-->

رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 23

 

قراءة رواية نزيلة المصحة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة رواية نزيلة المصحة

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل الثالث والعشرون




غادر حسام ومن بعده ترك عبدالله الحجرة لحمزه واغلق بابها عليه من الخارج مثلما طلب منه كي يحظي بوقت خاص مع قهوتة. 

 بعد أن أعدت له سماح قدحاً آخر منها.


فأبي أن يشربه هذة المره الا بعد أن يمارس عليه طقوسه المعتادة. 

فقد شعر اليوم انه اهدر حق قهوته كثيراً وأهانها حين لم يعطها حقها من الاستمتاع بها. 

 ولم يبجلها كما يجب أن تبجل القهوة. وتملكه إحساس بالتقصير في حق معشوقته. 


قرب القدح من فمة فشم الرائحة وتنفسها حتي تغلغلت داخل روحه. ثم اغمض عيناه وهو يرتشف القليل منها. ثم همهم بإستمتاع بالغ.

 فما بغير هذة الطريقة تشرب القهوة. 


انهي قدح قهوته، وترك الكوب الفارغ من يده. وهو يشعر أن إحساسه بالتقصير نحو محبوبته بدأ يتلاشى الآن حين اعطاها حقها كاملاً. 

وعاد لاستئناف رحلة عذابه المرهقة مع عقله وتساؤلاته. 

وأول شيئ قرر حمزه الرد عليه من تساؤلات عقلة  ويبحث عن تفسيراً له هو شهادة حسام الجامعية! 


فقام بفتح لاب توبه وادخل جميع بيانات حسام، وطلب المزيد وظهرت امامة صورة حسام وكافة التفاصيل عنه. 

ومن ضمنهم شهادته الجامعيه، والتي كانت صحيحة مائة بالمائه ومعتمده وتأكد من ذلك بعد دخوله علي موقع الجامعه والبحث عنها وسط دفعته وبتاريخ تخرجة.. 


وها هو عقله يسجل أول نقطة لصالح حسام، جعلت كفته تنزل قليلاً عن كفة ود وكريمه..وباتت صورة كريمه التي اخذها عنها حمزه تتذبذب أمام عينيه. 

 فمن ضمن قناعات حمزه أن الذي يكذب كذبة صغيرة يكذب الكبيرة. 

ومن يزيف في أحد الحقائق لا يؤخذ كلامه علي محمل الجد مرة اخري نهائياً وتتغلف كل حرفه بالشك. 


وهذة ماكانت الا البداية ومن بعدها بدأ 

عقلة يطالب بالمزيد من التفسير والبحث والتنقيب عن باقي الحقيقة. 


ولكن حمزة قرر أن يفصل زر الباور عن جسدة وعقلة تماماً. 

وأن يخلد للنوم قليلاً كي يشحذ طاقته ويستيقظ في الغد اكثر نشاطاً واستعداداً للقادم، 

والذي نبهه حسام الي مدي صعوبة استيعابه وخطورته علي عقله. 


فقام بوضع رأسه علي الوسادة ونظر للساعة التي شارفت علي التاسعة مساءً ولا يعلم كيف انقضي الوقت سريعاً هكذا! 


اغمض عيناه اخيراً وهو يشعر بأن الغد آتٍ بسرعة الريح لأنه يحمل في طياته مالا يحمد عقباة. 

اما لو كان ينتظر اخباراً ساره،

لكان تأخر اليوم سنة كاملة  بأيامها بشهورها بفصولها الاربع. 


وأثناء مداعبة النوم لجفونة فتح عيناه مرة واحدة وبحركة سريعه قام بإغلاق المنبة، ثم عاد للنوم وهو مبتسم كمن باغت خصمه في غفلة منه وتغلب عليه للمرة الأولي.



اما عند حسام فحين عاد الي الفيلا 

وجد عائلته الصغيره فى إنتظارة وبمجرد دخوله الكل استقبله بلهفة واشتياق. 


فالقي التحية علي الجميع وحمل عصفورة الصغير بين ذراعيه واخذ  يوزع القبل علي وجهه الناعم والآخر يردها له. 


وجلس بينهم قليلاً يستمع الي تفاصيل يومهم والي تفاصيل يوم ذلك المشاغب الصغير تحديداً. 

فهو محور جميع الاحداث الهامة والغريبه التي تحدث في الفيلا.. اما باقي الاحداث فهي عبارة عن روتين يومي لا يذكر. 


وكالعادة طوال الوقت كانت سعاد هي من تقص علي مسامع حسام نوادر وطرائف قاسم الصغير، وحسام ينظر الي قاسم ولا يصدق أن كل هذه الافعال خرجت من هذا الشبر ويضحك بإستمتاع. 


وسمر كعادتها تظل غارقة تتأمل في جمال ضحكاته الرنانه وصوتها الرجولى. 


ويرتفع داخلها سقف الامنيات ككل مرة تنظر له فيها. 

ومع أول صد منه لها يتهاوى السقف فوق رأسها. ليعيد لها توازن عقلها من جديد، ويخبرها أن ماكانت تتمناه ماهو الا امراً نُكراً مستحيلاً. 


وكالعادة حسام كان يرصد جميع نظراتها اليه ولكنه لا يكشف لها ذلك، ويعلم مابنفسها نحوه وماذا تتمنى الآن. 


فخفتت صوت ضحكاته رويداً رويداً وهو يضع نفسه  في نفس موضعها، او لنقل انه رأي بحالتها تطابق لحالته من حيث العذاب والتمني خائب الرجاء. 


فأغمض عيناه وقرر أن يفعل معها اليوم الذي طالما تمني ان  تفعله ود معه. 

وأن يعاملها مثلما اراد دوماً أن تعامله متحجرة المشاعر تلك. 


وأن يقرض قلبها قرضاً حسناً من مشاعرة البخيله، 

متمنياً أن يردة الله لقلبة اضعاف، ويرد له لحظة السعادة التي سيمنحها لهذة المسكينه بعشر امثالها. 


فنظر اليها طويلاً قبل أن ينهض ويلقي علي مسامعهم تحية المساء ويخبرهم أنه ذاهب لأخذ حماماً دافئاً، 

وسيبقي بغرفته قليلاً فلديه بعد المهام المعطله في عمله ويجب عليه انهائها. 


وصعد الي غرفته واخذ حمامه وخرج الى الشرفة وكان وقت الغروب، 

فأخذ يتأمل الشمس وهي تغرق في جوف الأفق البعيدة رويداً رويداً. 

وكأنها حبيبة تغوص فى احضان حبيبها الليل. وتذوب فيه عشقاً. ويخفيها هو بعبائته السوداء عن العيون ويلملم خيوط شعرها الذهبي تحت جناحة. 


فيحجب نورها عن الجميع.


 كأنه يخبرها بأنها اصبحت ملكه وحدة الآن. وأنه اعمي كل العيون بظلامه عنها. 


ولكن مسكين هذا الليل فهو لا يعلم أنه يخفيها من جانب لتهرب منه الي جانب الدنيا الآخر فتجعل الجميع ينعم بدفئها ماعدا هو الذي يعتقد انها لازالت مخبأة له وحدة. 

ولا يدرك أنه الوحيد الذي نادراً ما تجتمع معه في وقت واحد. 

وإن حدث هذا في يوم تحدث علي اثره ظاهرة الخسوف والكسوف، 

ومن شدة ندرة الحدث يسجله المؤرخون  ويتعجب له البشر. 


تماما مثله هو وود. 

فهو الليل وود هي الشمس التي لم يستطع السيطرة عليها يوماً مهما حاول. 

❈-❈-❈


ظل علي وقفته هذة حتي ضم الليل اطراف عبائته السوداء على الشمس واخفاها كلياً. 

وبدأ بنثر نجومه في السماء ليعوض بها غياب الشمس. وتكون دليلاً للتائهين في ظلمته الحالكه. 


واثناء تأمله لكل ذلك، سمع صوتاً خفيفاً، فنظر للخلف ورأي تلك السمراء تصعد علي الفراش وقد استعدت للنوم بالكامل! 


 أبدلت ثيابها ومشطت شعرها وازالت مساحيق التجميل التي من وجهة نظر حسام تخفي جمالها الطبيعي. 


وكل هذا فعلته دون أن يشعر بها أو حتي يسمع لها صوتاً! 

فهذه هي طبيعتها. هادئة بدرجة لا تصدق. 


ترك موقعه وتقدم نحوها وهو عازم على أن يجعل ليلتها هذه من ضمن اليالي التي لا تنسي. 

وأن تظل ذكراها محفورة بروحها للأبد، كما حظي هو بليالٍ مثلها ويعيش على ذكراها الآن. 


جلس بجانبها وبمجرد أن فعل ذلك لاحظ رجفة في جسدها. 

فرفع يده وقام بتمريرها على كامل جسدها بالطول من ذراعها حتي أخمص قدمها وكانت حركته هذه كفيلة بأن تجعل جسدها يتشنج كلياً. 


 ولكنه استطاع بعد ذلك بطريقته أن يعيد اليه الليونة مرة اخري. 

وأن يحولها لقالب من حلوى الجيلي بين يديه،  تفعل مايأمرها به وتنصاع لهمسه في هدوء تام 

ولا يعلم حسام لم كانت هذة المرة مختلفه كلياً فهي بدت شهية مثل حلوي الجيلي التي يعشقها تماماً! 


قضي معها وقتاً ممتعاً وحين ابتعد عنها تأكد من ابتسامتها التي تحمل كل الرضي بأنه نجح في إعطائها الليلة التي عاهد نفسه بأن يمنحها اياها. 


اما سمر فقد إنتقلت الي عالم آخر جديد عليها بالمرة وهي بين يدي حسام ويعاملها بهذة الطريقة الحنونه لأول مرة منذ يوم زواجهم. 

والذي تصنفه بأنه أكثر يوم مشئوم مر عليها. 

فظنت أن الليلة هي ليلة القدر. 

وقد استجاب الله فيها لدعواتها التي كانت تدعوها منذ قليل، ورقق قلب حسام عليها، وجعله يراها اخيراً بعين المحبة اخيراً. 


وكم كانت مسكينة وهي تفسر ما حدث بينهم بهذا التفسير. 

 فالحقيقة غير ذلك تماماً. 

فما فعله حسام معها لم يكن اكثر من  شفقة ممزوجة بتجارة مع الله. 

ولكن من نوعٍ آخر لم ولن يصل الي ادراك عقلها البريئ. 


نهض حسام من الفراش، وذهب الي الشرفه، وقام بإشعال سيجار وبدأ في شربه وهو ينظر الي السماء الواسعة، كأنه يطالب الله رد السعادة التي منحها لسمر منذ قليل في التو والحال. 


تماماً كمن يتبع أسلوب المقايضه، ولكن مع الله. 

ولا يعلم أن الله يدبر الامور كلها لما فيه مصلحة العباد. 

والتي قد لا يعلمها العبد في كثير من الاحيان، ولهذا السبب ليس كل مايتمناه المرء  يدركة. 

فيحزن العبد ويشعر بالخذلان من الله له، ولكنه لا يعلم أن الله قد يكون بعدم استجابته لدعائه قد دفع عنه شراً مستتراً كان مصاحباً لتلك الاماني. 


اما سمر فأعتدلت في جلستها واخذت تراقبه، 

وقد صدقت تماماً أن هذا الوقت قد تكون ابواب السماء قد فُتحت للداعيِن. 

فواصلت دعواتها بإن يظل حسام هكذا معها ولا يعود لسابق عهدة. 


وبعد ذلك نهضت وتركت الفراش وتوجهت اليه وهي تحدث نفسها:


 بأن الليله حتي وإن لم تكن ليلة إستجابه. 


فهي بالفعل ليلة الحظ بالنسبة لها. 

ولهذا ينبغي عليها أن تستغلها لأقصي حد ممكن. 

وقررت أن تفعل شيئاً لطالما تمنته بينها وبين نفسها، وكان تحقيقة من ضمن المستحيلات. 


فذهبت اليه بخطواتٍ بطيئة وهي تمشي علي اطراف اصابعها كما اعتادت أن تفعل كي لا تتسبب في إزعاجه يوماً. 


واصلت التقدم حتي وقفت خلفة تماماً، وقامت بمد يدها التي كانت ترتعش خوفاً،


 ولامست جسد حسام العارٍى ثم أبعدت يدها بسرعة كمن لامست جمرة نار. 

واغمضت عينيها بخوف وهي تنتظر جزاء مافعلت. 

ولكنها فتحتهم على دفئ جسد حسام الذى التصق بها. 

فوجدت نفسها بين احضانه ويداه تدوران حول خصرها لتطوقانه. 

فلم تصدق مايحدث! 

واردفت لنفسها مؤكدة:

أن هذة الليلة فيها من السحر ماجعل الذي لم يتحقق منذ سنوات يحدث الآن. ويحدث بسخاء بالغ. 


فرفعت يديها ووضعتهم علي صدره ونزلت بكفوفها للأسفل رويداً رويداً الي أن توقفت عند خصرة. 


وشجعت يدها كي تتسلل الي ندبته، 

لتمسد عليها بلمسة حنونه جعلت حسام يغمض عينيه ارتياحاً. 

وظل هكذا دقائق حتي أردف اخيراً:


شكلها مدايقك مش كده؟ 

انا عارف إن منظرها صعب وكنت حاجز عند دكتور تجميل عشان اشيلها واجمل المنطقه اللي هي فيها. 

لكن اللي حصل دا لخبط كل مخططاتي. 


فاردفت سمر بسرعة نافية لإعتقادة:


لا ابدا ياحسام مين اللي قالك انها مدايقاني؟ 

بالعكس. 

اصلا انا شكلك بقي مرتبط عندي بالاثر دا وبشوفه جزء من تكوين جسمك، وحاسه ان لو حاجه فيك اتغيرت هشوفك شخص غريب. 


فأردف حسام متسائلاً مرة اخري ليتأكد أن ماقالته حقيقياً وكانت بالفعل تقصدة:


يعني أنتي معندكيش مشكله مع اثر الحرق دا ياسمر؟ 

فنفت سمر للمرة الثانيه ولكن بهزة من رأسها. 

فنظر حسام بعيداً ثم همهم متسائلاً: 

اومال هي لية؟ 

ولم يكمل جملته. 

فقد أبي أن يفسد علي هذه المسكينه ليلتها بذكر إسم غريمتها فيها، 

واكتفي بهذا القدر. 

فتبسم بحزن وقد ومضت أمام عينية عدة ذكريات جعلته يتعجب وهو يقارن بين موقف سمر من ندبته وموقف ود. 


وذهب الي واحدة من تلك الذكريات بخياله،

 وشرد عقله بألم حين خيل اليه أنه انه يسمع صوتها الآن وهي تصرخ به غضباً

 وهو خارج من الحمام نصف عار ويجفف شعره وقد ظن انها ليست بالغرفه:


حسام ارجوك قولتلك متعملش كده مرة تانيه، انا مبتحملش اشوف المنظر دا جسمي بيكش ونفسي بتلعب وببقي عايزة ارجع. 

قالت جملتها وهي تدفن وجهها بين يديها هروباً من منظر ندبته. 


فما كان منه سوي الجري وارتداء باقي ملابسه سريعاً، 

وهو يتفوة اثناء ذلك بكافة انواع الأسف، 


فهو يعلم تماماً انه محرم عليه أن يجلس امامها دون حجب هذة الندبة عن عينيها. 


فقد اخبرته مراراً كم تستاء منها وتشمئز من النظر اليها. 



افاق من شروده علي ملمس يد سمر وهي تتهادى فوق الندبه رويداً رويداً كمن يتفقد بأصابعه لوحة الموناليزا ويختبر ملمسها حين رآها لأول مرة. 


فاغمض حسام عينيه وهو يشعر براحة عجيبة،

 فلأول مرة تمتد يد لتلمس ندبته دون أن يشعر صاحبها بالاشمئزاز كما كانت تفعل ود...ودون الشعور بالشفقة كما تفعل أمه. 




يد صاحبتها لا تشعر نحوة ونحو ندبته سوى بالمحبه.

فأنحني بجسده عليها حتي اسند ذقنه علي كتفها وسألها هامساً:


بتحبيني ياسماره؟ 

فبهت لونها فجأة وشعرت أن الدم قد توقف عن الجريان في أوردتها، وتحجرت مقلتيها وتوسعت ابتسامتها لما سمعت! 


 فالاشياء الجميلة كلها تحدث اليوم . 


وبعد أن كان حسام لا ينطق إسمها العادي الا نادراً،

 يناديها الآن بإسم الدلع! 


فيالها من ليلة اغمضت سمر عيناها متمنية الا تنقضي ابداً. 

 والا تشرق الشمس سوى بعد عدة اعوام، وتظل حبيسة الليلة معه الي أن ترتوي من نهر الكوثر المتمثل فيمن تغوص بين ذراعية الآن. 


ولما طال إنتظار حسام للجواب تبسم، 

فهو يعلم جيداً إنها لم تتواني عن الرد دلالاً.. وإنما أثر الصدمة من السؤال. 


 فحثها على إجابة السؤال بصيغة اخري:


شايفك مش بتردي يعني؟ 


فخرج صوتها اخيراً وهي تتلعثم كمن يتعلم الكلام جديداً:


بدور علي كلمه أكبر من كلمة الحب اقولهالك.


فأكمل حسام وهو ينظر في عينيها البنيتين اللاتي انعكس فيهم ضوء القمر فأصبحتا تلمعان كبلوراتين:


ولقيتي الكلمه؟ 


فهزت سمر رأسها نفياً وهي تنظر بدورها لعينيه الاتي القيتا لعنة عليها كي لا تحيد عنهم. 

واخذت تقراء مابداخلهم بإهتمام كي تكتشف ماالسر وراء التغير الذي طراء عليه. 

وكأنهن بردية فرعونيه كُتب فيها سر الحياة الابديه. 


واثناء انشغالها بحل أحجيات برديتها شعرت بأنها ترتفع مرة واحدة عن الأرض لتستقر علي صدره قبل أن يجلسها علي حافة الشرفه، محيطاً لها بكلتا يديه. 


وظلت هي محاوطة لعنقه بيديها. 


ثم اردف وهو لا يزال ينظر بيعينيها:


لو قولتلك ياسمر أنك لو رميتي نفسك من البلكونه دي دلوقتي وضحيتي بحياتك عشاني هعيش باقي عمري مبسوط تعمليها؟ 


فأردفت سمر بنبرة واثقه:

اطلبها وشوف بنفسك. 


فتبسم هو، وظنت هي ابتسامته عدم تصديق فأبعدت يديها عن عنقه وقامت بفردهم في مستوى جسدها كمن يستعد للتحليق. 

وكل هذا تحت انظار حسام الذي شدد قبضته حولها وهو يردف بإبتسامة عذبه:


مكنتش اعرف إنك مجنونه! 

فردت عليه همساً:


انا معاك مريت بكل الحالات وجربت المشاعر اللي فالدنيا.

 معاك اتجننت وعقلت، معاك حبيت وكرهت واتقهرت وسامحت، معاك بقيت أم.. 

ومعاك قضيت حياة كامله لو انتهت فأي لحظة صدقني مش هحس بذرة ندم ولا هحس بأن حاجه فاتتني ومعشتهاش. 


وخصوصاً بعد الليله دي ياحسام. 


فلو زي مابتقول فعلاً ان سعادتك فموتي فأنا هكون سعيدة وانا بنفسي اللي بقدملك السعادة دي زي ماأنت قدمتهالي. 


بس قبل دا مايحصل عايزة اقولك حاجه للمرة الاخيرة ياحسام:


إنت أمنيه عشت طول عمري بتمناها وبشكر ربنا انها اتحققت، ومهما كان الشكل اللي اتحققت بيه انا راضيه بيها وفرحانه. 


القت بعباراتها علي مسامعه ثم إنتظرت أن تري تأثيرها عليه، 

وكم تمنت انها لم تفعل وهي تري الدموع قد تجمعت في مقلتيه واذدرد لعابه على الفور. 


وتكاد سمر تقسم أنه اذدرد معه غصة تكونت في جوفه. 

وتعلم جيداً ماسببها. 


فحسام قد راقته الكلمات كثيراً وأسعدت قلبه. 

ولكنه تمنى أن يسمعها من واحدة أخري وليس منها هي. 

والأخري هى ود بكل تأكيد. 


فابتلعت هي الاخري غصتها وهي تنكس عيناها ارضاً ولا تعلم لم شعرت هذه المرة بشيئ من الإهانه. 


ولم توقعت هذة المرة بالذات أن تحمل ردة فعلة الامتنان لكل هذة المحبه التي تكنها له؟ 


ربما لأنها شعرت بأنه اليوم شخص مختلف كلياً، او ربما لإعتقادها أن اليوم هو يوم حظها! 

ولكن علي كلٍ ادركت إنها اخطأت في التقدير حين ظنت أن حسام لا زال لدية المذيد لها. 


فزفرت بديق، ورفعت وجهها عليه وهي ترمم تصدعات روحها برسم إبتسامة مزيفة لا تُفرَق عن الحقيقية. 


ولطالما كانت الأمهر في تزييفها. 


فقد اعتادت علي فعلهاطوال الوقت. 


ونزلت من فوق سور الشرفة بمفردها ولم تنتظر اية مساعدة من حسام في ذلك، فهو رفعها للسماء قبل قليل، 

وقد حان وقت السقوط. 



اما في مكان آخر. 


كانت تجلس فوق سريرها متربعة كوضعية لاعبي اليوجا،

 تنظر الي الفراغ امامها بتركيز، وكريمة تجلس بجوارها، 

ولكنها كانت متكأة علي علي تاج السرير قليلاً. 

فهي تتعب كثيراً من الجلوس علي وضعية واحدة لفترات طويله. 

فكانت تبدل أوضاعها من حين لآخر. وهذا هو آخر الأوضاع الذي استقرت عليه. 


وظل الوضع هادئاً الي أن بدأت انفاس ود تعلوا وتهبط وهنا شعرت كريمة بأنه يقترب منها،


 فعدلت جلستها سريعاً وهي تستعد لنوبة جديدة من الصراخ والإستغاثه من ود وهي تطلب منها أن تحميها ممن يريد الفتك بها، 

ولكنه في كل مرة يعدل عن ذلك بعد أن يجعلها تشعر أنها ادني من قاب قوس من الموت ويجعلها تختبر هذا الإحساس مراراً وتكراً. 


وبالرغم من أن كريمه فعلت ما بإستطاعتها كي تجعله يختفي من امام أعين ود الا أنه اقوي منها ومن كل مافعلت ومن جميع محاولاتها. 


وتدرك ايضاً انه اقوي مما ستفعل مستقبلاً، وسيظل الحال كما هو الحال  منذ سنواتٍ عديده وسيظل الوضع كما هو عليه.. 

ولا لود فرصة للتخلص من هذا الوضع القاسي الا فى حالة واحدة. وهي إنهاء حياتها. 

ولم يكن هذا الخيار من ضمن الافعال المستحيله. فقد حاولت ود فعلها مرتين. وفي كل مرة تنجوا من الموت بإعجوبه. وكأن لها اوجاع لازالت تنسج في الغيب ويأبى القدر الا أن تختبرها. 


وهاهي الصرخات تنطلق من فم ود وتختبئ في احضان كريمة التي بدأت تتمتم علي الفور وتمد ذراعها علي طوله امامها هي وود كحماية من هذا القوي الذي لاقاهر له الا الله إن شاء. 


وبعد انتهاء النوبة المعتادة سكن جسدها وارتخت اطرافها وهى تراه يبتعد، 


بعد أن أفلت رقبتها من بين يديه وهو يراها علي وشك أن تتبوء مكانها وسط الأموات.

 فيقرر أن يعطيها المزيد من الوقت وهي علي قيد الحياة، فهو لم يكتفي من تعذيبها بعد. 


توقفت اخيراً كريمه عن هدهدة ود بعد أن تأكدت أنها خلدت للنوم تماماً.


 وقامت بإرحة جسدها الهزيل علي الفراش، ووضعت رأسها علي الوسادة.


 واخذت تتأمل في جمالها الذي انطفأ.. وحل بدلاً عنه ذلك الوجه الذابل الشاحب. 


وظلت تتحسر علي خطأ قد حدث دون قصد كلفها وكلف ابنتها الكثير والكثير. 


وأنسلت بعد ذلك من جانبها وخرجت من الغرفه الي غرفة المعيشه. 


وأمسكت بالهاتف وفكرت جدياً أن تهاتف الطبيب حمزة فهي بحاجة لاحد يساندها الآن فيما يحدث لود ويشد أذرها ويخبرها بأن كل شيئ سيكون على مايرام. 


والأهم أن يكون لديه الحل الجذري لمشكلة ود الاذلية.


ومن سيكون كل هذا غيرة هو وحده. 


ولكن ما منعها عن فعل ذلك هو تأخر الوقت فقد شارفت عقارب الساعه علي إعلان تمام الساعة الثالثة صباحاً، 

فقالت لنفسها:

ومن بهذا الوقت سيكون مستيقظاً الا شخصان مُحب ومريض. وحمزة لا هذا ولا ذاك، فإذا سيكون الآن من ضمن النائمين. 

واعدلت عن رغبتها وقررت أن تصبر حتي الصباح، ففي الصباح دائماً يكون الرباح.


 يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة