-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 8 - 1 الأربعاء 8/5/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثامن

1

تم النشر يوم الأربعاء

8/5/2024


لم تعد تستطيع اﻻستمرار مع الأحلام المتكررة والتي تذكرها بحياتها الأخرى بكل تفاصيلها لدرجة أنها كانت تستيقظ أحياناً وآثار حلمها تاركة علامات على جسدها، ناهيك عن المشي أثناء النوم فكانت تعاني حقا حتى ذلك اليوم الذي استيقظت فيه على ألم رهيب من باقي حلمها فوجدت زرقة بمعصمها وبعض من آثار التعذيب الذي تعرضت له بحلمها ظاهرة على جسدها.


صرخت بفزع وألم جعل والديها يهرعا ناحيتها فارتمت داخل حضن والدها تردد بهذيان نفس الكلمات التي استمع لها مراراً وتكراراً: 

-اجعلهم يتوقفوا، لم أعد أحتمل التعذيب والضرب.


دمعت عيني إيدي وهو ينظر لفلذة كبده بحزن وربت على ظهرها مواسيا: 

-أنتِ بأمان الآن يا ابنتي بحضن والدك.


تألمت فور أن وضع يده على ظهرها فأطلقت صرخة مكتومة فنظر بتدقيق ليجد تلك العلامات على جسدها وكأن شخصاً ما قد أبرحها ضربا بعصا أو بسوطا حاداً فرمق زوجته بنظرة حائرة وهو حقا لا يجد تفسيرا  لحالتها.


تنحنحت هانده لتجلي صوتها وقالت بأسف: 

-اعتذر منكِ ابنتي، لم أكن أتصور بحياتي أن ما فعلته قد يؤذيك بهذا الشكل! لم أع ما أنا بفاعلة، سامحيني يا ابنتي.


نظر لها زوجها بنظرات متسائلة وقال: 

-ماذا تقصدين؟ ماذا فعلتِ؟


ارتبكت وبكت بحرقة وقررت أن تزيل ذلك الحمل من على صدرها وتخبر زوجها بحقيقة ما اقترفته فقالت باكية: 

-ألقيت تعويذة بمساعدة مارسيل ليستقر حملي بها ولكنني لم أكن أعلم العواقب وأن تلك الكاهنة ستسكن جسد ابنتي.


رمقها بنظرة مدهوشة وظل ينظر بحدة وعصبية وهي تقص عليه تفاصيل ذلك اليوم حتى انتهت فصاح بها بغضب: 

-لا يمكن، كل ما تفوهتِ به هراء وغير علمي و لا يمكن أن يصدقه عقل.


صرخت هي الأخرى تعقب عليه: 

-وما تفسيرك لما حدث عندما تواصل ذلك الروحاني مع تلك الكاهنة؟ 


رد متضايقا: 

-لا أصدق حرفا مما تقولينه.


قالت بتأفف: 

-صدق أو لا تصدق، تلك هي الحقيقة فقد كنُت حاضرة ذلك اليوم عندما حاولت أن استعيد ابنتي ورأيت تشنج جسدها وتلك الأصوات واللغة التي تحدثت بها صدقني أيدي.


تهدل جسده بانكسار وأطرق رأسه فاقتربت منه دورثي تربت على كفه المسند على فخذه وقالت: 

-أبي.


رفع نظره إليها فتابعت: 

-كل ما قالته صحيح، انا لست دورثي فدورثي قد ماتت وهي بالثالثة من عمرها وأنا لا أتصنع حالتي تلك.


بكت ووضعت يدها على وجهها تؤكد حديثها: 

-حياتي تنحدر من السيئ للأسوأ، وتلك الأحلام التي تذكرني بمن أنا لا ترأف بي فاشعر وكأني أعيش الأمر مجدداً ويوميا فأرجوك أجعل تلك الأحلام تتوقف فلم أعد أحتمل.


أومأ لها أيدي مؤكدا: 

-لا تقلقي صغيرتي، سأمر اليوم على الطبيب لإعطائك شيئا يساعدك على النوم بعمق أكثر.


تركها وخرج من الغرفة ونظر لزوجته بحده وغضب موبخا إياها: 

-أنتِ لا يوجد بعقلك ذرة تفكير أيتها البلهاء، هل تحتاج ابنتنا أن تؤكدي لها تلك المزاعم والأوهام التي تسكن رأسها حتى تتفوهي بتلك الحماقة أمامها؟


ردت تدافع عن نفسها مؤكدة: 

-إنها ليست حماقة ولا هذيان، تلك هي الحقيقة.


صرخ بها بغضب جحيمي: 

-وإن كانت الحقيقة، لم يكن العقل يتقبل ما تفوهت به بالداخل أمامها.


تركها وذهب بعيداً فسألته بحيرة: 

-إلى أين؟


أجاب بامتعاض: 

-للطبيب حتى يكتب لها دواءا يساعدها على النوم بدون كوابيس.


❈-❈-❈


ارتدت ملابسها وتوجهت لجامعتها حتى تنهي دراستها بعد أن توقف الفرعون سيتي عن زيارتها كما أخبرها واكتفى فقط بالظهور في أحلامها ففقدت الشغف والقدرة على التواصل معه مما جعلها تظن أنه قد تخلى عنها أو فشل بإحضارها لعالمه كما وعدها عندما تتم العشرين.


كلما اقتربت من عيد مولدها العشرين تزداد الأحلام قوة وشراسة لتتذكر تفاصيل أكثر إيلاما لحياتها وأواخر ايامها وما عاشته فاختارت لنفسها مكانا منعزلا عن باقي الطلبة تجلس به تناجيه هو فرعونها وحبيبها أن يتواصل معها بأي شكل ليطمئنها أنه لا زال يستطيع إعادتها لموطنها، ولكن كل محاولاتها قد فشلت.


اليوم هو عيد مولدها وقد قرر والدها أن يحتفل به بشكل مختلف عن كل عام فابنته ووحيدته لن تبلغ عامها العشرون كل يوم، لذا دعا العديد من أصدقائه الذين يعملون بصناعة السينما وجعلهم يجهزون فيلماً وثائقيا مرئياً للحفل فوثق أيدي كل لحظة بدءاً من نزلوها على الدرج حتى إطفاءها للشموع.


بدأت فقرات الحفل تتتابع ولكنها شعرت بالضجر فقررت الخروج للحديقة لاستنشاق الهواء قليلا وجلست على الأرض تنظر للسماء والنجوم التي تزينها وتقول بأسى: 

-لمٓ تركتني يا مولاي؟ 


استمعت لصوته يجيب من خلفها: 

-فقد انتظر اللحظة المناسبة قيثارتي.


انتفضت من مكانها والتفتت تنظر له فوجدت أحد الشباب العاملين مع والدها ينظر لها بابتسامة عريضة فقالت بتردد: 

-ماذا قلت؟


اقترب منها أكثر ورد بهدوء ولغة هيروغليفية ليؤكد لها حقيقته: 

-اشقت لكِ حد الألم قيثارتي.


لمعت عينيها وهتفت بخفوت متسائلة: 

-مولاي سيتي؟!


أومأ لها بتأكيد فهرعت تحتضنه وتتعلق برقبته فأحاط جسدها بذراعيه ودفن رأسه بعنقها يسحب رائحتها بداخله حتى يزيل نار اشتياقه وقال بغزل: 

-لا زلتِ تأسرين قلبي يا هذي بعد مرور آﻻف السنوات، لا يزل قلبي ينتفض بقوة من مكانه فقط بقربك.


ابتعدت عن حضنه و رفعت وجهها تنظر له باستفسار متسائلة: 

-أين كنت؟


أجاب بهدوء: 

-انتظرك.


انحنى ليقبلها فبادلته القبلة باشتياق ولوعة فطالت بهما ولم يلحظا أيدي الذي لمحمها من النافذة المطلة على الحديقة فتعجب مما رآه، فمتى ارتبطت ابنته بأي علاقة غرامية أو عاطفية؟ ومتى تعرفت على زميله بالعمل والأكثر متى وقعت له حتى تقبله بذلك الشغف؟ ولكنه لم يكترث سوى لأمر واحد أﻻ وهو أن ابنته بخير وربما تقبلت حياتها وأخيراً دخلت بعلاقة قد تجعلها تستقر أكثر بحياتها.


بحث بعينيه عن زوجته حتى يخبرها ما رآه منذ لحظة ولكنه وجدها منشغلة بالمدعويين فظل يشاهد ابنته وهي تتحدث وتضحك معه بسعادة يراها على وجهها لأول مرة.


أما هي فنزلت من على أطراف أصابع قدميها ووضعت يدها بخصرها تهتف بتحذير: 

-إياك واﻻبتعاد عني مجددا.


ضحك وسحبها من خصرها يقول: 

-لا تقلقي حبيبتي بنترشيت، فاليوم سنكمل مراسم انتقالك لعالمي وسنظل سويا أبد الدهر.


ابتسمت بحب وسعادة ووافقته دون الحاجة لسؤاله عن أي تفاصيل ولكنها نظرت لذلك الجسد الذي يحتله وأرادت أن تشعل نيران الغيرة بقلبه العاشق بها، فكم افتقدت ذلك الإحساس وأرادت أن تعايشه معه من جديد فقالت باستثارة: 

-هذة المرة اختيارك جيد للغاية.


لم يفهم فسألها: 

-ماذا تقصدين؟


أجابت بتحفيز وهي تشير له أو للجسد الذي يسكنه لنتحرى الدقة وقالت: 

-ذلك الرجل الذي احتللت جسده فهو أفضل من زميلي بالعمل المسرحي.


رمق نظراتها الجائعة لجسده بضيق وأضمر في نفسه وصاح محذرا: 

-لا تستفزيني بنترشيت فأدق عنقه ليلقى صريعاً أمامك اﻵن.


ضحكت بفرحة واحتضنته قائلة: 

-لا زلت كما أنت حبيبي وملكي وفرعوني الغيور.


ربت على جانب ذراعها وسألها متحفزا: 

-تحتضينني أم تحتضنين جسد ذلك الأبلة.


ابتعدت عنه وتلك البسمة التي تعلو وجهها تتسع أكثر واكثر وأجابت: 

-وهل يمكن أن ينظر أحد للنجوم بوجود شمس المعبود رع ساطعة؟ فهل يمكن أن انظر لنصف رجل وأنا معي الفرعون سيتي مرنبتاح القائد العظيم.


قبلها فوراً ولم يبتعد إﻻ عندما شعر أنها بحاجة للهواء وانحنى يهمس بأذنها بنبرة مثيرة: 

-سأزورك الليلة قبيل منتصف الليل حتى نكمل تعويذتنا قيثارة الحب، تلك التعويذة التي ستعيدك لحضني.


نظرت بساعة يدها فوجدتها العاشرة مساءاً فقالت بدهشة: 

-تبقى ساعتين فقط فلماذا تذهب اﻵن؟ ابق معي رجاءا.


داعب أسفل ذقنها ووضح: 

-حتى لا استنفذ كل قوتي بامتلاك جسده ولكن لا تقلقي فسأعود بعد ساعتين جميلتي.


الصفحة التالية