-->

رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 36-1

 

قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية وبها متيم أنا

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر


الفصل السادس والثلاثون

الجزء الاول

في جنح الظلام وعلى أطراف أصابعه كان يتسلل بخفة، داخل المنطقة العشوائية القديمة، مستغلًا انطفاء معظم اعمدة الانارة بها نتيجة الإهمال، أو عمليات التخريب التي تحدث للمصابيج في كل معركة لمعتادي الإجرام من سكان هذه الأماكن وما يشبهها.

استمر بحرصه حتى اقترب من وجهته، بالقرب من المنزل الموصوف، والذي كانت أنوار نوافذه خير دليل على استيقاظ السكان بداخله، ولم يأت ميعاد نومهم بعد.

القى بنظرة سريعة على ساعته، والتي كانت لم تتعد الحادية عشر بعد، ليدفع ببعض الزفير من انفه وفمه، وقد ارتدت قدميه للخلف حتى وصل الى المنزل المهجور، والذي سقط معظمه فيما سبق؛ حتى اصبحت الجدران للنصف وأقل، تخفى خلف أحدهم، ليجلس منتظرًا مجيء من أتى من أجله مخصوص، بجلبابه الأسود وغطاء الوجه الذي التف حوله ولم يترك سوى عينيه، ليتساوى مع الظلام، فلا يلفت إليه الأنظار من أهل المنطقة، وإن حدث وراَه أحدهم، فسوف يظنه صاحب الحظ السئ شبحًا.


❈-❈-❈


انتهت الرقصة الرومانسية بين العروسين ليذهبًا إلى مقرهم الأساسي في الحفل وهو اعتلاء المنصة التي كانت مصممة بأناقة على هيئة تاج لتناسب الأمير وعروسه.

استغلت رؤى لتعدو بخطوات مسرعة نحو طاولة العائلة، لتبادرهم القول بتلهف:

- ماما يا ماما، شوفتي الفرح، شوفتي العرسان يا خالتى، دا كمان لو روحتوا معانا السيسشن، كان يجنن.

التوى ثغر الأخيرة لترمقها صامتة بسخط، وردت نرجس:

- شوفنا يا اختي، وشوفنا كمان تنطيطك ولا اكنك عيلة صغيرة ومش عاملة حساب حد، مش عروسة وعلى وش جواز.

رددت خلفها بعدم استيعاب، مشيرة بسبابتها نحوها:

- أنا على وش جواز يا ماما؟

- ايوة عروسة وعلى وش جواز، يعني ترسي كدة عشان لو شافك حد من الناس اللي هنا وحط عينه عليكي، ميقولش هبلة. 

قالتها أمنية بتصنع الجدية، امام نظرات خطيبها والذي كان جالسًا يتابع بصمت مريب، ولكن الفضول دفعها لتردف بتساؤل:

- ثم إيه حكاية السيشن دي كمان اللي اتأخرتوا فيه، هو مش منظر طبيعي وخلاص، يتنيلوا يا خدوا فيه لقطتين الكاميرا!

تبسمت بشقاوة تحرك رأسها أمامها مغيظة لتقول:

- مش هقولك، هسيبك كدة تتفاجئي وانتي بتتفرجي عليهم دلوقتي ع الشاشة، واعرفي لوحدك .

ختمت بإخراج لسانها لتزيد بعدم اكتراثها:

- وهروح بقى اكمل رقص مع اصحابي، عشان لما يشوفني عريس زي ما بتقولي، ياخد ديلوا في سنانه ويجري.

قالتها وذهبت كما أتت لتعقب في اثرها أمنية بغيظ:

- ايه بت الهبلة دي؟ هي بتكلمني كدة ليه؟

عاد ابراهيم ليحدجها بثاقبتيه مرددًا بتحذير:

- سيبك منها يا أمنية واقفلي بوقك دا شوية، ولا انتي كان عندك غاية تروحي معاهم؟

نفت على الفور مرددة:

- لا لا لا طبعُا، انا كفاية اني جيت معاك، دي تسوى الدنيا بحالها .

صمت يطالعها رافعًا حاجبه بتشكيك، قبل أن يلتفت نحو والدته التي وقفت فجأة تقول على مضض:

- انا رايحة اسلم وابارك، مش ناقصة ابوك يعملها حكاية.

- وانا كمان رايحة معاكي 

قالتها نرجس، ف اتجهت أمنية له سائلة:

- واحنا يا ابراهيم، هنروح معاهم ولا نروح لوحدنا؟

ضيق عينيه قليلًا بتفكير، قبل أن يجيبها:

- خليهم يسبقونا، واحنا نبقى نحصلهم. 


❈-❈-❈


على المنصة وقد كانت جالسة بجواره بذهن شارد، أعينها تدور يمينًا ويسارًا وفي الأنحاء حولها، بعدم تركيز؛ تتلقى التهاني من المدعوين والتصوير معهم، هي وعريسها، ودائرة الفكر برأسها لا تتوقف.

إنتهى حسن من الترحيب بأحد المباركين من أصدقائه، قبل أن يعود إليها متغزلًا:

- طب برضوا دا كلام! حد يبقى زي القمر كدة ويسرح؟

التفت إليه تطالعه باستفهام، فعاد بمشاكستها

- ايه اللي واخدك مني يا قمر؟

أهدته ابتسامة ساحرة سلبت فؤاده كالعادة، لتنفي بهز رأسها مردفة بالجملة الروتينية بهمس:

- عادي يعني.

كان من حسن حظها، أنه التهى مرة أخرى مع أحد اقربائه من الشباب، والذي امتدت كفه لمصافحتها قبل يتبادل معه المزاح، وعادت هي إلى شرودها، وذلك الذي حدث معها منذ بداية اليوم، حينما واجهها بما علمه عن مقتل والدها وتاريخ عائلتها:


"" - ايه اللي انت بتقوله دا يا حسن، جيبت منين الكلام ده؟

- هتفت بها بصدمة ناهضة عن مقعدها، وقف هو الاَخر، ليقابلها بوقفته أمامها أسفل المظلة الشمسية، يتابع بإصرار:

- مش مهم جيبته منين يا شهد، المهم دلوقتي ازاي نتصرف؟ انا مش عايز اعرضك لأي خطر ولا عايزك تدخلي في أي مشاكل وصراعات مع الناس دي، أمين اخويا جاب كل المعلومات عنهم، وعرف ان والدك كان معاه حق لما بعد عنهم .

لاح على وجهها توترًا وحرج فهمه جيدًا، حبيبته الأبية ترفض الظهور أمامه بمظهر الضعف، كما أنها تخجل من هذه النقطة السوداء والتي تمس عائلتها، لتزيد من تأكيد الفكرة برأسه.

عادت تسأله بإلحاح، ورأسها تضج بالأفكار السيئة:

- يا حسن انا لازم اعرف المصدر اللي وصلك الكلام ده من الأول، دي اول مرة انت تكلمني فيها، وكمان في يوم مهم زي ده، انا بصراحة الشكوك ملت مخي، وعايزة افهم عشان اتجاوب معاك، ولو عندك نية يا بن الناس للفركشة أو حتى متردد....

قطعت مجبرة بحضوره الطاغي حينما اقترب بجسده منها ليقلص المسافة بينهم، واضعًا انظاره نصب عينيها، ليرد بصوت مفعم بالعاطفة نحوها:

- أنا مقدر عصبيتك وعارف بكل اللي بيدور في دماغك، بس كمان برجوا منك تركزي كويس في كلامي، انا بفاتحك عشان معايا الحل اللي ينهي أي اشكال من بدايته، انا بحبك يا شهد، ولا يمكن افرط فيكي حتى لو بعمري كله.

صمتت تبتلع ريقها، تأسرها عينيه، يجذبها الحنان المتدفق بهما، يغمرها عطره الرجولي بدفء جعلها كالمغيبة تستمع بإذعان وهو يستطرد:

- لو ليا عندك معزة يا شهد اسمعي كلامي المرة دي، وبلاش تغلبي العند ما بينا عشان بفاجئك بقراري، قراري ده مأخدتهوش من فراغ، دا جه بعد ما سألت واتأكدت من صحة المعلومات اللي اتقالتلي، هل هتنكري ان عيلة والدك حاولوا معاكي انتي واخواتك بعد وفاة الوالد عشان ياخدوكم وياخدوا مكتب المقاولات بتاعه، واللي أسسه بعرقه وشقاه؟

غامت عينيها مع تذكرها للحروب التي واجهتها، من جهة نرجس السلبية وافراد عائلتها واطماعهم، ومن جهة أخرى هؤلاء الأشخاص من عائلة أبيها والذين ظهروا فقط بعد رحيله، وقد كانت تظنهم السند قبل أن تفاجأ بغدرهم ونيتهم السيئة بكل وقاحة للأستيلاء على ورثها وورث أخواتها، وعليهن أيضًا، قبل أن تنتفض وتخرب كل الخطط والمؤامرات التي كانت تحاك حولها، بمساعدة أبو ليلة والحج عابد....

استدركت فجأة لتباغته بسؤالها:

- حسن، هو ابراهيم اللي بلغك بالحواديت دي؟

لم ينكر صحة تخمينها ليرد بعملية:

- رغم اني مبحبوش وبرضوا مضمنش حسن نيته، لكن اللي يهمني دلوقتي الحل، هتثقي فيا يا شهد وتوافقي على عرضي؟

اشتدت ملامحها، واحتدت عينيها بوميض مشتعل، هذا المعتوه لايزال ينخر كالسوس من خلفها، عقله الخبيث لن يرتاح سوى بتخريب حياتها، كما فعل قديمًا وأفسد العديد من الفرص، لقد ظنت بالموافقة على خطوبته  من شقيقتها، رغم معارضتها الشديدة في البداية،  إلا أنها تأملت أن يكون قد ازاحها من تفكيره، ويتخطى التعلق المريض بها، ولكنها كانت مخطئة. 

- كل ده تفكير يا شهد؟

قالها حسن لتسفيق من شرودها،  وتجيبه بالرد الحاسم:

- انا موافقة على عرضك، من قبل حتى ما اعرفه""


عادت لواقعها الجديد على صوت نرجس وهي تخاطبها بود زائف:

- الف مبروك يا شهد، الف مبروك يا حبيبتي. 

تلقت العناق والقبلات منها تغتصب ابتسامة بصعوبة،  ردًا علبها؛

- الله يبارك فيكي يا مرات ابويا، تسلمي.

- تسلمي انتي يا حبيبتي من كل شر.

قالتها نرجس قبل ان تفسح المجال لشقيقتها، وتتجه بمباركتها نحو حسن الذي كان يبادلها الود رغم عدم ارتياحه لها، اما سميرة فهي كالعادة لا تخفي كرهها، وذلك ما يبدوا جليًا في ابتسامتها الصفراء.

انسحبا الاثنان لتأتي مجيدة بصخبها وضحكة من القلب تشرق وجهها بالفرحة، تردد بمرح؛

- العرسان عاملين ايه؟

قالتها لتتلقى عناق ابنها على الفور، لتربت بكفيها على ظهره ضاحكة، وابتسامة صافية بود حقيقي تطالع بها شهد، تحمل في طياتها السلام والإطمئنان؛ لتبدد سنوات من الغيوم والضباب 


❈-❈-❈


من النافذه إلى المقعد المجاور لشقيقته، ثم إلى النافذة مرة أخرى، ينظر إلى الشارع يترقب انتظارها، ويطالع الساعة بتوتر يعصف به، حتى هتفت به رحمة:

- ما تهدى بقى يا بني خايلتني.

التف إليها والقلق يصدر مع كل حرف يخرج بين كلماته:

- أهدى ازاي بس يا رحمة؟ وانتي بتقولي العريس دا جاي بكرة، انا عايز اعرف رأيها قبل ما تشوفه، مش عايز ادخل في دوامة الانتظار المر لمعرفة قرارها في الجوازة، عايز ارسى حل، هتفتحلي باب جنتها، ولا اهج واسيب البلد كلها.

دب الرعب بقلبها تأثرًا بكلماته، لتبلغه اعتراضها علّه يعود لعقله:

- يا لهوي يا شادي، انت واعي للي انت بتقوله؟

اومأ يوافقها الرأي يهزهز برأسه قائلًا:

- أيوة يا رحمة واعي للي بقوله، بس اعمل إيه؟ ما انتي اللي عشمتي قلبي بكلامك امبارح، أنا طول الوقت بكبت إحساسي جويا، لكن دلوقتي وبعد ما عرفت كمان انها ممكن تروح مني، معدتش قادر اسكت، مش قادر يا رحمة.

زحفت بجسدها على الفراش حتى اقتربت من الطرف، وامتدت ذراعها نحوه لتربت بكفها على ساعده مهونة بحنان:

- سيبها على الله وربك يساويها، قادر ربنا يجعلك نصيب فيها، من هنا للصبح يعدلها المولى. 

ردد خلفها باستنكار اختلط بإحباطه:

- وانا لسة هستني للصبح؟ بقولك مش قادر.....

قطع يستل هاتفه، ليصغط على أحد الارقام ويهاتفها، سألته رحمة بفضول:

- طب هتتصل بمين؟

أشار إليها بكفه لتتوقف عن الكلام،  وانتظر حتى أتته الإجابة من الطرف الأخر:

- الوو السلام عليكم، مين معايا؟

أربكه صوتها الناعم الرقيق، حتى جعله يتلعثم في البداية، باحثًا عن رد ليبرر سبب اتصاله بها، فهذه اول مرة يفعلها:

- ااا صبا، ممعلش لوو بتصل بيكي في وقت متأخر. 

- لا ولا يهمك يا مستر، مفيش تأخير ولا حاجة،  أنا اصلًا لسة في الفرح.

قالتها بتسامح وعفوية جعلت أعصابه ترتخي بعض الشيء، فجاء رده بفضول لم يقوى على كبحه:

- هي مش خطوبة عادية يا صبا، ليه التأخير ده كله؟

ردت بابتهاج وصل إليه عبر صوتها:

- لا ما هي بقت كتب كتاب، والليلة احلوت جوي حتى ابويا بيرجص بالعصاية. 

- ضحك من جهته ليرد مستمتعًا بحديثها:

- يااه دا بين شهد دي غالية اوي عند ابو ليلة عشان ينزل من هيبته ويرقص لها.

- جوي جوي والله، دا انا حاسة ان فرح اختي النهاردة. 

- ربنا يفرحك كمان وكمان.

حديثهما كان مفعمًا بالتباسط، حتى انه نسي السبب الأساسي لإتصاله، ولم ينتبه سوى بعد أن ذكرته.

- بس انت مجولتش سبب الإتصال يا مستر.

- السبب! اَه السبب، ااا انا كنت بتصل عشان ابلغك يعني..... رحمة، رحمة عايزاكي ضروري. 

زهلت الأخيرة تضرب كفًا بالاَخر،  لا تصدق ما يفعله شقيقها والذي فاجئها بجراته في الاتصال، يبدوا أن الحب يفعل المعجزات كما تسمع دائمًا، حينما أنهى المكالمة، بادرته بالسؤال على الفور:

- ها سي يا شادي، ردت وقالتلك ايه بقى؟

استفاق ليلتف إليها متحمحمًا بادعاء الجدية:

- اا بتقول انها هتيجي الصبح تطل عليكي.

ظلت تطالعه صامتة، محافظة على ابتسامتها الماكرة، لتزيد من اضطرابه، انتفض فجأة يهتف بها معترضًا:

- في إيه يا بنتي؟


❈-❈-❈


- طنت مجيدة وماما، مش شايلين عيونهم من علينا.

قالتها لينا وعينيها تختطف النظرات نحوهن، التف هو نحو الجهة التي تقصدها، ليعود اليها معقبًا:

- اعذريهم يا ستي ما هم لازم يستغربوا، دول ياما شاهدوا خناقتنا.

زمت شفتيها لترد بابتسامة مستترة ودلال يليق بها:

- وهما شافونا دلوقتي بقينا حبايب يعني؟ عشان بس واقفة معاك هيعملوها حكاية.

توسع ثغره بابتسامة عذبة، يطالعها بإعجاب وانبهار، رائعة بكل خصالها، حتى وهي مجنونة تنفعل على أتفه الأسباب، تتشاجر بحدة غير اَبهة بأي شيء او صفة الذي يقف أمامها، ولكن في المقابل ، تملك من سمات الجمال ما ينصبها ملكة، ومع ذلك تتصرف بطبيعتها دون تصنع، 

تذكر حينما أتى متأخرًا ليصطحب شقيقه والعروس خطيبته لموقع التصوير، وقعت عينيه عليها وقد كانت خارجة من صالون التجميل كأميرة يونانية من إحدى أساطير الخيال، لقد توقف قلبه عن النبض لحظات قبل ان يستعيد خفقانه مرة أخرى، كي يملك رباط جأشه حتى يستطيع التعامل معها بثبات. 

المناكفة الشرسة، لها قدرة عجيبة على تحريك الماء الراكد حتى يصبح حمم بركان مشتعلة، وقد أحيت فؤاده بعد سنوات عديدة من سباته. 

طال في تأمله لها، حتى جعلها تخرج عن صمتها قائلة:

- مالك يا عم ساكت ليه؟ أنا بكلمك على فكرة. 

عاد للضحك مرددًا:

- طب ما انا عارف ان انتي بتكلميني، لازم يعني ارد على كل سؤال؟

افتر فاهاها باندهاش لتضرب كفًا بالآخرى تقول:

- مفيش فايدة فيكم انتوا يا ظباط، التناكة بتجري في دمكم، اموت واعرف، هي الصفة دي بتاخدوها في المناهج، ولا انتوا بتتولدوا بيها يعني ولا ايه؟

عقب ساخرًا يضيف عليها:

- لا وانتي الصادقة، دي بتبقى من أساسيات المعايير اللي بيتم اختيارنا عليها.

- كمااان

بنصف شهقة تفوهت بها ضاحكة، قبل أن تلتف رأسها مع الجميع نحو الشاشة التي كانت تعرض الصور التي تم التقاطها للعروسين منذ قليل، بعدة اوضاع، وعدة أماكن مع موسيقى تصويرية، تجذب انتباه الحضور، وتأسر أسماعهم .

وقفا الاثنان يتطلعان كالبقية بقلوب مبتهجة وحالمة، عدة دقائق زيادة من فرح المحبين، وغيظ الأخرين، حتى إذا انتهت توقف حسن بالميكرفون معلنًا:

- مساء الخير يا جماعة، انا عارف ان ناس كتير كانت فاكراها خطوبة عادية بس احنا حبينا نعملها مفاجأة، اتفضل يا عم الشيخ.

قالها متجهًا بأنظاره نحو مدخل القاعة،  والتفت رؤس الحاضرين بالتبعية خلفه، نحو رجل الدين الذي كان يتقدم بخطواته، بصحبة مسعود أبو ليلية، لتنطلق الزغاريد القوية من زبيدة وأنيسة ومجيدة التي كانت تردد بالأدعية الحافظة، واضعة كف يدها على موضع قلبها تخشى ان يتوقف من الفرحة. 

أمام الذهول الذي اكتنف المدعوين، تحرك فريق من عمال القاعة، بطاولة عقد القران في الوسط، والتي كانت مجهزة من قبل ذلك باتفاق مسبق، حتى إذا وصل الشيخ جلس على كرسيه دون انتظار، هلل ابو ليلة بصوت عالي.

- ما تزغرتوا يا جماعة، زودا فرحتنا .

انطلقت دفعة قوية لعدد من النساء يشاركن اهل العروسين فكان الصخب على أشده.


❈-❈-❈


وفي الجهة الأخرى 

تسمر واقفًا لمدة من الوقت لا يستوعب الصدمة، رغم كل ما يحدث ويراه من دلائل من حوله، وكأنه في عالم اخر، يكذب عينيه التي كانت تجول وتتنقل دون هوادة عليها وعلى الملعون الذي يسحبها بحمائية نحو طاولة عقد القران، استعاد وعيه على احتجاج والدته من خلفه:

- كتب كتاب يا نرجس وكنتوا مخبين علينا، ليه يا حبيبتي هنحسدكم؟

هتفت الاَخيرة تجيب بدفاعية:

- والله ما اعرف يا اختي، انا زي زيك .

- نعم.

تفوه بها وهو يستدير بجسده نحوهن يردف بهدوء مريب:

- انتي بتقولي ايه؟ يعني المأذون هيعقد ع المحروسة وانتي متعرفيش يا خالتي؟ ازاي يعني؟

ملامحه كانت مظلمة، مخيفة حتى لأمنية التي ارتعبت من هيئته، لتضيف هي الأخرى بلجلجة، رغم سلامة موقفها:

- احنا متفاجئين زينا زيكم والله، ما كنتش اتصور انها تطالع بالندالة دي وتخبي عن أهلها كمااان.

- عشان كرديات وهبل.


تلفظ بها كسبة بوجهها قبل أن يستدير عنها، وسعير الغضب بداخله، يحرضه على افتعال جريمة متكاملة الاركان لأيقاف هذا المهزلة، حتى لو أدى لقتل هذا الداهية وقتلها، كي لا تكون لأحد غيره، ولكنه ليس بالأحمق ليفضح نفسه أمام هذا الجمع من البشر، وعلى رأسهم هذه المناصب الهامة من رجال الأمن، لو كان الأمر في الحارة لتمكن بحيلة ما؛ أن يفسد الحفل من مكانه جالسًا، لكن هنا يقف كالعاجز مقيدًا، وقد بوغت بالضربة الموجعة، التف بغليله نحو النساء يفرغ سم حلقه بهم، فهو لن يتوجع وحده:

- انتي هتفضلوا كدة ساكتين وسايبن المسخرة دي تحصل،  عندها حق بقى تعاملكم كدة، مدام معندكمش كرامة، دي العيلة الصغيرة عملت لها قيمة عنكم، وقالت لها، ولا انتوا مش واخدين بالكم؟

ذهبت أنظارهم نحو رؤى التي التصقت بشقيقتها العروس هي ولينا وصبا وبعض الفتيات الأخريات، بفرح يقفز من أعينهن، دليل علمهم سابقا بما يحدث.


تابع قراءة الفصل