-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 8 - 2 الأربعاء 8/5/2024

  

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثامن

2

تم النشر يوم الأربعاء

8/5/2024


بدأت يده تلين من فوق جسدها رويداً رويداً وهو يتفقد وجهها الذي ينظر له بعشق خالص وتجمدت أطرافه وسحب ذراعه لتستقر بجوار جسده وظل متسمراً أمامها لا يتحدث فابتسمت له وهي تنظر بتدقيق لعمق عينيه التي تغير لونها فجأة فعلمت جيداً أن عشيقها قد غادر جسده، فظل الآخر في حيرته واقفا لا يعلم ماذا يحدث له ولم تتحدث حتى قال هو: 

-متى أتيت إلى هنا؟ 


ردت محاولة كتم ضحكاتها على منظره اللطيف: 

-لقد أتيت حالاً.


ابتلع ريقه بصعوبة وهو يشعر بطعم أحمر الشفاة على لسانه وفمه فوضع كفه يمسح بها شفتيه فانطبعت تلك الحمرة التي التصقت بفمه منها ونظر لفهما الملطخ بأحمر الشفاه فحك رأسه بحيرة وتسائل بداخله: 

-هل قبلتها؟ متى حدث هذا؟

رفع وجهه ونظر لها فظلت هي صامتة مبتسمة فعاد يحدث نفسه: 

_هل الخمر أثرت بي لهذا الحد؟ أنا لم ارتشف سوى كأس واحد!


وجدت حيرته وتخبطه ولكنها حقا مستمتعة بهذا المنظر فضحكت رغما عنها فنظر لها وسألها بحيرة: 

-هل قمت بمضايقتك؟


حركت رأسها رافضة وردت باتساع فاهها: 

-لا، لم تضايقني مطلقا.


التفت ونظر لانعكاس صورته بزجاج النافذة القريبة فوجد ليس وجهه فحسب الملطخ بتلك الحمرة بل عنقه أيضاً فعاد ينظر لها وسألها بتردد: 

-هل تبادلنا القبلات؟


ضحكت مجدداً وقالت بتلاعب: 

-أﻻ تتذكر؟


أومأ بخجل وأجاب: 

-يبدو أن والدك قد أحضر نوع جيد من الخمر المعتق فأفقدني صوابي بالحال.


غمزت له بطرف عينها وتحركت للداخل وهي تقول: 

-لا تهتم، فلم يحدث أمراً جللاً.


تركته ودخلت فردد كلماتها بصوت هامس: 

-لم يحدث أمراً جللاً! هل تقصد أن القبلة لم تكن جيدة أم ماذا؟


تحرك متذمرا من مكانه وهو يتمتم بضيق: 

-اللعنة على الخمر الذي أضاع مني تلك اللحظة مع جميلة مثلها، ولكن لولا الخمر لما تجرأت على فعلها.


اعتد بنفسه وشعر بالزهو فقط لظنه أنه فعلها ودلف للداخل ففوجئ بإيدي يمسكه من ذراعه بقوة واقترب منه يهمس له بأذنه متوعدا: 

-إن أحزنتها بيوم سأقتلك.


انتبه لحديثه فعاد الذهول يكتسح وجهه وهو يستمع له يضيف: 

-أسمعتني يا هذا؟


أومأ دون أن يتحدث أكثر وتحرك فوراً من أمامه محاولا عصر رأسه حتى يسترجع ما حدث له ولكن دون جدوى.

❈-❈-❈


صعدت غرفتها عند اقتراب الوقت من منتصف الليل وأبدلت ملابسها بذلك الزي الفرعوني الذي اشترته من فترة كبيرة عندما كانت بأحد المعارض الخاصة بالمقتنيات الفرعونية واتكئت على فراشها تنتظر مرور الوقت بفارغ الصبر حتى غفت رغما عنها فوجدته أمامها يرتدي زيه الفرعوني أبيض اللون ويقف مبتسما لها فاقتربت منه وارتمت داخل حضنه فسحبها أكثر ليدفنها داخل أضلاعه أكثر وأكثر.


ابتعدت قليلاً ونظرت له بحب تسأله: 

-هل حان الوقت أخيراً؟


أومأ لها مداعبا بشرة عنقها وخلف أذنها براحته فابتسمت بسعادة وتحركت معه ولكنها تعجبت من ذلك المكان الغريب فظلت تنظر حولها لتجد أعمدة عالية لا تشبه أعمدة معبد ابيدوس ومرتكزه على أرضية رخامية بيضاء والسماء تحاوط المكان من جميع الجوانب فاندهشت من المنظر أمامها وسألته بحيرة: 

-أين نحن؟


أجابها بهدوء: 

-ساشرح لكِ.


أجلسها على الدرج الرخامي وجلس بجوارها وأوضح: 

-نحن بين العالمين، بمكان انتقالي.


لم تفهم ما يعنيه فتجعد جبينها بدهشة وفضول وابتسم لها وفسر بتوضيح أكثر: 

-عندما سخيت بنفسك قمت أنا بتحنيط جثتك ولكن حزني عليكِ قد امتلكني لدرجة أنني لم استطع العيش من دونك، فاستطعت عن طريق تلك الساحرة أن أنقل روحي للماضي لأحظى بأوقات أكثر برفقتك، ولكنني حاولت أن أنبهك بما سيحدث وتغييره لكن روحي التي امتكلت جسدي قديما لم تستطع البوح بما كان.


نظرت لكل تلك المرادفات التي يمليها عليها وهو يوضح كم عانى بدونها ولكن حقا كأن اﻻمر ليس فقط صعبا على أي عقل أن يتفهمه أو يصدقه بل كان شبه مستحيلا عليها استيعابه، ولكنها استمعت له يطنب: 

-فما كان مني إلا أن عايشت وجودي معكِ من جديد وفراقك من جديد وهذا ما جعل صحتى تتدهور أكثر وأكثر وضعفت قوتي ولم استطع العودة مرة أخرى، فأشارت علي الساحرة أن تحضركِ من المستقبل فور موتي ونعيش هنا سويا.


رمقته بحيرة وسألت: 

-أتعني أننا بعالم الأموات؟


ضحك وسحبها معه ليريها ما يشبه النافذة وقال بتوضيح: 

-ذاك الماضي.


تحرك بها للجهة الأخرى وأشار مضيفاً: 

-وذاك المستقبل أو حاضرك أنتِ بمعنى أدق.


نظر لمكانه وأكمل: 

-وهذا ما بينهما.


رددت كلمته قائلة: 

-نحن ما بين الماضي والحاضر؟


أومأ مؤكدا فابتلعت لعابها تنظر له بتردد فلاحظ ترددها فاقترب منها وسألها بتخوف: 

-ما بكِ؟


ردت بتلعثم: 

-أﻻ يوجد أحد هنا معنا؟


نفى فعادت تسأله: 

-هل سنظل هنا وحدنا أبد الدهر؟


أومأ وقال: 

-ألم تكن تلك رغبتكِ؟ أن آخذك بعيداً عن العالم والناس لنعش سويا وحدنا فقط!


ردت بتوضيح: 

-نعم ولكن، ليس بهذا الشكل لقد ظننت أننا سنعود لموطننا و......


صاح بها موبخا: 

-أي موطن تتحدثين عنه؟ ذلك المكان الذي تسبب بموتك؟ وإن عدنا كيف تظنين سنعيش سويا؟ ألن نمت شأننا شأن البشر؟


أجابته بخفوت: 

-تلك هي الحياة ولكن ما تطلبه مني هو المنفي بعيداً عن كل شيئ.


عقب موضحا: 

-بل الخلود معي.


ردت عليه ممتعضة: 

-الخلود لنظل بهذا السجن أبد الدهر لا نكلم أحدا ولا نرى أحدا، لا ننجب ونربي ابنائنا كما اخبرتني و.....


أشار بيده ليوقفها عن استكمال حديثها: 

-ها هو ابننا.


التفتت تنظر مكان إشارته فوجدت رضيعا صغيرا وشكله غريب وكأنه غير مكتمل النمو فنظرت له تتسائل بحيرة: 

-ما هذا؟


أجاب وهو ينظر لها بحدة: 

-ابننا، من قتلته وهو لا يزال بداخلك عندما سخيت بنفسك.


ردت متعجبة: 

-كنت حامل! نعم كنت حامل و...


قاطعها قائلا بضيق: 

-ولم تهتمي بمن تحملين باحشائك وقتلتِ نفسك وقتلتِ ابننا معك بنترشيت.


دمعت عيناه وهو يقول: 

-أنتِ لم تعاصري ما حدث لي عندما علمت بما اقترفته بحق نفسك وبحق ابننا وبحقي أنا.


نزلت عبراته تبلل وجنته وأردف: 

-لم تعاصري ما شعرت به وأنا انبش قبركِ لأقوم بتحنيطك وأخرج ابني من داخلك بهذا الشكل الذي ترينه.


قالت باكية بانهيار: 

-وقمت بتحنيطه هو اﻵخر؟ ألا ترى شكله؟ كيف استطعت فعلها؟


سحبها بقوة من ذراعها وانحنى يقول بهمس غاضب: 

-قطعة مني كانت بداخلك وأنتِ لم تهتمي بها، اتحاسبينني على احتفاظي بكما؟ 


جلست على الأرض تشعر بالحيرة فجلس بجوارها وسألها بدهشهة: 

-هل أرى الرفض بعينيك بنترشيت؟ هل ستتركيني وترفضي العيش معي بعد كل هذا؟ لقد انتظرتك آلاف السنوات فقط لاجتمع بكِ وأنتِ تريدين الرحيل!


ارتعش صوتها مع كامل جسدها وهي تجيبه بتوتر: 

-أﻻ يوجد حل آخر؟ 


حرك رأسه نافيا فقالت: ان لم نستطع العودة للماضي فلما لا تأتي أنت لتعيش معي بالحاضر؟


رد مؤكداً: 

-لا يمكنني فعلها.


هتفت تقول: 

-بلى يمكنك أن تتلبس جسد أي شخص كما فعلت سابقا ونعيش سويا.....


قاطعها موضحا: 

-لا يمكنني فعلها بنترشيت، هذا اﻻمر يتطلب قوة من نوع خاص أصبحت لا امتلكها الآن، لقد استنفذت كل قواي وقوى الساحرة التي معي فقد تبخرت منذ لحظات.


قالت مقترحة: 

-استمع لي، ربما نستطيع احضارك كما فعلت بي مع تلك الفتاة دورثي و.....


عاد لمقاطعتها مؤكداً: 

-لا يمكنني فعلها، لقد فعلتها معكِ لأنها منذ المولد واستطعت أن أجعلك زائرة دائمة لجسدها حتى تملكته تماما بسن الثالثة عندما ماتت، أما أنا فلن استطع سوى أن أظل لبضع لحظات واختفي وربما بوقت ما لن أجد القوة لفعلها مطلقا، وقتها ستخسرينني إلى الأبد.


ظلت تفكر وتفكر وهو ينظر أمامه لمنظر السماء وقال بجدية: 

-الوقت يمر وإن تأخرت أكثر بتلك الطقوس فربما لن تفلح بنترشيت، فاتخذي قرارك اﻵن.


رمقته بنظرة حائرة ولكنها تذكرت ومضات من حياتها القديمة معه وكم كانت ساذجة واستغل براءتها وعدم خبرتها ليفعل بها ما فعله، ولكنها كبيرة اﻵن وتفهم أن ما قام به كان خاطئ وتسبب بموتها بسن صغير وهي بعامها العشرون، فهل تهب له روحها من جديد حتى تظل هنا بهذا المنفى إلى الأبد!


ترددها وحيرتها جعلته يشعر بغصة مؤلمة داخل قلبه تأكد أنه استحقها لما فعله معها فانحنى يرمقها بنظرة عاشقة ومتلهفة ومودعة أيضاً وقال بحزن: 

-لقد ظلمتك بالماضي ولن اأفعلها مجدداً بنترشيت، إن أردتِ المغادرة والعودة لحاضرك فلن أمنعك.


نظرت له بحيرة أكبر فهل سيتخلى عنها بتلك السهولة ولكنه أضاف ليزيل حيرتها: 

-أنا أحبك أكثر من أي شيئ ومن حياتي ذاتها وإن لم تكوني تحبينني بنفس القدر على الأقل فلن أجبرك على فعل شيئا لا ترتضيه طواعية.

الصفحة التالية