-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 29 - 1 الأحد 16/6/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل التاسع والعشرون

1

تم النشر يوم الأحد

16/6/2024

❈-❈-❈

استيقظت من نومها تفتح عينها على ضوء الشمس الساطع الذي تفتقده بمنزلها المتواضع بمصر، لتجد نفسها بمنزل النيل فعلمت أنه ربما ألقى التعويذة وهي نائمة كالمرة الماضية، فانتفضت بسرعة تنظر له ولكنها لم تجده.


لفت نفسها بذلك الرداء الفرعوني وارتدت الخف الذهبي بقدمها وخرجت من المنزل فوجدته يجلس حاملاً رضيعه أمام ضفة النيل يعلمه صيد السمك والرضيع يضحك ويمسك ببوصة الصيد وكأنه طفلٌ بالعاشرة من عمره. 


اقتربت منهما وسألته بحيرة: 

-كيف احضرته؟ وكيف يبدو أكبر سنا؟


ابتسم لها وقال موضحا: 

-دائما ما تسألين أسئلة تعلمين إجابتها حبيبتي.


جلست بجوارهما واسندت رأسها على كتفه وقالت بحزن: 

-مولاي، كيف اتخذت المعبود ست ليكون معبودك المفضل وهو إله الشر وبهذا القبح الذي تتحدث عنه البرديات والمخطوطات؟ وأيضا ما فعله بأخيه أمر لا يصدق.


حاوطها بذراعيه وقال مؤكداً: 

-ما فعله أمرا طبيعي للصراع على العرش وفعله كل الملوك والأمراء على مدار الزمن، أنت تقرأين بالتاريخ كثيرا وأظنك وجدت نفس النموذج هذا بكل الحقب الزمنية أليس كذلك؟


أومأت له ولكنها عادت تسأله: 

-ولكن سؤالي ليس عن فعلته هو حتى وإن كانت مبررة، سؤالي هو سبب إعجابك به وتحديك لكهنة آمون رع به لدرجة أنهم بعد عصرك أزالوا اسمك الأول (سيتي) واكتفوا بذكر اسمك الثاني فقط (مر إن بتاح) وقد اختلط على المؤرخين آثارك مع آثار حفيدك مر إن بتاح الثاني لتشابه اسمائكما.


ضحك وفسر سؤالها: 

-أولا اخترته لأنه أقوى ساحر بينهم وهو ما كنت احتاجه حقا، وثانيا بشأن إزالة اسمي فقد فعلها خلفائي، واظنهم فعلوها عوضا عن هدم معابدي وآثاري كما فعلوا مع الفرعون اخناتون (مبجل المعبود آتون) والداعي الأول للتوحيد.


سحب بوصة الصيد بسرعة فخرجت سمكة كبيرة فصفق الصغير بفرحة وقال سيتي: 

-أظنك تستطيعين إعدادها لنا لنقتات منها قبل ذهابنا للقصر وزياره تيا ورعمسيس كما أردت.


أومأت موافقة وجلست تطهي السمكة وسألته بفضول طفلة صغيرة: 

-ما سمعته عن إيزيس وأوزوريس كان مغايراً قليلاً لما وجدته بتلك البردية.


رد سيتي موضحا: 

-فقط تستمعين للنصف الآخر من الحكاية والخالي من التعاويذ لأنه هو الجزء الشائع لدى العامة أكثر حبيبتي.


تناولا طعامهما وساعدته بغسل يده وجلست أمامه قائلة برجاء: 

-لما لا تقصها لي وأنا نائمة على قدميك كالأطفال.


ضحك وقال بحب: 

-ولما لا، فأنتِ لستِ زوجتي فحسب؛ بل زوجتي وحبيبتي وابنتي وعشيقتي أيضاً، وكما كنت أفعل مع تيا، لا بد أن أفعل معك قيثارة الحب وأقص عليك حكايات ما قبل النوم.


بدأ بسرد القصة وكأنه يسرد حكاية ما قبل النوم، فاراحت رأسها على كتفه وصغيرها بحضنها وسيتي يقول:

-تقول الأسطورة أن الحبيبين عاشا في هناء لعامين أو أكثر أنجبت خلالهما الابن الجميل حورس الذي شب على عين أبيه ليعرف بعدها (بعين حورس) وقام بتعلميه كل ما يعلمه بالرغم من صغر سنه كصيد الأسماك واستخدام الشباك والحراب والأسهم.


وكان أوزوريس لا يغيب عن أسرته السعيدة إلا في الضرورة القصوى للبحث عن الصيد والسعي وراء الطعام للأم والطفل الصغير، وتحملت إيزيس ضيق العيش مع الحبيب أوزوريس وعاشت في كوخ صغير ليس به من متاع العيش إلا القليل جداً، بل أحيانا كان لا يحتوى على شئ من مصادر الإسعاد غير وجود محبوبها وصغيرها.


نظر لها وأشار لمنزل النيل هاتفا بحب: 

-مثلما عشنا سويا حبيبتي بذلك المنزل، وما زلنا نعيش الآن بذلك المنزل المتواضع بمصر وتعبي وسعي لتوفير احتياجاتكما من الطعام.


قبلته قبلة عميقة وأضافت بتأكيد: 

-قصة إيزيس وأوزوريس تشبه كثيرا قصتنا يا حبيبي.


أومأ لها مضيفا: 

-نعم قيثارتي فهي مثلك تماما كانت تقبل أى شئ بالمعيشة إلا أن يغيب عنها حبيبها، ولكنها قبلت ذلك عندما أخذ الحبيب في الخروج للبحث عن الصيد على ألا يتأخر أكثر من يوم.


ضحكت وعقبت: 

-وإن تأخر أكثر من يوم مثلما تفعل أنت أحياناً؟


رد مجيباً بمشاكسة: 

-أظنها كانت ترفض مضاجعته كعقابا له كما تفعلين أنتِ يا شقية.


ضحكا سويا وأكمل سرده: 

-وذات مرة خرج أوزوريس للصيد وتأخر وطال الانتظار ولم يعد،  وعندها شعرت إيزيس أنها لن ترى حبيبها ثانية.


سألته بنترشيت بحيرة: 

-هل تنبأت بحدوث مكروه؟


أومأ مقتضبا بحزن: 

-تماما كما شعرتِ أنتِ بذلك وأنا ذاهب للحرب وأخبرتني أنكِ تشعرين إنها آخر مرة نرى بها بعضنا.


احتضنته وهمست بحب: 

-لقد عدنا لبعضنا حبيبي.


أومأ لها فأضافت: 

-أكمل ما حدث لإيزيس بعدها؟


قال مسردا: 

-عند ذلك ذهبت إلى القارب الذى حضرت به إلى هذا المكان النائي هى وحبيبها منذ سنوات ويا لهول ما رأت، إنه الشرير ست وقد جلس في القارب وأخذ يعده للرحيل، وعندما رآها أخبرها أنه سيأخذها هى والصغير إلى طيبة.


وعندما سألته عن أوزوريس أخبرها بكل برود: 

-لقد قتلته وقطعت جسده إلى أجزاء ووزعت كل جزء في طرف من أطراف البلاد، حتى لا تستطيعين أن تقومي بإعادة الحياة إليه بواسطة التراتيل والتعاويذ.


أكمل سيتي سرده بإطناب: 

-حزنت إيزيس أشد الحزن على المفقود، ولم تعر ست الشرير أى انتباه حتى عندما عرض عليها مُلك طيبة، وأنه يريد أن يجعلها ملكة مرة أخرى، ثارت عليه وقالت: 

-أنا لا آبه بكل عروش الدنيا وأستطيع أن أدمرك.


امتعض وجه بنترشيت وسألته بضيق: 

-وماذا فعل هو؟


ابتسم وقال: 

-لقد سخر منها ثانية، وأخبرها أنه أتخذ كل احتياطاته حتى لا يؤثر فيه سحرها وفاجأها بالكثير من أعوانه الذين غلبوها على أمرها ووضعوها في القارب وبدأوا رحلة العودة إلى طيبة حيث قام بإيداعها أحد القصور الخاصة وأوصى بأن يظلا هي وابنها بهذا المكان ولا يُسمح لهما بالخروج منه.


سبته بنترشيت سبة نابية وبغل: 

-*** وحقير.


أدار سيتي رأسه مقوساً فمه وأشار لنفسه هاتفا بتحذير: 

-اسمي سيتي حبيبتي، لا تنسي لمن يكن ولائي ومن السبب بتواجدنا معا الآن!


صمتت فأطنب قصه: 

-وبعد طول الحبس وكثرة التوسل لرع كبير الآلهة، أخيراً استجاب لها وأرسل توت إله المعرفة الذى عاونها على الخروج من الحبس الذى وضعها فيه ست، و قد وعدها توت أكثر الآلهة حكمة بأنها لابد أنها ستجد جسد أوزوريس وستتمكن من إعادته إلى الحياة، وبعد أن تركها وجدت معها سبعة عقارب أسفل قدميها وبدأت إيزيس رحلة جديدة من البحث وكانت كلما تذكرت أن ست الشرير سيطاردها عندما يكتشف هروبها، يدفعها ذلك إلى الإسراع والجد في السير إلى أن أخبرتها العقارب السبعة بأنه يجب عليها أن تقيم في هذه المدينة إلى أن يقضى رع أمره.


سألته بنترشيت: 

-أي مدينة؟


أجابها: 

-مدينه تدعى تب، وعندما وصلت إلى مدينة تب دخلت إلى قصر الأمير ولكن زوجة الأمير طردتها لأنها خافت من العقارب، وخرجت إيزيس إلى القرية وعانت الكثير حتى وجدت من يقبل استضافتها خاصة بعد أن طردتها الأميرة.


دمعت عيناها من كثرة معاناتها فمد سيتي راحته ومسح عبراتها وقال لها: 

-ألا تريدين معرفة السبب الذي دفع المعبود ست لمساعدتي حتى اجتمع بكِ؟


حركت رأسها نافية معرفتها السبب فقال موضحا: 

-أراد أن يصحح ما فعله بأخيه وزوجته عن طريقنا حبيبتي بعد أن فرقهما آثر على أن يجمعنا معا.


قالت بفضول: 

-ظننته يريد فقط تحدي المعبود آمون رع لأنه من استجاب لإيزيس فساعدك على تدنيس كاهنته.


انعقد حاجبه بشده وسألها بغضب: 

-هل هذا هو ظنك بي؟


اعتذرت هاتفة بأسف: 

-بالطبع لا، آسفة حبيبي لقد كان هذا ظني ببعض الأوقات التي كان ينتابني شعور بأنك لا تحبني.


حاولت الهروب من البوح بما كان يعتمرها لفترات طويلة فقالت بدلال: 

-أكمل القصة.


زفر بضيق ووافق رغبةً منه بتناسي ما ألقته على مسامعه منذ قليل فتنهد وأكمل: ظلت تبحث عن مكان يأويها ولكنها حتى عندما وجدت امرأة آوتها قامت الأميرة بطردهما مجدداً، وهنا كان لابد لإيزيس أن تستخدم قواها لإجبار الأميرة على أن تقبلها.


تعجبت بنترشيت ونظرت له بدهشة فاستطرد: 

-ولعلها لم تصل إلى الفكرة قبل أن يذهب العقارب السبعة وقاموا بلدغ الطفل ابن الأميرة، وهنا هرعت إيزيس لإنقاذ الطفل، وبعد تراتيل عديدة تمكنت إيزيس من إنقاذ الطفل وقد دفع هذا الأميرة إلى التراجع عن قرارها المتعسف لطرد المرأة وطرد إيزيس أيضاً، وبعد هذا كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر إيزيس.


صمت فتحفزت أكثر وهي تنظر له بترقب تماما مثل الأطفال فضحك على برائتها وأكمل: 

-حيث قام الخبيث ست بإرسال أحد العقارب الشريرة، فقام بلدغ الصغير حورس الذى لم يستطع مقاومة السم، و عندما جاءت إيزيس كان الأوان قد فات ولم يعد في إمكان أحد إنقاذ الصغير.


وضعت بنترشيت راحتها على فمها تكتم شهقة حزنها وبكت فضحك وقال بحب: طفلتي الحساسة الرقيقة، ألا تعلمين من هو حورس؟


أومأت فأضاف: 

-إذا تعلمين أن الأمر لم ينته إلى هنا!


أومأت مجدداً وقالت: 

-ولكنني حزينة عليهم ثلاثتهم.


قبلها وقال بحب: 

-لا تحزني حبيبتي ودعيني أكمل.


الصفحة التالية