-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 17 - 1 الخميس 23/5/2024

  

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل السابع عشر

1

تم النشر يوم الخميس

23/5/2024


كثير منا يشعر للوهلة الأولى عند اﻻستيقاظ من حلم عميق بالتشتت ويجلس ليفكر ما إن كان حلماً أم حقيقة! حتى يدرك بنهاية الأمر أنه حلم، ولكن بالنسبة لها لم يكن هكذا فاستيقاظها من ذلك الحلم الذي كان عبارة عن ذكرى قديمة لحياتها السابقة كان حقيقياً لدرجة أن شعرت بنفس الآلام مرة أخرى وكأنها عاشت ذلك العذاب من جديد.


والأكثر من ذلك أنها وقفت تنظر لجسدها المدمى بالمرآة ونزيف أنفها الذي لم يتوقف وزرقه أطرافها وكأنها عادت من الموت من جديد، فتألمت مغلقة عينيها بقوة حتى تستطيع التحرك لفتح باب المنزل عندما استمعت لتلك الطرقات العنيفة عليه.


تحركت بعرج قليلاً من إثر تألمها الشديد والذي أشعرها بكل عظمة من عظامها وكأنها تكسرت من سقوطها بالحلم ففتحت الباب بعد أن هتفت بصوت متحشرج: 

-حسنا أنا قادمة فلتتمهل قليلاً.


فتحت فوجدت والديها ينظران لها بلهفة وذعر وهرعت والدتها تحضنها هاتفة بوجل: 

-أنتِ بخير ابنتي؟


ردت بعد أن أخرجت صيحة ألم: 

-بخير أمي لا تقلقي.


تمعن إيدي النظر بوجهها وبكدماتها بعد صيحتها المتألمة وسألها بحرص: 

-ماذا حدث؟ هل قام إمام بضربك؟


نفت توضح وهي تتحرك ببطئ تستند على اﻷثاث حتى تجلس بأقرب مقعد: 

-لقد شهدت موتي منذ لحظات و أشعر بأن عظام جسدي قد تكسرت جميعاً.


أسندها والدها باهتمام بالغ وجلس بجوارها يتقصى الأمر: 

-هل عادت تلك الكاهنة مرة أخرى ابنتي؟ لقد جاء إمام وأخبرني بما حدث بينكما وكان مستاء جدا مما حدث، فأخبريني الحقيقة.


نظرت له بحزن وتنهدت عميقاً تحاول استرجاع أنفاسها التي لا تزال هاربة وقالت بصوت هادئ منخفض ولكنه مسموع: 

-ما قاله إمام حقيقي، ولكن لا شأن لي بما حدث.


ألقت تلك الكذبة على مسامعهما حتى تنقذ ما يمكن إنقاذه من حياتها معه ومعهما وأكملت موضحة: 

-لا أجد تفسير لما يحدث معي ولكنه خارج إرادتي، وكأن قوة خفية كانت تتحكم بي وبه بنفس الوقت.


استمعت لصوته الهاتف بغضب: 

-قوة كانت تتحكم بنا وتجعلك تحاولين إقناعي بأني قد جننت، أليس كذلك دورثي!


دمعت عيناها فور أن وجدته أمامها وقوست فمها بحزن قائلة بمعاتبة مصطنعة: 

-لماذا تُحملني كل الذنب؟ أعلم بأني أخطأت عندما أخفيت عنك حقيقة الأمر، ولكن كل عزائي أني كنت أحاول حمايتك لا أكثر.


اقترب منها ورفعها من ذراعها فتألمت ولكن إمام لم يهتم لألمها وسألها بحدة: 

-أخبريني من أنتِ؟ هل أنتِ دورثي لويز أيدي زوجتي التي أحببتها أم من؟


رمقته بنظرة متحيرة وهي تشعر بألم يعتري صدرها وليس فقط ذلك الألم الجسدي الرهيب الذي تشعر به، فهي منذ اللحظة الأولى وهي تشعر بالضيق من استغلالها له بهذا الشكل حتى تجتمع بمن تحب ولكنها اﻵن متأكدة تمام التأكد من مشاعرها وأنها لن تستطيع العيش أو التنفس بعيداً عن محبوبها وعشيقها الفرعون، ولا يمكنها أيضاً أن تعود لتخبرهم بأنها عادت لنقطة الصفر وتجعل والديها يعانين الأمرين معها من جديد؛ فجلست متحيرة ومتألمة وبكت هاتفة: 

-أنا نفسها الفتاة التي أحببتها إمام، ونفس الفتاة التي تزوجتها و........


قاطعها بغضب أهوج: 

-الفتاة التي لا أتذكر معاشرتي لها وأغلب الوقت لا أذكر حتى مذاق شفتيها! هل هي نفسها الفتاة التي تحدثيني عنها؟


زاد بكائها فسأله إيدي بحيرة: 

-ماذا تعني بحديثك بني؟


رد وهو رافعاً حاجبه لأعلى: 

-ما سمعته، لقد كان يتلبسني ذلك الفرعون بكل مرة اقترب فيها من زوجتي وبعدها تحاول هي إقناعي بأنني قد غفيت أو نمت أو ثملت أو جننت حتى لا يهم.


أنهي آخر كلماته بصراخ غاضب ورمقها بنظرة حادة ممتعضه فترجته بخفوت: 

-سامحني رجاءً، فأنا لم أكن أعي تماماً ما يحدث و.....


عاد لمقاطعتها متسائلاً: 

-وماذا بعد؟ ما سيحدث لنا وما الذي سيتغير؟


ابتلعت ريقها بتوتر وقالت مؤكدة: 

-كل شيئ سيتغير، من اليوم كل شيئ سيكون على ما يرام.


اقترب منها ونظر لها بنظرات متفحصة فأزالت حيرته موضحة: 

-لقد انتهى كل شيئ صدقني، لم يعد له وجود بحياتنا إمام.


أطرقت رأسها لأسفل وهي تكمل: 

-لم يعد بإمكان أحد أن يفرق بيننا إمام، فقط سامحني وانس الأمر.


لم يبتاع حديثها وسألها بسخرية: 

-بهذه البساطة؟ لقد تقصيت وعلمت كل شيئ عنك دورثي وأعلم أن حياتك هكذا منذ مولدك ولن ينته الأمر بتلك السهولة.


ردت مؤكدة: 

-لقد انتهى صدقني فقد انكسر السحر وأُبطلت التعويذة وخسر الفرعون قوته ولم يعد يستطيع حتى أن يتواصل مع هذا العالم بأي شكل كان.


زفر أنفاسه بتمهل واقترب منها يداعب وجنتها براحته وسألها بصوت رقيق: 

-حقا دورثي؟ هل انتهى كل شيئ وسنعيش حياتنا بشكل طبيعي؟


أومأت له مبتسمة فسحبها داخل حضنه لتتألم هي مجدداً فنظر لها تلك المرة باهتمام وسألها بعينه عن حالها فربتت على جانب ذراعه وأجابت: 

-أنا بخير، لا تقلق.

❈-❈-❈

وصله الرسول بتلك الرسالة التي جعلته يتخبط ويدور حول نفسه من كثرة التفكير عندما قرأ ما بها
(مولاي الفرعون سيتي مرنبتاح، لقد تم إلقاء القبض على الكاهنة بنترشيت من قِبل كهنة معبد آمون رع ، ولم أستطع المساعدة وحتى الأميرة تيا لم تستطع فعل شيئ هي الأخرى ولا أعلم إلى أي مدى تستطيع بنترشيت تحمل التعذيب.
حارسك المخلص حانوت رع)

أمسك لفافة البردي واعتصرها بيده واستدعى قائده وهدر به بذعر: 
-لقد ألقى كهنة المعبد القبض على بنترشيت، ولابد أن أعود في الحال.

تعجب توت من حديثه وأخذ منه لفافة البردي وقرأ ما بها ورد بتوضيح: 
-مولاي، حتى تصل تلك الرسالة إلى هنا فلابد أنه مر أكثر من عشرة أيام قمرية إن لم يكن أكثر.

صاح به بغضب: 
-وهذا سبب أدعى حتى أهرع لنجدتها، ألم تقرأ ما كتبه الحارس حانوت رع إنهم يعذبونها!

تنفس ببطئ وحك طرف ذقنه بهدوء وفكر قليلاً وأخبرة بالنهاية: 
-إن تركت الجيش وهو بتلك الحالة سنخسر الحرب يا مولاي، فهل أنت مستعد لتلك الخسارة فقط من أجل عشيقتك؟

رفع حاجبه الأيسر وهدر به بغضب أهوج: 
-ماذا تقول؟ هل نسيت نفسك لمجرد أنك زوج ابنتي؟ 

تأسف بضيق ووضح: 
-آسف مولاي، أنا خادمك المخلص ولكن لا أجد حل وطريقة لتركك الجيش ونحن على أعتاب الفوز بالحرب.

صر على أسنانه فمعه حق ولا يستطيع التخلي عن إدارة الجيش بتلك السهولة فإن فعلها سيكون المسمار الذي يدق بنعش شعبيته وحب العامة له إلى الأبد، فارتمى جالساً على مقعده وسأل بحيرة: 
-ماذا أفعل؟ فأنا لن أتحمل خسارتها.

أجابه بعملية: 
-اتركني أنا لأعود وأظنني أستطيع إيقاف الكهنة عن إيذائها حتى عودتك منتصراً يا مولاي.

استحسن فكرته وأمره فى الحال: 
-حسنا، واﻵن أذهب وافعل ما قلته وامتطي جوادك وسابق الريح يا توت حتى تصل لها سريعاً ولاخبرها أنني لم أتركها ولن أتخلى عنها مهما حييت.

مرت عشرة أيام قاد فيها سيتي الجيش بتلك الحملة وعقله معها يمني نفسه أن قائده قد وصل بالفعل للعاصمة واستطاع أن ينقذها من براثن كهنة المعبد ولكنه لم يعلم أن الأخير قد وصل بعد يوم واحد من انتحارها فدخل غرفة زوجته وجدها تبكي بانهيار فسألها باهتمام: 
-ما بها حبيبتي تيا؟

انتبهت تيا لصوته فهرعت ترتمي داخل حضنه باكية بقهر وهي تقص عليه ما حدث فلمعت عينيه ببريق الحزن وأبعدها قليلاً حتى يتفرس ملامحها وسألها بتوتر: 
-ماذا قلتِ تيا؟ هل حقا ماتت الكاهنة بنترشيت؟ 

أومأت له باكية بإنهيار وأخبرته: 
-ألقت بنفسها من أعلى المعبد وماتت، وحتى بعد موتها رفض الكهنة أن يعطوني جثتها وقاموا بدفنها بمكان غير معلوم وكأنها دابة نفقت وليست فتاة في ريعان شبابها قتلها الحب هي وما بأحشائها.

اتسعت حدقتي توت وانحنى بالقرب منها متسائلاً بحيرة: 
-ماذا تقولين؟ 

ردت مطنبة وهي لا تزل على حالتها الحزينة: 
-كانت تحمل جنين بأحشائها وهذا ما كشفها وجعل الكهنة يلقون القبض عليها وذلك الندل عشيقها اختفى تماماً وتركها لمصيرها وهي حتى اللحظة اللأخيرة رفضت البوح باسمه وشخصيته حتى بعد أن تحدث معي كبير الكهنة وطلب مني إقناعها بالاعتراف عليه حتى يصفحوا عنها.

بللت عبراتها كلا وجنتيها وهي تردف: 
-حاولت إقناعها بشتى الطرق ولكنها أبت أن تعترف عليه، وكأنها تعلم أن مصيرها محتوم.

استندت بجزعها على جسده وأراحت رأسها على صدره وبكت كما لو كانت فقدت شخص من عائلتها وقالت: 
-يا ليتني استطعت فعل شيئ، بحياتي لم أتخيل أن أحزن فراق أحد لهذه الدرجة.

ربت على ظهرها يهدئها ورأسه تدور بحلقات مفرغه فكيف سيخبر فرعونه بموت من يتنفس لأجلها؟ فظل شارد الذهن حتى انتبهت له تيا فابتعدت وهي تقوس حاجبيها من منظره.

دارت برأسها الشكوك فهي دائماً ما ظنت بوجود ما يربطه بها ولكنها سألتها صراحة إن ما كان هو على علاقة بها؟ ولكن أيعقل أن يكونا قد فعلاها وهي لا تدري!

رفعت رأسها حتى تنظر له ولشروده وحزنه الغير مبرر من وجهة نظرها فإن كانت هي حزينة لقربها من بنترشيت فما باله هو وحزنه العميق الذي يندفع من مقلتيه.

سألته بصوت حذر وترقب لإجابته: 
-هل لي أن أعلم سبب حزنك الشديد هذا؟

انتبه لحديثها وصوتها الذي بدى غيورا ومتفحصا فرمقها بنظرة مندهشة من ظنها ولكن لم يستطع أن يفشي سر الملك والذي أخذته بنترشيت معها إلى القبر؛ فرد سؤالها بسؤال آخر مراوغا: 
-وما سبب دهشتك لحزني عليها؟

اقترب منها خطوتين فأصبح ملاصقا لها وانحنى قليلاً ليقلص طوله وأصبح فمه بجوار أذنها فهمس لها: 
-ألم تكن أقرب صديقة لكِ! ألم تكن بير أسرارك! حزنت عليها نعم.

الصفحة التالية