رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 6 - 1 الأثنين 6/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل السادس
1
تم النشر يوم الأثنين
6/5/2024
اﻻصرار لنيل رغبة اﻻنسان و ملاحقته بشكل مُلح يجعله لا يرى أمامه العقبات أو حتى الأخطار التي قد تؤثر عليه ولكنه لم يعبأ بأي شيئ سوى بامتلاكها؛ فجلس بجوار قرينته وابنته وقام الكاهن الأكبر بإحضار الكاهنة التي قد اختارها بالأساس فوجدها الأول كبيرة بالسن ففرح بداخله لإيجاده سببا مقنعا يرفض على أساسه اختيار الكاهن.
نظرت الملكة تويا للكاهنة باستحسان ونطقت بكلمة واحدة:
-مناسبة.
رمقها سيتي بنظرة حادة جعلتها تكف عن الكلام وعلق باقتضاب:
-غير مناسبة نهائياً فسنها كبير ولن تكن مرافقة جيدة لابنتي.
صرح الكاهن الأعظم موضحاً:
-ولكنها من أكفأ كاهنات المعبد وذات خبرة كبيرة وستصبح معلمة جيدة للأميرة تيا يا مولاي.
حك رأسه رافضا وقال:
-أنا أريد كاهنة لتصبح معلمة وصديقة ومرافقة لابنتي وهذه ليست مناسبة، فاختار لابنتي كاهنة بعمر صغير أو الأفضل من ذلك احضرهن جميعاً لهنا وأترك اﻻختيار للأميره تيا.
أومأ الكاهن الأعظم باحترام وطاعة وتحرك من أمامه ليجلب الكاهنات واوقفهن متراصين أمامه فلمحها فورا ليشعر بصخب دقات قلبه التي ارتفعت رغماً عنه ولكنه حاول التماسك وإخفاء مشاعره وانحنى لابنته هاتفا:
-تمعني النظر جيداً واختاري من بينهن عزيزتي ما تجديها مناسبة.
نظرت تيا أمامها بتمعن وابتسمت لهن ودارت بعينيها تنظر يمينا ويسارا فاقترب سيتي منها وانحنى يهمس لها:
-أظن أنك مترددة؟
أدارت وجهها ناحيته وأومأت مؤكدة وهمست له بدورها:
-لا أعلم أختار على أي أساس أبي!
ابتسم بفرحة وقال بهدوء:
-دعيني أساعدك.
أدار نظره للكاهنات يتصنع الحيرة حتى وجد ضالته فأشار بعينه تجاهها وهمس لابنته:
-ما رأيك بتلك؟
نظرت له بلامبالاه قائلة:
-لا بأس بها.
اعتدل بوقفته واقترب منها وسألها:
-ما اسمك؟
أرادت أن تخبره ولكنها شعرت بتوتر ورهبة فما كان منها إلا أن صمتت وأطرقت رأسها لأسفل فصرخ بها الكاهن اللأعظم بتوببخ:
-أجيبي الفرعون يا لعينة.
هدر سيتي فوراً بالكاهن:
-لا تصرخ بها واتركها تتحدث فهي خائفة لا أكثر.
نظر لها من جديد وكرر سؤاله:
-ما اسمك؟
رفعت وجهها ونظرت له بحزن فهل نسي اسمها ولم لا؟ فهو الفرعون وهي مجرد كاهنة من عامة الشعب؛ فابتلعت ريقها وأجابت بتوتر:
-بنترشيت يا مولاي.
سألها مجددا:
-وعمرك؟
أجابته:
-أربعة عشر عاماً مولاي.
لمعت عينيه ونظر لها بتدقيق وقال بتعجب:
-أربعة عشر عاما؟ تبدين بالعشرين من عمرك!
وقفت تويا بجواره واستندت عليه قائلة:
-بعض الفتيات تبلغن أسرع من البقية مولاي، ولكنها بعمر مناسب لابنتنا وأظن أنها أفضل اختيار.
التفت وأومأ لها مؤكداً ولكنه تحدث داخل نفسه بحزن:
-إنها بعمر ابنتك يا هذا، فكيف بحق آمون ارتعش قلبلك لأجلها بهذا الشكل؟
❈-❈-❈
لما فعل به الهوى الكثير ظل يحاول جاهداً أن يقتل ذلك الإحساس بداخله ولكن هيهات فوجودها أمامه معظم الوقت تجلس برفقة ابنته جعلت مشاعره تؤجج بشكل لا مثيل له فأنب نفسه ووبخها لإقدامه على إحضارها لتكن أمام ناظريه هكذا.
جلس بحديقة قصره الواسعه يرمقها من بعيد وهي تلهو وتلعب مع ابنته كطفلة لا تختلف عن خاصته بشيئ؛ فتحدث داخل نفسه موبخا:
-لقد أخطأت بإحضارها إلى هنا، فكيف ستمحوها من عقلك إن ظلت أمام ناظريك هكذا؟
تنهد بحيرة فشعر بأنامل ناعمة تداعب عنقه وتقترب من أذنه هامسة برقة:
-مولاي، لما أنت شارد بهذا الشكل؟
رد باقتضاب:
-شارد بأمور الدولة لا أكثر.
التفتت وجلست بجواره وقالت:
-أعلم كم أنت مشغول ولكنني أريد التحدث معك بشأن تلك الكاهنة.
لمعت عينيه فوراً وحاول إخفاء مشاعره ورسم اللامبالاة وسأل بإيجاز:
-ما بها؟
ردت موضحة:
-لا أجدها مفيدة لابنتنا، فقط تلهو وتلعب معها.
التفت رافعاً حاجبه وقال بحيرة:
-وتعتبرين هذا عدم إفادة! أليس من الجيد أن تجد تيا من تصادقه ويقوم بتسليتها!
أومات وردت:
-بالطبع، ولكنها لا تقوم بتعليمها أي أمور دينية فكما تعلم الفتاة لا زالت صغيرة ولقد علمُت انها ألقت نذورها منذ فترة وجيزة لذا لا أجدها أهلاً لتلك الوظيفة.
سحب نفسا عميقا وطرده خارجا وسألها:
-ماذا تقترحين؟
أجابت فوراً بدون تفكير:
-أفكر بإعادتها للمعبد وإحضار أخرى ذات معرفة أكثر لتستفاد منها ابنتنا وتتعلم.
فكر بداخله لربما هذا هو الحل الوحيد أن يتركها لتعود من حيث جائت فما يشعره نحوها مستحيل من جميع الجوانب، فمن ناحية هي كاهنة ولا يمكن لها أن تجمعه بها أي علاقة فهذا يعتبر تدنيس لحرمة المعبد، ومن ناحية أخرى سنها الصغير المقارب لعمر ابنته، ومن ناحية ثالثه زيجته من نسل ملكي بالإضافة لحملة ألقاب عديدة أهمها أنه الفرعون الأوحد لمصر.
ظل صامتا يفكر وهو ينظر ناحيتها فهمهمت تويا تكرر سؤالها:
-ما رأيك مولاي باقتراحي؟
أومأ موافقا وهو يظهر على وجهه ليس الحزن فحسب ولكن اكتسح اﻻقتضاب كل ملامحه فسالته باهتمام:
-ما بك مولاي؟ لما أنت متجهم هكذا؟
أجاب بايجاز:
-لا شيئ فقط أفعلي ما اقترحتِه ولا تشغلي عقلي بتلك الأمور مجدداً.
تعجبت من رده وابتعدت تتمتم بتذمر:
-ألم يكن هو من تدخل بذلك الأمر من البداية؟
تحركت صوب الحارس لتخبره بأخذها بعيدا وإعادتها للمعبد وإحضار تلك الكاهنة اﻻخرى والمرشحه من قبل الكاهن الأعظم فأومأ الحارس بطاعة وإحترام وتحرك لتنفيذ رغبه مليكته.
فور أن اقترب الحارس منهما وأخبر الأميرة بقرار الملكة صرخت تيا رافضة بإصرار وهى تقول بحزن وبكاء:
-لاااا، أنا ﻻ أريد غيرها، من أمرك بذلك أيها الحارس؟
أجاب بحترام:
-إنها أوامر الملكة.
تحركت تدب الأرض بعصبية ورفض والتفتت تنظر لبنترشيت هاتفة بتأكيد: لا تتحركي من هنا سأحل أنا ذلك الأمر.
أومأت لها بنترشيت وجلست حزينة تنتظر قرار مصريها فهي تشعر هنا بالألفة والحب من قِبل الأميرة تيا بالإضافة لأن حياتها هنا أفضل بكثير من حياتها بالمعبد.
سارت بالحديقة بلا وجهه تتحرك بحزن لا تعي أين تذهب ولا تعلم ما ستؤل إليه حياتها حتى أنها لم تدرك أنها قد وصلت للحديقة الخاصة التي يجلس بها الفرعون ذاته، فاوقفها الحرس فور اقترابها منه فرفعت رأسها المطرق لأسفل ونظرت لهم بعينين دامعتيت واعتذرت:
-اسفة، لم أع أنني بالحديقة الخاصة وسأغادر حالاً.
همت بالتحرك ولكن صوته الحاد أوقفها عن الاستمرار عندما قال بصوتٍ عالٍ:
-قفي مكانك.
تسمرت بمكانها شاعرة برهبة فترك مقعدة الذهبي وتحرك ناحيتها ووقف قبالتها ورمقها بنظرات متحيرة فكيف استطاعت تلك الطفلة جعلة يشعر بذلك الضعف الذي لم يشعر به قبلاً.
رقق صوته عندما وجد عبراتها تبلل وجنتيها فقال:
-ما بكِ؟
أجابت بصوت حزين:
-لقد أمرت الملكة بإعادتي للمعبد.
ابتسم من شكلها الطفولي وسألها بتلاعب:
-وهذا ما يحزنكِ هكذا؟
أومأت مؤكدة فعقب متسائلا:
-ألا تريدين العودة؟
حركت رأسها رافضة فقال والبسمة تعلو شفتيه:
-حسناً لن تعودي.
رفعت وجهها تنظر له بإنبهار وإعجاب ولكنها تذكرت أن الملكة قد أمرت بذلك فقالت بتلعثم:
-ولكن الملكة قد أمرت ب.....
قاطعها مؤكداً بصوت جاد وعالٍ:
-أنا الفرعون الأوحد ملك الأرضين، فهل يوجد من يستطيع أن يرفض لي امراً؟
ابتسمت وحركت رأسها عدة حركات متتالية بالرفض مؤكدة أنه لا يوجد سواه الحاكم الأكبر؛ فنظر بعينيها التي سحرته وظل محدقا بها وقبيل أن يتحدث استمع لصوت ابنته تقول بصوت صارخ:
-أبي، أنا لا أريدها أن تذهب رجاءا تحدث إلى أمي وأخبرها برغبتي فهي لا تريد أن تستمع لي.
لم يدير وجهه لينظر لابنته بل ظل محدقا بوجه الملاك الذي أمامه يسحره بتعويذة تسرق القلوب ولكنه استمع لصوت قرينته وهي تعقب على حديث ابنته مؤكدة:
-لقد تحدثنا أنا وأبيك ووافق على اقتراحي لذا لا تفتعلي مشاكل تيا كل ما بالأمر أننا سنستبدلها بأخرى.
رمقت والدتها بنظرة حادة وعادت تصرخ بتذمر:
-أبي أرجوك، أنا لا أريد غيرها.
ابتسم سيتي لتلك الواقفة أمامه والتفت ينظر لعائلته وقال بأسلوب قاطع:
-لا تقلقي ابنتي، فهي ستظل هنا حتى تشيب وتصبح عجوز شمطاء إن اقتضى الأمر.
حاولت تويا التحدث فقالت برفض:
-ولكن يا مولاي لقد أخبرت الكاهن الأعظم بالفعل بتجهيز كاهنة أخرى و.....
قاطعها سيتي بنظرة حادة أخرستها والتفتت يغمز لبنترشيت بطرف عينه فاندهشت من طريقته وعاد ممسكا بكتف زوجته آمراً:
-هذه أوامري تويا، وستنقذ دون نقاش فابنتك قد تعلقت بها وأنا لا أريد كسر قلبها.
زمت تويا شفتيها بامتعاض وحركت رأسها باستنكار وأومات بطاعة واحترام:
-أمرك مولاي.