-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 15 - 1 الخميس 16/5/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الخامس عشر

1

تم النشر يوم الخميس

16/5/2024

❈-❈-❈

ما بين الواقع والخيال، الماضي والحاضر، الصواب والخطأ والعقل والجنون هناك دائما خيط رفيع جداً يكاد لا يرى بالعين المجردة يجعل اﻻنسان يتوه أحياناً ولا يستطيع التفرقة والتمييز بشكل صحيح؛

فما حدث لها بين ليلة وضحاها بعد أن استقرت حياتها لثلاث سنوات شعرت بهم أنها فتاة طبيعية فعادت دورثي تتنقل ما بين عالمها الحالي وماضيها الافتراضي بأحلامها من جديد يحاول هو فيها بشتى الطرق أن يجعلها ترفض تلك الزيجة التي مزقت فؤاده.


وقف أمامها بهيئته وهيبته القوية بعد أن تكررت زيارته لها باﻵونة الأخيرة ويوميا حتى باتت ترفض النوم إﻻ بعد أن تصاب بإرهاق شديد. 


اقترب منها وهي تنظر له بضيق وهتف هادراً: 

-ماذا حدث لكِ؟ عشقك الذي دام لأربعه آلاف سنة قد انتهى اﻵن بسبب هذا اللقيط معدوم الأصل والنسب.


أدارت وجهها عنه فصرخ بها بحدة: 

-أجيبي عليكِ اللعنة.


بكت وردت بصوت مختنق: 

-ندمت بعد أن تركتك وحاولت أن أتواصل معك بكل الطرق ولكن لا شيئ، إن علمت بأمر زيجتي هكذا وبسهولة فأين كنت طوال السنوات الماضية؟


رد بصوت حزين: 

-ابتعدت بناءً على رغبتك، ألم تكن تلك رغبتك؟


أومأت وقالت له: 

-نعم كانت، ولكنني ندمت وظللت أتوسل لك يومياً بأن تعود ولكنك اختفيت، فهل تحاسبني على محاولاتي للانخراط بحياتي وشخصيتي؟


صر على أسنانه بغيظ واقترب منها والغضب يندفع من عينه وقال بصوت أجش وغاضب: 

-ظننت أنني ابتعدت لمصلحتك وحتى لا أكون ظلمتك بالماضي والحاضر وبالمستقبل أيضاً، ولكنني لم أستطع أن أتقبل فكرة أن تكوني لغيري بنترشيت لن يحدث.


جلست أرضا وبكت بقهر فانحنى بجوارها وربت على ظهرها وأخذها داخل حضنه قائلاً: 

-اذهبي لذلك الروحاني واجعليه يلقي بتعويذته لأستحوذ على جسد ذلك الشاب إن كنت لا زلت بقلبك بنترشيت.


رمقها بنظرة راجيى وكأنه يرجوها أن ترحم ضعفه وقلبه المتيم بها؛ فبكت وردت: 

-لا استطيع إيذاءه بهذا الشكل، أرجوك يا مولاي تفهمني.


وجدت فجأة تلك السماء الصافية تتحول لرماد غاضب والشمس الساطعة تصبح ظلمة حالكة واختفى ذلك المنزل لتعود لنفس المكان الذي تركته به آخر مرة، فخافت قليلا وابتعدت عنه وهو يظهر عليه الغضب الشديد وقال بصوت أجش غاضب: 

-ألم تتضرعي حتى أعود واسترجعك معي ونبدأ معا حياتنا من جديد؟ فاختاري اﻵن، إما نفس الطقوس وتتركي عالمك لنعش هنا سويا أبد الدهر، وإما الروحاني ليساعدني على استحواذ جسده فقد ضعفت قواي ولم أعد استطيع فعلها بمفردي.


ردت بتحفز : 

-وإن رفضت الأمرين؟


رفع حاجبه لأعلى ورد بضيق: 

-سأنهي هذا العالم أو بمعنى أدق سأموت، ربما وقتها يكتشفون سر موميائي وأصبح اسطوره بعالم المصريات واﻵثار.


أطرقت رأسها فاقترب منها بعد أن هدأت تلك العاصفة الزائفة ورفع وجهها بسبابته وتوسلها بصوت رقيق: 

-أنا أحبك ولا أستطيع العيش بدونك، اتخذي قرارك لآخر مرة فإما الموت أو الحياة.


نزلت عبراته رغما عنه و أكمل: 

-فالقرب منكِ حياة والبعد عنكِ موت، فإن اخترت البقاء معي سأحيا وإن ابتعدت سأموت قيثارتي.


لم تشعر بنفسها إﻻ وهي داخل حضنه يشدد قبضتيه على جسدها ولكنها شعرت بشئ ساخن يمر على وجهها و معه شعرت بقطرات من الماء تنزل على وجهها وصوت والدها اﻵتي من بعيد: 

-ليس مجدداً ابنتي، عودي أتوسل لكِ.


رمقت سيتي بنظرة محتارة فأجاب تساؤلها الصامت: 

-تبدين ميتة لهما مثل المرة الماضية، هذا ما تبدين عليه عندما نأت لهذا العالم الموازي، فاختاري ما تريدينه اﻵن حتى أتصرف فإما أن أكمل الطقوس وتظلي معي وإما أن تعودي ونكون سوياً بعالمك أو لا، هذا اختيارك.


مسحت وجهها من قطرات الماء والتي تبدو كدموع تنزل على وجهها وأومأت له: 

-سأذهب للروحاني وأجعله ينهي الطقوس غداً.


ابتسم وقبلها قبلة عميقة على شفتيها وأخذها داخل حضنه بقوة وأبعدها ينظر لها بحب وهتف: 

-"أيتها الفريدة المحبوبة التي لا نظير لها، أجمل جميلات العالم، أنظر إليك مثل النجمة المتألقة في العام الجديد. أيتها المرأة الواثقة تلك التي تتألق والتي تبرق بشرتها بريقاً رقيقاً ولها عينان ذواتا نظرة صافية وشفتان ذواتا نطق رقيق."


فتحت عينيها وهي لا تزال تشعر ببرودة بشرتها وعبرات والدها التي تغرق وجهها فنظرت لتجدهما جالسان أرضا وقد غفيا مسندان إلى بعضهما البعض، فاعتدلت بجسدها على الفراش وربتت على كتفيهما فاستيقظا بفزع فابتسمت لهما هاتفة بطمأنة: 

-لا تقلقا أنا بخير.


سحباها داخل حضنهما وبكيا بحرقة فأغلقت عينيها بعد أن أكدت لنفسها أنها اتخذت القرار الصحيح بعدم الذهاب معه فهما لن يتحملا فراقها فقالت لهما بصوت هادئ: 

-اطمئنا، أنا بخير حال.


ارتفع أيدي بجسده وجلس بجوارها على الفراش وسألها بحيرة: 

-ماذا حدث مجدداً؟ هل عادت تلك الكاهنة أم ماذا؟


نفت وقالت كذباً: 

-أظنها كانت محاولة فاشلة منها للعودة إلى جسدي ولكن أظنها يأست.


تنهد أيدي بحزن وقال بحيرة: 

-ماذا يمكن أن نفعل لكِ حتى لا تعود من جديد ؟


فكرت بمكر وقالت: 

-عمتي مارسيل يمكنها مساعدتي، سأتصل بها وأخبرها بالقصة كاملة وهي ترشدني للطريق الصحيح.


بالطبع أرادت تحضيرهما لممارسة تلك الطقوس بعلمهما حتى إن حدث أمراً ما لا يتفاجئا، تركاها وخرجا فوقفت دورثي تنظر للمرآة وتحدثت لنفسها و له قائلة: 

-سأنهي هذا الأمر لأجلك أنت وحدك مولاي، ولكن لا أعلم كيف سأفعلها فإمام لا يستحق مني تلك المعاملة ولكنني مضطرة.


ارتدت ملابسها وذهبت للعمل وهناك تقابلت معه كعادتها فجلست أمامه تنظر له بشرود فابتسم وهتف: 

-هل تحفرين معالمي بذاكرتك؟


ردت برقة: 

-هي بالفعل محفورة بداخلي إمام.


اتسعت بسمته وأقبل عليها ممسكا راحتها وقبلها بحب: 

-أحبك دورثي.


نظرت له نظرة حزينة محتارة وهي على وشك فعل أمرا مخالفا لمبادئها ولكنها قالت لنفسها بأن الضرورات تبيح المحظورات فهتفت تسأله باستنباط: 

-إمام، أريد أن أسألك سؤال خاص بمقال قد قرأته منذ فترة.


استمع لها بانصات فقالت: 

-عن الحب، ماذا كنت تفعل إن لم أبادلك نفس المشاعر؟


رد مؤكدا: 

-أظنني سأحاول مجدداً وأظل أحاول حتى تفعلين.


سألته بتوتر: 

-وإن لم أفعلها؟ وإن كان قلبي ملك لغيرك؟


قوس فمه وأجاب: 

-بعاداتنا لا ننظر للمرآة الغير خالية، فإن كان قلبها ملك لشخص آخر فهنيئا له.


تعجبت وقوست حاجبيها تسأله بحيرة: 

-كنت لتتركني وتتنازل عن عشقك لرجل غيرك؟


أومأ مؤكدا: 

-نعم مع الأسف، ماذا كنتِ أنتِ لتفعلين؟


ردت بتردد: 

-أظنني لن أيأس حتى أنجح بالنهاية مهما طال الوقت.


أضاف عليها: 

-أو لتتغير مشاعرك، فكثره مطاردة الشيئ تجلب النفور، وربما فور أن تملكين ذلك الشيئ الصعب المنال تشعرين بالضجر منه وتتركيه وقتها برغبتك.


اقتربت منه أكثر ونظرت له بشرود فابتسم لظنه أنها تتغزل به وغمز لها هاتفاً: 

-أظنني سأقوم بإجراءات الزواج سريعا حتى استطيع تحمل نظراتك تلك أيتها الجميلة دورثي.


امسكت حقيبة يدها وأخرجت منها محرمة قماشية بداخلها خصلة من شعرها قامت بقصها وربطها بشريط أحمر وقالت له: 

-احتفظ بها حتى نصبح ببيت واحد ووقتها نعلقها على مرآته لتكن تميمة عشقنا.


ابتسم وأومأ لها واضعا المحرمة داخل جيب سترته فاخرجت مقصا ووقفت تقترب منه فسألها: 

-ماذا ستفعلين؟


أجابته وهي تقرب المقص من شعره: 

-سأفعل المثل حتى لا نفترق أبداً.


ضحك ساخراً وهو يترك لها رأسه لتفعل بها ما تشاء وقال بمزاح: 

-هل تصدقين بتلك الأمور؟


قصت خصلته ووضعتها داخل محرمة أخرى وجلست أمامه تطوي المحرمة وتضعها داخل الحقيبه وهي تجيبه: 

-بالطبع أصدق بها وإﻻ ما فعلتها.


تركت عملها وتوجهت لمنزله الذي يقع بالضاحية ودلفت فوجدت عمتها هناك بانتظارها برفقة ذلك الروحاني جريجوري آدمز والذي ابتسم فور أن رآها وقال بمزاح ساخر: 

-عندما تأخرتِ بإحضار ما طلبته منك ظننت أنكِ تراجعت.


ردت مؤكدة: 

-كنت قد تراجعت ولكني عدت الآن وأريد إتمام تلك المهمة بهدوء ودقة.


رد بثقة: 

-لا تقلقي فالأمر سهل طالما عاد الفرعون لزيارتك بأحلامك كالسابق.


لم تتعجب من معرفته تلك الأمور التي لم تخبر بها أحد فقد علمت أنه روحاني بحق وذو قدرة عالية أيضاً يذكرها بالسحرة والعرافين بزمنها. 


أخرجت خصلة شعر خطيبها إمام وناولته إياها وسألته بحيرة: 

-واﻵن ماذا؟


أجاب وهو يشير لها لترتاح على الأريكه التي تنتصف الغرفة: 

-واﻵن تنامين وتستدعيه بحلمك حتى أبدأ طقوسي.


وافقت ونظرت لعمتها قائلة بتحذير: 

-لا تخبري أحد بما يدور هنا، أنتِ معي حتى يطمئن والداي بأن الأمور على خير ما يرام وإن علما بما يحدث فلن تكن العواقب جيدة، أفهمتي؟


وافقت مارسيل بحركة بسيطة من رأسها دون تعقيب وأغلقت دورثي عينيها تستدعي النوم  الذي لم يكن صعباً على الإطلاق بسبب إجهاد جسدها وإرهاقها الشديد وقله نومها المستمر فغقت فور أن أراحت جسدها.


الصفحة التالية