-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 20 - 1 الأحد 26/5/2024

  

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل العشرون

1

تم النشر يوم الأحد

26/5/2024

لم يكن من السهل عليها مطلقا أن تنتظر لشهور حتى تنفذ قرارها الذي اتخذته تلك المرة دون تردد أو رجوع فيه، فبعد أن تأكدت أنه والد ذلك الجنين بأحشائها رفضت أن تظل تعيش تلك الكذبة والمسماه بالزواج من وجهة نظرها وآثرت العيش معه وبرفقته، فرعونها وحبيبها ووالد طفلها أو طفلتها.


حاولت بشتى الطرق أن تتصنع الفرحة والهدوء حتى لا يرتاب أحدا بأمرها ولكن لعنة توقيت الحمل من المؤكد ستفضح أمرها وتجعل إمام يعلم أنه ليس جنينه، فحاولت دائماً التهرب منه عند زياراتها المتكررة للطبيب وتحججت برغبتها اصطحاب والدتها معها.


اﻵن بعد إتمامها شهرها الرابع تستطيع العودة لحياتها الطبيعية بعد أن نصحها طبيبها بالراحه بشهور حملها الأولى، وحتى لا يرتاب إمام بأمرها ورفضها لمضاجعتها فشرحت له ضرورة الراحة بتلك الشهور حتى لا يكون هناك خطر على الجنين.


دلفت منزلها بعد أن اطمأنت من طبيبها بأن حملها جيداً ولا يوجد به أي مشاكل وجلست بجوار زوجها مبتسمة وربتت على فخذه هاتفه بتسائل: 

-بما أنت شارد؟


ابتسم لها وحرك رأسه مجيبا: 

-لا شيئ حبيبتي.


مسحت على وجهه برقه وهمست بصوت عذب: 

-تشتاق لعائلتك، أليس كذلك؟


تعجب من معرفتها لما يدور داخله بل وقرائتها لتعابير وجهه الحزينة عندما أضافت: 

-أعلم أنك تفتقد عائلتك وتريد السفر لبلدك حتى تراهم، فما رأيك أن نفعلها سويا؟ ولا أجد هدية تجلبها لهم خير من تلك النطفة التي تنمو داخلي.


احتالت عليه بعذوبة صوتها ورقتها فابتسم وقبلها بحب وأسند رأسه على ظهر المقعد: 

-أعتقد ان ركوب الطائرة وأنتِ بحالتك تلك غير صحيح، لذلك من الأفضل انتظار موعد وضعك وبعدها ربما آخذك لزيارة مصر كما تتمنين.


قبلته قبلة دافئة على عنقه وغمزت بطرف عينها رافضة اقتراحه: 

-بل من الأفضل أن أضع مولودي بمصر وسط عائلتك حتى يصبح مثلك حبيبي.


ابتسم بسعادة فبالغرم من عزوفها عن مطارحته الغرام متحججة بتعب الحمل الذي أثر عليها، إﻻ أنها تستطيع فقط بابتسامة طفيفة أن تحول عالمه من السوء إلى الجمال، فسحبها داخل حضنه وهمس: 

-حسنا حبيبتي، فقط أتأكد من طبيبك بعدم وجود خطورة عليك وبعدها مباشرة أحجز تذكرتين ربما بأول رحلة عائدة لمصر.


تأكد من طبيبها أن سفرها لا بأس به ففرح إمام كثيراً لافتقاده بلده وعائلته أيضاً، بالإضافة لذلك العرض الذي جاءه للعمل بمصر براتب يشابه راتبه الحالى وهو بالغربة بعيداً عن عائلته، فوافق الأخير فورا وأخبرها رغبته العودة فما كان منها إﻻ أن وافقت بسعادة.


جاءت هانده لمساعدتها في تجهيزات السفر وهى متجهمة الوجه فلاحظت دورثي وسألتها بحيرة: 

-ما بكِ أمي؟


ردت بحزن: 

-ستنالين ما أردته طوال حياتك وهو تركي أنا وأبيك والسفر لمصر.


ربتت على كتفها بحب وقالت: 

-لا يستطيع أن يظل السمك خارج الماء فترة طويلة ولابد من الأمور أن تعود لنصابها.


نظرت لها بتعجب وقالت بدهشة: 

-تركك لنا وذهابك بعيدا عن حضني هو الأصح وعودة الأمور إلى نصابها دورثي! هل حقاً تعتقدين ذلك ابنتي؟


أجابتها بتأكيد ونظرات ثاقبة: 

-تعلمين جيداً من أنا، ولكن تصرين على سماعها مني، وكأن صمتى وتقبلي لحياتي يجعلك تنسين أحياناً الحقيقة لتعيشي بالوهم سيدة هانده.


دمعت عين هانده وكأنها انتبهت اﻵن أنها ليست ابنتها ولا تزال تلك الكاهنة، ولم تملها الأولى الفرصة حتى للحزن أو للتعقيب على حديثها فهتفت بتأكيد: 

-أنا الكاهنة بنترشيت عشيقة الفرعون سيتي مر ان بتاح، وأحمل بأحشائي نطفته التي فقدتها قديماً بحياتي السابقة وأستحق أن أعيش اﻵن وأربي ابني مع ابيه، أستحق أن أعيش حياتي التي سُرقت مني قديماً وحديثاً.


بكت هانده متوسلة: 

-ابنتي، أتوسل لكِ لا تقولي هذا فقد أوهمت حالي بأن الأمور على ما يرام و......


قاطعتها دورثي: 

-أرجوكِ توقفي، لن يثنيني حديثك ولا بكائك عن تنفيذ رغبتي تلك.


ابتلعت هانده ريقها بتباطئ وسألتها بحيرة: 

-كيف تنوين فعلها؟ كيف تنوين العيش معه وهو أصبح طيفا لا يستطيع الظهور حتى بأي هيئة، ألم تقولي لي أن قوته ضعفت وأصبح من الصعب عليه حتى زيارتك بأحلامك؟


ابتسمت دورثي وأجابت بتوضيح: 

-لهذا السبب أنا ذاهبة لمصر، موطني وموطنه حتى استطيع إعادته من جديد ولا تقلقي أمي فأنا لن أتوقف عن حبك أنتٌ وأبي ولا عن مراسلتكما ويمكنكما القدوم لزيارتي بموطني ومسقط رأسي (مصر).


❈-❈-❈


لم تصدق أنها وأخيراً تطأ بقدميها أرض وطنها الحبيب ومسقط رأسها الحقيقي وفور أن لامست قدميها الأرض انحنت وقبلت السطح اﻻسفلتي ورفعت وجهها للسماء هاتفة بتضرع: 

-أنا اﻵن بوطني، أنا اﻵن بمكاني الطبيعي.


نظر لها إمام بدهشة وتعجب وانحنى يرفعها عن الأرض ورمقها بنظرة متعجبة وسألها باهتمام: 

-دورثي، حبيبتي ما بكِ؟


ابتسمت بتصنع بعد أن عادت من لحظة تجليها العفوي ووقفت مبتسمة له وعقبت: 

-لقد كنت أتمنى طيلة حياتي القدوم لمصر العزيزة وها قد تحققت أمنيتي أخيراً، فأنا ممتنة لك إمام.


قبل راحتها بلباقة وابتسم مجيبا: 

-أنا رهن اشارتك حبيبتي.


وصلا لمنزل والديه فاستقبلهما الجميع بحفاوة وقام إمام بتعريفها على العائلة فابتسم هاتفا: 

-تلك هي أمي، السيدة عزيزة أغلى إنسانة بقلبي.


ابتسمت وقبلتها من وجنتها وتحدثت معها مرحبة: 

-كيف حالك؟


ابتسمت لها عزيزة ونظرت لابنها وقالت بحيرة: 

-هي بتقول ايه؟ أنا مش فاهمه حاجه يا ابني.


ضحك إمام على عفوية والدته ورد موضحا: 

-بتقولك ازيك يا امه، بكره تتعلم عربي عشان تفهمومها وهي شاطرة وبتتعلم بسرعة.


وقفت عزيزة من مكانها وسألته بلهفة: 

-أفهم من كلامك ده إنك قاعد هنا على طول؟


أومأ لها مؤكداً: 

-خلاص يا امه، وقت الغربه خلص ودلوقتي وقت اﻻستقرار وزي ما بعتلكم جواب إن مراتي حامل و......


صرخت عزيزة بلهفة وفرحة تسأله: 

-بجد يا إمام! مراتك حامل؟


تعجب إمام ألم يرسل لهم خطاب بهذا الأمر فقال باستنباط: 

-أكيد الجواب موصلش، عشان تعرفي بس يا امه اني مش بتأخر عليكي بس الجوابات بتضيع اهي.


ربتت على كتفه بحب وعادت تنظر لدورثي التي ظلت مبتسمة ولا تفهم الحوار الدائر بينهما ولكنها استمعت لترجمة إمام لها قائلاً: 

-لم يصلهم الخطاب الخاص بحملك يا حبيبتي، وقد فرحت أمي كثيراً بالخبر.


امسكت ذراعه واسندت رأسها على كتفه وقالت بنبرة هادئة: 

-لا بد أن أتعلم اللغة العربية.


أومأ لها مؤكداً: 

-بالتأكيد، وأظن أنك ماهرة بالتعلم سريعا، أليس كذلك حبيبتي؟


أومأت له موافقة فاقتربت منهما أخته الصغرى وقالت وفمها متسع لأذنيها: 

-أمي بتقولك أدخل ارتاح في اوضة الضيوف على ما نجهز لكم أكل وابويا واخواتي يرجعوا من اشغالهم.


وافق إمام وسحبها من كفها ليريها البيت فنظرت حولها لبساطة عيشتهم وسعادتهم بالرغم من ذلك، وفور دخولهما الغرفة اقترب إمام منها وأحاط خصرها من الخلف مسندا ذقنه على كتفها وهمس بجانب أذنها باشتياق: 

-اشتقت لكِ كثيراً، ولا اقوى على اﻻبتعاد أكثر من ذلك.


ابعدته بتوتر والتفتت تنظر له ومسدت وجهه قائلة بتهرب واضح: 

-لقد وصلنا للتو من سفرتنا، وأشعر بالتعب فما رأيك بتأجيل الأمر للمساء.


زفر بضيق ورد واجما: 

-أتمني أن تجدي سببا آخر للرفض مساءاً.


اندهشت من حديثه فرمقته بنظرة معاتبة فأوضح: 

-أتظنين أنني غبي! فقط أتركك حتى ترغبين بي كما أرغبك وأشتاق لكِ، ولكن أظن أنه أمرا بعيد المنال.


حركت رأسها نافية وقالت: 

-بل حقا أشعر بالتعب إمام، ليس حقيقي ما يدور برأسك ولكنك تريد افتعال مشكلة بمنزل والديك.


زفر بحنق وتركها وخرج من الغرفة فأمسكت هي الحقائب وبدأت بإفراغ محتوياتها حتى وصلت لجيب سري أخرجت منه ذلك الكتاب الضخم وفتحته وشردت بما بداخله وهي تتذكر اخذها للكتاب من المعالج الروحاني جريجوري آدمز بعد أن قام بتوضيح كيفية ممارسة تلك الطقوس التي أرادت فعلها.


زفرت بهدوء  هي تتمتم بداخلها: 

-أعلم أنك لا تستحق ما سيحدث ولكنني لم أعد أستطيع العيش دونه.


أغلقت عينيها بأسى وهي تشعر بالتشتت ما بين قلبها وعقلها، قلبها قد اختار عشيقها وحبيبها الأوحد سيتي، أما عقلها فقد امتعض من فكرة استغلال إمام بهذا الشكل السيئ ولكن ما باليد حيلة أو هكذا أقنعت عقلها حتى يرضخ لرغبة قلبها.

الصفحة التالية