رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 13 - 1 الثلاثاء 14/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الثالث عشر
1
تم النشر يوم الثلاثاء
14/5/2024
❈-❈-❈
دخل كالرعد فوراً صوب الممشي الرخامي حيث يتواجد كبير الكهنة فوقف الأخير له احتراماً ولكنه لم يسعه أن يرحب به بسبب صراخه الشرس وهو يوبخه هاتفا:
-كيف تجرؤ على دخول قصري بهذا الشكل والقبض على أحد رعاياي؟ هل تظن نفسك قاضٍ أو حاكم يا هذا؟
شبك الكاهن يديه أمام صدره باحترام ورد:
-سلطتي على من هم تحت رعايتي ورعاية المعبود آمون رع، ولا أظنني فعلت أمراً يسيئ لمقامك الرفيع يا مولاي!
زغر له بعينه وهتف بغضب جحيمي:
-كيف تجرؤ على أخذ المرافقة الخاصة بابنتي هكذا ودون إذن مني؟ قم باستدعائها فوراً وإياك وتكرار هذا الخطأ مجدداً.
رد عليه محاولا إظهار دبلوماسيته بالحديث فقال :
-لقد أخطأت الكاهنة بحق المعبد ولا بد أن تعُاقب على فعلتها، وأناااا......
قاطعه سيتي بحدة:
-ألم تستمع لما قلته تواً؟ بدءاً من تلك اللحظة انتهت سلطتك تماماً عليها فهي إحدى رعاياي ومرافقة ابنتي الخاصة ولا يحق لك التصرف معها بأي شكل، واﻵن قم باستدعائها وإلا هدمت جدران هذا المعبد الذي قمت أنا بتشيده على رؤوسكم أيها الرعاع.
التفت الكاهن الأكبر لأحد الكهنة وأمره بحركة من رأسه حتى ينفذ أمر الفرعون؛ فتحركت تيا ناحيته تسأله:
-ماذا فعلت حتى تلقوا القبض عليها؟ فهي فتاة جيدة.
رد مفسرا:
-لقد كذبت بشأن تواجدها هنا للعبادة واختفت عن القصر لأيام عدة وأردنا معرفه أين كانت؟
ابتلع سيتي بداخله بارتياح فهم لم يكتشفوا فقدها لعذريتها ولا علاقتها به، فصرخ بالكاهن حتى يخفي مشاعر الارتياح التي ظهرت جلية على ملامحه:
-ليس من شأنك أين كانت او ماذا تفعل طالما هي بقصري، ولن أكرر حديثي لك مجددا فبدءاً من اليوم لا أنت و لا ايه كاهن له علاقة بها نهائياً وهذا امرى القاطع وإلا تحملوا نقمي وسخطي عليكم فلا تظنون أنني غير قادر على هدم ذلك المعبد على رؤوسكم وسأفعلها إن تخطيتم حدودكم معي.
زفر الكاهن بضيق وتوعد بداخله:
-حسنا محبوب سيت، تظن أن معبودك يستطيع أن يحيمك من سخط رع!
صر على أسنانه وأكمل تحدثه لنفسه متوعداً بغضب:
-متى استطاع المعبود ست إله الشر أن يقف أمام آمون رع؟ انتظر والأيام بيننا.
خرجت بنترشيت مسندة لكاهنتين ومتورمة الوجه ووهنة فهرع توت فوراً لاسنادها ولحقت به تيا تحتضنها بأسف وبكاء على حالها وما كان من سيتي إﻻ أن رمق الكاهن الأكبر بنظرة نارية وصرح متوعداً بصوت خشن:
-ستدفع ثمن ذلك.
لم يهتم لأحد و تحرك صوبها وحمل جسدها الوهن والمتعب فتعجبت تيا من فعلته وهمس له قائده:
-مولاي، لا تتحدي الكهنة علناّ هكذا فهاتها أحملها عنك.
ناوله إياها وتحرك كالبرق الذي لا ينظر أمامه وعاد لقصره دالفا حجرتها بعد أن وضعها توت على فراشها وجلست تيا بجوارها تضمد جراحها فنادي بصوته الغاضب للحارس حانوت رع:
-أحضر المداوية أو الطبيب حالاً.
بعد أن أتم الطبيب فحصها وتضميده جراحها نظر سيتي لابنته وقال:
-اتركيها تستريح واذهبي أنتِ الآن فأنا أريد التحدث معها بشأن ما حدث.
ترجته بعينيها قبل صوتها قائلة:
-لا تقسو عليها مولاي، فيكفي ما رأته من الكهنة، فحتى وإن اقترفت خطأ فبالنهاية قلوبنا ليست ملكٌ لنا.
ابتسم نصف ابتسامهة وسألها بمغذى:
-حقاً قلوبنا ليست ملكٌ لنا وإنما ملك لمن تنبض لأجلهم أليس كذلك تيا؟ هل كبرتي لدرجة أن تقعي بالعشق يا صغيرة؟
خجلت و توترت فوراً فأطرقت رأسها بعد أن اكتسحت حمرة الخجل وجهها وقالت له بصوت متردد:
-ومن منا يملك لقلبه سلطان يا أبي؟ ونعم أنا لم أعد صغيرة فلقد تزوجت أمي وهي بعمري تقريبا.
اتسعت بسمته وسألها:
-إذن تريدين الزواج؟
أومأت له وأضافت:
-القائد توت رجل جيد وملخص لك وأنا......
صمتت فأكمل يسألها و هو يداعب ذقنها:
-تحبيه؟
أومأت له فانحنى هامساً بتسائل:
-هل أنتِ متأكدة من اختيارك يا صغيرتي؟
أومأت مجدداً فابتسم لها باستحسان وقال:
-إن كانت تلك رغبتك فسأنفذها لكِ تيا، والآن اذهبي لحجرتك حتى انتهي من الحديث مع كاهنتك أولاً وبعدها أنظر بأمرك أنتِ والقائد توت.
دلف مسرعا بعد ذهبت ابنته وجلس بجوارها بلهفة يقبل كل إنش من وجهها المتورم وهو يعتذر لها بأسف:
-آسف حبيبتي، آسف على كل شيئ وكل فعل أدى لاذيتك وتأكدي أنه من اليوم لن يمسك أحداً بسوء مجدداً.
رمقته بنظرة مغتاظة وقالت ساخرة:
-سمعت حديثك هذا آلاف المرات وها أنا ذا أمامك كدت أقُتل منذ لحظات.
اعتدلت بجسدها المتعب على الفراش ورمقته بنظرات حادة وقالت بضيق مطنبة:
-أﻻ ترى الخطر المحدق بي وكم اقترب؟ متى ستؤمن حياتي مولاي؟ ربما استطعت أن أنقذ حياتي عندما أراد ذاك الكاهن وزوجته الإبلاغ عني، و ربما استطعت أنت أن تنقذني من بين أيدي الكهنة اليوم بشق الأنفس و لكن لا تثق أن تستطيع فعلها مجدداً فأظن أن أمر انكشافي أصبح وشيكا حتى أن لم تر أنت ذلك.
حاول احتضانها ولكنها ابتعدت عنه وهدرت به:
-اتركني لمصيري وابتعد ، فبعد أن تأكدت أنك تتلاعب بي وبمشاعري لا يوجد لدي رغبة بالحياة أبداً.
تعجب من حديثها فقال مستنكرا :
-أتلاعب بك! بماذا تهذين قيثارة الحب؟ ألم أذهب بنفسي للمعبد دون أن أهتم لمكانتي و......
قاطعته رافضه حديثه وقالت بتذمر:
-أي مكانة تتحدث عنها؟ فأنت إن تأخرت بضع لحظات أخرى لاكتشفوا فقدي لعذريتي فقد كادوا يكشفوا ستري ووقتها لن تهم مكانتك ولا ملكوتك أمام سطوة وقوة الكهنة وقوانينهم.
تنهد متسائلا:
-هل قاموا بسؤالك او الكشف عليك للتأكد من عذريتك؟
أومأت باكية:
-سالوني وهم يبرحوني ضربا أين اختفيت تلك الأيام التي كنت معك، واستدعوا الكاهنة للكشف علل عذريتي ولحسن حظي أنك أتيت قبل أن يكشفوني.
احتضنها بقوة فدفعته عنها وهو يحاول استرضائها:
-لقد أمرتهم بالابتعاد عنك تماماً، وسوف أصدر فرماناً بقطع علاقتك نهائياً بالمعبد مهما كان الثمن، سأفعل المستحيل لأجلك حبيبتي فقط سامحيني.
بكائها أحرق داخله وهي تخبره بما عانت:
-تلك اللحظات ذقت بها العذاب ذاته وأنا وأنت نعلم جيدا أن من أخبر الكهنة عني هي الملكة تويا وقد أخبرتك سابقاً أنها لن تصمت على ما يحدث نصب عينيها ولكن غرورك يمنعك من التصديق.
اعقد حاجبيه متسائلاً:
-من أين لها أن تعلم بمرافقتك لي بتلك السفرة؟
أخبرته تجاهد ألمها وألم جسدها:
-أخبرتها الأميرة تيا بعفويتها أني قد عدت للمعبد ولم يحتج الأمر لتفسير فهي من أخبرتهم أني قد غادرت القصر، فمن يستيطع فعلها غيرها يا مولاي؟
اقترب منها وقبل أعلى رأسها متنهدا:
-سأقتص منها لما حدث لك وستأمنين بعد أن أقطع علاقتك بالمعبد ووقتها سأتخذك أنت قرينتي وحبيبتي الوحيدة.
رفضت حديثه ووعوده تدفعه بقوة وانهارت من البكاء:
-ابتعد عني، أنت تتلاعب بي فلا يوجد قوة تستطيع قطع علاقتي بالمعبد وأنا لن أصبح قرينتك ولا حتى بعالم الأحلام.
لمعت عينيه يسألها متعحباً:
-أتلاعب بك؟
أومأت توضح:
-ظهر وجهك الحقيقي عندما وجدت ابنتك بنفس موقفي وربما هي بموقف أفضل مني لاانها حره ومن يطلبها للزواج هو قائد جيوشك فكيف وجدته لا يناسبها ورفضت مشاعرهما، لقد حرمت عليهما ما أحللته لنفسك وبالعكس تماماً فأنت لا تستحقني أيها الفرعون.
تضايق من حديثها ولكنه حاول التماسك ووقف منتصباً بجوارها وقال بضيق:
-ربما تكوني على حق ولا أستحقك قيثارة الحب، ولكنني أحبك بالرغم من ذلك.
نظر لها بحزن وأسى وأردف:
-هذا الفرعون والملك العظيم الذي يقف أمامك يشعر بغصة ألم بداخله لامتعاضك منه، ولكنني أحبك أكثر من نفسي ومكانتي ومُلكي فإن أردتِ إكمال علاقتنا فسوف أتنازل عن حكم البلاد وآخذك بعيداً عن أعين الناس ونكمل حياتنا سوياً، وإن توقفتي عن حبي فلن أجبرك على شيئ مجدداً بنترشيت ولو أردتِ الرحيل سأدعك ترحلين بعد أن أزنك ذهباً لتعيشي حياة رغدا بعيداً عن الخطر بأي مكان آخر.
ابتلع ريقه بغصة مؤلمة آلمت حلقه وأكمل:
-اتخذي قرارك وأنا معك بأي ما تريديه.
هم بالمغادرة ولكنه توقف عند أعتاب الباب والتفت وكأنه تذكر لتوه فقال:
-آه بالمناسبة، أنا وافقت على زواج تيا بالقائد توت ويمكنك أن تتأكدي منها بنفسك، فأنا عندما غضبت كان فقط خوفاً من أن يكون قد تلاعب بها وبمشاعرها و هي لا تزال طفلة صغيرة.
ضحكت ساخرة بانهيار حتى استفزه صوت ضحكاتها وهي تقول:
-تلك الطفلة الصغيرة بعمري عندما افقدتني عذريتي يا مولاي، فقط أذُكرك أنني لم أكن تخطيت الرابعة عشر وقتها.
عاد للداخل ورمقها بنظرة غاضبة وسألها بتحفز جسده وانفعالاته:
-لماذا أشعر بنبرة صوتك بها بعضا من السخرية وكأنك تحاولين استفزازي بنترشيت! ولماذا أشعر أنك ترمين لشيئ ما لا أريد تصديقه؟
نظرت له تنظر أن يكمل فأضاف:
-وكأنك تؤكدين أنني استغليت صغر سنك واستغليت معها مكانتي لفعل ما لا تريدينه، ألم تكن مشاعرنا متبادلة أم ظننت أنا هذا؟
توترت وتلعثمت وهي تقول:
-في البداية لم تكن متبادلة، كنت فتاة صغيرة وجدت الفرعون مفتون بها ولم تصدق الأمر وبعدها وجدته بحجرتها يضاجعها دون أخذ رأيها أو موافقتها.
شعر بنيران صدره تؤجج غضبه فسألها بضيق:
-هل توقفت عن حبي بنترشيت؟
صمت وانتظر إجابتها فأطرقت رأسها ولم تجب فاستشف أن صمتها يؤكد مخاوفه فأغلق عينيه بحزن وتنفس عميقا مخرجاً زفرة قوية وقال بصوت حزين:
-حسناً، فقط سأنتظر حتى تشفى جراحك وسأنفذ وعدي بإرسالك لإحدى المدن البعيدة عن سلطة الكهنة وأعطيك ما يكفيك من ذهب لتبدأي حياتك من جديد.