-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 22 - 2 الثلاثاء 28/5/2024

  

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثاني والعشرون

2

تم النشر يوم الثلاثاء

28/5/2024

جلسا على المائدة الأرضية برفقة والداي إمام لتناول الإفطار فتلعثم سيتي قليلاً وهو يحاول أن يتقمص شخصية إمام فقال برهبة زائفة: 

-بقولك يابا.


رفع عبد المجيد رأسه وانتبه له بحركه طفيفة من رأسه ورد وبقايا الطعام لا تزال بفمه فخرج صوته مكتوما بعض الشيئ: 

-قول يا إمام، خير يا بني!


رد موضحاً: 

-خير يابا، بس كنت عايز آخد رأيك بحكايه كده.


أومأ له وظل يتناول إفطاره فقال سيتي: 

-عايز ائجر شقه ليا ولمراتي عشان نعيش فيها بما إننا مطولين هنا في مصر.


ضربت عزيزة كفها على صدرها بخضه وسألته بحزن: 

-عايز تسيبنا يا إمام وتعيش بعيد عننا؟


نفى وأضاف: 

-لا أبداً مش هبعد، هشوف حاجه قريبه هنا بس دورثي محتاجه تاخد راحتها لانها مش متعوده على العيشه دي.


ردت عليه بحزن وصوت معاتب: 

-وأنا كنت زعلتها في ايه؟ بقى طول الوقت بعيد عني ومسافر وحتى وأنت هنا عايز تبعد يا إمام؟


صمت وأطرق رأسه فهتف عبد المجيد حاسماً: 

-خلاص يا أم إمام، ابنك كبر ودي سُنة الحياه وطالما مراته مش مرتاحه معانا يبقى سبيه يعمل اللي يريحه.


ابتسم له وهو يشعر بالاختناق لإضطراره تصنع الهدوء والتعامل وكأنه طفل ينتظر موافقة والده على أبسط الأمور.


أما هي فظلت تنظر لهم بحيرة من عدم فهمها لحديثهم فهمست له بأذنه تسأله: 

-هل تمت المهمة؟


ابتسم وأومأ لها مؤكداً: 

-نعم، تمت بنجاح.


وقف على الباب مودعا إياها وهو يقول بتذمر: 

-إن لم أكن بحاجة للمال ما تركتك أبداً ولكن تمهلي قليلاً حتى أستطيع فتح المخبأ السري الخاص بي ووقتها لن نحتاج لشيئ ما حيينا.


ضحكت ساخرة وقالت له بمغذى: 

-هل تظن أن الأمر سهلا لهذا الحد؟ أن تحدث ثقب أو تهدم جدار بموقع أثري وتستول على الآثار الموجودة به! أظن أن هذا الأمر مستحيل مولاي.


اقترب منها وتنفس بسخونة بجوار عنقها فأغلقت عينيها وتنهدت من أثره عليها واستمعت لصوته الآسر يقول: 

-أولا تلك الآثار ملك لي وتخصني لا غيري، وثانيا لا يوجد مستحيل يستطيع أن يقف أمامي قيثارتي، فهل نسيتي من أنا؟ أم تلك الملابس وهذا الوجه الذي أرتديه قد أنساك من هو سيتي مر إن بتاح فرعون مصر وملك الأرضين.


ضحكت بخفة من غروره ورمقته بنظرة جريئة فانقض على شفتيها يقبلها بعمق ولهفة وهي تهمهم وتخرج أصوات استمتاع من فمها حتى اقتربت عزيزة ورأتهما بهذا الوضع فشعرت بالحرج وشهقت بخضة قائلة: 

-واد يا إمام!


ابتعد فوراً ونظر لها باندهاش فضحكت وقالت بشكل لطيف: 

-يووه كتك إيه يا واد، كده قدام الباب؟ ولما الجيران يشوفوك يقولو إيه عننا بس؟


أطرق رأسه محاولا تصنع الخجل ولكنه كان يحاول أن يخبئ غضبه من دخولها المفاجئ وقطع تلك اللحظة الحميمية عليه، ولكنه اضطر أن يبتلع غضبه بجوفه ونظر لحبيبته وتحدث بهيروغليفيته المتقنة: 

-لن أتحمل أكثر بهذا المنزل، فقد ألقي عليهم تعويذة غضب المعبود ست ووقتها قد يحرقهم أحياء.


لمعت عينيها بالدهشة وأجابته بنفس اللغة متوسلة: 

-اهدئ حبيبي فهما يتعاملان كأبوين وأظن أننا لن نظل هنا وقتا طويلاً.

❈-❈-❈


مرت شهور واقترب موعد وضع جنينها وكانت قد تعلمت اللغة العربية جيداً واستطاعت أن تكّون صداقات كثيرة مع جيرانها لإتقانها طب الأعشاب حتى أطلق عليها عائلة زوجها اسم بلبل.


جاء اليوم المنتظر لوضعها مولودها فشعرت بآلام شديدة وظلت عزيزة وآلاء بجوارها بالإضافة للعديد من الجارات ليساعدنها بوضع مولودها.


عاد سيتي من عمله كمدرس لغة إنجليزية واستمع لصرخاتها المتألمة، فوقف بزاوية المنزل ينظر من الشرفة ويبكي رغما عنه لتألمها ولذكرياته التي هاجمته عندما حضر لحظات تحنيطها وتكفينها ووضعها بالمقبرة السرية التي خصصها لها، وأكثر ما آلمه هو إخراج أطباء التحنيط أحشائها ليستطيعوا تحنيط نطفته المتوفاة بداخلها وإرغامه لمسئولي التحنيط على تحنيطه هو اﻵخر بداخل بطنها لتصبح السيدة الأولى والوحيدة التي تم تحنيطها وهي حامل.


اقترب عبد المجيد عندما رأى عبراته ولاحظ شروده فربت على ظهره بحنين وحاول أن يواسيه فابتسم وقال بحبور: 

-فاكر يوم أمك ما ولدت أختك آلاء؟


بالطبع هو لا يتذكر فهو يعلم عن حياة إمام فقط منذ أن بدأ يتلبس جسده، فابتسم بتصنع وأومأ له بصمت فعقب والده: 

-وقتها أمك تعبت أوي يمكن اكتر ما تعبت فيك مع إن البكريه بيقولوا صعبه وكمان ولد، انما اختك كانت تاني ولادة وبنت.


حرك رأسه وكأنه مهتم لحديثه الغير مجدي بالنسبة له فأضاف الآخر: 

-بس الدايه قالت إن اختك نازله بالعكس عشان كده امك تعبت، بس أنا وقتها نزلت الجامع وفضلت أصلي وأدعي عشان ربنا يقومها بالسلامه، وفعلا وأنا في الركعه التانيه سمعت صوت الزغاريط اللي وصلت لجوه الجامع.


تنهد سيتي وهو يحاول التهرب من اﻻستماع له بإيمائته الغير مهتمه فاستطرد عبد المجيد هاتفاً: 

-تعالى ننزل نصلي أنا وأنت وندعي لها ربنا يقومها هي وحفيدي بالسلامة.


حاول سيتي الرفض فقال: 

-بس يابا أنا مش هقدر اسيبها وانزل ، يمكن يحتاجوا لحاجه و.......


قاطعه متضايقاً: 

-سيبها على الله يا إمام و تعالى صلي، أنا ملاحظ إن من يوم ما رجعت من بلاد بره وأنت بطلت صلاه، ليه كده يابني؟


تنفس بضيق وفروغ صبر ورد: 

-معلش يابا، خليني اطمن على مراتي ونبقى نتكلم بعدين.


تركه وتحرك مبتعدا عنه فنظر الآخر بإثره وهو متضايق ومتجهم الوجه وتمتم بداخله: 

-عزيزة عندها حق، الواد فعلا متغير ومش مظبوط ! من امتى إمام مش بيصلي ولا حتى بيرد عليا بالشكل ده؟


زفر زفرة قوية وأخرجها بدفعة واحدة وتمتم مجدداً: 

-لازم في تفسير ما هو مش معقول اسمع للجنان بتاع عزيزة وإن ابنها معمول له عمل! من امتى الأجانب بيعملوا الحاجات دي ولا يعرفوها اصلا!


فكر وعاد يردد داخل عقله: 

-أعمال إيه بس يا عزيزة الله يهديكي دخلتي التخاريف دي جوه راسي، معقول الأجانب هيعملوها طب ليه؟ 


هرع  سيتي صوب الغرفة فور أن خرجت القابلة تهتف بفرح مطلقة الزغاريد: 

-ولد ولد يا ما شاء الله.


رمقها بنظرة عاشقة وتمعن النظر بحالتها الواهنة وقطرات العرق تغزو وجهها وتنهج بأنفاسها لاهثة بإجهاد فجلس بجوارها ومسد على رأسها وسألها بحب: 

-هل أنتِ بخير؟


أومأت له مبتسمة فصاحت والدته بصوت عالٍ: 

-يا بني ما تتكلم عربي بقى، خلي ابنك يكبر على لغته.


ثم نظرت لبنترشيت وسألتها مبتسمة: 

-ولا إيه رأيك انتي يا بلبل؟


ضحكت وردت بصوت خافت: 

-معاك حق ماما عزيزة، لازم أتكلم عربي عشان ابننا إمام.


أومأ بفرحة: حاضر يا حبيبتي، ها قررتي هتسميه إيه ؟


تدخلت عزيزة فوراً هاتفة باعتراض: 

-ومن امتى الستات هي اللي بتسمي الولاد يا إمام؟ أنت وأبوك اللي لازم تختاروا اﻻسم.


التفت ينظر لها بنظرة محذرة فصمتت وعاد ينظر لحبيبته وردد: 

-ها حبيبتي، عايزه تسميه إيه؟


اتسعت بسمتها وردت: 

-سيتي.

رد بعفوية:

-نعم.


الصفحة التالية