-->

جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 44


رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الرابع والاربعون 



قلبِي يناشدُ قلبكِ حبيبتي ويُخْبِرهُ بأنَّ دقَّاتهُ صارتْ تنبضُ بإسمِك

عيناي تُناجِي عيْناكِ صغيرتي وتُخْطِرُها بأنَّ برِيقُها أصبحَ مَملوكاً لك أنتِ 

ويَدَايْ تتشابكُ مع يداكِ وتُخبِرُها بِأنَّ دِفئُها منبعهُ صار منكِ 

فكُونِي لقِلْبِي الهَوى ولِعَينِي الحياةِ ولِيَدِي وَطَناً يحتضنُ رَعَايَاهُ.


خواطر كارم المعداوي

روز آمين


داخل منزل سيادة اللواء عز محمد المغربي

إجتمعت العائلة لإستقبال أسرة دكتور جمال المعداوي الصغيرة كي يتم التعارف بين العائلتان،داخل الغرفة الخاصة باستقبال الزائرين،يجلس دكتور جمال والرائد كارم وشقيقاه في ضيافة غز المغربي،حيثُ يترأس الجلسة ويجاورهُ ياسين وعبدالرحمن ومن ثم طارق وعُمر ووليد،

وتجلس ثُريا ومنال وايضاً يُسرا يرحبن بالسيدة بُثينة التي حضرت بصُحبة إبنتها لرؤية من خطفت قلب عزيزهما 


بإبتسامة بشوش تحدث عز المغربي مُرحباً بالزائرين: 

-أهلاً وسهلاً،شرفتونا


برصَانَة وهدوء عقب والد كارم: 

-الشرف لينا يا سيادة اللواء


أما بُثينة فقد إنبهرت بأخلاق عائلة المغربي وبالأخص ثُريا وعز وعبدالرحمن وياسين،أدهشتها بساطتهم وأستكانت بجلستها بعد أن كانت مُرتبكة وتشعُر بعدم الراحة لإعتقادها أنها ستري عائلة من الطبقة الأرستقراطية ذات النفوذ والثروة الضخمة


 حيثُ تجلس نساؤهُن رافعات أُنُوفٌهُن للأعلي وهُن ينظرن عليها وعلي إبنتها بشموخٍ وتعالي،لكنها ما وجدت من ثُريا ويُسرا إلا كُل تواضع وبساطة وبشاشة وجه وحفاوة بالإستقبال،حتي منال لم تختلف عن كِلتاهما وذلك بعد أن تلقت تنبيهاً من عز حثها من خلالهُ بضرورة حُسن الضيافة والمُقابلة الحَسنة وقد كان،مما جعل حالة الإهتزاز والتخوف اللتان كانتا تسكُن تلك الـ بُثينة تتبدل إلي إرتياح وطمأنينة 


بدأ الجميع يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم بـ وِئام وهدوء،وبلحظة إتجهت أنظار كافة المتواجدون باتجاه مدخل الباب حيثُ طلت تلك الجميلة كـ شمسٍ أشرقت فـ أنارت وحل نورها بالمكان،إنتفض قلبهُ عِشقاً عندما رأها تظهر أمامهُ بكل ذاك السِحر والإبهار


كانت ترتدي ثوباً رقيقاً باللون الوردي الهادئ أظهرها كـ فراشة تتهادي بخطواتها،تجاورها مليكة التي أشرفت علي زينتها وتجهيزها وأصرت علي أن تضل معها لحين دخول الفتاة إلي غرفة الضيافة كي تتعرف علي أهل خطيبها المستقبلي،جاورتها أيضاً سارة التي تخطت سعادتها عنان السماء لأجل صديقتها العاشقة الصغيرة،وقف ياسين وتحرك لإستقبال عَزيزة أبيها ومن ثم تبعهُ كارم بالوقوف إحتراماً لدخولهم،تطلع علي استحياء إلي جمال تلك التي خطفت لُبه 


أمسك ياسين كف يد إبنته ثم توسطها ومليكة ووقف أمام الحضور متحدثاً إلي الجميع وهو يُشير بتفاخر إلي مليكة بعدما قامت بإلقاء السلام علي المتواجدون: 

-أحب أعرفكم بـ مدام مليكة المغربي،مراتي 


واسترسل وهو ينظر إلي جوهرته النادرة ويُقدمها تحت إنبهار بُثينة وإبنتها من شدة جمال تلك المُبهرة: 

-ودي دكتورة أيسل،بنتي. 


تحدث جمال وهو يُرحب بـ مليكة بإيماءة من رأسه: 

-تشرفنا يا مدام مليكة


أومأت له وردت تحيته قائلة باحترام: 

-الشرف ليا يا أفندم


من جديد تحدث بحبور وهو يتطلع إلي أيسل بابتسامة لطيفة:

-أهلاً وسهلاً بعروستنا الجميلة


تحركت إلي أن وصلت إليه ومدت يدها للمصافحة وتحدثت بلباقة: 

-أهلاً بحضرتك يا انكل


وعي علي حاله واستفاق من حالة الإنبهار التي خطفت بصرهُ ولُبهْ فور رؤيتهُ لتلك الساحرةُ،تحرك ووقف يُجاور والدته موجهاً بصرهِ عليها ثم تحمحم كي يُجلي صوته وتحدث في إشارة منه بكفهِ المتجه إلي والدته:

-دي ماما يا أيسل،أستاذة بُثينة،مُدرس أول لُغة عربية ومُديرة مدرسة


إرتسمت علي ثغرها إبتسامة رقيقة ثم إقتربت عليها لتُصافحها فباغتتها الأخري بالتقرُب عليها بحميمية ثم قامت بتقبيل وجنتيها برُقي وهدوء وتحدثت بارتياح جلي بَيِنّ بصوتها:

-أهلاً يا حبيبتي


شعوراً غريب بالإرتياح تسلل إلي قلب الفتاة رويداً رويدا حتي تغلغل داخل روحها من مُجرد رؤيتها لتلك السيدة الراقية،وبرغم انها المرة الاولي التي تلتقيها إلا أنها شعرت بالإنسجام وبأنها إلتقتها من قبل،إبتسمت وعقبت علي حديثها بنبرة رقيقة تليقُ بها: 

-أهلاً بحضرتك يا طنط


ثم إلتفت إلي تلك التي تفوهت بنبرة دُعابية في محاولة منها للتقرب والتألُف: 

-وأنا بقي يا ستي أبقي رحاب أخت كارم الصُغيرة،متجوزة ومعايا ملك


نورتي واتشرفت بمعرفتك...نطقتها الفتاة تحت خجلها من الموقف فتحدثت رحاب بنبرة ودودة: 

-الشرف ليا أنا يا أيسل


جلس الجميع من جديد فـ بَادر دكتور جمال بالحديث المعتاد والمتفق عليه في مثل هذه المناسبات وهو ينظر إلي عز المغربي: 

-أنا يشرفني إني أطلب إيد حفيدة حضرتك الكريمة لإبني كارم يا سيادة اللواء


إبتسامة خافتة إرتسمت علي ثغر ذاك الراقي وتحدث بحبور تحت خجل أيسل التي وجهت بصرها لأسفل قدميها:

-الشرف لينا يا دكتور،وسيادة الرائد ده إبن الجهاز ويشرف أي عيلة يدخلها 


إبتسم جمال وتحدث باستفسار ودُود: 

-يعني كدة نقدر نقول مبروك علينا يا سيادة اللوا؟ 

 

بادلهُ الإبتسامة ثم نظر إلي حفيدتهُ الخجولة ومنها إلي ذاك المُتطلع والمنتظر لإجابتهُ بترقبٍ شديد وتحدث إلي ولدهِ من باب الأصول:

-مبروك دي بقي نسمعها حضرتك من أبو العروسة بذات نفسه


الرأي الأول والأخير في أي حاجة تخصني أنا أو أولادي يرجع لجنابك يا باشا... نطقها ياسين موقراً أباه مما زاد من قدره بأعيُن الجميع وبالأخص دكتور جمال،حيثُ إطمئن قلبه وتأكد بأن نجلهُ قد أحسَن الإختيار بمِثل عائلة


نظر عز إلي ولدهُ باعتزاز وأردف باستحسان:

-ربنا يكرمك يا سيادة العميد

واستطرد وهو ينظر إلي دكتور جمال ليزف لهُ خبر القُبُول:

-يبقي علي خيرة الله يا دكتور ونقرأ الفاتحة


رفع الجميع أياديهم وبدأوا بقراءة الفاتحة لـ مباركة الزيجة تحت سعادة العاشقان،وحين الإنتهاء قُمن بعض العاملات بإطلاق الزغاريد التي رجت جُدران المنزل لتُعلن عن زيارة الأفراح إلي منزلهم بعد هجران دام لأكثر من سنة مُنذُ تلك الحادثة المشؤمة وإزالة الستار عن وجه تلك الخبيثة التي قلبت المنزل رأساً علي عقب،ثم تبادل الجميع التهاني فيما بينهم


بنبرة هادئة وجه دكتور جمال حديثهُ إلي عز المغربي: 

-إن شاء الله بكرة هكلم الجواهرجي علشان ييجي هنا ويجيب معاه تشكيلة من المجوهرات والدكتورة تنقي كُل اللي هي عوزاه لشبكتها،وإحنا تحت أمرها في كُل اللي تُطلبه


ميرسي يا انكل...نطقتها علي استحياء فأردف ياسين باتزان: 

-قيمة الشبكة مش في تمنها يا دكتور،قيمتها من قيمة صاحبها،وعلشان كدة أي هدية ولو بسيطة من سيادة الرائد لـ بنتي،هتبقي قيمتها كبيرة جداً عندها وعندنا كُلنا


أومي بعيناه باحترام وشكرهُ،أما بُثينة فقد تهلل وجهها من شدة إبتهاجها لإتمام خطبة ولدها الغالي،وبسعادة بالغة تحدثت مستفسرة:

-ما تتفقوا بالمرة علي ميعاد الفرح خلينا نفرح


أردف عز المغربي بنبرة واثقة لاتفاقة المُسبق مع نجله وحسم تلك النقطة فيما بينهما: 

-إن شاء الله بعد ما تخلص دراستها علشان ما تنشغلش بالجواز وتهملها 


نزلت كلماتهُ علي قلب ذاك العاشق وكأن أحدهم سكب دلواً مملؤء بماءٍ شديد السخونة فأحرق قلبهُ والتهب بنار الإشتياق،في حين لوت بُثينة فمها بعدما ظهر الإحباط جلياً وارتسم فوق ملامحها ثم تنهدت وتحدثت بخيبة أمل:

-لسة هنستني أربع سنين بحالهم 


أراد عز المغربي أن يُلطف الاجواء ويجعلها أكثر مرحاً فتحدث مهوناً من الأمر: 

-هما الأربع سنين بقوا مُدة يا أستاذة،دي السنة بقت بتعدي وكأنها شهر


عقبت ثُريا علي حديثهُ لتيسير الأمر:

-هيعدوا علي خير بأمر الله


واسترسلت مستشهدة وهي تُشير بكف يدها إلي تلك المُجاورة بالجلوس لـ أيسل: 

-سارة بنت يُسرا بنتي هي كمان مخطوبة،ومش هتتجوز غير لما تخلص كُليتها


إتفق الجميع علي حديثها واردفت منال في إشارة منها إلي صُحون الحلوي وكؤوس المشروبات الباردة الموضوعة برتابة أمامهم فوق الطاولات الصغيرة: 

-إتفضلوا يا جماعة


بدأ الجميع بتناول الحلوي،ومن دون سابق إنذار أردف كارم موجهاً حديثه إلي ياسين بتمني:

-أنا ليا طلب عند حضرتك يا سيادة العميد وأتمني إنك توافق عليه   


قطب ياسين جبينهُ متعجباً واشار بعيناه وبكف يده بأن يُكمل فاسترسل الآخر بفكرة طرأت بمُخيلتهُ لإجبار ياسين علي الخضوع لأمر عودته من جديد إلي مهمة قيادة الحراسة الخاصة بحبيبتهُ:

-أنا بعد إذنك وإذن سيادة اللوا حابب إني أكتب كتابي علي الدكتورة الإسبوع الجاي،علشان أقدر أرجع لحراستها من جديد


ثم استرسل مُبرراً طلبهُ بعدما رأي نظرة إحتدام داخل عيناي ذاك الياسين: 

-علشان حضرتك تكون مطمن عليها وهي معايا في نفس العربية


علي الفور أجابهُ وبدون تفكير: 

-موضوع كتب الكتاب ده مش هينفع نهائي في الوقت الحالي يا كارم،أيسل فاضل لها أربع سنين علي الجواز

ثم مط شفتاه وتحدث بعقلانية:

-فـ ما أظنش إن دي هتكون فكرة كويسة


طب ورجوعي لمنصب قائد حراسة الدكتورة يا أفندم؟...نطقها بخُبث كي يضعهُ أمام الأمر الواقع ويوقعهُ داخل شِباكه،فـ عقب ياسين بنبرة باردة أثارت حنق الأخر:

-مش هينفع بعد ما عينت أحمد كمال بقرار رسمي،أجي أقول له شكراً إحنا إستغنينا عن خدماتك وهرجع المُهمة لكارم من جديد،لأنه بقي خطيب بنتي وليه الأولوية


واستطرد مُتعللاً: 

-وبعدين مش من الأصول إن بنتي تركب عربية لوحدها مع خطيبها

وبنبرة تأكيدية استرسل: 

-ولا إيه يا سيادة الرائد؟


بدهاء مُخابراتي اوصلهُ لتلك النُقطة التي يُريدها بالتحديد،فتحدث بنبرة واثقة بعد أن حصرهُ داخل دائرة مقفلة يصعب عليه الخروج منها،تحت أنفاس أيسل المتصارعة وضربات قلبها الُمرتفعة وهي تترقب لتري من منهما سيكون المُنتصر في تلك الجولة الشَرسة: 

-وانا للسبب ده تحديداً طلبت من سعادتك إننا نكتب الكتاب 


واستطرد بإبانة وهو يتبادل النظر بين الجميع ليستشهد بهم: 

-ما هو مش معقول أكون ظابط في المخابرات وأقبل إن حد غيري يقوم علي حراسة خطيبتي، وتبقي طول الوقت معاه في عربية واحدة؟! 


إتسعت عيناي ياسين وحول بصره مستنجداً بأبيه الذي إبتسم بجانب فمه ساخراً علي سقوط نجلهُ داخل شباك ذاك اللاعب المُحترف،فما كان منه إلا أنهُ نطق وهو يرفع ساعديه بلامبالاة أزعجت ياسين: 

-في دي بقي كارم عداه العيب يا سيادة العميد


في مساندة من طارق إلي ذاك الكارم الذي نظر إليه مُلتمساً منه إعانتهُ،فتحدث بنبرة هادئة كي يحثهُ علي الموافقة بعدما وجد ترحيب إبنة أخيه بالأمر: 

-كلام سيادة الرائد مظبوط يا سيادة العميد،كارم لازم يكون مع أيسل في كل خطوة علشان يقدر يحميها،وخصوصاً إن بقي له مُدة معاها وفهم طبيعة الموضوع ودرس الطُرق كويس 


بعيناي مُمتنة شكرهُ ذاك العاشق،أما ياسين فنظر إلي شقيقهُ بحيرة ثم حول بصره إلي إبنته، فـ وجد القبول بل اللهفة من داخل عيناها لإنتظار قرار أبيها


أيضاً أكد دكتور جمال علي طلب نجله وتلتهُ ثُريا التي باتت تُقنعه،كان الجميع مُنتظر جوابهُ علي أحر من الجمر،تنهد ثم حول بصرهُ وتطلع إلي حبيبتهُ ليستشف رأيها من خلال الساحرةُ عيناها،فما وجد سوي التحفيز علي النُطق بالموافقة وابتسامة حنون جعلتهُ يبتسم ويتحدث إلي الجميع:

-وأنا موافق علي كتب الكتاب


واستطرد وهو ينظر إلي كارم متوعداً بملاطفة: 

-مبروك يا سيادة الرائد ومردودة لك. 


ضحك الجميع علي دُعابة الأستاذ لتلميذهُ الذي تفوق عليه في جولة عنيفة إنتهت بفوز التلميذ بجدارة،تبادل الجَمع المباركات تحت شِدة حبور تلك العاشقة التي نظرت إلي فارسها وتبادلا الإبتسامات والمُباركات بأعيُن هائمة شديدة السعادة


❈-❈-❈


بعد مرور الوقت المُحدد علي عقد القران 


في حفلٍ صاخب مُبهج أقامهُ عز المغربي بحديقة منزلهُ للإحتفال بعقد قران حفيدتهُ الأولي،حيثُ كان الحفل مُبهراً من حيثُ التنظيم والتحضيرات وجَمعَ بين العائلتين بجانب حضور بعض القامات والشخصيات العامة والهامة داخل مدينة الأسكندرية،إمتلأت الحديقة بالمدعوون لحضور الحفل وبدأت منال وثُريا تستقبلتان ضيوفهما في الحفل بحفاوة وبشاشة وجه،والرجال هكذا أيضاً


كان يقف جانباً بانتظار خروج صغيرتهُ بعد إنتهائها من وضع أدوات الزينة المُلائمة لذاك اليوم،كان يبدو عليه التوتُر وعدم الراحة،تحرك إليه طارق بعدما لاحظ شرودهُ وتوترهُ الظاهر عليه،قام باحتواء كَتِفهِ بلف ساعدهُ حولهُ ثم تحدث سائلاً إياه بمشاكسة كي يُزيل عنه الحُزن الذي أصابه:

-الباشا بتاعنا واقف لوحده ليه؟


بنبرة ساكنة أجاب أخاه دون النظر إليه:

-مستني سيلا لما تخلص علشان أدخُل أجيبها 


أشفق عليه وجاورهُ الوقوف بعدما شعر بتوترهُ،بملامح وجه شديدة السعادة أقبل عليهما كارم وتحدث بنبرة حماسية: 

-المأذون جه يا سيادة العميد

واسترسل مُنْبسِط الأَسارير: 

-من فضلك تدخل تجيب أيسل علشان ما نأخرش الراجل


كظم غيظهُ من تلك الإبتسامةِ البلهاء التي رأها مُرتسمة علي وجة ذاك السعيد،في حين تحدث طارق بملاطفة في محاولة منه لتخفيف أجواء التوتُر بينهما: 

-ما تفُكك يا ابني من الرسميات اللي إنتَ فيها دي


واسترسل موضحاً بدُعابة: 

-فيه واحد بردوا يقول لحماه يا سيادة العميد! 


بابتسامة مُبهجة عقب علي حديثهُ: 

-عندك حق يا طارق بيه


إبتسم وتحدث وهو يطوق كَتفهُ بحميمية: 

-يا ابني لسة بقول لك بلاش رسميات تقوم تقول لي يا طارق بيه! 


بإبتسامة عقب قائلاً بكامل الرِضًى: 

-شوف سعادتك عاوزني أقول لك إيه وأنا تحت الأمر


لوي فاههُ بتفكُر ثم تحدث بهدوء:

-مع إن السِن بينا يدوب كام سنة،بس ممكن تقول لي يا عمو زي سيلا


أومأ لهْ بتوقير ثم نظر إلي ذاك الشارد وتحدث باطمئنان:

-ياسين باشا،إنتَ كويس؟!


تنهد ياسين بعدما إنتبه لحديثهُ ونظر يتطلع إليه ثم تحدث بنبرة مشتته: 

-أنا الحمدلله كويس


ثم وضع كفهُ علي كَتفه وتحدث بنبرة هادئة: 

-روح أقعد مع المأذون وخليه يظبط كُل حاجة وأنا هدخل أجيب أيسل 


ظهرت بمقلتيه سعادة لا متناهية وحماسة وبمُطَاوَعة أومأ لهُ ثم تحرك بجانب طارق إلي مقر جلوس المأذون الشرعي لتجهيز التحضيرات اللازمة لإتمام الأمر،تحرك ياسين إلي الداخل وقام بالقرع علي باب الحُجرة فتحركت مليكة وقامت بفتح الباب لتنفرج أساريرها حين وجدت حبيبها أمام عيناها،إبتسمت له ثم مدت يدها لتحتضن بها كفهُ لتحثهُ علي الدخول وتحدثت بحنان بعدما رأت التوتر داخل عيناه: 

-إدخُل يا حبيبي


أومأ لها بابتسامة مُمتنة شكرها بها علي كل شئ قدمته وتُقدمهُ سواءاً له أو لأبناءه،ثم خطي بساقيه وتفاجئ بهيئة إبنته الجذابة في ثوب خطبتها بلونه الذهبيّ المُبهر،إكتسي وجه الفتاة باللون الأحمر الداكن جراء خجلها من والدها الذي مال برأسهِ وبات ينظر عليها بمشاعر مختلطة مُذبذبة،ما بين سعادتهُ لشدة إبتهاجها الظاهر بعيناها،وغيرتهُ المُميته علي صغيرتهُ التي طالما إهتم هو بها وأحتواها بكُل ما تحملهُ الكلمة من معني،فكيف لغيرهِ من الرجال أن يأتي وبكل بساطة يخطتفها هكذا منه!


بالإضافة إلي مشاعرِ الحُزنٍ التي إنتابته علي إفتقاد صغيرتهُ لوالدتها في ذاك اليوم المهم لكل فتاة،فبرغم وجود جميع نساء عائلة المغربي واحتوائهُن للفتاة وبالاخص مليكة خشيةٍ علي شعورها بفقدانها للأم،إلا أنهُ لمس بفطانته حُزناً ظهر من بين سعادتها يرجع لشعورها باليُتم وفقدانها لوالدتها الحنون


إبتسمت علي استحياء وتحركت إلي أبيها لتُلقي بحالها داخل أحضانهُ الحنون وما كان منه غير قيامهِ بفتح ذراعيه علي مصرعيهما وتلقي صغيرتهُ وضمها بقوة داخل أحضانه كي يمحي عنها أي لحظة حُزن


أردفت نرمين بتنبيه إلي ياسين بعدما رأت الفتاة تتمسح بصدر أبيها وهو يشدد من ضمتهِ لها: 

-حاسب يا ياسين،كدة مُمكن تبوظ لها الميك آب 


إنتبه لحديثها فقام بفك وثاق ذراعيه من عليها ثم أبعد إبنته عن أحضانه وتحدث وهو يبتسم لها بمرارة: 

-زي القمر يا حبيبتي 

بصعوبة تماسك واسترسل بنبرة أجاد بإخراجها هادئة:

-يلا علشان المأذون جه والكُل مستنينا برة


نظرت إلي مليكة لتستشف من عيناها ما إن كانت زينتها قد إنتزعت وتحتاج إلي التعديل،أم أنها مازالت علي وضعها،طمأنتها بعيناها وتحدثت بنبرة حنون:

-زي القمر يا حبيبتي


 إطمأنت الفتاة وتأبطت ذراع أبيها وتحركت بجانبهُ وتحرك خلفهما الجميع بسعادة،خرجا معاً وباتت تتطلع حولها علي المكان الذي إمتلأ بجميع المدعوين،ما أن رأوها حتي وقفوا جميعاً وباتوا يصفقون وهم منبهرون بروعة تلك المُبهرة بجمالها الأشبه بالجمال الأوروبي من حيث البشرة شديدة البياض وزُرقة العيناي بلونهما الصافي مروراً بخصلات شعرها الأشقر الظاهر من خلف حجابها  بشكلٍ متناسق وجذاب،حقاً كانت مُبهرةُ للغاية


وقف بمكانه يتطلع عليها بشفاهٍ مفتوح بعدم تصديق أن تلك الأميرة التي كانت تزورهُ بأحلامه كطيفٍ قد أصبحت حبيبتهُ بل وأسرة روحه،وبخلال بضع دقائق ستكون مِلكً له وللأبد 


وصلت إلي الطاولة المُعدة مُسبقاً لعقد القران سحب ياسين مقعداً بجانب مقعدهُ وأشار لصغيرتهُ فجلست بخجل وجاورها الجلوس بجانب المأذون الشرعي،وبدأ المأذون بعقد القران بعدما أوكلت الفتاة والدها ليكون وَلِياً لها،أنهي المأذون إجراءات عقد القران وأعلنهما زوجاً وزوجة فـ انطلقت الزغاريد في كُل مكان لتملؤهُ بهجة وسروراً


وقف ياسين وأمسك وجنتي صغيرتهُ مُقبلاً إياهما بمشاعر متضاربة وتحدث بصوتٍ متأثر:

-مبروك يا قلبي،ألف مبروك


بنظرات حنون وعيناي تكادُ تُدمع من شدة تأثُرها بالحَدث أردفت قائلة: 

-مِيرسي يا بابي


وأيضاً إحتضنها عز وقام بتقبيلها متحدثاً بحبور:

-مبروك يا قلب جدو


الله يبارك فيك يا حبيبي...نطقتها بعيناي مبتهجة،توالت المُباركات من جميع أفراد العائلة بسعادة بالغة


إقترب كارم منها بعدما تلقي المُباركات والتهاني من الجميع فاحتضنهُ ياسين وهنأهُ وقدم له يد إبنته التي إهتزت بمجرد أن شعرت بلمسته المتشوقة،وقف مُقابلاً لها ثم حاوط وجنتيها بكفاه وتحدث بنبرة صوت تهتزُ من شِدة إبتهاجها: 

-مبروك يا حبيبي،ألف مبروك يا عُمري


إنتهي من كلماته وقام بوضع قُبلة وقورة فوق جبهتها خطفها سريعاً إحتراماً لرجال عائلتها ولشخصهِ قبل الجميع،وبرغم تماسكهُ وظهور القُبلة بجديتها وسُرعتها الخاطفة إلا أن تلك العاشقة قد أغمضت عيناها وشعرت برجفة تسري بكامل جسدها من مُجرد تلامُس شفاه بطريقة رقيقة لجبينها،شعر بارتجافها فابتعد سريعاً وأمسك كفها باحتواء ثم تطلع إلي عيناها ليبث داخلهُما الطمأنينة 


تحدث ياسين إلي طارق قائلاً بتوصية: 

-وصل سيلا وكارم للكوشة يا طارق 


أومأ لشقيقهُ وتحرك بجانب الفتاة إلي أن أوصلهُما إلي المكان المُخصص لجلوسهما وتحدث لإبنة شقيقهُ:

-ألف مبروك يا قلبي

مِيرسي يا عمو...نطقتها بعيناي وشفاه مُبتسمة بشدة

جلسا متجاوران وانهالت عليهما المباركات والتهاني من الجميع ومن جدها أحمد العشري وقسمة وداليدا وتقبلت منهم الفتاة تهنأتهم بكثيراً من السعادة


وصلت إليهما مايان،وقفت أمامهُ وتحدثت بنبرة متألمة وهي تنظر إليه بنظرات لائمة:

-مبروك يا حضرة الرائد


أجابها بحديث ذات مغزي: 

-متشكر يا مايا،عقبالك لما تلاقي الشخص المناسب واللي يشوفك ملكة في عنيه ويتعب علي ما يوصل لك 


واستطرد بنبرة صادقة تأثرت بها تلك الجريحة:

-لأنك غالية،غالية قوي وتستاهلي واحد يعرف قيمتك ويصونك


 بالرغم من أنها كانت تموتُ من شِدة غيرتها عندما تراها تحوم حول رُجلها إلا أنها حزنت لأجلها بتلك اللحظة،بعدما شاهدت أمام عيناها إنهيار عاشقة تشهد عقد قران حبيبها علي من إختارها قلبهْ،والذي كُتب معهُ شهادة وفاة قلبها وللأبد. 


أومأت له بإبتسامة تحمل الكثير من الشعور بخَيبة الأمل،وبصعوبة حولت بصرها إلي تلك الجالسة بجانبهُ وتحدثت بجمود بعدما ضغطت علي حالها لأبعد حد ويرجع ذلك لعدم تقبُلها: 

-مبروك


برغم جمودها معها ونظراتها الكارهة التي شملتها بها،إلا أنها تألمت لأجلها وبنبرة هادئة أجابتها بخفوت: 

-عقبالك


تحركت عائدة إلي طاولتها دون إضافة كلمة أخري مما جعل ذاك الثُنائي يتابعا إبتعادها بقلبان يتألما حُزناً عليها،أراد تغيير الحالة المِزاجية والخروج من تلك المشاعر السلبية التي استحوذت علي كِلاهُما،فبادر باحتواء كفها مما جعها تنتبه وتلتفتُ إليه سريعاً وكأنها وعت علي حالها،نظر لها وتحدث بعيناي تئنُ عِشقاً كي يسحبها معهُ من وسط تلك الغيمة: 

-أخيراً بقيتي مراتي،ومن النهاردة مافيش أي حاجة هتقدر تفرق بينا


وكأن كلماتهُ نزلت علي قلبها برداً وسلاما فشعرت براحة وسكينة تقتحم داخلها وتتغلغل،إبتسمت بجاذبية وتحدثت بنبرة رقيقة:

-مبروك يا كارم


تؤ...خرجت من بين شفتاه بإثارة إبتلعت ريقها علي أثرها،ثم استرسل مطالباً إياها بطريقة إملائية: 

-إسمها مبروك يا حبيبي،إسمي ده مش عاوز أسمعه منك تاني،أنا عاوز دلع،دلع وبس يا سيلا


توردت وجنتيها وهي تُتابع كلماتهُ التي يُسردها عليها بخجلٍ ممزوجاً بابتهاج لروحها،انزلت بصرها للأسفل فاسترسل بنبرة حنون وهو ينطق كلمة حبيبي بتقَطُع وتأكيد:

-حـا بيـ بي،يلا قوليها ورايا،عاوزة أسمعها منك


نظرت أمامها خجلاً فوقعت عيناها علي بصر أبيها الموجه علي كلاهما بتركيزٍ شديد،إبتسمت بخبث وتحدثت لإعلامة: 

-طب خلي بالك من الرادار العسكري علشان عينه عليك وشكله كدة بيسجل لك التجاوزات يا سيادة الرائد،ومش بعيد بعد الكلام اللي إنتَ قولته ده،تلاقي سيل من الأسلحة المضادة موجهة ناحية قلب سعادتك


علي وجه السُرعة توجه ببصرهِ إلي حيثُ تنظر ملاكهُ فوجد ياسين يتطلع عليه بعيناي ضيقة ويبدو أنهُ بالفعل كان يُراقب حركة شفتاه كي يستطيع قراءة ما يخرج منه،بذكاء منه قام بانحِناء رأسه بإيماءة بسيطة كتحية لذاك الناظر عليه،بادلهُ إياها وأشاح بوجههُ بعيداً عنه ثم تنهد بثقل فتوجهت إليه مليكة وتحدثت بنبرة حنون في محاولة منها للتخفيف عنه: 

-مالك يا حبيبي؟ 


مافيش يا قلبي...نطقها وهو يحاوط كتفها برعاية ثم قام بوضع قُبلة هادئة فوق حجابها مما أسعدها


عودة إلي ذاك العاشق حيث إبتسم وتحدث إلي حبيبتهْ بامتنان: 

-أهي مدام مليكة نجدتني وحولت الإتجاة 


وضيق عيناه ثم استرسل باستفسار: 

-تعالي هنا وقولي لي،إنتِ منين جبتي كلمة الرادار العسكري وتوجيه الأسلحة المضادة دي كمان؟ 


يمكن من جدو وبابي مثلاً!...نطقتها متهكمة واسترسلت بمشاكسة:

-إنتَ ناسي إني تربية سيادة اللوا وسيادة العميد ولا إيه؟


بتجاهل لحديثهما تحدث متخطياً: 

-سيبك الوقت من سيادة اللوا وسيادة العميد وخلينا في المُهم

نظرت إليه بجبين مُقطب فاسترسل هو بلهفة عاشق: 

-أنا عاوز أشوف شعرك


إبتسمت وأشاحت بوجهها عنه فاستطرد من جديد بنبرة ترتجفُ شوقاً: 

-أيسل أنا عاوز أقعد معاكِ لوحدنا بعد الحفلة، أظن ده حقي،إنتِ شرعاً بقيتي مراتي ومن حقي أقعد معاكِ وأخدك في حُضني كمان


رجفةُ قوية مرت بسائر جسدها فهزته عندما شعرت بيدهُ تسحق عظام كفها الرقيق بحركات أذابتها ودغدغت مشاعرها،بجانب إستماعها لكلماته التي جعلت من دقات قلبها عالية أشبه بدقات طبول الحرب


كادت أن تُجيبهُ قاطعها منظم الحفل حيثُ أعلن عن بدأ رقصة العروسان فقام كارم ورقص معها رقصتهُما الأولي معاً بشعور جديد علي كلاهما،فقد أمسك كفها واحتواهُ بكفه ولف الأخري خلف ظهرها مما أصابها بقشعريرة أرجفت بدنها بالكامل،بدأ يخطوان بساقيهما، تقابلت الأعيُن وتحاورت وأنسجمت بحديث العاشقين،مال علي جانب أذنها وتحدث هامساً مما بعثر مشاعرها: 

-النهاردة أسعد يوم في حياتي،من النهاردة بس هبتدي أحسب عُمري وأخاف عليه


تنهدت وأغمضت عيناها ودون إدراك وجدت نفسها تنطق بأعذب الألحانِ بالنسبة لهْ: 

-أنا بحبك قوي يا كارم


إتسعت عيناه وابتعد قليلاً يتطلع عليها وبلهفة سألها مستفسراً:

-قولتي إيه؟

واستطرد متلهفاً: 

-سيلا إنت قولتي بحبك يا كارم صح؟


إبتسمت خجلاً وهزت رأسها بنعم،فاسترسل بنبرة لحوحة: 

-قوليها تاني يا حبيبي،قوليها علشان خاطري


إبتسمت خجلاً فتوسل بعيناه مما اضطرها لإعادة ما نطقت به قائلة بنبرة رقيقة كـ نسيمُ الصباح: 

-بحبك يا كارم،بحبك


بلهفة وصوتٍ هائم عقب متعهداً: 

-وأنا بعشقك يا روح قلب كارم،وبوعدك إني عُمري ما هخليكِ تندمي علي إنك قولتيها أو إنك حبتيني في يوم من الأيام 



أما راقية فمالت علي أذن ثُريا التي تجاورها الجلوس علي نفس الطاولة الكبيرة التي جمعتهم بعائلة العريس،وتحدثت لائمة بتخابُث: 

-شفتي يا ثُريا،أنا نظرتي ما تخيبش أبداً،مش أنا قُلت لك إني شاكة إن الظابط ده إتقدم لـ سيلا


واسترسلت مؤنبة إياها: 

-بس إنتِ إتلائمتي عليا وخبيتي،مع إنك كنتي عارفة كل حاجة 


تمللت الأخري وتحدثت نافية بزيف كي تتقي شرها وثرثرتها التي لا تنتهي: 

-إنتِ بردوا لسة مُصممة إني كُنت عارفة وخبيت عليكِ يا راقية! 


رفعت أحد حاجبيها وأردفت وهي تلوي فاهها بطريقتها المعتادة: 

-بلاش اللؤم ده عليا يا ثُريا يا مغربي،ده أنا عاجنة كل واحد في العيلة دي وخبزاه،وعارفة إن عز وياسين ما بيخبوش عنك أي حاجة تخصهم،وبياخدوا رأيك في كُل كبيرة وصغيرة


تنهدت باستسلام وفضلت الصمت فتحدثت راقية بتهكم وهي تتأهب للوقوف: 

-أما أقوم أشوف أخبار البوفية إيه،وأهو بالمرة أجيب لي حاجة أكلها بدل ما أنا قاعدة أكلم نفسي وأرد عليها زي المجانين


تحركت منسحبة فتحدثت ثُريا إلي منال التي تجلس بمقابلها وتجاور والدة العريس وشقيقتها: 

-ما تقومي تشوفي البوفية لو جهز يا منال


أومأت لها بتصْدِيق علي حديثها وبالفعل تفقدت ضيافة الحضور واطمأنت ثم تحركت حتي وصلت إلي منتصف الحفل ودعت جميع الحضور وتحدثت بإبتسامة وهي ترفع قامتها للأعلي بكبريائها المعهود: 

-البوفية جاهز يا جماعة

واسترسلت وهي تُشير إلي مكان الضيافة: 

-ياريت تتفضلوا


وقف الجميع واتجهوا إلي مقر موضع الطعام وبدأوا باختيار ما يناسب أذواقهم من الأصناف المرصوصة العديدة


إنتهي الحفل بسلام وانصرف الحضور عدا ذاك الذي شعر بأن العالم أجمع لم يتسع فرحتهُ،توجه إلي طارق وتحدث باحراج طالباً العَون منهْ: 

-عمي طارق،أنا كنت عاوز حضرتك تكلم سيادة العميد بإنه يسمح لي أقعد مع سيلا لوحدنا


ثم تحمحم كي يُجلي حنجرته واسترسل علي استحياء: 

-وكمان عاوز سيلا تقعد معايا بشعرها،أظن ده أصبح حقي


إتسعت أعيُن طارق وتحدث بارتياب: 

-يا ليلة مش فايتة،إنتَ عاوزني أروح لـ ياسين اللي هو أصلاً مش طايق نفسه النهاردة وأقول له الكلام ده؟! 

واستطرد مستفسراً بفكاهة: 

-هو أنا يا ابني أذيتك في حاجة علشان تنتقم مني بالطريقة البشعة دي؟ 


قطب جبينهُ وتحدث متعجباً:

-هو حضرتك ليه محسسني إني قُولت لك إني حاجز لها أوضة في أوتيل وعاوزها تروح تبات معايا فيها؟! 


واستطرد بنبرة معترضة: 

-دي بقيت مِراتي وطلبي ده من أبسط حقوقي 


وضع كفهُ فوق كتفه وتحدث بحميمية كي يراضيه: 

-يا حبيبي أنا عارف إن كلامك كله صح وطلبك ده منطقي ومن حقك،وموافقك عليه جداً،لكن ياسين حساس قوي من ناحية الموضوع ده مش عارف ليه

واستطرد لُيزيل عنه ضيقهُ: 

-علي العموم ماتزعلش،أنا هروح أكلمه وإن شاء الله هقدر أقنعه


إستعان طارق بمليكة لعلمهِ باستطاعتها السيطرة علي غضب ياسين ومحاولة إقناعه بالأمر وذهبا معاً إلي ياسين حيثُ جن جنونهُ ورفض ببادئ الأمر لكنهُ بالأخير رضخ واستسلم للواقع المُر بعد مداولات عِدة من مليكة وطارق


صعدت إلي غُرفتها وابدلت ثوب خُطبتها الرسمي واستبدلته بثوبٍ هادئ باللون الزهري المنقوش بثلثي كم مفتوح من الصدر فتحة بسيطة حيثُ اظهر بياض جسدها الناعم،وأعادت تصفيف شعرها وجعلتهُ مفروداً بمنظر يسُر الأعيُن ويحبس الأنفاس


نزلت الدرج وجدت جميع أفراد عائلتها الصغيرة يجلسون ببهو المنزل بإرهاق بعد عنائهم طيلة اليوم،وما أن رأها حتي هب واقفاً من مكانه لاستقبالها وبدون إدراك بات يتطلع عليها بانبهار مما جعل ياسين يستشيطُ من داخله لكنهُ تمالك من غضبه وحجمهُ بعد أن أمال عز رأسهُ قليلاً في لفتة منه مطالباً إياه بالتحلي بالصبر والهدوء،تنفس عالياً وصمت مُجبراً


وقفت منال واستقبلت الفتاة ثم إلتفت إلي كارم  واردفت بابتسامة هادئة: 

-تعالي يا كارم


تحمحم وتحدث باستئذان من الجميع:

-بعد إذنكم


أما عز،كان يجلس باريحية واضعاً ساقاً فوق الأخري فأراد مداعبة ذاك العاشق وتبيههُ معاً فتحدث قائلاً بملاطفة: 

-براحتك يا حبيبي

واستطرد بغمزة من عَينه: 

-بس مش براحتك قوي


إبتسم لدُعابته وتحرك تحت زفرة قوية خرجت من ذاك الحانق،تنهد عز وتحدث بنبرة ساخرة: 

-مالك يَلاَ فيه إيه،إنتَ ليه محسسني إنه هيُدخل عليها،ما تعقل كدة وتسيبك من الجنان اللي راكبك ده يا ياسين


تنهد بضيق فاسترسل الأب بذكاء كي يُخرجهُ من تلك الدائرة المُغلقة: 

-رئيس الجهاز كلمني النهاردة،الراجل قعد نُص ساعة بحالها يمدح فيك ويشيد بشُغلك في العملية الأخيرة،قال لي إن ياسين إمتداد مُشَرِف لأسم ذئب المخابرات عز المغربي 


ثم بسط ذراعهُ وربت بقوة فوق ظهرهُ وتحدث بتفاخُر ظهر بَيِنّ بنبرات صوته المُبتهجة: 

-طول عُمرك وإنتَ مشرفني ورافع راسي في الجهاز يا ياسين


نجح بالفعل في إستقطاب تركيز نجله الذي إندمج معه بالحديث وأردف بنبرة مُفتخرة وملامح وجة بشوش: 

-تربية معاليك وتلميذك يا باشا


إبتسم له باستحسان،أقبلت عليهم مليكة تتقدم العاملة التي تحمل بين ساعديها صَينية فوقها قدحان من القهوة قد صنعتهما خصيصاً لذاك الثُنائي،وتحدثت إلي عز وهي تُشير بكفها للعاملة كي تتقدم: 

-القهوة يا عمو


تسلم إيدك يا حبيبتي...نطقها وهو يلتقط خاصته تلاهُ ياسين الذي نطق وهو ينظر لها بابتسامة حنون بعدما حاوط كتفها وقربها منه بحميمية: 

-تسلم إيدك يا مليكة


بابتسامة هادئة عقبت: 

-بألف هنا يا حبيبي 


أما بالداخل

بعد أن رافقتهما منال وباشرت علي جلوسهما بالأريكة خرجت وأغلقت خلفها باب الحُجرة،كانت تجاورهُ الجلوس وهي تفرك كفاي يداها بعضهما البعض بتوتُر ظاهر

 

أما هو فتطلع عليها بنظرات مُنبهرة

 وهو يبَلَعَ ريقَهُ وتسائل داخلهُ،كيف لحبيبتهُ أن تكون قادرة علي إبهاره بروعتها دائماً بهذا الحد،فهي رائعة بجميع حالاتها،مد يدهُ وأمسك كفها وجدها باردة كالثلج من شِدة توترها فتحدث بابتسامة حنون:

-إيدك ساقعة قوي.


إبتسمت بتوتُر ولم تقوي علي إخراج صوتها مما جعلهُ يبتسم قبل أن يقوم برفع كفها ويُقربهُ من شفتاه وقام بوضع قُبلة بث من خلالها كَم إشتياقهُ ولهفتهُ عليها،رفع عيناه وتقابلت بخاصتها ومازالت شفتاة فوق كفها يتلمسها في مظهر أصابها بالرجفة،رفع رأسهُ يتطلع عليها ثم تغلغلت أصابع يده بين خصلات شعرها الحريري وتحدث بكلماتهِ المُتغزلة بها: 

-هو إنتِ إزاي كُل حاجة فيكي حلوة قوي كدة


إبتسمت له فبسط كفهُ الأخر يتلمس به وجنتها الناعمة،وبحركة منه قيد رأسها بكلتا يداه،وضع إحداهُما خلف رأسها باحتواء كي يتحكم بها،وبالأخري فكها وبدأ يقترب عليها رويداً رويدا وهو ينظر إلي كريزتيها ورغبة مُلحة تحثهُ علي إلتهامهما وقطف أولي ثمارهما معاً،كاد أن يصل إليهما فصله صوت قرع فوق الباب مما جعلهُما ينتفضا وابتعد كُلاً منهما عن الآخر بنفس اللحظة


فُتح الباب وظهر منه عز الصغير بجانب حمزة حيث تحدث بابتسامتهُ البلهاء وهو يرحب بزوج شقيقتهُ: 

-أنا قُلت أجي أقعد معاكم علشان أفرفش لكم الجو شوية


هرول الصغير وتوسطهما بالجلوس وبات فاصلاً بينهما ثم تحدث إلي شقيقتهُ متسائلاً إياها بنبرتهِ الطفولية المحببة لديها: 

-إنت غيرتي الفستان ليه يا سيلا،ده كان حلو قوي ومخليكي زي باربي


احتضنته ثم تحدثت بمشاكسة علي تساؤلهُ البرئ: 

-يعني الفستان اللي أنا لبساه ده وحش يا عزو؟ 


هز رأسهُ نافياً وأردف: 

-ده كمان حلو قوي يا عروسة. 


علي الفور تيقن كارم بفطانته أن الصبي أتي واصطحب شقيقهُ الأصغر لتنفيذ أوامر والدهُ ليس إلا،وبالفعل هذا ما حد،فقد إستغل ياسين إنشغال عز بالحديث مع طارق ومليكة ومنال وغمز بعينه إلي نجله الفَطن مُشيراً باتجاه الغرفة القاطنة بداخلها شقيقتهُ وزوجها،وعلي الفور فهم الفتي مغزي والدهُ وتوجه بالفعل كي يجلس بصحبتهما ورأهُ الصغير فهرول لاحقاً بشقيقهُ الأكبر


نظرت إلي حمزة لائمة إياه فغمز لها بطرف عينه مستفزاً إياها بمداعبة،فابتسمت له بسماجة واشاحت عنه بصرها بطريقة طفولية جعلت الفتي يبتسم علي شقيقتهُ وتصرفاتها الطفولية


أما كارم،فقد شعر بالاستياء من تمادي ياسين معه والتضييق عليه فيما يخص أيسل برغم أنها أصبحت زوجة شرعية له


أخرجهُ من شرودهُ سؤال ذاك الصغير له بطريقتهُ الخاطفة للقلوب حيثُ نظر له واستفسر: 

-هو أنتَ ظابط زي بابي؟ 


إبتسم له وتحدث باحترام: 

-أنا ظابط أه،بس بابي ظابط كبير قوي وأستاذي


بغروره اللذيذ المعهود عقب الصغير: 

-أيوة ما أنا عارف إن بابي ظابط كبير قوي وهو اللي علمك إزاي تبقي ظابط


واستطرد بتَعَظم لشأن والدهُ والذي يتمثل في صورة البطل كما يجب أن يكون بالنسبة لهْ: 

-بابي أكبر من كل الظُباط وكمان هيرو،وأنا هبقي ظابط هيرو زيه بس لما أكبر،جدو حبيبي هو اللي قال لي كدة


واسترسل بمشاكستهُ الملازمةِ لهْ: 

-علي فكرة يا ظابط،عزو عارف كُل حاجة،وبابي وجدو دايماً يقولو لي عزو شاطر جداً 


إختطف الصغير قلبهُ من الوهلة الأولي حيث لم يتسني له التعرف علي ذاك المشاكس من قَبل لسُرعة إتمام عقد القران وعدم وجود وقتٍ كافٍ للتعارف،حملهُ وثبتهُ فوق ساقيه ثم تحدث بنبرة ودودة: 

-علي فكرة،إنتَ حد لذيذ قوي وأنا حبيتك


أومأ بثقة تصل للغرور وأردف بما جعل كارم يدخل بنوبة من الضَحك:

-أيوة ما أنا عارف. 


ضحك الثلاثي وبعد أن إستطاع كارم التماسك تحدث إلي الصغير بحميمية:

-بص يا عم العارف،أنا بقيت خطيب سيلا خلاص،وعاوزك بقي تقولي يا أبيه كارم،بلاش كلمة يا ظابط دي علشان إحنا بقينا قرايب


بتساؤل برئ استفسر بطفولية:

-يعني إنتَ بقيت زي أنكل رؤوف خطيب سارة؟ 


أجابهُ حمزة مفسراً:

-انكل رؤوف إبن عم بابي يا عزو،علشان كدة بنقول له يا أنكل،لكن الظابط كارم قول له يا أبيه


أومأ لشقيقهُ وبات يتحدث مع كارم بملاطفة حتي أنهُ دخل قلب الصغير فتحدث إليه: 

-ممكن يا أبيه تيجي بكرة،علشان أعرفك علي ساندرا طارق وليزا عُمر،دول أصحابي وأنا اللي مسؤل عنهم، بعمل لهم كل حاجة وهما بيحبوني قوي

واسترسل بإبانة وكأنهُ شخصٍ واعي:

-هما تعبوا من الحفلة وطلعوا ياخدوا الشاور بتاعهم ويناموا،تعالي بكرة وهما صاحيين


أجابهُ كارم بنبرة ودودة: 

-إتفقنا يا عزو باشا،وهجيب لك معايا شيكولا كتير ليك إنتَ وساندرا وليزا


أوك...نطقها بملامح وجه جدية مما جعل كارم يبتسم ويتعجب من ذاك الفَطن شديد الذكاء واللطافة

 

ضل جالساً ما يُقارب من النصف ساعة،يسترق النظر من حبيبته بقلبٍ مُولَع متأملاً إشفاق ياسين علي حاله،لكنهُ فوجئ بحدوث عكس ما تمني بعد أن إنضم إلي الجلسة سارة وياسر وياسين بذاته فاضطر للمغادرة بقلبٍ مُستشاط