-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 5 - 1 الأحد 5/5/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الخامس

1

تم النشر يوم الأحد

5/5/2024

لا يمكن نكران أن تشتت المرء بين عقله وقلبه قد يؤثر سلباً على أحدهما فقد يصبح لا قلب له أو قد يجن، وأيضاً التشتت بين حياتين مختلفتين قد يؤدي إلى الجنون، والتشتت بين عالمين متناقضين تماماً قد يجعل المرء يصاب إما بالاحباط أو بالاستسلام.


ظلت ممده على قدم والدها وهو يربت على رأسها يداعب شعرها حتى سقطت بنوم عميق هو جل ما يطلبه حبيبها وعشيقها السري فاقتحم حلمها على الفور وأقترب منها وهي جالسة تنظر للسماء الصافية برفقة والدها تبتسم له بحب فنظر له بوجوم ليختفي إيدي فوراً من الحلم فتنظر لسيتي بضيق وتسأله بحدة: 

-لماذا جعلته يختفي؟ إنه الوحيد الذي يشعرني بالأمان لا الضياع.


رد بهدوء بعد أن ايقن غضبها: 

-أريد التحدث معكِ بمفردنا قيثارتي.


أدارت وجهها عنه وزمت شفتيها بضيق وقالت: 

-أنا قررت المكوث مع والدي، فكف عن أفعالك تلك وزياراتك المتكررة وحتى عن محاولاتك إقناعي بأن كل شيئ على ما يرام لأنني قد شارفت على الجنون.


رمقها بنظرة حزينة فهدرت به: 

-لماذا لم تلبي ندائي عندما استدعيتك؟ أم أنك تظهر فقط بالوقت الذي تريده وتتسبب لي بالحبس بتلك المصحة المخصصة للمجانين وإن احتجت لك لا أجدك.


بكت وأضافت بحزن: 

-تماما كما تركتني بأيدي كهنة المعبود رع ليقتلونني.


حاول أن يتلمس كتفها فابتعدت بحدة وغضب وقالت: 

-قلت لك اتركني وشأني فأنا سأظل هنا مع والدي، الشخص الوحيد الذي يهتم بي في هذا العالم أو غيره.


احتدت تعابيره من تكرارها لحديثها وإصرارها عليه فقال بغضب: 

-هذا ليس والدك بنترشيت، لا تنسي من أنتِ.


ضحكت ساخرة وعقبت: 

-من أنا! 


وقفت ودارت حول نفسها بضياع وصرخت عالياً حتى تردد صدى صوتها بأرجاء المكان: 

-من أنا؟ هل أنا بنترشيت الكاهنة الفرعونية ابنة الجندي وبائعة الخضار وعشيقة الملك؟ أم....


اقتربت منه ونظرت داخل حدقتيه وأضافت: 

-أم دورثي لويز ابنة هذا الرجل الحنون الذي تحمل فوق طاقته وأختار أن أظل ابنته مهما كانت الظروف؟


أمسكها سيتي بحدة من ذراعها وصرخ بها: 

-أنتِ قيثارة الحب خاصتي وحبيبتي وقريتني حتى ولن أسمح لأحد أو شيئاً أن يفرق بيننا.


رفعت شفتها للجانب بامتعاض واستنكار وقالت بفضول: 

-حبيبتك وقرينتك ! حبيبتك التي تركتها للموت و........


صاح مهللا يقاطع حديثها ومدافعا عن نفسه: 

-لم أكن أعلم شيئا بنترشيت، لم أكن اعلم بحملكِ ولا بانكشاف أمركِ ولا بحبسك وتعذيبك من قبل الكهنة، ولم أكن أعلم أنكِ ستقترفين تلك الفعلة الشنيعة التي جعلتني جسد بلا روح حتى اخترت أن اتبعك لنعيش سويا حتى ولو بذلك العالم الذي لا يوجد به سوانا.


نظرت له بدهشهة وتسائلت بتعابيرها قبل صوتها الهاتف: 

-ماذا تقصد باخترت اتباعي؟


صرح موضحا: 

-سأخبرك، سأخبرك كل شيئ حبيبتي ولكن اعلمي أن ذلك هو اللقاء الأخير بيننا فقوتي تضعف ولن أستطيع استنزافها أكثر من ذلك حتى أتمكن من اإعادتك لحضني إلى الأبد.


امسكها من راحتيها وأجلسها أمامه وابتسم بحب وأخذ يقص عليها حياتهما سويا فوضع يده على جبهتها وردد بعض العبارات الهيروغليفية فتشوشت رؤيتها لتفتح عينها بعد ذلك فتجد نفسها أمام ما يشبه شاشة العرض تعرض مقتطفات من حياتها وحياته.

❈-❈-❈


عام 1291 قبل الميلاد.

دلف مرتديا درعه الذهبي اللامع ممسكا بسيفه المعلق بخصره يمشي بذهو وتفاخر حتى اقترب من العرش وهتف باحترام : 

-مولاي.


لم يجب وظل الفرعون مطرقا رأسه ينظر لما بيده فتحدث سيتي بتخوف: 

-أبي!


نظر له رعمسيس بتجهم وجهه فأعقب الثاني: لقد انتصرت جيوشنا و.......


قاطعه رعمسيس هاتفا بضيق: تلك الرسالة آتية من كهنه آمون رع يا بني، يريدون مني تدمير جميع الآثار المتعلقة بالمعبود آتون وطمس آثاره هو مؤيده.


رد متسائلا بحيرة: 

-تقصد طمس آثار الفرعون الراحل إخناتون؟


أومأ فسأله مستفسرا: 

-وما سبب تجهمك هكذا يا أبي؟ ابنك القائد قد جاء لك منتصراً بحربه ضد الحيثيين وأنت متضايق لأجل هذا!


رد موضحاً: 

-تعلم اننا لسنا من نسل ملكي ولا نحمل حتى آية دماء ملكية ونحتاج لتدعيم أقدامنا بالحكم حتى تستمر أسرتنا بحكم البلاد وإن أظهرنا ضعفا فكهنة آمون رع هم من سيحكمون البلاد وإن رفضت طلبهم فسأدخل معهم بحرب باردة سيكونون هم الفائزون بها يا بني ولا أجد حلا لتلك المعضلة.


ابتسم سيتي وقال مطمئنا: 

-لا تقلق مولاي فأسرتنا، أسرة الرعامسة ستحكم حتى ينتهي نسلها ذكورا كانوا أو إناثا وسترى.


اقترب أكثر وانحنى باحترام قائلاً: 

-وإن كنت قلق بشأن كهنة آمون رع فاترك لي الأمر وسأعمل أنا على طمس جميع اﻵثار الخاصه بآتون عن طريق بناء معابد ومقابر خاصة بعائلتنا فوقها دون إدراك الشعب أن تلك هي رغبة الكهنة.


اتسعت بسمة رعمسيس لذكاء نجله الوحيد وقال باهتمام: معك حق، ولكن هناك أمرا آخر أريد أن اتناقش معك بخصوصه.


انتبه سيتي لوالده فاردف الأول: 

-أريد تنصيبك كفرعون للبلاد.


نظر له بدهشة وسأله: 

-وأنت لا تزال على قيد الحياة؟


أومأ مؤكداً وفسر له سبب رغبته تلك: 

-حتى توطد أقدامك بالحكم يا بني، أسرتنا لا تزال بمطلع شبابها وأنا كبير بالعمر وتعلم أن المرض توغل بداخلي ولن أعيش طويلاً ولا أريد صراعاً على العرش بعد موتي؛ فاستمع لما أقوله ولا تجادلني بالأمر.


حرك رأسه موافقا على أمر والده النافذ وسأله: 

-وماذا عن الكهنة وموافقتهم؟


رد بحيرة: 

-تلك هي المعضلة الأخري التي أعلم يقينا أنك ستجد لها حلا.


جلس سيتي بجوار والده على المقعد الذهبي المجاور للعرش وحك ذقنه بتفكير وقال أخيراً بعد طول تفكير: 

-تُعلن تتويجي وبعدها نقيم حفل التتويج بالمعبد و بحضور جميع الكهنة.


سأله رعمسيس: 

-من تقصد بجميع الكهنة؟


رد مؤكداً: 

-كهنة آمون ورع وحورس وست وبهذا نكون قد احترمنا ميثاقنا معهم مع والكهنة الخاصة بهم وأيضاً أخذنا مباركتهم حتى ولو رفضوا، فبمجرد حضورهم التتويج تعني الموافقة الضمنية على الأمر ومنها نظهر بمظهر القوة فلم تقتصر دعوتنا على كهنة آمون فحسب.


ابتسم الفرعون باستحسان على ذكاء وفطنة نجله وربت على كتفه بحب معقبا: 

-معك حق وهكذا نبدأ عصر جديد، عصر اسرة الرعامسة.

❈-❈-❈


وقفت برفقة باقي الفتيات تتزين وترتدي ثيابها والجميع يضحك بسعادة واستمعت لاحداهن تقول: 

يقول البعض أنه وسيم بشكل خاطف للأنفاس.


ردت أخري: 

-الفرعون رعمسيس رغم كبر سنه إﻻ انه وسيم أيضاً والملكة كذلك فكيف لا ينجبا رجلٌ بتلك الوسامة!


اقتربت بنترشيت وسألتها بفضول: 

-هل رأيته من قبل؟


أومأت الكاهنة بالإيجاب وقالت ببسمة متسعة: 

-منذ سنتين بعهد الفرعون حور محب وكان مجرد جندي يعمل تحت إمرة والده قبيل أن يتوج الأخير فرعونا بعد موت الملك.


جلست أمامها هي وبقية الفتيات تنظرن لها باهتمام وهي تطنب الوصف: 

-جاء إلى هنا ودلف ممشوقا بجسده الفتاك ذاك وطلب مقابلة الكاهن الأعظم، بالطبع لا أعلم ماذا أراد منه ولكن ما خطفني هو طريقته القوية في التحدث فهناك رجالا قد خلقوا ليقودوا وهو واحدٌ منهم.


ارتسمت السعادة على وجوه الجميع فطلبت منها بنترشيت: 

-صِفيه لنا.


اتكئت بجسدها بأريحية وقالت: 

طويل القامه وعريض المنكبين وشعره لامعا ولونه فاتح ليس حالكا كحال الجميع هنا.


فسرت إحداهن: 

-ربما شعره ملون لوالدته فهي من أصول أجنبية.


أومأت الكاهنة تؤكد ذلك الحديث وأضافت: 

-وملامحة جميلة تخطف الأنفاس.


قطعت حديثهن الكاهنة الكبرى والتي هتفت بتوبيخ: 

-انجزن عملكن يا كاهنات، هيا بلا تلكئ.


شددت على كلمتها وأضافت: 

-ولا تنسين أنكن كاهنات حقا، وهبتن أنفسكن للمعبد فلا تستطيع إحداكن أن تقع بالحب أو أن تتزوج أو تنجب أو حتى تفكر بالرجال لذا احذرن فذاك طريق للموت.


امتعض وجههن جميعا ولكنها لم تعبأ بأحد وصاحت بقوة: 

-هيااا فمراسم التتويج قد اقتربت ولا بد من تواجدكن بالبهو استعدادا لاستقبال العائلة الحاكمة وجميع الوزراء والقادة، هيا لا تتلكئن.


خرجت فعدن جميعاً للتجهز ولكن بنترشيت ظلت تتخيل شكله من وصف تلك الكاهنة حتى كونت صورة بمخيلتها عنه وعن ملامحه فابتسمت رغما عنها وتحدثت بداخل نفسها: 

-الحب! ماذا تعني تلك الكلمة؟


الصفحة التالية