رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 22
قراءة رواية نزيلة المصحة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية نزيلة المصحة
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل الثاني والعشرون
جلسنا لتناول الغداء ثلاثتنا انا وحسام وعبدالله.
وانضم الينا مؤخراً احمد ابن اختي الصغير ذات الاربع سنوات .
وبدأ يأكل من امام حسام تحديداً.
وبالرغم من أني نهرته ناهياً له عن هذا التصرف المشين!
الا ان حسام أبى أن يتوقف الصغير عن مشاركته الطعام،
واجلسه على فخذه وبدأ يناوله الطعام بيده.
وبعد أن شبع الصغير انزله حسام واكمل هو بدوره تناول طعامه.
ولم يخفى على احد منا استمتاعه بالطعام.
فشهادة حق لم يتناول احداً الطعام في مرة من تحت يد سماح اختي الا وأعجبه حد الجنون.
فهي ماهرة في الطبخ جداً، ولا اقول انها الافضل.
لا بل هناك الكثيرون ممن يطبخون طعاماً جيداً.
ولكني اقول انها من ضمن الافضل.
وانتهينا جميعاً وعدنا الي غرفة الاجتماع مرة اخري، او دعونا نقول:
غرفة الاعترافات هههههه.
وانتظرنا أن نتناول قهوتنا اولاً قبل أن يواصل حسام حديثه وقد بدا الآن اكثر ارتياحاً بعد أن تناول الطعام وشرع في تناول قهوته معنا.
وها هو ينتهي من قدحة بعدي مباشرة.
واردف بمجرد أن ابعد القدح الفارغ عن فمه:
انت يادكتور عايز تعرف ايه اللي حصل في الفتره بتاعة الطفولة اللي قضيناها سوا انا وود مش كده؟
طيب انا هحكيلك.
وعاد حسام بالذاكرة الي الوراء حيث الايام الجميله التي لم ولن تُنسى مهما تراكمت عليها السنوات مروراً،
فذهب فى رحلة بروحة الي ذلك اليوم الجميل..
حين اكتشف للمرة الأولي كم تعنى له ود وكم يكن لها من مشاعر فياضه وكم هي غالية علي قلبه.
حيث خرجوا جميعهم فى رحلة لمدينة الالعاب، وكان عمر ود حينها عشر سنوات.
اما حسام فكان فى الخامسة عشر من عمره.
وجلس الأهل فى الخلاء، وذهب حسام وود كى يصعدوا واحدة من الالعاب الجديده التي سمعت عنها ود من إحدي صديقاتها وأتت اليوم خصيصاً لتجربتها.
وكم رفض حسام أن تصعد ود الى هذة اللعبة الخطيرة والتي ادرك مدى خطورتها فور أن وقعت عيناه عليها.
وصدم منها وهي ترتفع الى عنان السماء بسرعة فائقه وتهبط بسرعة اكبر ينخلع معها القلب خوفاً،
وهذا واضح من صراخ ركابها.
ولكن مع تصميم ود علي صعودها، وافق حسام مضطراً ،حيث لم يعتد أن يرفض لها يوماً طلباً طلبته وهي تضرب بقدميها الأرض تصميماً وإصراراً بملامح باكية.
وصعد الاثنان اللُعبة وكم كان قلب حسام مقبوضاً وهو يربط لود الحزام البلاستيكي الذي بدا له انه ليس بحالته الطبيعية وبه خلخلة واضحة!
فتلفت يميناً ويساراً كي يخبر المسئول عن اللعبة بذلك الأمر قبل انطلاقها،
أو حتي أن يبدل معها الأماكن اذا لم يتمكن من إخبار المسئول.
ولكن قبل ان يفعل اياً من هذا او ذاك انطلقت اللعبة الى الاعلى بلمح البصر.
ومن وسط الصرخات المتعالية من الجميع كان حسام ينظر اليها وهي تصرخ مع الصارخين ويتفقد الحزام بعينيه جيداً وطوال رحلة الصعود لم يحيد بعينية عنها.
وبمجرد ان اقتربت اللعبة من الأرض وفصلتها عنها فقط امتاراً قليله لا تتعدي الخمس امتار.
اذ بود تنزلق من مقعدها بعد أن خُلع الجزء المكلف بحمايتها من مكانه تماماً،
وعلي الرغم من انه بجانبها الا انه لم يستطع ان يمسكها ليمنعها من السقوط رغم أنه حاول جاهداً وهو يصرخ من هول الصدمه.
فهوت ود الي الارض وهوى قلبه معها. وسقط على الأرض وتهشم وهو يراها ترتطم بالأرض بقوة. زلزلت كيانه.
وصعدت فى هذة اللحظه اللعبة الي الاعلي مرة اخرى مبتعدة به عنها.
وكم صرخ وهو يتمني أن يقفز اليها من هذا الأرتفاع.
واختلطت صرخاته هو الآخر بصرخات الاستمتاع باللعبه ولم يفرقها أحد عنهم وأو يعلم أنها لم تكن سوى صرخة ألم.
وهاهي اللعبة تهبط من جديد وتقف اخيراً حيث اطفائها المسئول عنها، بعد أن تجمعت الناس حول ود ليكتشفوا إن كانت لازالت على قيد الحياة ام فارقتها.
ونزل حسام مسرعاً يخترق الصفوف محاولاً الوصول اليها،
وحين وصوله اخيراً بعد ماظن أنه مشى عاماً كاملاً،
رأها بين احضان عمه قاسم الذي كان يصرخ من اعماق قلبه بكل قهر.
جلس حسام بجانبه وأمسك بيد ود وتأملها قليلاً وهى تصارع الموت.
ولا يعلم من منهم سينتصر، ولكن مابدا لحسام أن الموت هو من سيهزمها ويسرق منها الروح فهي تبدوا مثل الأموات الآن.
فزرفت عيناه الدموع بغذارة،
وهو يشعر أن الهواء ماعاد يزور صدره وأن انفاسه قد اختنقت.
وخاصة وهو يرى الدماء تقطر من انفها وتسيل على جانب فمها.
فشعر كم أن روحه متعلقة بتلك الصغيرة المشاغبه،
وتأكد حينها لو أن مكروها قد حدث لها فستكون نهاية العالم بالنسبة له، وموت كل ماهو جميل في عينيه.
دقائق معدودة قبل أن تأتي سيارة الاسعاف كانت كفيله بجعل حسام يتأكد أنه يعشق ود عشقاً جماً ولم يكن يدري بذلك.
حُملت ود من قِبل المسعفين وتم أخذها الي اقرب مشفي والكل ذهب معها الي هناك.
ولم تخفى حالة كريمه علي أحد من الحاضرين فقد كانت تموت حرفياً من الخوف علي ود.
وتتقلب على جمر وهي تنتظر أن يخرج أحد الاطباء بخبر عن ود يطمئنها،
وحتي أن حالتها كانت اكثر سوءً من حالة ابيها قاسم الذي بدا اكثر تماسكاً عنها.
وها هو الطبيب يشرع ابواب غرفة العمليات ويخبر الجميع بأن ود استقرت حالتها الآن قليلاً.
بعد أن حدثت معجزة اعادتها للحياة من جديد بعد أن فارقتها تقريباً.
ولكن الخطر سيظل قائماً حتي تمر الاربع وعشرون ساعة القادمة.
والى أن ينقضي الوقت وتنتهي هذة المده يجب علينا تكثيف الدعوات لها.
وهنا خر قاسم على الارض ساجداً وكذلك كريمه حيث شعرا أن الروح قد ردت اليهم من جديد.
وحتي حسام راودة نفس الشعور.
وكذلك سعاد، وكأن ارواح الجميع كانت متعلقة بروح ود.
وتداعت الارواح جميعها وهوت مع وقعة ود الي اسفل السافلين.
اعتدل حسام وهو يردف بعد أن ارتعشت انفاسة اضطراباً لهذة الذكري المريرة، وخرج صوته متهدجاً:
تعرف يادكتور، برغم أننا قاسينا كلنا ففترة اصابة ود،
واللي بسببها ود قعدت شهور في البيت تعبانه وراقده في سريرها بسبب الدوار اللي رافقها من ساعة الوقعه، وحياتنا كلنا توقفت معاها.
الا ان الفتره دي كانت أجمل فترات حياتي.
وقتها كنت مرافق ود ليل نهار، نتكلم سوا ونضحك سوا،
اخفف عنها شويه وارزل عليها شويه عشان بس اشوفها متنرفزه واطلعها من حالة الملل اللي كانت بتحس بيها من قعدة البيت والحبسه.
وبرغم صغر سنها وسني وقتها،
الا أن احساس جميل ابتدا يدغدغ قلبي طول ماانا معاها.
احساس معرفتش افسره فاوله، لكن مع مرور الوقت اتفسر لوحده وبانت ملامحه.
وطلع اجمل إحساس فى الدنيا.
إحساس الحب.
وابتدت ود تتحسن وحده وحده لغاية ماخفت خالص.
وبقينا انا وهي اقرب اتنين لبعض.
ومن بعدها قضينا مع بعض٤ سنين كانت فكل يوم فيهم تكبر قدامي ملي ملى.
وملامح انوثتها أبتدت تظهر واتحولت فى الوقت دا لانثى مكتملة الانوثه.
وابتدت تسبق سنها واللي يشوفها ويعرف سنها تاخده الغرابه.
ناهيك عن الجمال حدث ولا حرج.
وكل دا كان بيحصل قدام عيوني وتحت انظار قلبي اللي كان بيقيسها كل يوم ويشوفها زايده جمال قد ايه عن اليوم اللي قبله.
كانت بتسمع كلامي وكل حاجه اقولها عليها كانت تنفذها بدون نقاش وكنت فرحان بالحته دي فيها جداًاا.
لغاية ماجات ففترة وابتدت تتغير كلياً.
وتقريباً بعد عيد ميلادها ال١٥.
واللي عملت فيه حفله كبيره وعزمت كل صحباتها،
وكان من ضمنهم صحبتين جداد اتعرفت عليهم من فتره قصيره وقالتلي عليهم وكنت فاكر انهم زي باقية اصحابها اللي اعرفهم، محترمين وبنات ناس.
لكن البنتين دول اتضح انهم كانو غير كده.
ودا انا قدرت اعرفه بمجرد ماشفتهم فعيد الميلاد.
اصل البنت بتبان من مجرد وقفتها او كلامها او حتي صوت ضحكتها.
وانا وقتها كان عندي ٢٠ سنه وكبير بالقدر الكافى اللي يخليني اعرف اميز كل بنت وطبعا واخلاقها من حاجات بسيطه.
يومها بعد ماخلصت الحفله حذرتها منهم.
وطلبت منها انها تبعد عنهم وقالتلي انها هتعمل كده ووعدتني.
وآمنت وقولت خلاص طالما وعدتني هتنفذ.
ماهي مش متعوده متسمعش كلامي فحاجه.
لكن بعدها بشهر تقريباً لقيت ود بتتغير ١٨٠ درجه!
لبسها وطبعها، وحتي طريقة كلامها بقت وقحه!
والكل لاحظ الاختلاف دا ومعجبهوش.
حتي عمي قاسم كان مستاء من اللي بتعمله دا وبيحاول يلفت نظرها لأنه غلط
لكنه مكانش بيتعامل معاها بالحزم الكافي اللي يخليه يجبرها تتغير وترجع من الطريق اللي ابتدت تسلكه وتتغير بسببه طباعها واخلاقها بالشكل دا.
لكن الغريبه أن كريمه هي الوحيده اللي معترضتش علي اللي بتعمله ود!
ولاالتغيير اللي طرأ علي اسلوب حياتها!
لأ والأغرب انها كانت بتشجعها وتحسسها طول الوقت انها فخورة بيها.
وحتي لما عمي قاسم اتكلم في الموضوع دا وحب يعترض في المره الوحيده اللي حاول فيها،
كريمه قالتله أن البنت صغيره ويسيبها تتدلعلها يومين زي صاحباتها.
وانها فترة مراهقه وهتعدي.
وإن كل البنات في الفتره دي بيعملوا كده.
وطبعاً عمي قاسم ماكان منه الا الانصياع لكل كلامها والموافقه عليه.
ومن يومها واتبدلت ود اللي اعرفها واللي مربيها علي ايدي لود تانيه.
كل يوم خروج بحجة انها رايحه تذاكر مع صاحباتها.
ولبسها بقي جريئ وكلامها اجراء ومبقتش تستحمل مني أي كلمه ولا تسمع كلامي.
لغاية ماشكيت فيها ورحت وراها اراقبها وحصل اللي حكيتلكم عليه قبل شويه دا.
❈-❈-❈
صمت حسام بعدها يلتقط انفاسه، واخرج من حقيبته علبة السيجار واشعل واحدة وسحب منها نفساً من عمقه ظن حمزه أن الدخان قد تغلغل داخل خلايا جسد حسام بالكامل،
واختلط بكريات دمه!
ثم زفرة حسام واغمض عينيه هروباً من الدخان الكثيف الذى خرج من فمه وانفه وتبسم حين سمع عبدالله يحادثه معقباً علي ماقال:
وكنت عايز تجرى كل الاحداث الممتعه دي يابني!
ارجوك بعد كده متعديش حاجه تاني عشان انت بتعدى اهم مقاطع.
فهز حسام رأسه موافقاً، وأخذت ابتسامته تتلاشى شيئاً فشيئاً وهو يتذكر ذلك اليوم الذي مد يده علي ود لأول مرة في حياته.
وكم أنب نفسه بعدها.
وكم لام يده على مااقترفته من خطأ بالتطاول على طفلته المدلله،
ولكن يده وعقله وقلبه وكل كيانه اجمعوا علي رأي واحد.
وهو أن مافعله هو التصرف الوحيد الملائم في هذا الموقف.
وأن يتوقف عن لوم نفسه فهو لم يخطئ.
ولم يكن يعلم حينها أن هذة المرة الوحيده والاولي التي مد فيهايده علي ود..
ماهي الا مرة أولى لمرات كثيرة توالت بعدها لاسباب كثيرة.
وان هذا الشعور بالندم سيبدأ فى التلاشي ليحل محله شعوراً آخر بالراحة بعد كل مرة يضربها فيها.
وأن كل ماكان يشعر به نحوها من عاطفة وعطف آنذاك، سيتحول الي بغض وإشمئزاز،
وأن كل ما آمن به طوال حياته سينقلب الي النقيض لاحقاً بسبب تلك الماكره.
شعر حمزه بأن حسام وصل الي مرحلة من حياته من الصعب عليه أن يتخطاها ويكمل بعدها.
علي الاقل فى الوقت الحالى.
ويبدوا انها كانت فعلاً اكثر مراحل حياته ارتياحاً كما سبق وأخبرهم.
وأن ماسيأتي سيكون الأسواء علي الأطلاق.
ولذلك ها هو حسام قابع على مشارف نهاية الذكرى ينظر الي تلك الحقبه الزمنيه ولا يجروء علي المضى قدماً للحقبه التي تليها من الذكريات،
خوفاً من تذكر ماحدث فيها، ومامر به من الآم من الواضح انها تركت اثراً كبيراً في نفسه.
فكر حمزة فى أن يعطي حسام بعض الوقت لإستعادة رباطة جأشه حتي يقوى علي المواصله،
حتى وإن كان هذا الوقت سيمتد للغد.
ولكن بمجرد التفكير بذلك هبت خلايا عقله معارضة علي الفكرة، وتحالفت معها جيوش فضوله، وشن الاثنان هجوماً ضارياً علي الخلايا المؤيده للفكره.
فقتلتها جميعاً واجهضت الفكره من رحم التفكير.
وجلست متاهبة تنتظر أن يتبادر الي ذهنه مثل هذة الافكار المعارضة لفضوله مرة أخري كي تقتلها ريثما تولد كما فعلت منذ قليل.
❈-❈-❈
أطرق الطبيب حمزة رأسه وهو ينتظر أن يتخذ حسام بنفسه القرار المناسب له.
فهو حقيقتاً واقع في حيرة كبيرة، بين ان
يقترح علي حسام الرحيل ويترك عقله يتقلب على صفيح ساخن حتى الغد؟
أم يصمت ويترك حسام يستريح قليلاً ويواصل حديثه.
مع أنه كطبيب نفسي يعلم جيداً ان الضغط الذائد هذا ليس تصرفاً سليماً او منطقياً.
ولكنه اكتشف أن الفضول يلغي المنطق ويعلم صاحبة تجاهل كافة الأمور الاخري.
ويجعله يسلك جميع الطرق الملتوية التي تنتهي بما يرضي فضوله فقط ولا شيئ سواه.
حتى وإن كانت تلك الطرق بها من المخاطر ما قد يودي بحياته الي الخطر.
وها هو حسام يُعفيه من هذه الحيره ويتنحنح لمواصلة حديثه.
فرفع حمزه عيناه علي حسام،
وعلم انه في هذه اللحظات يواجه كل خلية في جسدة الرافض أن يقحمة حسام في المزيد من الذكريات المؤلمة.
وتطالبه راجيتاً أن يكتفي بهذا القدر من الألم لليوم.
وهذا واضح جداً من تصلب جسدة، وتحول عيناه للون الأحمر،
واضطراب انفاسه، ورعشة صوته الذي خرج متقطعاً:
واتنقلنا انا وأمي لشقتنا القديمه، وكل اللي اخدناه معانا هدومنا وكراكيبنا..
وحبة ذكريات حلوة.
في البداية بعدي عنها كان بيعذبني، وكنت حاسس اني مفارق روحي.
لكني كنت باتغلب على الاحساس دا بزياره ليهم كل فترة.
يعني تقريباً زياره كل اسبوع او اسبوعين.
بالرغم من أن أمي كانت رافضه تماماً زيارتي ليهم أو اني اروح البيت عندهم هناك من الاساس.
وكانت بتقولي دايما جملتها المعتاده:
إن اللي يطلعنا من حياته بإرادته مندخلهاش تاني حتي لو فتحلنا ابوابها علي مصارعها.
ودا اللي كانت بتعمله مع عمي، قطعت كل تواصل معاه، وفصلت الحراره عن التليفون عشان ميتكلمش معاها،
لكن استمرت زياراته ليها ودي حاجه مكنتش تقدر تمنعه منها.
لكن برضوا مكانتش معاه زى الأول،
وهو حس بدا.
ورغم كده ولا مره حاول أنه يطيب خاطرها أو يعترفلها بغلطته فحقها.
وفكل مرة كان بيجيلها ويتعامل معاها عادي وهو شايف ومتأكد قد أيه هي مكسورة منه وزعلانه..
كان يسقط من نظرها اكتر.
لغاية مافاض بيها وشافت أن علاقتهم دي بقت قايمه علي النفاق في المشاعر، وتزييف الارتياح،
واصبحت مرهقه ليها كلياً.
ففكرت جدياً انها تطلب من عمي الطلاق وتسيبه كلياً لكريمه وسيطرتها،
وحتي الساعات اللي بيجيلها فيهم مبقتش محتاجاهم منه.
وقالتلي قرارها دا وانا خوفت جداً.
خوفت لو نفذته يكون قطيعه كبري بينا وبينهم واتحرم من شوفة ود والمرواح هناك.
مع إن ود نفسها في الفتره دي بعدت عني وحطت حدود كتيره مابينا حتي في الكلام.
وكنت كل مااروحلهم تقعدهم معايا دقيقتين اتنين وبعدها تدخل اوضتها وتفضل فيها لغاية ماأمشي.
لكني كنت بعوض غيابها عني وجفاها بأني اشوفها من بعيد لبعيد وهي رايحه مدرستها أو وهي خارجه منها.
بس اطمنت عليها وانا شايفها بعدت عن البنتين اياهم ورجعت لأصحابها القدام.
وشويه والتهيت فى إمتحاناتي.
منا كنت وقتها في تانيه كلية تجاره وكان لازم إني انجح بتقدير عشان افرح امي واوري عمي إن فلوسه اللي بيصرفها عليا وعلي تعليمي مبتروحش هدر.
وهنا اردف حمزه معقباً علي حديث حسام:
وهي الجامعة الخاصه اللي كنت فيها وقتها كانت محتاجه تعب عشان تديك تقدير؟
دي كانت كل حاجه فيها ماشيه بالفلوس وقتها حتي التقديرات.
وهنا أمال حسام برأسه لليمين قليلاً وضم مابين حاجبيه ليسأله وهو يشع بالغرابة من حديثه:
أي جامعه خاصه!
ومين اللي كان فيها؟
فأجابه حمزة بنبرة واثقه:
انت!
فتبسم حسام وقد فهم الآن انها كذبة اخري من اكاذيب كريمه وود التي لا يعرف مالمغذي من تأليفها!
ولكنه يعلم تماماً انها خُلقت لدعم كذبة أكبر.
أو لمساندة حدث وهمى جلل من تأليفهم ايضاً.
وهز رأسه بقلة حيلة وهو يفتح حقيبته ويخرج منها ورقة ما، وقام بالنظر فيها متأكداً انها الورقة المرادة قبل أن يعطيها لعبدالله،
كي يقوم بتوصيلها للطبيب حمزه
فحسام حقا لم يكن يقوى علي الحركه في هذة اللحظات.
وفور أن أمسك عبدالله بالورقه، قام بلبس نظارته الطبيه المتدلاه علي صدره بسلسال طويل، وشرع هو في قراءة الورقة أولاً.
وما هي الا ثوانٍ ورفع وجهه من الورقه ونظر الي حسام بعد أن نزع نظارته من فوق عيناه واردف له في حنو بالغ:
أنت اكبر مظلوم فمظاليم العالم يابني، وبريئ من الكدب والتلفيق بتاع الناس دي عليك برائة الذئب من دم ابن يعقوب وانا اشهدلك ومستعد أشهد معاك.
قالها ورأي ابتسامة حسام التي اظهرت نابه المكسور فهز رأسه بأسي أكبر،
وتحرك بالورقه نحو حمزه الذي اختطفها من يده اختطافاً.
ليقراء ماكُتب فيها ويعرف أن حسام قد تخرج من كلية التجارة جامعه عين شمس الحكوميه.
وهاهي أول كذبة من اكاذيب كريمة تكشف.
ومن السهل جداً التأكد من صحة هذة الشهادة من عدمه بالرجوع الي الجامعه، او حتي البحث عن ذلك عن طريق الانترنت.
برغم أن الشهادة تبدوا اصلية الى حد كبير.
ولكن لا بأس من التأكد فكل شيئ جائز.
نظر حمزة الي حسام بعيون زائغة،
وقد تعب هو نفسياً من مجرد الإستماع لهذا الكم من الألم ،
فما باله بحسام الذي ربما قد يكون اختبره وقاسى منه بالفعل،
وإنه لربما يكون صادقاً في كل ماتفوه به.
ومع هذا الاحتمال الذي فرض نفسه الآن داخل عقل حمزه بعد أن رأي الشهادة بأم عينيه.
افاقت الشفقه بداخله من ثباتها العميق وقررت أن تحارب الفضول القاسي بكل قوتها.
فإنتصرت عليه واردته جريحاً،
وسيطرت هي علي تلافيف عقل حمزه مطالبة له بالرحمه لذلك المسكين الذي سقط كلياً في مستنقع ذكريات مؤلمة نفسياً.
وبالتأكيد سيجد صعوبة في الخروج منها كمن سقط في بحر من الرمال المتحركه.
فأردف حمزة لحسام الذى كان يفرك وجهه في هذة اللحظه بتعب:
انا شايف أن كفاية كده النهاردة ياحسام ونكمل بكره، شايفك تعبت ومش قادر تواصل.
وهنا صرخ عبدالله معارضاً:
لأ مفيش بكره.. هو يرتاح شويه وهيبقي تمام ويكمل.
قوم ياحسام مدد شويه جنب حمزه علي السرير وخدلك غفوة عشان تستعيد نشاطك وتعرف تكمل.
قوم ياحبيبي قوم..
قالها وأمسك بيده محاولاً جره ناحية السرير، فضحك حسام وربت علي يد عبدالله وهو يردف له:
لأ معلش ياأستاذ عبدالله انا محتاج أني أرجع الفيلا، عايز اقعد مع قاسم ابني وأمي ومراتي أطول وقت ممكن،
حاسس انهم بقوا بيوحشوني اوي اليومين دول.
انهي جملته وسحب يده من بين ايدي عبدالله برفق، ولم يمانع عبدالله ترك يده وزفر بإستسلام ثم اردف له محذراً:
ماشي روح بس بشرط:
تعمل حسابك إنك بكره هتيجي علي هنا أول ماتفتح عينك.
ومتروحش لأي مكان تاني عشان الحكايه المعقربه دي لازم تخلص بكره.
وانا هقعد بالعيال يوم كمان وأمري لله، مع ان الغياب مش فمصلحتهم وهيتخلفوا عن زمايلهم في الدروس.
لكن يلا مش مشكله حتي لو سقطوا السنادي.
فضحك حسام وهو يهم بالوقوف وحمل حقيبته وعلى اثر ضحكته اقترب منه عبدالله واكمل موضحاً:
بتضحك علي ايه بس ؟
بص اصل انت مش فاهم.
العيال دي لو سقطت هتعيد السنه وتنجح انما انا لو مشيت ودماغي بتلف كده والفضول بياكل فيها هفضل علي حالي دا طول العمر.
فأنا اضحي بالاسهل في سبيل اني اتجنب الاصعب.
قالها وضحك بخفه وضحك معه حسام ايضا.
ونظر حسام لحمزه واردف له بعبارات مختصرة:
نتقابل بكره يادكتور.
واستعد عشان اللي جاي اصعب من اللي فات ومحتاج تركيز واستيعاب اكبر.
فأردف عبدالله سريعاً بالاصالة عن نفسه وعن حمزه:
مستعدين من دلوقتي بس تعالى انت وهتلاقينا قاعدين مستنيينك و كلنا آذان صاغية.
فتبسم حسام ونقل عينيه بين الاثنين.
وغادر الغرفه بعد أن اومأ له الطبيب حمزة ايمائة مصحوبة بإتكائة من عينيه سامحاً له بالمغادره.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية