-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 35 - 1 الخميس 27/6/2024

  قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الخامس والثلاثون

1

تم النشر يوم الخميس

27/6/2024

عادت منزلها بعد أن اتفقت معه على التعاون المشترك وأخبرته معرفتها بمكان الثروات المخبئة الخاصة بالفرعون سيتي الأول وهو ما جعله يوافق على الفور لمساعدتها لتأكده من صدق حديثها بشأن علاقتها بالملك.


دلفت غرفة نومها تنظر حولها بحسرة واشتياق ونامت بجسدها ووجهها يلامس الفراش وأخذت تسحب أنفاسها بقوة وهي تبكي قائلة:

-افتقدك كثيرا يا مولاي ولم أعد أستطيع العيش دونك.


ظلت تبكي بحرقة وتوجهت لخزانة الملابس وأخرجت ملابسه وسحبت رائحتها بداخلها وهي تنتحب حزنا:

-ضاعت رائحتك من ملابسك مولاي، لقد قتلني الشوق.


جلست مطرقة رأسها لاسفل وأضافت بتمني:

-لو فقط تأتيني بمنامي حتى اطمأن عليك وأشبع اشتياقي لك؟


ظلت على حالتها تبكي وهي لم تذق طعم النوم ولا الراحة حتى أنها لم تتذكر متي تناولت الطعام لآخر مرة حتى غفت رغما عنها من كثرة الحزن والألم الذي تشعر به بداخلها.


استمعت وهي نائمة لصوت خرير الماء فهمست متذمرة:

-هل تركت الصنبور مفتوحا أم ماذا؟


فتحت عينيها بتكاسل وأنزلت قدميها على الأرض ولكنها تفاجئت بالرمال تداعب أصابع قدميها فنظرت لأسفل لتجد تلك الرمال الصفراء الناعمة تمتد لأبعد من بصرها والشمس ساطعة والبحر أمامها؛ فابتسمت وهمست بداخلها:

-أنا أحلم.


استمعت لصوته يجيبها:

-نعم حبيبتي تحملين وأنا هنا معك.


التفتت بلهفة فوجدته أمامها بهيئته التي تعشقها وملامحه الأصلية وثوبه الفرعوني الفضفاض؛ فتحسست بشرتها وشعرها وعلمت أنها عادت لشكلها الذي تفتقده؛ فرفعت جسدها وارتمت داخل حضنه على الفور تقبله بلهفة واشتياق وهي تسأله:

-هل هذا حلم أم أنك هنا بالفعل واستطعت أن تتواصل معي من جديد يا مولاي؟


أنزلها من حضنه وقبلها قبلة رقيقة على ثغرها ورد موضحا:

-هو تواصل بالفعل ولكنني لن أستطيع فعلها مجددا.


بكت وشهقت هاتفة:

-لماذا؟ ارجوك مولاي سيتي لا تتركني بمفردي مجددا.


سحبها صوب الكوخ المصنوع من القش وجلسا معا على الفراش الناعم الموجود بداخله، واقترب منها هامسا بمداعبة:

-اشتقت لكِ قيثارة الحب.


لمعت عينيها بالفرحة وقبلته هي متخذة الخطوة الأولى فلم يمانع أبدا أن يتسطح بجسده لتعلوه هي وهي تداعب وجهه وصدره وانحنت تقبله من جميع أجزاء جسده، ولكنه لم يتركها تمسك بزمام اﻷمر طويلا فالتف ببراعة وجعلها هي أسفله وبدأ بمداعبتها باﻷفعال واﻷقوال حتى ارتويا من رحيق عشقهما المتقد دائما.


ارتمى بجوارها يلهث وهو يقول:

- لم ارتو من امرأة قط إلا أنتِ قيثارة الحب.


ارتفعت بجسدها ونظرت لعينيه التي تعشقها وقالت بحزن:

-لا تتركني أبدا مولاي، أنا اشتقت لك حد اﻷلم سيتي.


ربت على كتفها وقال مداعبا إياها بأنامله على جسدها العاري:

-وأنا أيضاً اشتقت لكِ حد اﻷلم.


عادا يرتديا ملابسهما فنظر لها بنظرة لم تفهمها فسألته:

-ما بك؟


رد سؤالها بسؤال:

-هل تركتِه يضاجعك بنترشيت؟


انعقد حاجبيها وسألته ببله:

-من تقصد؟


أجاب بصوت حاد وغاضب يظهر مدى غيرته عليها:

-من سيكون ؟ أقصد إمام.


ردت عليه وهي تقترب منه ببطئ:

-إمام قد سافر بلدة أخرى بعد أن طلقني وتزوج بأخرى.


نظر لها بترقب وهي تضيف:

-لم أتركه يلمس أصابعي حتى، فلا تخف مولاي انا لك وملكك أنت فقط.


زفر بأنفاسه التي هدأت قليلاً فسألته:

-هل ستذورني دائما فأنا قد وجدت طريقة....


قاطعها فورا:

-لن استطيع فعلها ولن أستطيع العودة.


بكت واحتضنته هاتفة بحزن:

-هل ستتركني أنت أيضاً؟ لقد قام إمام بأخذ ابننا معه وغادر للعراق وأنا اﻵن وحيدة تماما.


لمعت عينيه بدهشة وردد بتعجب:

-أخذ ابننا! هل أخذ الصغير سيتي معه؟


أومأت له باكية فدار حول نفسه وتمتم بضيق:

-كيف تركتِه يفعلها، لن نستطيع رؤية بعضنا البعض مجددا بنترشيت بسبب هذا، الصغير سيتي كان أملنا الوحيد.


لم تفهم ما قاله فنظرت له بفضول فأوضح:

-لم يعد سحر المعبود سيت قادرا على إعادتي من جديد، ولكنني استعنت بالمعبود حورس ووافق على مساعدتي شرط دفع الثمن.


أوقفته فوراً برفض:

-لا تخبرني أنك تنازلت عن سنوات من عمرك لأجله، هل فعلتها من جديد مولاي؟


رد بضيق:

-إن كان هذا هو الثمن ما تأخرت، ولكن الثمن تلك المرة لابد أن ندفعه كلانا.


وافقت دون انتظار هاتفة:

-وأنا موافقة على كل شيئ فقط أخبرني ما علي فعله.


رد بوجوم :

-تقديم قربان يحمل دمائنا ليعمل بخدمة المعبود حورس أبد الدهر.


رفعت وجهها تنظر له بحيرة ورددت حديثه بذهول:

-قربان يحمل دمائنا! هل تقصد الصغير سيتي؟


أومأ مؤكدا فصرخت به رافضة:

-هل وافقت على تقديم ابنك قربان ليصبح خادم أبد الدهر؟ هل حقا وافقت على ذلك؟


مسح على وجهه بضيق وقال:

-الثمن باهظ ولكنه ما رآه جلالته مناسبا لتدنيسنا قدسية المعبد بعلاقتنا اﻵثمة.


ارتمت على الأرض باكية وردت بصورة لاذعة:

-كنت على استعداد أن تتخلى عن قطعة منك فقط لتكون معي، هل جننت إلى هذا الحد؟!


رمقته بنظرة حادة وأضافات:

-إمام كان رحميا به بالرغم أنه ليس من نسله ويبدو أنه أنقذه من تفكيرك الدنئ عندما أخذه مني.


حاول التحدث معها ولكنها وقفت منتفضة بغضب صارخ:

-ابتعد عني ولا تلمسني، دائما ما عاهدتك أنانيا لا تفكر سوى بنفسك وبملذاتك فقط، أنا ومن بعدي الطوفان.


بكت وأطنبت بحديثها:

-بدءً من تدنيسك لكاهنة تخدم المعبد، فتاة صغيرة لا تعرف شيئا واستطعت أنت أن تجعلها تقع لك فقط لأنك أردتها، وبعدها ذلك اﻻتفاق وتلك التعويذة التي ألقيتها على الفتاة الإنجليزية دورثي وجعلتني أعيش الجحيم بسنوات حياتي وأنا روح داخل جسد لا ينتمي لي، واستمريت بأنانيتك ولم تتركني أهنئ بحياتي مع الشخص الذي أحبني بالرغم من العطب الذي أصاب روحي وحولت حياته لجحيم هو اﻵخر، بل لم تكتف بذلك ونفيته لعالمك وانتحلت شخصيته واستوليت على جسده وزوجته وعائلته ووظيفته.


قالت آخر كلماتها وهي تصرخ بقهر واستطردت:

-واﻵن ما أعظمها أنانيتك لتطلب مني التضحية بفلذة كبدي وأقدمة قربان حتى تعود أنت! كيف استطعت أن توافق على هذا؟ أجبني واللعنة عليك.


بكت بكاءً شديداً وانتحبت قائلة:

-اللعنة عليك واللعنة على قلبي الذي عشقك ولم ير سواك، واللعنة على كل شيئ... اللعنة.


بكاؤها بهذا الشكل جعله يبكي بدوره وهو عاجز عن فعل شيئ فاقترب منها وحاول احتضانها ولكنها تمنعت وابتعدت فتفوه بحزن قائلاً:

-حقا لا أجد أسفٍ كافٍ لمراضاتك قيثارة الحب، سامحيني.


ردت بضيق:

-لم تعد مسامحتك بإمكاني اﻵن مولاي سيتي، لقد انتهى كل شيئ حتى أنني لن أذهب لذلك العراف الذي أرسلك مجدداً لجحيمك.


اقترب منها وسألها بحيرة:

-ماذا تقصدين؟


ردت موضحة:

-لم تمهلني الوقت لأخبرك أنني تواصلت معه ووافق على إعادتك مقابل مبلغ من المال وكنت انتوي فعلها مهما كلفني الأمر، ولكن بتفكيرك هذا أنا لم أعد أريدك بحياتي فابتعد أرجوك لم أعد أحتمل.


ابتعد عنها ورمقها بنظرة خاوية متخاذلة فقالت له بحزن وبكاء :

-وداعا مولاي ومليكي العظيم سيتي مر إن بتاح.


❈-❈-❈


ظل مغلقا عينيه حتى شعر بجسدة مثلجا ففتحها ليجد نفسه عاريا تماما وجالسا على الأرض الرخامية بالمعبد وهؤلاء الكهنة يحاوطونه فهرع إليه نجله ووقف قبالته وسأله بلهفة:

-مولاي! هل أنت بخير؟


نفى بحركة من رأسه ونظر له بحزن خيم على ملامحه، فنزلت عبرة خائنة من عينه رغما عنه فتحدث رمسيس متسائلا:

-ما بك؟ ماذا حدث مولاي؟


رد باقتضاب وحزن:

-لم يفلح الأمر بني، لقد خسرت كل شيئ و....


قاطعه رمسيس قائلاً بتأكيد:

-لا تقلق فإن لم يستطع كهنة حورس مساعدتك فسابحث من أقصى الشرق لأقصى الغرب حتى أجد من يساعدك.


خلع عنه رداؤه الملكي ووضعه على جسد والده الذي بدا هزيلا ومتعبا يذكره بأواخر أيامه قبيل وفاته، فنظر له بقلق وسيتي يقول:

-أوشكت تعويذة المعبود سيت على اﻻنتهاء واستنفاذ كل قوتي ولا أود أن أجعلك تعاصر موتي من جديد بني.


رفض رمسيس هادرا:

-لن يحدث، تأكد أبي أنني لن أتركك تظل وحيدا بالعالم اﻵخر وسوف أفعل المستحيل من أجلك.

الصفحة التالية