رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 40
قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية وبها متيم أنا
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الأربعون
على الاَريكة التي تحتل جزءًا كبيرًا في جانب الشرفة الخاصة بغرفة نومه، بنصف جلسة كان متكئًا على الوسادة القطنية بما يقارب النوم، ينفخ الدخان الرمادي من السيجارة، لتشكل سحبّا من حوله، وقد كان شاردًا في أفكاره السوداء، بعد أن تجرأت هذه الهبلاء في تحديه، وكأنه فقد السلطة عليها، وأصبح أمره لا يعنيها، وهذا نتاج تهوره ورد فعله المبالغ فيه، لقد اخطأ حينما ضربها، ولكنها لم تترك له خيارًا، حينما ضغطت بكل غباء تذكره بزواج الأخرى وحق الاَخر في لمسها، لقد غلى الدم في عروقه، واشتعلت رأسه بلهيب الغيرة، لا يتصور ولن يتقبل بحدوث ذلك، مرار حلقه من شيء بوغت به كالصاعقة التي نزلت عليه لتفقده اتزانه، لقد كان على وشك ارتكاب جريمة ولولا احتفاظه بالقليل من عقله لكان فعلها، وخسر معها حياته، قرار الإنسحاب ومغادرة الحفل جاء في الوقت المناسب، قبل أن يتهور ويحدث ما لا يحمد عقباه.
- كل دا دخان يا ابراهيم؟ إيه يا بني حريقة سجاير؟
تمتمت بالكلمات سميرة وهي تدلف للشرفة من خلفه ويدها تلوح في الهواء بسعال خفيف، ليعقب لها مستهجنًا:
- بتكحي ليه؟ دا احنا حتى في الهوا، مش في مكان مقفول.
- ايوة يا خويا بس انا صدري ما بيستحملش.
اردفت بالاَخيرة تسحب السيجارة من بين أصابعه، ثم تدعسها تحت قدمها مستطردة:
- وانا عايزاك في موضوع مهم
هتف مستنكرًا فعلتها مرددًا بذهول:
- موضوع ولا هباب؟ انتي ازاي تعملي كدة اساسًا وتدوسي ع النعمة؟
اقتربت سميرة بكرسيها لتجلس مردفة بعدم اكتراث:
- هما دقيقتين وهكلمك فيهم، اتصبرهم شوية وبعدها نيل اللي عايز تنيله
تقلص وجهه بامتعاض ليرضخ مستسلمًا لإلحاحها، والتقطت هي الإشارة لتدخل في حديثها مباشرةً:
- بقولك ايه؟ ابوك كلمني دلوقتي، وعايزك تتلم انت وأمنية في اقرب وقت، هيخلص الباقي من شقتك وهيكمل الناقص من جهاز البت عشان نخلص بقى.
- نعم يا غالية ؟
تفوه وبها ومال بوجهه نحوها يطالعها بنظرة كاشفة، ليتابع بفراسة:
- دا مش كلام ابويا يامة، دا اقتراحك اللي انتي اقنعتيه بيه، صح ولا انا غلطان؟
ارتفع حاجبها لترد على سؤاله بإصرار وتصميم:
- لا يا خويا مش غلطان، وانا عاملة كدة مخصوص عشان نختصر بقى ونقفل الصفحة اياها، اللي انت عارفها كويس.
قلب عينيه بسأم، وقد فهم ما ترمي إليه وهو قصته مع شهد، لينكر بكذب مفضوح يدعي عدم الفهم:
- هتقولي بقى صفحة ونحزر ونفزر، قاعدين في فوازير شريهان احنا!
بحنق يسري بداخلها فاجئته بأن امتدت يدها لتقبض على ذقنه بعنف، فتضع عينيه نصب خاصتيها وتردد بغضب:
- بقولك ايه يا واد، متلفش وتدور عليا، انتي فاهمني وانا فهماك، لازم تشيل البت دي من دماغك يا ابراهيم، كفاية اللي حصل زمان وربنا ستر عليه، مش نقلب في المدفون من تاني، فوق بقى واصحى لنفسك، ولا انت عايز الميت يصحى من قبره؟
نزع يدها ليهدر بغضب عاصف، كازًا على أسنانه بهمس حذر:
- ميت مين اللي يخرب عقلك؟ انتي عايزة توديني في داهية يامة؟
استدركت لوضعهما بداخل الشرفة وخوف ابنها المبرر؛ إذا سمعهم أحد ما من الجيران، فتنقلت انظارها للخارج بقلق، لتعود اليه بمهادنة، بعد ان فقدت حكمتها منذ قليل، تعطيه الحق في غضبه منها، لتربت بكفها على صدره مرددة:
- معلش يا حبيبي سامحني، انا بس هاممني مصلحتك، عايز اطمن عليك يا بني، ريح قلبي ووافق بقى، نفرح بيك مع بنت خالتك، تتهنى معاها وتخلف عيال، دي بتتمنالك الرضا ترضى يا حبيبي.
ظل على تجهم وجهه يناظرها بصمت وسخط، غير متقبلًا لما تفوهت به، وزلة لسانها التي كادت ان تفصح بها لتكشف عن المستور، وما دفن بسره منذ سنوات.
❈-❈-❈
بداخل غرفتها وقد كان يصلها صوت والدتها وهي ترحب مهللة بمجيء شقيقيها الاثنان، تصيح بعفويتها وفرح الأم برؤية الأبناء بعد فترة طويلة من الغياب .
- يا نور عيني يا حجازي، عامل ايه يا حبيبي انت وعيالك؟ وانت يا فراج، بناتك كبروا ولا لساهم لسة صغيرين يا واد؟
اغلقت صبا فتحة الباب الصغيرة لتعود إلى صديقتها التي ما زالت تلازمها في الغرفة، تتمتم بهمس حذر:
- ابويا حسه مش طالع، وخواتي نفسهم حسهم واطي مع امي، مش بيهزروا زي عادتهم.
عقبت مودة تخاطبها بدعم:
- قوي قلبك وخليكي واثقة في نفسك زي ما قال مستر شادي، وافتكري هو موصيكي وقايلك ايه؟
أومأت برأسها تتذكر النصائح التي كان يشدد بها على اسماعها منذ قليل حينما حدثته في الهاتف، بناءًا على رغبته كما قالت لها مودة، ليعطيها شحنة مكثفة من الدعم والمؤازرة، ودفعة من الكلمات المشجعة، كي تنفض عنها غبار الضعف وتأثرها بما تناقلته الصفحات المغرضة من بهتان واثم في حقها، فتستعيد شخصيتها الواثقة، وتجهز نفسها لمواجهة الإعصار القادم.
- يا صبا ، بت يا صبا تعالي سلمي على خواتك.
جاءها الصوت البعيد كمحفز لخلاياها العصبية ومنشط قوي لذهنها تحضيرًا للنزال الشرس،
تمتمت بالأدعية قبل أن تتوجه بالسؤال نحو مودة:
- طب انتي هتمشي ولا هتستني؟
ردت بجرأة جديدة على طبيعتها المسالمة:
- انا معاكي ومش همشي غير لما اطمن عليكي، وحتى لو فيها طردي برضوا مش ماشية.
ابتسامة ابتهاج ارتسمت على وجه صبا، مع زفرة مطولة تسحب به شهيق مكثف ثم تطرده لتخفف به توترها، وتعيد التمتمة بالأدعية وهي تفتح الباب ذاهبة نحو تحديد مصيرها:
- انت المعين يارب .
❈-❈-❈
كما كانت تتوقع، حينما خرجت لتستقبلهم مرحبة، كانت الهيئة الظاهرة لهم، لا تبتعد ابدا عن الجمود والتجهم وقد ذهب عنهما المرح المعتاد، ليحل خلفه عبوس بتماسك واهي وأعصاب على وشك الانفجار، كما بدا وقع الخبر على والدها جليًا وبوضوح، وبسكون ما يسبق العاصفة:
- مساء الخير، حمدلله ع السلامة يا حجازي، حمد ع السلامة يا فراج.
جاء رد الاَخير بلهجة متهكمة:
- يا أهلا بست الحسن والجمال، اللي مشرفانا ورافعة راسنا في الدنيا كلها.
تغاضت صبا عن الرد عليه، وتركزت ابصارها نحو والدها، تخاطبه بألم يحز بقلبها رؤيتها له هكذا خاليًا من حيوته:
- مالك يا بوي؟ جاعد ليه ساكت؟
تدخل حجازي متكفلًا بالرد عليها:
- بتسألي وتتعبي نفسك ليه؟ دا حتى الراجل فرحان بيكي، مش انتي برضوا يا ست صبا اثبتي وجودك دلوك وبقيتي حاجة يفتخر بيها، زي ما كنتي بتوعديه دايمًا،
فردت ظهرها وامتدت ذقنها للإمام، لترد بثقة وشجاعة في مواجهة الموقف:
- بجولك ايه يا حجازي، خوش في الموضوع على طول وبلاها منه تلجيح الكلام يا واد ابوي.
- وه دي حسها عالي وعينها جوية كمان؟
تفوه بالكلمات مندهشًا فراج شقيقيها، والذي لا يفرق سوى سنوات قلائل عنها، أي أنه قريبًا إلى حد ما من عمرها، ليجعلها تواجه بندية، على عكس حجازي الأخ الأكبر، والذي تكن له احترامًا كأبيها:
- وميبجاش عيني جوية ليه وانا صاحبة حج، انا مغلطتش يا فراج؟ ولا انت عندك شك في تربية ابو ليلة؟
تمتمت زبيدة بارتياب وعدم فهم لما يحدث من نقاش محتدم:
- وهو فيه إيه؟ مالها صبا ولا عملت ايه؟
- استنى يامة معلش دلوك، بعدين هنفهمك.
تفوه بها حجازي، أما فراج فقد صفق بكفيه ساخرًا ليرد على شقيقته محتدًا، وقد نهض عن مقعده ليقابلها:
- الله عليكي وعلى تربيتك يا بت، دا انتي النهاردة اسمك مسمع في مصر كلها، بتتجابلي مع رجالة غريبة في المطاعم وتتصوري كمان يا صبا، هي دي شغلتك يا بت ابو ليلة؟
قابلت تهكمه بصيحة المظلوم تدافع عن موقفها:
- خلي بالك من كلامك يا فراج، وافتكر كلام ربنا ع المحصنات، دا انا اختك، ان ما كنتش انت تدافع عني جصاد الغريب مين هيدافع؟
- يدافع عن مين يا بت؟
هدر بها غاضبًا وقد كان على وشك الفتك بها، لولا صوت أبيه الذي منعه بسلطة قائلًا:
- اجف عندك يا واض، هتضربها جدامي ولا إيه؟
صوته الدافئ رغم ما يغفله من غضب، فقد كان كالنجدة لها، تطلعت إليه باستجداء قائلة:
- شوفت يا بوي، فراج مصدق وعايز يفش غليله فيا، بيصدج على أخته؟
ظل صامتًا لبعض الوقت يرمقها بغموض اثار بها الإرتياب، رغم وجود نبتة الأمل بداخلها في إقناعه،
ليجهد كل ذلك ويفاجئها بقراره:
- روحي لمي خلجاتك عشان تروحي معاهم يا صبا.....
شهقت صارخة بخيبة أمل:
- بتقول ايه يابوي؟ عايزني اروح مذلولة مع اخواتي، دا انا الموت أهون لي، اسمعني يابوي وبلاش تحكم عليا اخواتي في عز ما انا محتاجاك.
تجمد والدها عن الرد، واللوم بنظرته يخبرها بحجم خطئها، وأنها لم تترك له خيار، ليتكفل حجازي بالرد حازمًا:
- اسمعي كلام ابوكي يا صبا، احنا مش واخدينك ندبحك، احنا هنروح بيكي نسترك مع أي حد من عيال عمك، فضيها بجى احنا مش ناجصين فضايح.
صدرت هذه المرة صيحتها بانهيار، وقد لاح امامها مستقبلها وما قد تواجه بناءًا على هذا البهتان:
- على موتي ما يحصل، حتى لو فيها جواز من واد عمي، لا يمكن اجبل اعيش مكسورة العين جدامه، انا غالية وتوبي ابيض مفيهوش بقعة توسخه.
هم فراج بالرد عليها ولكنه توقف على دخول هذا الرجل الغريب بغير استئذان فور أن فتحت له والدته:
- مساء الخير يا عم ابو ليلة، انا اسف على الدخول في وقت حساس زي ده يا جماعة، بس بصراحة مقدرتش اقعد واقف مستني، انا عارف بالموضوع كله من أوله، وأكيد دا سبب الخناق اللي واصلي من عندكم.
تطلع الشابين إليه بحاجبان مقلوبان وكأن من يحدثهم بمجنون ولا يعي بخطورة الأمر، وتكلم ابو ليلة يفصح له عن اعتراضه رغم تقديره لشخصه:
- يا شادي يا ولدي انت ليك كل الإحترام، بس اعذرنا بجى، دا موضوع عائلي.
احتج باستماتة في الدفاع عنها، غير اَبهًا بصورته أمامهم، ولا بما قد يحدث بتدخله:
- لا يا عم ابو ليلة، الكلام دا يخصني معاكم، صبا مش تبقى جارتي وبس، ولا اكمنها شغالة في القسم عندي في الفندق، لا يا جماعة، اللي حصل وياها ظلم بين، وانا لا يمكن افضل ساكت عن الحق، حتى لو على موتي.
فراج الغاضب هم أن يعنفه لتدخله، ولكن شقيقه الأكبر اوقفه بنظرة محذرة، ليتكفل هو بالرد امام صمت ابيه:
- يا استاذ شادي الله يرضى عنك، احنا لا عايزين كلام ولا حديت، بتنا وعارفينها زينة وتمام التمام كمان، بس منعًا للاحراج يا واد عمي، وعشان نجفل باب اللت والعجن عليها، هناخدها من جاصرها تيجي معانا، ولا هي سترة البت في جوازها بجت عيبة؟!.
سمع الأخيرة ليردف بانفعاله متشنجًا:
- ابدا وربنا ما يحصل، صبا مش هتعتب باب الشقة دي ولا هتخرج معاكم الا ان كان بخطرها، وبعد انتوا ما تسمعوا بالحقيقة كلها.
- تاني برضوا هيجولي حجيجة، يخرب مطنك، ايه النصيبة دا يا بوي؟
هتف بها فراج قبل ان يلتفت مع الآخرين نحو شهد التي دلفت بزوجها هي الأخرى مقتحمة الشقة، لتلقي التحية على عجل، قبل ان تتلقى انهيار صبا على صدرها:
- شوفتي اللي بيحصل معايا يا شهد؟ ابويا عايز يسفرني ع الصعيد وعلى ذنب انا معملتوش، يرضيكي يا شهد؟
أردف شادي مخاطبًا لها هو الاَخر:
- ارجوكي يا اَنسة يا شهد، كلمي الحج خليه يسمع مننا، دا احنا معانا الدليل، والبنت اللي شاهدة على الحكاية كلها، مودة تعالي يا مودة.
خرجت المذكورة على النداء من غرفة صبا التي ظلت حبيسة بها تنفيذًا لتعليماته المسبقة لتعلق زبيدة بذهن مشتت، وعقلها لا يستوعب حتى سبب ما يدور حولها:
- وايه دخل مودة؟ هو ايه اللي حاصل؟ أنا مش فاهمة حاجة.
عاد شادي في مخاطبته للجميع:
- مودة هتفهمك وهتفهم كلهم بالمكيدة اللي اتدبرت لصبا، عشان تشويه سمعتها، بس جوزك يسمح لها الأول.
تدخلت شهادة في مؤازرة واضحة تناجيه:
- خليها تتكلم يا عم ابو ليلة واسمع منها، وحياة غلاوتي عندك يا شيخ.
حسن ايضًا لم يقبل على نفسه ان يظل سلبيًا أو مكتوف الأيدي وأضاف على قولها :
- لو ملهاش غلاة عندك، يبقى ع الاقل اعمل حساب دخلتي أنا عندك لأول مرة، هو انا مليش أي معزة عندك يا راجل؟
❈-❈-❈
اغلقت مجيدة على فرن الموقد الغازي، بعد أن تأكدت من قرب نضوج الطعام الذي تعده للمأدبة التي تُجهز لها منذ أمس.
أنيسة والتي أتت لها مبكرًا عن الجميع من أجل مساعدتها، كانت تخرج صواني الحلوى التي صنعتها هي الأخرى، وتنزع عنها الاغلفة التي كانت تحفظها بها، فقالت مشفقة بعد أن رأت حجم المجهود الذي قامت به الأخرى:
- بس انتي كان لازم تبعتيلي من امبارح، المساعدة في الظرف دي لازم، هو انتي حمل شقا ولا وقفة على رجلك يا ست انتي.
ضحكت مجيدة لترد وهي تخلع عن يدها القفاز القماشي والمخصص للأمساك بالأشياء الساخنة:
- يا حبيبتي وانا تعبت في إيه يعني؟ ولادي ربنا يخليهم، كانوا بيساعدوني من امبارح تقطيع الخضار، والتنضيف والذي منه، يعني الباقي مش متعب اوي يعني.
توسعت بوجه أنيسة ابتسامة رائعة لتعلق بعدم تصديق:
- يا لهوي يا مجيدة، يعني افهم من كدة، انك بتخلي المهندس وحضرة الظابط يقطعو بصل ولا يخرطوا الملوخية دا انت قادرة؟
اضافت تبادلها ابتسامة ماكرة:
- ويعصروا طماطم وينقوا الرز ويمسحوا ويكنسوا كمان هي دي اول مرة، دول متعودين على كدة يا حبيبتي، ولا انتي فاكرني دلعتهم ولا جيبت خدامة تخدمهم.
تركت أنيسة ما بيدها لتضرب كفًا بالاَخر مرددة بذهول:
- دا على كدة انتي جبارة بجد، بقى يا مفترية بتشغلي الرجالة اللي ليهم وضعهم في شغل البيت، امال لو خلفتي بنت كنت هتعملي معاها ايه؟
- لا لو خلفت بنت كنت هدلعها واخليهم هما يخدموها.
- يا شيخة.
- والنعمة زي ما بقولك كدة، طب يعني امرمط بنتي واخليها تخدم جوز الشحوطة دول، بالزمة دا عدل؟
- لا طبعًا.
اردفت أنيسة بالاخير لتنطلق في موجة من الضحك المستمر بعدم قدرة على التوقف، حتى تذكرت لتسألها:
- مقولتليش صح، هما فين؟ انا مش شايفة حد فيهم.
عبس وجه مجيدة تجيب عن سؤالها بقلق:
- ما هو أمين لسة مرجعش من ورديته، وحسن مع شهد في زيارة لبيت ابو ليلة عشان المشكلة اياها بتاعة النت وصورة صبا والكلام عليها، اتصل بيا من شوية وقالي انهم هيتأخروا ع الغدا، ربنا يستر بقى.
رددت أنيسة خلفها بالدعاء لتردف بحزن هي الأخرى:
- وانا كمان لينا اتصلت بيا قبل ما اجي، وقالتلي انها هتعدى على اخوات شهد ومرات ابوها تجيبهم معاها على هنا، ياللا بقى ربنا يعديها على خير.
❈-❈-❈
في جلسة ضمت الجميع على مقاعد الصالون العتيق، وقد بدا على هيئاتهم الإنصات والإستماع الجيد مجبرين بأمر الرجل الكبير، والذي رضخ بعد فترة من الإلحاح المزعج لشادي، والضغط من شهد، باستغلال لمعزتها المعروفة إليه.
كانت مودة توضع بالدلائل عما تردف به:
- وادي الصور اهي، صور عيد الميلاد اللي حضرناه مع البت دي اللي كانت زميلتنا، معلش التليفون قديم بس حمد لله شاشته كويسة، انا خدت اللقطات بالكاميرا بتاعته، قبل ما يطب علينا عدي باشا صاحب الفندق اللي بنشتغل فيه، ويفاجأنا انه صاحب المطعم كمان.
تناول شادي منها الهاتف ليضيف موضحًا قبل أن يمرره على البقية، ويردد اثناء تقليبه، بالمقارنة مع الصورة الأخرى بهاتفه:
- واخدين بالكم يا جماعة، دا نفس اللبس بتاع صبا، ودي نفس الزوايا بتاعة المطعم، والطرابيزة والتورتة إللي عليها، وحتت الجاتوه في التلت أطباق اللي ظاهرة.
- ولما هو كدة، كيف اتاخدلها الصورة لوحديها مع البيه بتاعكم؟ تركيب صور يعني ولا ايه؟ انا مش فاهم.
بذهن صاحي تسائل بها حجازي، فكان الرد من مودة:
- لأ مش تركيب صور، بس هو اللي حصل ان البنت صاحبة عيد الميلاد، وقعت كوباية العصير على الجيبة اللي كنت لبساها، فغصب عني قومت وسيبت الطرابيزة عشان انشفها في الحمام، والبت الزفتة دي قامت معايا، بغرض انها تساعدني، فخليت الطراببزة على صبا والبيه الكبير، ودا مكان عام زي ما انتوا عارفين، هي احرجت ما تقوم وتسيبه، مجاش في بالها ان بنت الحرام دي هتلقط لها صورة من بعيد، عشان تشوه سمعتها، ربنا يجازيها.
بحمائية تصدر من قلب أم موجوعة على ابنتها، سألتها زبيدة بغضب:
- وبت الحرام دي تأذي بتي ليه؟ ايه ما بينهم عشان تعمل معاها كدة؟
قبل أن تجيبها، جاء التساؤل الأخر من مسعود بعقله اليقظ:
- وجبل دا كله، انا اللي عايز اعرفه دلوك، انتي عرفتي الكلام دا كله منين؟