-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 22 - 1 الثلاثاء 28/5/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثاني والعشرون

1

تم النشر يوم الثلاثاء

28/5/2024


الحب والموت يشبهان بعضهما البعض فيعيش الإنسان بغفلة حتى تصفعه الحياة بأي منهما، فيُصفع بالحب لتتغير حياته أخيراً ويفهم أن الحياة لها معنى، وبعدها يصفعه الموت فيستيقظ من غفلته لحقيقة العالم وتبدأ حياته المريرة بالضيق خاصة إن كان من فقده هو حبيب عمره.


ظل ينظر أمامه للساحرة بعد أن أكدت له أن تعويذتها ستكون حقيقة ولكنه فكر كثيرا قبل اتخاذ قراره بعد أن ترجته حبيبته بذلك اللقاء القصير الذي أشبه بالحلم أن لا يفعلها.


صمت يفكر فاقترب منه قائده وهمس له: 
-ماذا تنوي أن تفعل يا مولاي؟


رد بحيرة: 
-توسلتني بنترشيت أﻻ أفعلها، قالت لي أن حياتها تبعثرت كثيراً ولا تريد هذه الحياة.


أوقفته بنترشيت عن استكمال استرساله وقالت مؤكدة: 
-بالفعل، هل تعلم أنني أتذكر تلك المقابلة عندما طلبت منك عدم أداء الطقوس؟


رمقها سيتي بنظرة متحيرة ففسرت: 
-عندما أخذني إمام ووالداي لذلك المعالج بعد اكتشافهم لتلبسك جسده، وهناك بعد أن قام المعالج بتنويمي مغناطيسياً وتقالبت معك.


رفع حاجبه عاليا بترقب وهمس بغضب: 
-إذاً، أردت مني أن لا أفعلها أليس كذلك بنترشيت؟


ابتلعت بقلق وردت موضحة: 
-حبيبي، أنت تعلم جيداً ما عاصرته بحياتي فقد كنت معى بكل خطوة، وتعلم كم تعبت بحياتي.


سحبها داخل حضنه ونظر لها غامزا بعينه وقال بمغذى: 
-أﻻ يستحق وجودنا معاً كل هذا العناء؟


ابتسمت له وأومأت مؤيدة: 
-بلى يستحق حبيبي.


عاد يكمل: 
-وإن سمعت حديثك واستسلمت ولم أؤدي الطقوس؟ 


ردت تداعب وجهه: 
-لما كنا معا اﻵن.


انحنى يقبل تجويف عنقها وزمجر هامسا: 
-ولما ارتويت من رحيق عشقك قيثارتي.


ابعدته بجدية هاتفة: 
-توقف عن العبث وأكمل لي ما حدث لك بعدها.


أومأ لها وعاد يقص عليها ما حدث منذ آﻻف السنوات عندما استمع توت لصوت زوجته بالخارج فنظر لفرعونه وابتلع بحيرة فنظر له سيتي متعجبا: 
-أليس هذا صوت تيا؟


أومأ له فسأله الأول: 
-هل أخبرتها بالمكان؟


نفى برأسه: 
-لم أفعلها يا مولاي.


سأله بحدة: 
-إذا كيف علمت بمكان منزل النيل؟


رفع توت كتفيه فقطع حديثهما صوتها المنادي من الخارج فأمره سيتي: 
-أخرج لها وأخبرها بأمري القاطع لها بالعودة للقصر.


انحنى باحترام وطاعة وخرج متحدثا لها بخوف: 
-حبيبتي تيا، والدك بحال يرثى له، وأظنه لا يفكر بشكل سليم لذا أتوسلك أن تعودي اﻵن للقصر حتى لا تثيرين حنقه تجاهنا.


نظرت له بحزن وسألته: 
-هل بنترشيت بالداخل ؟


أومأ لها مؤكداً: 
-نعم، انتهى الأطباء من تحنيطها.


زفرت وقالت بصوت مبحوح من البكاء ترجوه: 
-اطلب منه أن يتركني أودعها فلم أستطع فعلها عندما كانت حبيسه بالمعبد.


شعر بالضيق لحيرته ما بين الفرعون وابنته فدلف واقترب منه بحذر هامساً: 
-مولاي، الأميرة تيا تطلب السماح لها بتوديع الكاهنة بنترشيت، فأرجوك أن تسمح لها بذلك فهي حزينة عليها بقدرك وأكثر مولاي.


زفر بحدة وهدر به: 
-لا يوجد من يتألم مثلي، ولا يمكن أن يشعر أحد بداخلي.


استمع لصوت ابنته ترد: 
-بلى أبي، أنا أشعر بك فهي كانت رفيقتي وصديقتي الوحيدة وحزنت عليها بقدر حزنك.


نظر لها بحزن فهرعت تجاهه واحتضنته باكية فطوقها بذراعيه ومسح على ظهرها وسألها: 
-كيف علمتِ مكان البيت؟


ردت تبتلع ريقها بوجل: 
-عملت من أمي.


أبعدها عنه ورمقها بنظرة حارقة أرهبت توت الذي شعر بغضبه يؤجج من مجرد ذكرها أمامه، فنظر له بترقب وهو يصر على أسنانه قائلاً: 
-أنتِ من تسببتِ بموتها، المرة الماضية عندما أخبرت تويا بغيابها وذهبت هي تبلغ الكهنة وبالكاد استطعت انقاذها من براثنهم، ولكن تلك المرة كنت بعيدا عنها وكله بسبب غبائك وإخبارك لتويا بكل ما يخصها.


لم تعي ما قاله فظل هو يصرخ بها: 
-تويا أرادت النيل منها منذ أن علمت بعلاقتي، وأنتِ من أعطيتها مقاليد التحكم لتتخلص منها ومن تحمله بداخل أحشائها.


بكت وقالت تدافع عن نفسها: 
-إن علِمت بحقيقة علاقتكما لما فعلت شيئاً، أليس من الطبيعي أن يكون للفرعون محظيات وخليلات بل وزوجات! فما سبب تصرف والدتي المخالف للأعراف؟ فلا أظن بسبب أنها كاهنة فقط.


أجابها حانقا: 
-بل لأنها تشعر أنها فوق البشر وبالتأكيد تخوفت من إنجابها ذكراً قد يأخذ الحكم بدلاً من رعمسيس.


بكت تيا بحرقة وهي تتوسله: 
-سامحني يا مولاي.


مسح على رأسها بحب وتنهد بحزن وأمرها: 
-ودعيها وعودي للقصر حتى انتهي وأتفرغ لمحاسبة كل من تسبب بموتها من أكبر فرد لأصغر خادم.


ارتعبت من تهديده الواضح والصريح وسألته بحذر: هل تنوي الثأر لموتها من أمي؟ ألم تتخذ قرارك بنفيها كما قلت؟


رفع حاجبيه بشكل مخيف وأجاب: 
-سأثأر من كل كائن حي رأها تتعذب ولم يرحمها، فما بالك بمن تسبب بموتها!


ابتلعت ريقها فهي حتى وإن أحبت بنترشيت فبالنهاية من تقف على طرف الحبل هي والدتها، فهتفت بتوسل تطلب صفحه: 
-أتوسل لك أن تعفو عن والدتي يا مولاي، إنها تحبك وربما فعلتها..........


قاطعها صارخاً: 
-تيااااا، لا تتدخلي وإﻻ نالك غضبي وعذابي أنت الأخرى، فاﻻفضل لكِ أن تبتعدي تماماً قد أكون وافقت على نفيها فقط ولكن كان ذلك قبل أن أشهد تحنيظ جثة حبيبتي وجنينها بداخلها بهذا الشكل المؤلم.


بكى رغما عنه وهو يضيف:
-كيف طاوعها قلبها أن تبلغ عنها وهي تراها بهذا الوضع ببطنها المنتفخ وبداخله نطفتي.


قاطعته بنترشيت مجدداً عن استكمال قصه لها وسألته بتخوف مما يقصه عليها: 
-هل قمت بإيذاء تيا يا مولاي؟


ضحك ورمقها بنظرة متعجبة من طفولتها وسذاجتها وسألها: 
-ماذا تظنين؟ 


لم تجب بل رفعت كتفيها كعلامة على حيرتها فرد متسائلا: 
-هل قرأت بالتاريخ أن قام الفرعون سيتي مر ان بتاح بالتنكيل بعائلته؟


نفت محركة رأسها فأضاف: 
-هل ذُكر أن مات أحداً من عائلتي قبل موتي؟


نفت مجدداً وأضافت بإطناب: 
-بل عاشت الملكة تويا تحكم برفقة ابنك رعمسيس حتى تولى الحكم وحده، وتذكر المخطوطات أنها ملكة عظيمة وساعدت ابنها كثيراً بتوطيد حكمه، وبعد أن تولى الحكم بمفرده ظلت هي الملكة الأم ذات المكانة العالية والمرموقة، حتى أنها تواصلت مع البلاط الملكي الحيثي بعد معاهدة السلام التي وقعها ابنك رعمسيس بعامه العشرين من الحكم بعد حروب طويلة بينه وبين الحيثيين، وأيضاً لها مساهمات جليلة لمعبد آمون جعل الكهنة يلقبونها برئيسة نساء الإله آمون.


ضحك ضحكة ساخرة وعقب: 
-حدث كل هذا بعد أن عادت من منفاها بعد موتي، فهي ظلت بالمنفى لخمسة عشرة عاما منذ يوم عودتي من الحرب وحتى نهاية حكمي.


حزنت وقالت باكية: 
-فقط عشت لخمسة عشر عاماً بعد موتي!


أومأ لها موضحاً: 
-كان القربان أن أقدم نصف عمري للمعبود سيت مقابل الأبديه معك، وبعد أن مرت خمسة عشر عاماً اشتقت لكِ حد الألم فاراد المعبود أن يخلصني من شقائي وعذابي.


سألته بحيرة: 
-كيف حدث؟ أعني كيف.......


صمتت فأكمل: 
-كيف انتقلت للعالم اﻵخر أليس كذلك؟


أومأت فابتسم ومسح على وجهها برقة متهرباً: 
-لا أظنك تريدين أن تعلمي، صدقيني فلم يكن الأمر جميلاً.


سألته بحيرة: 
-موميائك وجدت مقطوعة الرأس ومخبئة بخبيئة خاصة بالدير البحري بعيدا عن مقبرتك الرائعة بوادي الملوك.


رد بحيرة: 
-سبب نقل موميائي أظنه تخوفا من اللصوص ولكن قطع رأسي مجهول بالنسبه لي وأظن الوحيد الذي يعلم السبب هو القائد توت، لقد طلبت منه أن يدفنني مع موميائك ولكنه رفض معللاً كره الملكة تويا لكِ وحذرني أنها قد تنكل بموميائك إن علمت مكانها، لذا أظنه دفنني بمقبرتي ونقلها بتلك الخبيئة بعد أن قاموا اللصوص بنهبها وقطع رقبتي.


عادت تسأله: 
-إذا سبب موتك المبكر جدا هو ذلك القربان فأنت لم تكمل الخمس وأربعون من عمرك، لذا اظنك تخلين عن مثلهم لتجتمع بي.


أومأ متنهدا: 
-بعد موتك أصبت بألم بقلبي من فقدانك وازداد يوميا حتى انتهى ذات يوم ولم أعد أشعر بشيئ سوى بعشقك حبيبتي.


انهى حديثه بقبلة عميقه على ثغرها فدفعته وجلست كالطفل المتلهف لسماح قصه ما قبل النوم هاتفة بلهفة: 
-أكمل ما حدث بعدها؟


ضحك وتحدث مداعبا انفها: 
-حسنا يا شقية سأخبرك بكل شيئ ولكن دعيني ارتوي من عشقك قليلاً فقد أثرتني بدلالك وطفولتك هذه.



اعتلاها على الفور مداعبا جسدها ودفن رأسه بتجويف عنقها يشتم عبيرها وهمس منتشياً:

-بالرغم من أني لم أعتاد شكل الفتاة الإنجليزية وافتقد ملامحك قيثارة الحب، إلا أن رائحتك كما هي لم تتغير منذ آلاف السنوات وصوتك أيضاً نفسه صوت حبيبتي.

ابتسمت من تقبيله لعنقها بدغدغة:
-وأنا افتقد ملامحك وصوتك ورائحتك مولاي وحبيبي.

❈-❈-❈

بكاها كما لم يبك أحداً من قبل وظل حزينا ففقدها كان أعظم مخاوفه والتي تحققت للأسف.


جلس على عرشه واجما صامتاً لا يستطيع التحدث والقابلة تساعد ابنته بوضع مولودها فأنجبت فتاة جميلة ذات عيون عسليه تشبه والدتها كثيراً.


ذهب لغرفة ابنته بعد إبلاغه بوضعها ودلف مبتسما وانحنى وقبل رأسها وهنئها بهدوء: 
-مبارك لك ابنتي.

رمقته بنظرة متفهمة فمهما مرت الأعوام وحاله هو نفسه، يشعر بالحزن والألم لمجرد ذكراها ويذهب سرا للمبيت بجوار ضريحها.

اعتدلت تيا تتحدث بصوت مجهد من إثر وضعها: 
-أبي ومولاي، هنيئا لك بحفيدك.

ابتسم لها وبارك لقائده: 
-مبارك لك توت.

ربت توت على صدره بامتنان وأجابه باحترام: 
-بل مبارك لك مولاي امتداد نسلك.

جلس يداعب الصغيرة فسألته ابنته: 
-ماذا تنوي تسميتها مولاي؟

ابتسم لها ورد بهدوء: 
-اسميها ما شئتِ ابنتي لا تهتمي لرغبتي.

رمقته بنظرة محبة وقالت بوضوح: 
-أنا أرغب بتسميتها باسم فقيدتنا الغالية ولكنني متخوفه من رفضك.

احنى رأسه رغما عنه فمهما حاول الصمود أو تصنع القوة إﻻ أن أقل كلمة تذكره بها تؤلمه حد الموت، بل ربما إن ذُكر حرف واحد من اسمها فهو لم ولن يتنساها إﻻ أن ذكراها دائما ما تنجح في إضحاكه وإحزانه بآن واحد.

رد مؤكداً بعد أن صمت قليلاً: 
-لقد اسميتها قيثارة الحب، بنترشيت العزيزة هذا إن كانت تلك فعلا هي رغبتك تيا!

أومأت على الفور ببسمة عريضة لامست طرفي عينيها فانحنى توت وحمل الرضيعة وناوله إياها هاتفا بحب: 
-تشبه تيا كثيراً.

تمعن النظر بملامحا بعد أن حملها ودقق أكثر بشكلها فرد مؤكداً: 
-بل ملامحها تشبه كثيراً حبيبتي وفقيدتي بنترشيت او هكذا خيل لي وأصبحت أراها بأوجه الجميع.

رفعت تيا وجهها قليلا ونظرت لملامح الرضيعة وأكدت: 
-بالفعل مولاي، تشببها كثيراً.

ترددت أن تسأله ولكنها تشجعت وهتفت بتلعثم: 

-مولاي، هلل..ل ي أن أسأااال ......

ترددها وتلعثمها بهذا الشكل جعله يعلم تماماً ما تريد التحدث بشأنه فرفع طرف شفته عالياً وقوس حاجبيه بشكل مخيف وحذرها: 
-لا تحاولي فتح نفس الحديث المهترئ والذي لا تملين منه.

بللت شفتيها بطرف لسانها وعقبت على حديثه: 
-فقط أحتاجها بجواري، فهي أمي وأنا نفساء وأحتاج لوجودها وأعدك أن تعود للمنفى فور أن أصبح بخير.

وقف من مكانه بعد أن ترك الرضيعة من يده وهدر بحدة: 
-إياكِ والتحدث مجدداً، فألخدم من حولك يمينا ويسارا فما حاجتك لها؟

أجابته بحزن وبكاء: 
-أنها أمي ولقد مر خمس سنوات أظنها كافية كعقاب بالمنفى.

انتفخت فتحتي أنفه وقال بصرامة: 
-لن تتحدثي بهذا الشأن مجددا تيا، إن اردت العيش بسلام أنتِ وزوجك معي بالعاصمة فستغلقين فمك وتكفين عن هذا الحديث، وأظن أنني أخطأت عندما عفوت عنها إكراماً لكِ فكان من المفترض أن اقضي عليها وعلى كل من ساعدتها كما فعلت بكهنة المعبد.

هنا أوقفته بنترشيت وسألته بدهشة: 
-لقد قفزت خمس سنوات بقصتك مولاي، أنا أريد أن أعرف ما حدث مباشرة وما فعلته بالكهنة وبالملكة تويا بالطبع.

أجابها بتهرب: 
-ألم تملي بعد حبيبتي؟ وأظن أن الوقت تأخر كثيراً فمن الأفضل أن ننام اﻵن وسأكمل لك قصتنا سوياً للنهاية ولكن اﻵن موعد الفراش والراحة.

الصفحة التالية