رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 21 - 2 الأثنين 27/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الواحد والعشرون
2
تم النشر يوم الأثنين
27/5/2024
وافقت دون تعقيب، وبعد مرور بعض الوقت استمعا لصوت طرقات على الباب وصوت عزيزة الهاتف من الخارج:
-يا إمام، يلا يابني الشمس غابت وابوك رجع من الشغل.
فتح عينيه بملل فأضافت:
-يلا يا حبيبي اصحى خلينا نتغدا بقا.
أجاب بصوت عالٍ نسبيا:
-حاضر يا امه.
همس بأذن تلك النائمة على ذراعه:
-بنترشيت استيقظي.
فتحت عينيها بتكاسل وقالت بصوت ناعس:
-أنام لساعات ولا أشعر بالإكتفاء أبداً.
ابتسم لها وقبلها موضحاً:
-هذا بفعل الحمل حبيبتي.
أخرجت ضحكة خفيفة وقالت بمداعبة:
-وماذا تعرف غير هذا عن السيدة الحامل مولاي؟
داعب أنفها ورد بتعجل:
-أعرف الكثير قيثارتي ولكن إن استسلمت لمشاكستك فلن نخرج لهؤلاء وسنظل هنا لأضاجعك حتى يستمعوا لنا.
خبئت وجهها بغطاء الفراش خجلا من وقاحته فسحب الغطاء بقوة من على وجهها وقال بغزل محذراً:
-إياكِ وتخبئة وجهك عني، قد أموت إن اختفى عني هذا الوجه الملائكي الذي أعشقه.
قبلها قبله عميقة فابتعدت قليلاً ترد عليه بتسائل:
-من منا اﻵن يشاكس اﻵخر؟ وبعدها تلق اللوم علي إن شعروا بنا.
ابتسم وسحبها معه للخارج فوجد الجميع على الطاولة الأرضية المعدة للأكل فجلسا لتقول عزيزة:
-يلا كلوا قبل الأكل ما يبرد.
بدأ سيتي باﻵكل فأخذ قطعه من الدجاج يلوكها بفمه فنظرت له عزيزة بحيرة وتحدثت بتعجب:
-إمام! أنت بتاكل صدر الفرخه ليه؟
رد بتلقائية:
-بتاع حد؟
أجابته بحركه من كتفها:
-لأ ، بس أنت طول عمرك بتحب الورك مش الصدر.
كل هذا وبنترشيت تنظر لهما بدون فهم فترك سيتي قطعة الدجاج من يده ليخرج صوت عبد المجيد موبخا إياها:
-ما تسبيه ياكل اللي ياكله يا عزيزة، هو حر.
ردت توضح حديثها:
-أنا مش قصدي، بس مستغربه إنه طول عمره بياكل الورك وكان بيضايق لما ميبلاقيش نايب وساعات ميرضاش ياكل خالص.
سحب سيتي نفساً عميقا ورد بضيق:
-كنت صغير يا امه وبدلع عليكي، دلوقتي باكل اي حاجه وكمان مراتي بتحب الورك فاتعودت آكل الصدر.
ابتسمت عزيزة وعقبت:
-بقا عشان مراتك تغير أكلك بالشكل ده؟
رد موضحا:
-حامل بقا يا امه وبتدلع عليا.
أمسكت عزيزة قطعة من فخذ الدجاج ووضعتها أمام بنترشيت وأخبرته :
-قول لها تاكل الورك براحتها وملهاش دعوه بنايبك، أنا من هنا ورايح هعمل حسابكم فى الوراك وناكل انا وابوك الصدور .
أومأ لها وهو يبتسم بداخله فهو ليس معتادا على طعم الدجاج فلم تتواجد تلك الأنواع من الطيور بعصره بل اقتصر الأمر على البط والأوز فقط.
عادت عزيزة تثرثر:
-بس اسم مراتك صعب عليا يا إمام وبنساه ، ده حتى لما الجيران بيسألوني عنه بتلغبط ومش بعرف اقوله.
ضحك وقال مؤكداً:
-مش صعب ولا حاجه، دورثي اسمها دورثي يا امه.
أشاحت بيدها وقالت:
-بنساه بقى، اهو نبقى نختار لها اسم كده سهل نناديها بيه.
هنا أراد فتح حوار بشأن انتقاله للعيش ببيت منفصل ولكن جاء صوت عبد المجيد الهاتف بتوبيخ:
-ما تسكتي شويه يا وليه وخلي العيال تاكل، رغي رغي والراجل ومراته قاعدين من ساعتها ممدوش ايدهم في طبق.
ردت بحرج:
-خلاص يا سي عبده مش قاصدي والله.
انتهوا من تناول الطعام فساعدت بنترشيت والدة إمام بازالة الأواني والأطباق من الطاولة الأرضية فسحبتها عزيزة ونظرت لها تسألها وكأنها ستفهمها:
-هو إمام متغير ليه كده يا بنتي؟
رمقتها بنظرة متحيرة فأشاحت الأولى بيدها متأففة:
-انتي لا فهماني ولا عارفه حاجه.
خرجت بنترشيت من المطبخ ودلفت غرفتهما وجلست بجواره فوجدته شارد فسألته باهتمام:
-ما به حبيبي؟
أجابها بضيق:
-أظن والدة إمام تشعر بشيئ، أو على الأقل تشك بوجود خطب ما، ولا أظنها ستقف عن البحث حوله.
تحاورت معه ببسمة هادئة:
-حتى وإن أخبرتها الحقيقة كاملة فلن تصدقك مولاي، فما نعايشه لا يصدقه عقل وسيظن الجميع بأنك جننت وربما يودعوك المصحة النفسية كما فعلوا معي.
رد نافياً حديثها:
-البشر بلندن يظنون أنهم وصلوا لأعلى مراتب العلم لذا تناسوا تماما الخوارق وفسروا كل شيئ وفقا للاكتشافات العلمية وفق آرائهم، أما هنا فالناس بسطاء وقريبين من الحضارة الفرعونية ولا زال لديهم معتقداتنا القديمة بالسحر والتلبس واﻻستحواذ وغيرها .
مسح على وجهه وأكمل:
-حتى أنهم لا زالوا يمارسون اساليبنا القديمة بالطب والعلاج والمداوة، لذا أنا قلق بهذا الشأن وأظن أنه من الأفضل العودة للندن والعيش برفقة عائلتك بعيداً عنهم.
وافقت ولكن ليس قبل أن توضح:
-حسنا، ولكن ألم تقل لي أنك هنا أقوى! ماذا إن حدث وشعرت بالضعف هناك؟
وافقها الرأي مستنكرا:
-معك حق، هذا ما أخشاه وما يضطرني للبقاء بمصر.
أضافت بمشاكسة:
-ورغبتي للعيش هنا لا تمثل لك أهمية؟
رد مؤكداً:
-بلى حبيبتي، ولكن ما العمل؟
أجابته بهدوء:
-فقط حاول أن تعلمني اللغة العربية بسرعة حتى انخرط معهم، وطالما أخبرتني باستعمالهم للطب الفرعوني فأظن وجودي سيكون محببا لهم فأنت تعرف أني أجيده مولاي.
أومأ لها بتنهيدة قلقة فاضافت:
-لا تقلق حبيبي، فقط تعامل بهدوء وأظنك خير من يعلم إمام جيدا فقد استحوذت على جسده لفترات كثيرة بل وعشت عبر رؤيته لفترات أكبر.
❈-❈-❈
أمسكت بطرف عبائتها وتحركت بخطوات بطيئة وخطت فوق بقعة المياه الراكدة على الأرضية الترابية تتلفت حولها بحيرة فلا تعلم أين هي.
اقتربت أكثر فوجدت ذلك البناء الرخامي فتشجعت لدخوله ووقفت على بوابته بتردد فهل تدخل أم تعود أدراجها، ولكنها اتخذت قرارها بالنهاية ودلفت للداخل فوجدت إمام جالساً على الأرض ورأسه مسندا على قدميه فنادته بصوت ضعيف:
-إمام.
رفع وجهه ناظراً لها بحب واشتياق فبكى وأقترب منها هاتفا بلهفة:
-أمه.
ربتت على كتفه والتفتت حولها تسأله:
-إحنا فين يا ابني؟
حاول الرد ولكنه حقا لا يعلم فوجدها تبتعد رويداً رويداً فناداها باستجداء:
-رايحه فين يا أمه؟ متسبنيش.
ردت وهي تتحرك للخارج رغما عنها:
-مالك يا ابني؟
رفع صوته عاليا وتوسلها صائحا:
-مستبنيش يا امه، الحقيني.
انتفضت عزيزة بفزع من نومتها تبصق على يسارها تستغفر ربها:
-استغفر الله العظيم، أعوذ بالله من الشيطان الرچيم، إمام يا ابني.
استيقظ عبد المجيد من لهفتها وسألها بتخوف:
-في ايه يا عزيزة؟
ردت وهي تتحرك من مكانها صوب غرفة نوم أبنها وزوجته :
-لااا، الحكايه ميتسكتش عليها الواد فيه حاجه وبيجيلي في المنام كل يوم يا سي عبده.
زفر الآخر بفروغ صبر وقال موبخا إياها:
-يا وليه اعقلي بقى، ابنك نايم وسطنا وفي حضن مراته هيكون ماله بس يا عالم؟
ردت وهي تستعد للخروج من الغرفة:
-والله أنا ما خايفه إﻻ من مراته دي تكون عملاله عمل ولا سحر!
ضحك عبد المجيد ملئ فمه وتحرك معها باتجاهها للخارج حتى يمنعها من إزعاجهما مؤكداً:
-ابنك يسحر لميت واحده من عينة مراته يا عزيزة وميتخافش عليه، وبعدين هتعمله عمل على ايه يا حسره؟
ردت بتذمر وامتعاض:
-نعم، ماله ابني؟ ده ألف واحده تتمناه وهي يا هناها يا سعدها اللى رزقها بيه.
سحبها من ذراعها وعقب ساخراً:
-خنفسه شافت عيالها ع الحيط.
رمقته بنظرة مغلولة فضحك وقال بهدوء:
-تعالي بس يا بنت الناس متزعجيهومش في نص الليل.
وقبل أن تدلف من جديد للغرفة استمعت لصوت ضحكات زوجة ابنها فنظرت لعبد المجيد وهي تتحرك صوب الباب هامسة:
-اهم صاحيين، يعني مفيش إزعاج ولا حاجه.
طرقت على الباب فتعجب سيتي واعتدل بجسده محاولا التشبه بإمام وفتحه ناظرا لها بحيرة وسألها:
-مالك يا امه فيه حاجه؟
سحبته من طرف ياقة منامته القطنيه وتمعنت النظر بلون عينه وسألت بحيرة:
-أنت لون عنيك أتغير ليه كده؟
توتر وحاول الهروب وأجابها:
-زي ما هو يا امه.
نفت بحركه من يدها وأكدت:
-لأ، أنت عينك طول عمرها لونها أسود إنما دي عسلي وفاتحه أوي كمان .
تلاعب بها واستغل جهلها ففسر كذبا:
-ما هو الشمس بتفرق يا امه في لون العين، يعني اوروبا الشمس خفيفه إنما هنا الشمس تحرق البشره والعين.
رمقته بنظرة متعجبة فابتسم لها وانحنى هامسا بأذنها بوقاحة:
-يا امه أنا كنت لسه أنا ومراتي ...
صمت ونظر لها نظرة ذات مغذي وأضاف:
-قطعتينا يعني يا ست الكل، فلو يعني.
عاد لصمته فضحكت وربتت على كتفه هاتفة بفرحة:
-ربنا يسعدك يا إمام يا ابن عبد المجيد وعزيزة ويحميك من كل شر يا رب.
أومأ لها فخرجت ليزفر هو زفرة ارتياح والتفت يرمق تلك الجالسة على الفراش نظرة متعبة وقال:
-لا أستطيع الإستمرار أكثر بنترشيت، حقا سيُكشف أمرنا قريباً جداً.
تحدثت معه بهدوء وتفكير:
-إذا تظن هذا فلا بد من التحدث معهما بالصباح بقرار انتقالنا من هنا حتى نبتعد عن هذا الأمر.
أومأ صامتا وجلس بجوارها فتسائلت بحيرة:
-لا أستطيع التفكير حتى لو كنت لا تجيد اللغة العربية!
ابتسم لها وقبلها قبلة رقيقة على شفتيها فهمست هى بفضول:
-هل تعلم كم أود معرفة ما حدث لك بعد أن عدت من حربك وكيف فارقت الحياة؟
نظرت بعمق عينيه وأضافت:
-لقد بحثت بالأمر وتعجبت عندما وجدوا موميائك مفصولة الرأس وغير ذلك لا توجد أي مخطوطة تتحدث عن سبب مفارقتك للحياة بسن مبكر.
سحبها داخل حضنه وسألها بتردد:
-هل تريدين حقاً سماع تلك القصة؟
أومأت له بتأكيد فقال بإطناب:
-حسنا سأقصها لكِ ولكن لا أريد أن تتأثر مشاعرك بما تسمعينه فقد مرت آﻻف السنوات وأصبحنا معا اﻵن حبيبتي، ولن توجد أي قوة على تلك الأرض تستطيع التفرقة بيننا.