رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 10 - 1 الجمعة 10/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل العاشر
1
تم النشر يوم الجمعة
10/5/2024
مرور الأيام لم يكن سهلاً عليها خصوصا أثناء غيابه هو محبوبها وعشيقها لحروبه وفتوحاته أو لتفقد أحوال البلاد فكانت تظل قابعة بغرفتها حتى تتحاشي اللقاء بها، الملكة تويا التي كانت ولا زالت صامتة على ما يحدث أمام ناظريها ولكن لم يفت عليها الأمر دون أن ترمقها دائما بنظرات مغتاظة وكارهة فهي ليست فقط العشيقة الوحيدة للملك بل هو حتى قام بفض الحرملك تماما مقتصرا عليها هي دون باقي الجواري.
بالطبع تلك الفعلة زادت من نفوذ وقوة الملكة تويا أمام الجميع ظنا أنه فعل ذلك حبا وتوقيرا لها فلم تشئ أن تغير ذلك فهي المستفيدة الكبرى منه حتى وإن كان ظاهرياً، فلم يعلم الجميع أنه توقف عن مضاجعتها تماماً منذ ثلاث سنوات أو لنكن أدق منذ أن أنجبت ابنها رعمسيس الثاني.
اقتصار الملك عليها زرع كرهها بعنف داخل عقل وقلب تويا التي اعتبرتها السبب في تدهور علاقتها بالفرعون ولكنها اضطرت أن تصمت خوفا على مكانتها، ولكن لم يمنعها ذلك من إخراج كرهها لها بأي طريقة أخرى وكانت تنتهز الفرصة عند غياب الفرعون سيتي عن البلاد.
نزلت الحديقة الخاصى تبحث عن ابنتها فلم تجدها فتحركت صوب الحرس وسألتهم:
-أين الأميرة تيا؟
رد أحدهم باحترام:
-بغرفة الكاهنة يا مولاتي.
صرت على أسنانها وتحركت صوب الباب وفتحته فجأة دون أن تطرق ودخلت تنظر لهما بحدة وحدثت ابنتها:
-تيا، هل ستجلسين هنا طوال اليوم؟ أﻻ يوجد شيئ مفيد لتفعلينه؟
ردت تيا باحترام:
-أتعلم من بنترشيت بعض الأمور أمي.
ضحكت ساخرة وهتفت بضيق وهي تنظر لبنترشيت:
-أنا لا أجد أي إفادة من تواجدها هنا ولكن إصرارك أنتِ ووالدك بتواجدها هنا هو سبب صمتي فقط لا أكثر، والآن اذهبي وتفقدي اخاكي رعمسيس مع المربية.
زفرت تيا بضيق وتحركت للخارج فانتهزت تويا الفرصة ووقفت أمام بنترشيت تعقد ساعديها أمام جسدها بصمت والأخرى واقفة أمامها باحترام ومطرقة رأسها لاسفل فاقتربت منها تويا حتى باتت شبه ملاصقة لها وهمست بغل وكره:
-كم تظنين ستستمر تلك العلاقة المحرمة التي بينك وبين الفرعون؟
لم تجبها بل ظلت مطرقة رأسها بخجل فأضافت الأولى:
-أﻻ تخجلين من نفسك ومن نذورك الدينية؟ أﻻ تخجلين من العار الذي جلبته للمعبد ولوالدك؟
حاولت التحدث فرفعت رأسها تنظر لها بتوتر وردت متلعثمة:
-أنا آسفة مولاتي ولكن......
بالطبع لم تمهلها الفرصة لاستكمال حديثها فقاطعتها صارخة:
-آسفة! هل هذا ما عندك؟ مجرد الأسف من فعل المحرمات، حقا بائعة هوى لعينة.
بكت بنترشيت رغما عنها من الإهانة وردت تدافع عن نفسها هاتفة:
-أنا لست ببائعة هوى يا مولاتي، فأنا...
عادت لمقاطعتها بحدة وغضب:
-لست ببائعة هوى، فماذا تكونين إذاً؟ فأنتِ لستِ بخليلة أو جارية ولا محظية أو كاهنة أيضاً فالكاهنات عذروات فماذا تكونين؟
صرت على أسنانها وعقبت:
-فقط بائعات الهوى هن اللاتي يضاجعن الرجال دون ارتباط رسمي، فقط مقابل المال وصدقي أنني لن أصمت طويلاً على هذا الوضع وسترين قريبا انتقامي.
بكت ونزلت عبراتها على وجهها بغزارة من الإهانة الشديدة التي تلقتها ولا تستطيع لا الرد ولا الدفاع عن نفسها، فظل الحال هكذا كلما سنحت لها الفرصة لتزيل نارها عن طريق توبيخ بنترشيت توبيخا لاذعاً ولم يكن أمام الأخيرة سوى الصمت وعدم إحداث جلبة خوفاً منها ومما قد تفعله.
تركتها وذهبت فاتبعتها بنترشيت للخارج لتبحث عن تيا حتى تجلس برفقتا فربما تخفف عنها ألمها فهي تعشق تلك الفتاة وبمجرد التحدث معها فقط تشعر بتحسن، فوجدتها جالسة تحاول كتابة بعض الكلمات على ورق البردي فجلست بجوارها وابتسمت لها هاتفة بتوجيه:
-أديري أصابعك برقة حتى تخرج الكلمة بشكل صحيح.
أومأت لها تيا ونظرت لعينيها الحمراوتين وقالت بحزن:
-هل قامت والدتي بإزعاجك كعادتها؟
ربتت على ظهرها وأجابت:
-لا تهتمي.
اعتدلت تيا بجسدها ونظرت لها تسألها بتفحص:
-هل تعتبريني صديقة لكِ بنترشيت؟
أومأت لها مؤكدة:
-بالطبع وحتى أخت لي إن كنت أستطيع قولها.
فرحت تيا بذلك وقالت:
-حسنا سأخبرك سراً وأريد منك التكتم عليه ولكن شرط أن تخبريني أنتِ أيضاً بسرك بنترشيت، فأنا أعلم أن هناك شيئاً ما بداخلك وأتمني أن تصارحيني به.
خجلت من حديثها ورمقتها بنظرة حائرة فاستكلمت تيا حديثها قائلة:
-أنا واقعة بالحب قيثارة الحب.
ابتسمت بنهاية حديثها فلمعت عين بنترشيت وسألتها بتخوف:
-ألستِ صغيرة على الوقوع بالحب؟
حركت رأسها رافضة وقالت:
-بالطبع لا، فأنا بالرابعة عشر الآن، بنفس عمر مجيئك إلى هنا أتذكرين؟
وافقتها الرأي واستمعت لها تكمل:
-ولقد تزوجت أمي الملكة تويا بأبي وهي بنفس عمري تقريبا وانجبتني وهي بعمرك.
سألتها بنترشيت بتردد:
-من هو؟
خجلت وترددت ولكنها أجابت بالنهاية:
-القائد توت.
اندهشت على الفور من تفوهها باسمه فلاحظت الأخرى اندهاشها فسألتها بتخوف:
-هل هو من تقيمين معه علاقة؟
اتسعت حدقتيها وهي ترفض فوراً:
-لا لا ماذا تقولين؟ بالطبع لا.
تنهدت براحة وارتياح وقالت:
-لقد اطمئن قلبي فأنا أراكما سويا وبشكل متكرر وكنت مذعورة أن يكون هو من تكنين له المشاعر وتقيمين معه علاقة.
سألتها بنترشيت بتردد:
-اقيم علاقة! كيف علمتِ أنني على علاقة؟
ضحكت تيا وأجابت ببساطة:
-فقط حالتك صباحا عندما تكونين سعيدة، وأيضاً إصرارك أحياناً على عدم دخولي لغرفتك ما أكد لي أن عشيقك يكون بالداخل معك بتلك اللحظة.
أطرقت رأسها خجلا فسألتها تيا:
-إذاً هل ستخبريني من هو؟
حركت رأسها نافية فحزنت تيا وقالت باستنكار:
-حقا بنترشيت! فلقد أخبرتك بهوية من أحب والآن أخبريني كما اتفقنا.
عادت لوجوم وجهها وحزنها وقالت:
-لا أستطيع إخبارك فالأمر خطير وقد أُقتل إن علم آخرون بما نتحدث به الآن، لذا لا تخبري أحدا أتوسل إليكِ.
ربتت على فخذها تطمئنها:
-لا تقلقي ولكنني حقا حزينة عليكِ، كيف تنويان حل موضوع نذورك للمعبد؟
حركت رأسها بحزن قائلة:
-لا أعلم، حقا لا أعلم ولكنه دائما يطمئنني بأن الأمور ستكون على ما يرام قريبا.
ردت تيا بتذمر وإطناب:
-ولكن الأمر ليس بهين، ولا تتضايقي مني أو من صراحتي فأنتِ تعلمين كم أحبك ولكني أظنه يتلاعب بكِ بنترشيت؛ فإن كان يحبك لما عرضك للخطر أو على الأقل لكان تصرف وقام بتهريبك خارج البلاد بعيداً عن المعبد والكهنة.
ردت مدافعة:
-هذا ما ينتويه حقا ولكنه يحاول بجهد حتى يستطيع فعلها فهو ليس بتلك السهولة
ردت تيا رافضة:
-بلى بتلك السهولة من أجل المحبين، فقط كل ما عليه أن يترك كل شيئ وراءه ويأخذك بعيداً لتؤسسا حياتكما معاً بعيداً عن الخطر، ولكن أظنه خائفا على منصبه أليس كذلك؟
ابتلعت فورا ريقها وتسائلت بخوف:
-منصبه! كيف علمت...
قاطعتها تيا مؤكدة:
-لا تحتاج لتفسير بالمرة وواضح للعيان، فإن كان إنساناً عاديا أو حارسا يعمل بالمعبد لكان ترك كل شيئ وراؤه وبدأ من جديد ولكنني اعتقده شخصاً رفيع الشأن يتقلد منصباً هاماً بالدولة لذلك لا يريد المخاطرة بخسارة مركزه لأجلكِ بنترشيت، ولكن يا فتاة إن كان يحبك حقا لترك العالم أجمع فقط لأجلكِ أنتِ.
دار حديث تيا برأسها مرات ومرات وهي تردد بداخلها:
-إن أحبك لما عرضك للخطر، وإن كان يريدك لتخلى عن كل شيئ فقط لأجلكِ أنتِ، معكِ حق تيا.
همست بذلك داخل نفسها وقالته بصوت مسموع أيضاً تؤكد حديثها:
-معكِ حق، إن كان يهتم لي لما وضعني بذلك الوضع الذي يهدد حياتي، إذاً أنا نكرة بالنسبة له ومجرد تسلية يضيع وقته معي لا أكثر.
❈-❈-❈
مرت عليها الأيام بانتظار عودته لإخباره بقرارها المصيري والنهائي بعد أن فكرت لأيام وأيام بحديث تيا تلك الصغيرة التي استطاعت ان تفتح عينيها على ما عجزت هي عن فهمه، أنه لا يكترث لأمرها فإن فعل ما كان خاطر هكذا بحياتها.
تذكرت حديث تيا لها بعد استلامها رساله من القائد توت يخبرها بإقتراب عودته برفقة الملك وتأكيده لها أنه سيتحدث معه بشأن زواجهما فور عودته فأرتها الرسالة وقالت لها بتوضيح:
-أرأيتِ بنترشيت، هذا ما أعنيه برجل يتحمل المسئولية ويحبك ويخاف عليكِ.
رمقتها بنظرة واثقو وأضافت:
-توت يعلم جيدا إن رفض والدي طلبه قد ينحيه عن قيادة الجيش وربما يقتله ولكنه يحبني وعلى أتم استعداد للمخاطرة من أجلي، فماذا عن حبيبك الذي ترفضين حتى البوح باسمه خوفا عليه، هل خاف عليك بنفس القدر؟
بكت بعد أن تذكرت ذلك الحديث وها هي تنتظر عودته بفروغ الصبر حتى تخبره بقرارها وليكن ما يكون فإن أحبها حقا سينفذ طلبها دون مرواغة، أما إن كان يتلاعب بها فسيرفض أو يماطل ويرواغ كعادته.
لم يطل انتظارها كثيرا فعاد منتصرا كعادته واستقبله الجميع بإحترام ولكنه ترك الجميع وهرع لها مثلما يفعل دائما.
اعتاد هو أن تستقبله بشوق ولهفه متعلقة بعنفه ولكنه تعجب تلك المرة من استمرار جلوسها على الفراش بعد دخوله لحجرتها حتى أنها لم تحترم شخصه كملك وفرعون للبلاد ولم تقف إحتراما له فجعد جبينه ونظر لها بدهشه وسألها فورا:
-هل أنتِ مريضة؟
أجابت بلامبالاة:
-لا.
تعجب أكثر واقترب من فراشها وجلس على طرفه وتفحص وجهها أكثر وعاد يسألها بقلق:
-ما بكِ؟
ردت بجمود:
-لا شيئ.
صر على أسنانه بضيق وحاول كبت غضبه فسحبها من ذراعها وقال بغزل:
-اشتقت لكِ قيثارتي.
لم تعقب بل سحبت يدها منه وابتعدت لنهاية الفراش بعيداً عنه فتضايق منها وصاح بحدة:
-بنترشيت، ما بكِ هل جننتِ؟
رفضت حديثه وأجابت باختصار:
-بل عقِلت.