-->

رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 37

 


قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية وبها متيم أنا

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر


الفصل السابع والثلاثون



برأس مثقل وملابس ارتدتها سريعًا، خرجت من غرفتها تجر قدميها جرًا، ومحاولات جاهدة لمقاومة النعاس من أجل أن تستفيق جيدًا لبداية يومها. 

نرجس وانتي كانت خارجة من المطبخ، تحمل طبقً الشطائر التي صنعتها، عقبت بتهكم ساخر فور أن وقعت عينيها عليها:

- يا الف مبروك، اخيرًا يا اختي اتهز بيكي السرير وقومتي! 

اقتربت رؤى تتناول الشطائر لتضعها في الحقيبة، وعبوس وجهها خير دليل على المعاناة التي تكتنفها هذه اللحظة، بتأثير متأخر لما فعلته بالأمس، لتزيد من غيظ الأخرى والتي بلغ بها الحنق لتلكزتها بقبضة يدها على ساعدها.

فخرج صوتها متأوهة بألم:

- اَه، ليه كدة يا ماما؟


اقتربت نرجس برأسها منها، تهمس كازة على أسنانها:

- ما هو كله من التنطيط ورقص الجنان بتاع امبارح، اللي ما ريحتي رجلك ساعة على بعضها، تستاهلي كل اللي يجرالك، اياك يارب المُدرسة بتاعة المجموعة تفوقك بالعصاية على نفوخك لما تلاقيكي مبلمة معاها زي البهيمة كدة.

كلماتها السامة مع استعادة ما حدث بالأمس من أفعال مخزية جعلها تنتفض بوجهها مرددة:

- وفيها ايه لما ارقص ولا اتنطط حتى؟ مش فرح اختي، ولا احنا كل يوم بيجينا الفرح؟

قالتها رؤى لتتفاجأ بفعل والدتها التي لوكت فمها بتنمر صريح وعدم قدرة على إخفاء مشاعر الغضب بداخلها مرددة:

- لأ يا اختي مبيجيش كل يوم الفرح، بس لما يكون فرحنا بجد، يعني فرح اختك شقيقتك، مش المحروسة اللي داست على كرامة امك برجليها، لما كتبت الكتاب من غير ما تبلغنا، طب اعملي خاطر لزعلي ولا قهرتي حتى.

مازال الهمس هو سيد الموقف، رغم حدة الشجار الدائر بينهما، نرجس بجبن منها كالعادة، ورؤى تخشى على مشاعر شقيقتها لو سمعت، فجاء ردها بحزم :

- قالت بقى ولا مقالتش، هو انتي بيهمك أوي مصلحتها، ولا بتدخلي برأيك في أي شيء يخصها؟ انا مش فاهمة والله، ايه لزوم القلبة الكبيرة دي، يعني مش كفاية منظر بتك اللي يكسف امبارح؛ لما اتسحبت تمشي ورا خطيبها قدام كل المدعوين في القاعة، وقت كتب كتاب اختها، على فكرة بقى، منظركم كان مكشوف أوي.

كالعادة وحينما تغلبها بالمنطق رغم صغر سنها، زجرتها نرجس تنهي الحوار:

- امشي يا بت، امشي غوري روحي على الدرس بتاعك، يا للا غوري.

استلمت رؤى لتذهب، مكتفية بهذه القدر من الكره على بكرة الصباح، وكي تلحق موعدها مع المجموعة .


طالعتها نرجس حتى غادرت ثم تحركت نحو ابنتها المفضلة، والتي تلزم غرفتها منذ الأمس، مغلقة عليها بابها، في أمر لا يحدث إلا نادرًا، طرقت بخفة على الخشب المثقل منادية:

- بت يا أمنية، قافلة على نفسك ليه؟ لسة مصحتيش؟

حينما لم تجد ردًا واصلت نرجس الهتاف:

- انتي يا بت، ما تفوقي يا منيلة كل دا نوم؟

خرج صوت الأخرى بعد قليل بتأفف:

- في ايه؟ ما تسبيني يامة في حالي، عايزة انام، عايزة انام الله.

-- طيب خلاص متتعصبيش، انا بس كنت عايزة اطمن عليكي، نامي براحتك يا عين امك. 

قالتها نرجس قبل أن تعود لأدرجاها، تاركة الغرفة وصاحبتها، والتي كانت بداخلها مكومة على سريرها، متكتفة الذراعين، بأعين متوسعة، وذهن واعي تعيد برأسها مشاهد من الماضي وما يحدث معها الاَن في الحاضر، لقد أذلها بالفعل هذه المرة، ضربها وطردها دون وجه حق، ماذا فعلت ليسحق كرامتها هكذا؟ وهي التي تعطيه بلا مقابل وتنفذ كل أوامره.

تعلم أن العشق لطالما أعماها عن عيوبه، وكم تغاضت عما يفعله معها من سباب او انفعال على أتفه الأسباب، دائمًا ما تجد له المبرر، لكن الاَن أين هو مبرره؟ أم يظنها غبية ولن يصل لذهنها السبب الأساسي لكل هذه العاصفة الهوجاء منه؟ لقد كان مجرد شك، والأن أصبح تأكيد.

ما كان قديمًا لم يكن كذبًا، ما سمعته في ذلك اليوم كان هو الحقيقة، ذلك حينما كانت في عمر الثانية عشر، وقد كانت عائدة من دوامها الدراسي، فلم تجد أي فرد من العائلة، وقبل أن تهتف منادية على والدتها، وصلتها رائحة الطعام الشهي، لتعلم أين هي ؟

توجهت متحركة بأقدامها نحو المطبخ، لتتوقف على مدخله صامتة، حينما رأت النقاش المحتدم بين والدتها وخالتها سميرة والتي كانت تتحدث بنبرة اتهام:

- انتي لو كان هامك ابن اختك بجد، كنتي أقنعتي جوزك يا نرجس، ع الأقل ياخد وقته في التفكير، مش يقلب ع الولد القلبة السودة دي.

دافعت الأخيرة عن نفسها تقسم: 

- وحياة ربنا يا شيخة كلمته، حاولت معاه مرة واتنين وتلاتة، لكنه مقفل على دماغه بقفل مصدي، دا بقى كاره يسمع اسمه حتى.

شهقت تتخصر باستهجان قائلة:

- اسم الله يا ختي، ومش طايقه ليه بقى؟ هو الراجل ده كان يطول واحد زي ابني؟ ولا اكمنه مدلع المحروسة هيستكترها عليه؟ لا يا عنيا دا الغالي وألف واحدة تتمناه. 

ضربت نرجس بكف على الأخرى مرددة:

- أديكي قولتيها بنفسك، أنا بقى في إيدي إيه؟

زفرت سميرة لترد مشددة على ألكلمات:

- اتصرفي يا ختي، مش انا اسعى واجيبلك جوازة لوز، بدل البخيل القيحة اللي كنتي متجوزاه في الأول، وتيجي انتي على طلب صغير زي ده وتقولي معرفش، حاولي تليني دماغه، الواد مطين عيشتي، هيموت عليها المنيل.

همت نرجس أن تهادنها ببعض الكلمات، ولكنها انتبهت لوجود ابنتها والتي كانت ملتصقة بجانبها على إطار الباب، لتهتف بها سائلة:

- واقفة عندك ليه يا بت؟

- أنا رجعت من المدرسة وكنت عايزة اكل يامة

قالتها كرد على السؤال قبل ان تنهرها خالتها:

- روحي على اوضتك الأول واتشطفي، على ما امك حضرت الغدا، ياللا يا أمنية .

انصاعت للأمر، لتخرج وتتركهما يكملون الباقي من الحديث، وقد اكتفت هي بما سمعته، لتظل الذكرى برأسها، طوال السنوات التي مرت بأحداثها المختلفة، لتنقلب الاَية، ويصبح ابراهيم هو من نصيبها، بعد أن كبرت، وقد أقنعت نفسها بأنه نسي الأخرى، مع أنها هي نفسها لم تنسى، وقد كانت شهد هي منافسها الرئيسي على قلب الرجل الوحيد الذي ملك قلبها.


❈-❈-❈


بمجرد أن فتحت له الخادمة باب المنزل، دلف بخطواته السريعة، يسالها على عجالة بدون انتظار:

- جاسر باشا فين؟ روحي اندهيلوا بسرعة .

كان قد وصل إلى البهو الداخلي، ليفاجأ بزهرة تهبط الدرج حاملة ابنها الصغير، وبادرته القول:

- جاسر لسة صاحي من شوية، هو انتوا رايحين الشغل النهاردة الجمعة كمان؟!

حاول الرد ببعض التريث حتى لا يثير ارتيابها:

- صباح الخير الأول يا زهرة هانم، في الحقيقة احنا مش رايحين الشغل ، انا بس كنت عايزه في حاجة تانية، هو فين؟

قال الأخيرة بلهفة لم يقدر على كبتها، وجاء ردها بتوجس:

- ايه الحكاية يا امام؟ هو لدرجادي الموضوع مهم.

اومأ باستسلام يجيبها، فليس لديه وقت للمرواغة:

- بصراحة اه، معلش لو هزعجك، ممكن تستعجليه بنفسك، وسامحيني لو مش هقولك، عشان بصراحة مفيش وقت.


بعد قليل 

ولج إليه جاسر بداخل غرفة المكتب التي فضل انتظاره بها، يسأله بقلق:

- ايه الحكاية؟ 

رد مباشرةً ودون انتظار:

- الراجل اللي زارعه وسط رجالة كارم، بلغني النهاردة انهم لقوا حامد، وهو دلوقتي محبوس في بدروم الفيلا، يعني يا نلحقه يا منحلقهوش.


❈-❈-❈


الحركة الغير عادية بالشقة جعلتها تخرج من غرفتها مبكرًا عن ميعادها الاساسي في يوم أجازتها من العمل، والتي تقضي معظمه في النوم، كانت زبيدة تنظف بقطعة قماش قديمة وتمسح على الزجاج وأطراف الخشب في الصالون، وكل ما تقع عليه عينيها، رغم استبناطها للسبب الذي يدفع والدتها لهذا الأمر، نبهتها لوجودها بالسؤال الساخر:

- ايه يا ست الكل الهمة والنشاط دا على أول الصبح، احنا جاينا ضيوف اياك؟

طالعتها بنظرة كاشفة لتجيبها بنفس الأسلوب:

- اه يا غالية تصدجيها دي؟ بس ايه عاد، ضيوف زينة وحاجة تشرف كدة.

تقلص وجهها بامتعاض لم تخفيه أمام والدتها، والتي أضافت بعدم اكتراث:

- وياللا انتي كمان يا حبيبتي، افطري بسرعة عشان تشوفي وراكي ايه؟

صاحت صبا باعتراض وعدم تقبل لهذه التحضيرات المبالغ فيها:

- ورايا انا كمان؟! ما انتي مخلية البيت بيلمع اها،

دا غير الفاكهة والحلويات اللي جابها ابويا امبارح وعبت التلاجة جوا ، ولا جلابية الصوف اللي خلاني اكويها من عشية عشان المجابلة الهامة، هو احنا جاي لنا رئيس الجمهورية يعني وانا مش عارفة ولا ايه بالظبط؟

أوقفت زبيدة ما تقوم بفعله لتلتف إليها قائلة ببساطة أذهلتها:

- لا يا حبيبتي مش رئيس الجمهورية، بس دا عريس متجدم لبتي، يعني لازم اشرفها انا وابوها بالضيافة الزينة، وهي بجى تشرف نفسها بنفسها.

زوت ما بين حاجبيها بعدم فهم وصل للأخرى، فتابعت لها بتشديد:

- يعني تهتمي بنفسك يا صبا، انا مش طالبة منك حاجة تانية،  تلبسي، تتزوجي، تشوفي الحاجات دي اللي بتعملها البنتة في الأوقات اللي زي دي، فهمتي يا زينة البنات.

ردت تجاريها بابتسامة صفراء:

- فهمت طبعًا، حاضر يا ست زبيدة، اروح بس اشوف رحمة عايزاني في ايه؟ وهاجي اعمل كل اللي انتي عايزاه. 

قالتها وتحركت على الفور، عقبت والدتها من خلفها بتوتر:

- ودا وجته يا صبا تروحي بيوت الناس وفي يوم زي ده؟

ردت متابعة السير نحو باب الخروج دون أن تلتفت لها:

- احنا في اول اليوم يا ست الكل، لسة عريس الهنا جدامه وجت طويل على ما ياجي.

انتظرت زبيدة حتى تخرج لتتمتم بعدم رضا :

- ولزوموا ايه الروح والمجي، ولا تعب الجلب اساسًا...... وانتي طريجك معروف يا بت بطني.


❈-❈-❈


التوتر، والقلق الذي كان يعصف به، ليلة طويلة قضاها في الفكر والسهد، حتى اشرقت شمس الصباح، ليبدأ مرحلة العذاب في الأنتظار والترقب كل دقيقة لباب المنزل، متوقعًا ظهورها، صداع يفتك برأسه وهو على حاله من افكار متلاحقة، وتساؤلات وهواجس، لا يستطيع التوقف عنها، لقد حسم الأمر، ولابد من العثور مرسى لتحط سفنه بالقرب منه، لم يعد يملك رفاهية التمهل أو التأجيل، لابد أن يعرف رأيها اليوم والاَن، حتى يحدد أمره بعد ذلك، إما معركة الدفاع عن حقه بها، وإما البحث عن مأوى آخر له بعيدًا عن محيطها، سواء في العمل او حتى المسكن. 

صدر صوت جرس الباب، لينتفض من مقعده قرب المدخل، وبلهفة فتح، ف ارتدت أقدامه للخلف بإحباط وقد خاب أمله بالزائر؛ والتي ردد اسمها بصدمة:

- سامية. 

- اه سامية، صباح الخير يا شادي عامل ايه؟

قالتها وهي تدفع بنفسها لداخل المنزل، وتغلق الباب بعد أن أعطاها ظهره عائدًا أدراجه، فرد إليها التحية بصوت ميت:

- صباح الخير اتفضلي يا سامية. 

عقبت من خلفه بتذمر، وهذه اللهجة المائعة التي تتعمد التحدث بها هذه الأيام لتزيد من حنقه:

- ومالك كدة بتقولها من غير نفس، هي دي مقابلة برضوو.

إلتف نحوها يجلس بتعب على كرسيه، وليرد بتأسف متجنبًا الجدال معها:

- معلش متاخديش عليا، اصلي صاحي مصدع.

ردت بجرعة زائدة من النعومة:

- صاحي مصدع، سلامتك الف سلامة، تحب اعملك حاجة سخنة تخفف ولا انزل الصيدلية اجيب لك برشامة؟

رفض العرض هاتفًا بحزم:

- لا دي ولا دي يا سامية، فنجان القهوة في ايدي والبرشامة جوا في الأجازخانة هروح اتناولها بنفسي واشربها، ريحي نفسك انتي.

مطت شفتيها تلوك داخل فكيها العلكة التي لا تغادر فمها تقول:

- خلاص يا عم بس من غير زعيق، هو انا قولت حاجة غلط يعني.

زفر يشيح بوجهه عنها، يقلب عينيه بتعب، ليس لديه أدنى طاقة لها، وحين لم تجد هي ردًا منه مصمصت بشفتيها تتابع:

- يا سيدي ولا تزعل نفسك، انا اصلاً جاية لرحمة مرات اخويا اقعد معاها شوية. 

قالتها وتحركت نحو غرفة شقيقته، ضعف تركيزه جعله لا يستدرك سوى بعد أن دخلت إليها، لينتفض مرددًا:

- يا نهار اسود ودا وقته. 

وليكتمل أحباطه، دوى صوت جرس المنزل وكانت هذه المرة صبا .

- صباح الخير.

القت التحية بوجهها الصبوح وصوتها الرقيق، ليتلجم عن الرد، طاردًا من صدره كتلة كثيفة من الهواء المشبع بيأسه، لاعنًا حظه البائس دومًا، فقد كان ينقصه سامية في هذا الوقت الحساس،  لتقطع عليه الفرصة التي كان يترجاها منذ الأمس، لا بل قبل ذلك بكثييير.

اربكها فعله الغريب وهذا الصمت حتى عن رد التحية، فقالت باضطراب:

- انا كنت جاية لرحمة على فكرة، لو لسة نايمة خلاص اجي في وجت تاني....

- استني يا صبا.

هتف بها قبل أن تستدير عنه ذاهبة فقال مبررُا:

- رحمة صاحية، بس المشكلة هي ان سامية عندها دلوقت.

- اممم.

زامت بها بتفهم، لترد بابتسامة ساخرة:

- يبجى كدة انا هجيها في وجت تاني برضوا، لأن بصراحة سامية دي ما بيطجنيش. 

حينما التفت هذه المرة وفور أن تحركت خطوتين، تفاجأت به، يهتف بحزم يوقفها:

- صبا ممكن دقيقة؟

انتظرته حتى خطأ الخطوتين ليقابلها قائلًا بحسم ما يدور بداخله:

- بصراحة انا اللي عايزك في كلمتين مش رحمة، وبما ان البيت مش فاضي مضطر اعرض عليكي تقابليني برا.

ارتدت للخلف تنظاره باندهاش، فتابع مستطردًا:

- عارف ان طلبي غريب، بس والله ما عندي فرصة، لازم اخد رأيك في حاجة ضروري ودلوقتي حالًا....

ظلت على صمتها بحيرة، لا تعرف إجابة جيدة للرد عليه، ليضيف هو:

- انا نازل دلوقتي انتظرك في الكافيه اللي في اخر الشارع، بتمنى لو عندك ذرة ثقة فيا، تيجي وتسمعي مني، ولو رفضتي طبعا انتي حرة، مع إني اتمنى متكسفنيش. 


❈-❈-❈


ليلة كاملة قضاها تحت التحقيق من رجال لا يعرفون الرحمة، ولا حرمة العيش والملح فقد كان زميلهم والبعض منهم كانوا أصدقائه، ولكن لما الاستغراب فهو أيضًًا لو كان محلهم لفعل أكثر من ذلك. 

جسده قوي ويتحمل الضربات رغم قسوتها، هذا ما كان يردده بداخله من أجل الا يستسلم، قبل أن ينزل إليه صاحب الأمر نفسه.

بخطوات متأنية وقد بات ليلته على الفراش بكل برود، واجهة لامعة لشخص مخيف، لا يعلم بطبيعته سوى من اقترب منه وعرفه جيدًا، 

يتقدم رجاله كفهد يترأس مجموعة من الوحوش.

اقترب حتى وصل إليه، ليجلس على الكرسي المقابل للكرسي المقيد به، جلس وضاعًا قدمًا فوق الأخرى، يطالعه بصمت ليزيد من بث الرعب بقلبه، تمعن في هيئته من شعر رأسه حتى حذاء قدمه في الأسفل، قبل أن يخرج صوته اَخيرًا:

- لسة جامد زي ما انت، ليلة كاملة من الضرب فيك ويدوب بس علموا بشلفطة على الوش وكام تعويرة ع الجسم، 

اصدر صوت طقطقة غير راضية بفمه قبل أن يرفع رأسه مخاطبًا لهم جميعًا:

- طب ما هو عنده حق طيب يلف ويحور معاكم، من غير ما يديكم معلومة مفيدة، رجالة ورق، انا لازم اغيركم على فكرة .

نكس الرجال رؤسهم بخزي، ودافع حامد عن موقفه برعب:

- ما انا قولت على كل حاجة يا سعادة الباشا، الست دي هي اللي ضحكت عليا والختمة الشريفة انا ما اعرف اي حاجة عنها، دي رسمت عليا خطة عشان اصدقها، تحب احكيلك.

اطلق كارم ضحكة عالية، خالية من أي مرح، ليقول ساخرًا:

- قصدك ع التمثلية الهبلة دي اللي عمال تعيد وتزيد فيها من امبارح، انك كنت فاكرها صاحبة الهانم وهي ادتك حاجة اصفرة خلتك زي السكران ومش واعي للي بتعمله....  يا بني طب احبُك الرواية عشان اصدقها 

حاول حامد ان يبتلع في ريقه الذي جف ليجدد الكذب علّه يجد المخرج:

- والنعمة يا باشا زي ما بقولك كدة، طب تحب احلفلك ع المصحف. 

حافظ كارم على ضحكاته الغريبة ليردد بهدوء مريب:

- لا لا يا حامد من غير ما تحلف، انا هعرف دلوقتي بنفسي، فكوه يا رجالة 

قال الاخيرة ونهض يفاجئه بخلع سترته، وهؤلاء الرجال التفوا حوله، من أجل حل القيد الشديد على نصفه الأعلى، اثناء خلع الاخر لقميصه بعد ان فتح ازراره، ليجده أمامه عاري الجزع، لا يرتدي سوى البنطال، وبعد أن تحرر من قيوده هتف عليه بحزم:

- اقف ياللا ووريني شجاعتك.

انصاع حامد للأمر ولكنه تسمر محله بعدم فهم، فصاح الاخر بصوت جهوري:

- بقولك اتحرك واقرب مني، خلينا نعمل مواجهة متكافئة بين راجل لراجل.


تابع قراءة الفصل