رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 11 - 1 الأحد 12/5/2024
قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نابغة بعصر الأغبياء
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الحادي عشر
1
تم النشر يوم الأحد
12/5/2024
هل يمكن أن يسحر الحب القلوب لدرجة أن يعمي بصيرة الإنسان وهو على حافة الهاوية؟ بالطبع فهناك نقطة معينة قد يصل لها العاشق تجعله لا يرى حوله ولا يرى سوى حبيبه فقط حتى وإن كان على مشارف الموت.
هذا ما حدث لهما فقد نسيا وتناسيا من حولهما واستمرا بتلك العلاقة الشائكة والمحرمهة والتي قد تطيح برأسها وبهيبته، ولكن انسلال الأمر من بين أيديهما جعلهما لا يهتما بمن حولهما فغشت أبصارهما عن الخطر الوشيك الذي يقترب منهما رويداً رويداً.
كانت الملكة تويا تتابع تركه لها يوميا تتلوى بفراشها وحيدة ذاهبا لحجرة عشيقته وهي تضمر بداخلها الشر منتظرة اللحظة الحاسمة التي تستطيع فيها التخلص منها نهائيا دون المساس بملكها وهي تقول بداخلها:
-فقط ليعلم الكهنة وأتفق معهم أن يولوني عرش البلاد نيابة عن ابني رعمسيس، ومن بعدها سنرى ماذا هم بفاعلين معك سيتي مرنبتاح الذي لا يقهر.
أما هي (بنترشيت) فقد عادت لمشاعرها المؤججة عندما أخذها معه الفرعون بزيارته لمنف العاصمة القديمة للبلاد وهي متخفية بملابس الجاريات، فكان من السهل عليه التواجد برفقتها وبحجرتها أمام أعين الجميع وبذلك استطاع أن يثبت لها حبه وشعرت هي بالإنتشاء من احترام باقى العبيد لها باعتبارها المحظية المفضلة للفرعون، فهو لم يأت برفقة قرينته وزوجته وأم ابناءه ولكنه جاء برفقة محظيته المفضلة مما زاد من حنق الملكة تويا بعد أن أخبرها جواسيسها بالقصر بمنف بما فعله الفرعون.
ذهبت لحجرة ابنتها ودلفت جالسة بجوارها تسألها بحيرة لتتأكد من ذلك الخبر:
-أين الكاهنة؟
ردت بتلقائية:
-استدعوها بالمعبد لأمر خاص بالعبادة لا أعلم ما هو.
ضحكت بداخلها مما سمعته وتأكدت مما أرسله لها جواسيسها، امتعض وجهها واستنكرت كذبها على ابنتها قائلة بداخلها:
-أهذه الحجة الواهية ما قالته سببا لاختفائها هكذا؟
زفرت بأنفاس عميقة وخرجت تنوي الذهاب للمعبد سريعا وانتهاز تلك الفرصة حتى تثبت كذبها وتضعها بشبهة تساؤل، فصعدت درجات السلم الحجري المؤدي للمعبد وانحنت باحترام لتمثال المعبود آمون رع وتوجهت لمقابلة كبير الكهنة فاستقبلها الأخير باحترام وتوقير وجلس برفقتها متسائلاً:
-ما سبب تلك الزيارة المباركة لنا أيتها الملكة تويا؟
أجابت بتلاعب:
-أريد الكاهنة بنترشيت، فابنتي قد اعتادت وجودها بحياتها ولا أجد سببا لاستدعائك لها.
رمقها الكاهن بتعجب وأردف:
-أنا لم أقم باستدعائها ومن المفترض أنها لا زالت بقصر الفرعون!
حركت كتفيها بدهشة مصطنعة وقالت:
-لا، أبداً هي ليست معنا فقد غادرت منذ ثلاثة ليال قمريه وأخبرتني أن المعبد قد قام باستدعائها.
وقف الكاهن الأكبر منتفضا بغضب وصاح بحدة:
-أين ذهبت تلك اللقيطة؟
ردت بلامبالاة وأسلوب تحفيزي:
-لا أعلم، فمن المفترض أنها كاهنة تابعة للمعبد وأنتم من تعلمون عنها كل شيئ.
رمقها بنظرة حائرى وهي تضيف وكأنها تنوي قول شيئ وتراجعت عنه:
-أظن أنهااااا .
صمتت فسألها باهتمام:
-ماذا؟ أنها ماذا؟
أجابته بتردد مصطنع:
-هي دائما ترافق أحد الحراس ولقد شككت بأمرها أنها على علاقة معه، ولكني لست متأكدة لذا أظنها معه فهو اﻵخر مختفي مثلها.
زغر الكاهن الأكبر بعينيه بحنق وصاح بغضب أهوج:
-إن فعلتها سيكون ذلك آخر خطيئه تفعلها بحياتها المذرية.
❈-❈-❈
سار برفقة ذلك الموكب الملكي المهيب عائداً لعاصمته طيبه ممتطيا جواده وهي بالخلف داخل ذلك الهودج الذي صنعه خصيصا لها حتى يداريها عن عيون المتلصصين الذين أرادوا معرفة شخصية تلك المحظية بعد أن علم الجميع أنه قام بحل الحرملك فماذا تغير اﻵن!
بوسط الصحراء وقف القائد توت بعد أن غابت الشمس واقترب بجواده لفرعونه وقال باحترام: سنخيم هنا الليلة يا مولاي حتى تستريح الأحصنة ونعود بالصباح لاستكمال رحلتنا.
وافق سيتي على الفور وهتف مؤكداً:
-جيد، حتى ترتاح بنترشيت أيضاً فاظنها لا زالت محمومة.
انزل العبيد الهودج من أعلى الناقة وخرجت هى منه مرتدية زي الجواري تخبئ وجهها بوشاح حريري، فاقترب منها وتفقد حرارتها ليجدها عالية فقال بقلق:
-لا زلتِ محمومة، أنا لا أعلم ما سبب تلك الحمى!
ربتت على كفه بإمتنان وابتسمت فلمح ابتسامتها من خلف وشاحها وقالت بهمس:
-لا تهتم مولاي، أنا بخير.
رفض متضايقاً قلقاً ونادى على قائده وأمره بصرامة:
-كيف يخرج موكب كهذا دون طبيب! تصرف وأحضر لي طبيبا في الحال.
انحنى توت باحترام ورد: هناك قرية قريبة من هنا، سأمتطي جوادي وأذهب لإحضار طبيب بسرعة مولاي.
وقبيل أن يغادر استمعا لصوت ارتطام جسدها بالأرض فهرع ناحيتها وحملها بسرعة واضعها إياها على جواده وخلع عنه عباءته الملكية ودثرها بها وركب خلفها فاحتنضها بقوة وهدر بقائده:
-أرشدني لتلك القرية سريعاً، فلا يوجد وقت لذهابك وعودتك بالطبيب.
حاول توت إثناءه عن ذلك فقال بتعقل:
-مولاي، إن علم العامة أنك الفرعون ومن معك هي كاهنة كانت أو محظية فسينتشر الخبر كالنار في الهشيم ووقتها قد تقع خطورة عليها بحق أكثر من مجرد حمى، لذا انتظرني هنا وسآخذها أنا بنفسي للقرية و......
قاطعه غاضبا: لن أتركها، أفهمت؟
أطرق توت رأسه متذمرا بصمت من تهوره وكأنه لا يهتم لا بمكانته وملكه ولا بحياتها وكل ما يراه هو فقط عشقه لها وهيامه بها، ففكر قليلاً ونزل من على حصانه ذاهبا صوب أحد العبيد وأخذ منه بعضا من ثيابه وقال لسيتي بمهادنة:
-حسنا مولاي ولكن رجاءا أرتدي تلك الملابس لتخفي شخصيتك أرجوك.
وافق دون مماطلة وفعل وامتطى جواده من جديد وانطلق بسرعة صوب تلك القرية بعد أن أعطى أوامره للركب بأن يتحرك صباحاً للعاصمة دون انتظارهم.
❈-❈-❈
وصل سيتي وتوت لأطراف القرية ولكن تأخر الوقت جعل القرية تصبح كالصحراء الجرداء لا صوت يسمع ولا ضوء يشير لوجود حياة بالمكان، ترجل توت وبدأ بالتحرك يمينا ويسارا باحثاً عن أي منزل يمكن أن يدلهم على مكان طبيب القرية ولكن العتمة الشديدة جعلت من الصعب عليه التحرك حتى وجد تلك الشعلة الآتية من بعيد يحملها كهل محني الظهر وصل من العمر أرذله صائحاً:
-من هناك؟
رد توت فورا:
-عابري سبيل، وقد مرضت زوجة صديقي ونحتاج لطبيب.
نزل سيتي من جواده حاملاً بيترشيت على ذراعه وهي فاقدة للوعي واقترب من الكهل هاتفا بتوسل:
-أرجوك دلنا على الطبيب بسرعة.