قالتها وقبل أن تكمل قاطعتها بسؤال فضولي نبع من خوف حقيقي ان يكون خلف الاتصال هو حدوث شيء ما:

- طب ماما هي كمان كويسة يا حبيبتي، ولا يكونش التعب زاد عليها؟

فهمت لينا المغزى من خلف السؤال فردت على الفور تدخل في الموضوع مباشرةً:

- كويسة والله طنت والحمد لله، انا كنت بتصل بس عشان اكلم حضرة الظابط ابنك.

- حضرة الظابط ابني أنا؟

قالتها مجيدة بعدم تصديق فاغرة فمها، بأعين اتسعت على اَخرها وهي تسمع رد الأخرى:

- أيوة يا طنت طبعًا، أمين ابن حضرتك، كنت عايزة اسأله سؤال بس.

بلهفة مكشوفة تحركت من امام الموقد لتخرج من المطبخ نحو غرفة الاَخر مرددة:

- سؤال واحد، قولي اتنين تلاتة زي ما تحبي دا انتي تسألي مجموعة اسئلة يا حبيبتي ولا يغلي عليكي الظابط ولا ام الظابط كمان. 

ردت لينا ضاحكة بحرج من جهتها:

- مرسي يا طنت ربنا يخليكي، يكفي السؤال، مش عايزين اكتر من كدة.

سمعت منها مجيدة وهي تلج إلى الاَخر، والذي كان واقفًا يصفف شعر رأسه أمام المراَة بعد ان ارتدى ملابسه للذهاب إلى العمل، ليفاجأ بوالدته، وهي تهزهز كتفيها بما يشبه الرقص الغريب، بضجكات مكتومة تلوح له بالهاتف، ليردد لها بعدم فهم:

- إيه في إيه؟

اقتربت تهمس له بصوت واضح:

- دي لينا بت ام لينا، عايزاك في سؤال. 

- لينا مين؟

خرجت منه بصوت عالي جعل والدته تلكزه بالقبضة التي ما زالت ممسكة بملعقة التقليب، والتي كان بها من اثر الطعام الذي لوث كم القميص المنشي، مما جعل الاَخر يصيح بها بنزق:

- يا ماما حسبي بقعتي القميص الله. 

عضت مجيدة على شفتها السفلى تردف من تحت أسنانها لابنها ثقيل الفهم كما جاء برأسها في هذا الوقت:

- كلم البت واعرف مين لينا؟ وان كان ع القميص غيره بواحد تاني، وانا رايحة اشوف أكلي اللي ع النار، جاتك نيلة.

قالت الأخيرة وهي تحدجه بنظرة حانقة، قبل أن تتركه وتذهب، رفع الهاتف لمستوى اذنه مغمغمًا:

- هي مالها اتنفرزت اوي كدة ليه؟ الوو....

جاءه الرد من الناحية الأخرى بلهجة متهكمة:

- الوو يا حضرة، انا لينا اللي وصلتها امبارح بنت الست أنيسة يارب تفتكرني؟

رغم حالة التعجب التي انتابته مع سماع نبرة صوتها الناعمة بحدتها كالمعتاد، والتي جعلته لا يصدق في البداية أنها صاحبة الاتصال بالفعل، إلا أنه تمالك سريعًا ليرد بمناكفة مستهبلًا:

- أيوة أيوة يا شاطرة افتكرتك، انا مش نساي أوي لدرجادي يعني؟

قالها ليفاجأ برد لم يتوقعه على الإطلاق:

- طبعًا أكيد ما هو باين من سؤالك فاكرني أوي.....

لهجتها الساخرة جعلت حاجبًا واحدًا منه يرتفع بشك قطعته بجملتها متابعة:

- المهم بقى أنا كنت بتصل عشان أسألك، اصلي بدور على سلسلة كانت في رقبتي وانا راجعة من الشغل امبارح، ودلوقتي بدور عليها في كل حتة مش لقياها...

قاطعها باستظراف يستفزها رغم علمه بما تقصده:

- اه بقى، وانتي دلوقتي متصلة عشان اعملك محضر ولا اخلي الشرطة تبحث عنها.

- هه هه هه.

ضحكة سخيفة اطلقتها بغيظ جعلته يضحك بصوت مكتوم بعدم مقدرة على التوقف، فمشاكستها أصبحت من أحب الهوايات لديه، ف استطردت بسأم:

- يا حضرة الظابط انا قصدي تشوف العربية، لتكون سقطت مني وانا مش واخدة بالي اثناء توصيلك ليا.

- امممم

زام بها بفمه، ليكمل بلمحة من الجدية يتصنعها عن قصد:

- خلاص يا لينا فهمت قصدك، على الرغم اني مش مقتنع بس حاضر، هدور واشوف.

تنهيدة نزقة خرجت منها لتصله عبر الاثير أنفاس حاده قبل أن تنهي بما يشبه الإمتنان:

- ماشي يا حضرة الظابط، ع العموم لو لقيتها يبقى شاكرين افضالك.

ردد خلفها بتشدق:

- لو لقيتها يا لينا هتصل واقولك ؟!

- لو لقيتها يا سيدي اتصل، سلام بقى 

- سلام .

انهى المكالمة ليضع كف يده داخل جيب بنطاله، ثم يخرج هذا الشي الأنيق والذي وجده منذ الأمس بالصدفة بعد رجوعه للمنزل من عندهم، على المقعد الذي كانت تحتله، سلسال ذهبي يتدلى منه قلب مع عين زرقاء وكف فضي أيضًا لمنع الحسد، غمغم بمرح وهو يتأمله ويلفه حول سبابته:

- ودا هندور عليه ازاي بقى؟ دا  انا كدة لازم ادور بضمير عشان القاه.


❈-❈-❈


خرج من الغرفة ليجد والدته وشقيقه على مائدة السفرة في انتظاره، القى التحية على عجالة بدت كغمغمة وهو يسرع الخطا ليقترب ويجلس سريعًا، حتى سبقهم في تناول الطعام، عقب حسن محتجًا لوالدته:

- بقالك ساعة لطعاني استنى الحليوة عشان نجتمع وناكل مع بعضينا، اديه خرج يحف من غير ما يستنانا ولا يقول بسم الله حتى.

- والله العظيم سميت. 

قالها أمين يلوك في الطعام الذي يمتلأ به فمه، لتعلق مجيدة وهي ترمقه بابتسامة خبيثة:

- معلش يا حبيبي اصل ما بينش عليك ابدًا انك نطقتها، اللي يشوفك ما شاء الله عليك يعني، يقول انك بتاكل لناس تانية معاك. 

تقلصت تعابير وجهه يدعي الضيق ليلوك ببعض التمهل حتى يسلم من السنتهم، ولكن مجيدة لم ترحمه:

- لينا بتتصل عايزة تسألك في إيه يا أمين؟

توقف فجأة عن المضغ، وبدا وكأنه يفكر، قبل يعود للطعام مرة أخرى، يدعي إجابة بدون تركيز:

- عادي يا ماما، بتسأل على حاجة كدة، هبقى اقولك عليها بعدين.

ردت مجيدة بلهجة يملأها الإصرار:

- وبعدين ليه بقى؟ ما تقول دلوقت.

حاصرته بقولها، وهو لا يريد الرد لأنه لا يضمن فعلها، ولكن وفي رحلة بحثه عن رد مناسب تدخل حسن قائلًا:

- يعني سبب التأخير في الخروج م الأوضة عشان انت بتتكلم في التليفون مع لينا؟

استغل أمين ليبعد تركيز والدته عنه فصاح بمبالغة:

- وما اتكلم يا سيدي زي ما انا عايز اتكلم، ما انت بتحب طول الليل في التليفون مع خطيبتك، جات على العبد الغلبان يعني، انا قايم وسايبهالكم، دا انتوا بقيتوا غلسين اوي.

وصل الى الباب الخارجي ليلقي بعبارته الأخيرة، قبل أن يغادر نهائيًا ويتركهما:

- عالم غريبة والله.

ردد حسن باستهجان وهو يطالع اثر الباب الذي صفقه شقيقه:

- دا بيقول علينا احنا عالم غريبة يا ماما، هو الواد ده ماله؟

تبسمت مجيدة بمكر تجيبه:

- معلش يا حبيبي، هو فاكر انه كدة هرب من سؤالي، ولكن حياتك عندي يا غالي، لاعرف منه هو نفسه كل حاجة، استنى عليا بس لما يرجع. 

❈-❈-❈


بأعين متوسعة على وجه شاحب كشحوب الموتي، بتخيلها لما كان سيحدث بها وما حيك حولها من خطة غريبة للإيقاع بها، تسبقها شواهد هي وحدها من كانت تعاني منها ولا يشعر بها أحد.

- انا كان هيتعمل فيا كدة؟ ومن مين؟ من حامد اللي بيشتغل عندي كمأن؟

صرخت بها بعدم استيعاب ليضيف على قولها كارم بحدة، وبدون تصديق نحو محمد الذي كان يسرد على عجالة:

- ازاي يعني؟ دا راجلي اللي شغال تحت إيدي بقالوا سنين، يجي دلوقتي ويخوني بالطريقة الدنيئة دي؟ وانت..... وانت اللي تقدر على بغل زيه وتنقذ اختك؟ ايه الفيلم الهندي ده؟

تدخلت كاميليا بدفاعية عن شقيقها برد حازم وموجز:

- والله الأسئلة دي انت اللي تحاول تلاقي اجابتها من نفسك، ولو تروح القسم اللي بلغنا فيه وتتأكد، واهو وبالمرة تعرف لنا مين الست اللي كانت معاه، أكيد ليها علاقة بيك يا كارم .

قولها الاَخير اثار بقلبه الضغينة ليهدر بها والشرر يتطاير من عينيه:

- انتي تخرسي خالص ومدخليش نفسك في الموضوع احسنلك.

- إحترم نفسك يا أخ انت، انا مش هسمحلك تعلي صوتك على مراتي.

قيلت بقوة قاطعة من طارق الذي كان واقفًا بتأهب لأي رد فعل منه، ليزيد على حنق الاَخر، يحدجه ببغض، قبل أن يرد له:

- وانا إيش ضمني ان الموضوع ده ما يبقاش لعبة منك ولا من مراتك، بعد ما فشلت كل محاولات الصلح معانا أنا ومراتي.

بحالة من الذهول الغير عادي رددت كاميليا بعدم استيعاب:

- إنت مجنون؟ يعني انت بعد كل اللي قولناه ده عقلك برضوا بيفكر بنظام المؤامرة، وان كل اللي حصل دا لعبة مننا، انت مصدق نفسك؟

- أه مصدق نفسي.

قالها بتحدي يثير التعجب، ليأتيه الرد المفاجئ من رباب نفسها:

- بس انا مصدقة يا كارم، عشان كنت شاكة فيه بقالي فترة ونبهت عليك تغيره.

تقلصت تعابيره بارتباك ملحوظ لقولها المباغت له أمام اعدائه، فخرج رده بدفاعية:

- انتي قولتي انك عايزة تغيري السواق والحارس عشان مش عاجبينك، ما وضحتيش سبب منطقي عشان انفذ طلبك.

- عشان مكانش معايا دليل. 

صرخت بها بأعين باكية وبقهر تتابع:

- دايما كانت بتجيني رسايل مريبة من معجب مجهول، في الأول كنت بطنش، لكن لما زادت عن حدها اشتيكيت لمروان اخويا، بس قالي متخديش في بالك، بس الرسايل دي زادت حدتها لما بقى المجهول يوصف اللي لابساها ويحدد الأماكن اللي بروحها بالتفصيل عشان يجنني، كل ده كان بيخليني اشك في الاتنين حامد والسواق.

مع قولها الصادم وهذه الحقيقية التي رمتها بوجهه وسط هذا الظرف وامام هولاء، اربد وجهه بظلام دامس، براكين الغضب في عينيه تقدح شررًا، عروقه اصبحت بارزة، يضغط على قبضته حتى ابيضت مفاصله، فخرج سؤاله من قعر الجحيم، يجاهد بكل قوته حتى لا يفتك بها أمامهم:

- ولما انتي بيحصل معاكي دا كله، مقولتليش ليه؟

ردت بصيحة غير مبالية، وقد سقطت الأقنعة ولم يعد لديها ادنى طاقة للمواربة:

- عشان كنت خايفة منك، لأن كنت متأكدة أن عمرك ما  هتصدقني، السنين اللي عيشتها معاك خلتني عرفتك كويس، إنسان ظالم، والنية السيئة بتسبق عندك في أي شيء، كنت هتحط اللوم عليا، ومش بيعيد تقتلني من غير بينة.

- أنا كنت هعمل كدة؟

تفوه بها، يعتبرها إهانة في حقه، رغم زحام الأفكار التي كانت كالرحا في رأسه الاَن في هذه اللحظة، وبموقف القوة التي لا يتخلى عنها، تابع ينهي النقاش رافعًا سبابته أمامها بتهديد :

- انا خارج دلوقتي حالا اتأكد من صحة الكلام ده، وسواء كان طلع صح ولا غلط، الحساب ما بينا وع الكلام اللي اتقال دلوقتي مش هيعدي بالساهل يا رباب. 

تحرك بعضبه وقبل أن يصل لنصف المسافة استدار مؤكدًا:

- وحطيها قاعدة في دماغك.

قالها متوجها لفتح باب الغرفة والذي تفاجأ باندفاعه للداخل فجأة، ليلج منه جاسر الريان وخلفه مدير امنه الشخصي إمام، تواجهت الأعين بحديث سريع ومقتضب، قبل ان يبادر جاسر بإلقاء التحية:

- مساء الخير يا جماعة، عامل ايه يا كارم؟

أخرج كتلة من الهواء ليبدوا متماسكًا ومسيطرًا كعادته

في الرد بلهجة تبدوا عادية:

- أنا تمام وفل الفل يا باشا، بس مضطر اَسفًا إني أسيبك دلوقتي، عشان عندي مشوار ضروري لازم اعمله، عن أذنكم.

تابع قراءة الفصل