-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 30 - 1 الثلاثاء 18/6/2024

  

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثلاثون

1

تم النشر يوم الثلاثاء

18/6/2024

❈-❈-❈

وصل ثلاثتهم أخيراً للقصر بعد أن مروا بالمدينة، ظل سيتي يتفقد أحوال الرعية وكأنه ما زال الملك الذي يحكم البلاد ويرى إن ما كان هناك ظلما قد وقع على أحد منهم، أما هي فقد اشتاقت روحها لشوارع العاصمة وللمعبد والقصر والحديقة التي كانت تلعب بها بصغرها.


وصلا على أعتاب باب القصر وسيتي حاملا صغيره، ودلف دون أن يراه أحدا وتوجه رأسا لغرفة ابنه الخاصة وفتح الباب دالفا دون حيطة فرآه بحالة حميمية مع إحدى محظياته فتنحنح لينتبه الآخر لصوت والده فتوتر ولف جسده بغطاء الفراش وأمرها بالمغادرة.


كانت بنترشيت بموقف لا تحسد عليه وهي تراه على هذه الحالة ولكن ما جعلها تتماسك قليلاً أنه لا يراها، فهتفت بغضب: 

-لم يكن عليك الدخول بهذا الشكل مولاي.


لم يهتم بحديثها ونظر لابنه الذي بدأ بارتداء ملابسه وهو يقول بلهفة: 

-أبي، اشتقت لك.


ابتسم سيتي واقترب منه محتضنا إياه بعد أن ناول الصغير لوالدته وعاد لإمساكه فظهر لرعمسيس الذي اتسعت عيناه متسائلاً بذهول: 

-من هذا؟


أجابه فوراً وهو مبتسما: 

-إنه أخاك الأصغر (سيتي).


سأله بحيرة: 

-هل يمكنني حمله؟


أومأ له موافقا فتعجبت بنترشيت و سألته : كيف استطعت احتضانه؟ وكيف استطاع هو حمل الصغير سيتي؟ أليس من المفترض أن....


قاطعها موضحا: 

-لقد تلاعبت قليلا بالتعويذة ليسعنا لمسهم حتى نزيل نار اشتياقنا حبيبتي.


ظل رعمسيس يداعب الصغير ونظر لوالده قائلا: 

-لا يشبهك كثيرا، أظنه يشبه كاهنتك.


ضحك وقال له بتوضيح: 

-بل يشبه تلك الأجساد التي نعيش بها بني بالعالم الآخر.


جلسوا أثناء تساؤل رعمسيس: 

-لم أفهم، هل تظهرون بالعالم اﻵخر بمظهر مختلف؟


أومأ له قائلاً: 

-نعم ، فأنا أبدو أقل طولا وبشرتي أفتح قليلاً ولون عيني مختلف أيضاً، حتى ملامحي.


ثم نظر لبنترشيت إلى جواره وقال: 

-قيثارة الحب تلك الجميلة سمراء البشرة تظهر هناك ببشرة بيضاء وشعر أصفر وعيون ملونة.


ضحك رعمسيس وقال بسخرية: 

-كأنك تصف ملامح الحيثيين، هل أصبحت منهم بالعالم اﻵخر؟


أومأ نافيا وموضحا: 

-هناك عالم جديد مختلف تماما، ومن يعيشون به أشكالهم مختلفة كثيرا عن هنا.


سحب نفسا عميقا وطرده وقال بجدية: 

-واﻵن أريدك بأمر هام بعيداً عن التحدث بهراء.


استمع له ابنه باهتمام فقال: 

-أنت تعلم أنني الفرعون الوحيد الذي قام بتدوين قائمة ملكية على جدران المعبد بأعوام حكمهم.


أومأ رعمسيس واستمع للآخر يكمل: 

-تلك القائمة كنت قد أزلت منها ملوك الهكسوس ومن كانوا تحت حكمهم بفترات الغزو وأزلت أيضاً فترة حكم الملكة حتشبسوت ظنا مني أنني أهينهم بتلك الطريقة على ضعفهم، ولكنني قد أخطأت بتقديري فتلك القائمة مهمة جداً لتاريخ حضارتنا منذ عهد الملك نعرمر (يقصد مينا أو نارمر موحد القطرين) وأريدك أن تكملها يا بني وتكمل معاهدة السلام مع الحيثيين من بعدي.


ابتلع ريقه وأكمل حديثه: 

-أريدك أن تكون أنت الملك الذي يهابه الجميع، لذا أريد منك أن تهتم بتدوين التاريخ الخاص بالأسر التي سبقتنا، والأهم من ذلك أن تترك إرثا هاماً لأسرتنا بني، أسرة الرعامسة التي أنت واحداً من أهم ملوكها، هل فهمتني جيداً؟


أومأ موافقا وقال موضحا: 

-لقد بدأت بإنهاء بناء معبدك الغير مكتمل وسأستمر بإكمال جميع أعمالنا الغير منتهية، وبعدها سأشيد إرثي الخاص بي.


مسح سيتي على وجهه بحب وقال بتأكيد: 

-لقد تنبأت الكاهنة لك منذ مهدك بأنك سيكون لك شأنا عظيما، لذا أريدك أن تكمل بحماس وأن لا تتوقف أبدا لأي سبب.


همست بنترشيت تقاطعه: 

-مولاي، ألن نذهب للقاء الأميرة تيا؟


ضحك وأجابها: 

-حسنا حبيبتي هيا بنا.


سأله رعمسيس بضيق: 

-الى أين؟ لم تمض معي وقتا كافيا.


ربت عليه هاتفا بتأكيد: 

-ساعود لزيارتك بوقت لاحق، فقد اشتاقت قيثارة الحب للأميرة تيا.


أومأ له وأخبره: 

-لقد وضعت تيا مولودها أمس وهي هنا بالقصر وليست بمنزلها حتى ترعاها والدتي الملكة تويا.


امتعض وجه بنترشيت عند سماعها لاسم غريمتها فأمسك سيتي راحتها وقال بدعم: 

-هيا حبيبتي، يبدو أننا لن نضطر للمشي طويلا لنصل لصديقتك.


تحركا صوب غرفة الأميرة تيا ودلفا برفقة صغيرهما فوجداها تجلس على فراشها ترضع رضيعها ووالدتها تجلس بجوارها، فلمعت عيناهما سويا فور رؤيتهما لسيتي ولكن تيا صرخت بفرحة: 

-بنترشيت، كيف علمتِ أنني قد وضعت؟


ابتسمت لها الأخرى وأجابت: 

-بل هي صدفة حبيبتي، أهنئك على ولادتك.


نظرت لوالدها الذي يحمل صغيرا بيده وسألته: 

-كيف حالك أبي؟


أومأ لها قائلا: 

-بخير ابنتي، كيف حالك أنتِ؟


ابتسمت وقالت: 

-بخير حال.


سألتها بنترشيت بفضول: 

-ماذا اسميته؟


ابتسمت وقالت بسعادة: 

-لقد اسميته سيتي.


اتسعت بسمة والدها واقترب منها وقال مستحسنا: 

-أاحسنتِ، الآن لدي ابن وحفيد يحملان اسمي.


عقبت تيا مؤكدة: 

-حتى يخلد اسمك بالتاريخ أبي ومولاي.


كل هذا والملكة تويا صامتة لا تتحدث ولكنها تنظر له بشرود وبمن يحمله بيده، فابتلعت غصة قاتلة بحلقها وأطرقت رأسها حزنا فاستمعت له يقول لها: 

-كيف حالك تويا؟


رفعت وجهها وقالت: 

-تتعذب روحي لافتقادك مولاي.


ابتسم لها وقال مؤكداً: 

-حاولي أن تعتادي على ذلك، فلولا فعلتك القديمة لما كان ما نحن عليه اﻵن.


تنهدت بحزن وعقبت عليه موضحة: 

-لا يوجد داعٍ للتحدث فقد انتهى الأمر، ولكنني أزور موميائك يومياً حتى أزيل نار اشتياقي لك.


ضحك بسخرية فسألته: 

-من هذا الذي تحمله بيدك؟


رد وهو ينظر لابنته المبتسمه وقال: 

-هذا سيتي، ابني الصغير.


ناوله للأميرة تيا وأخذ منها رضيعها فتفاجئت من ذلك وسألته: 

-هل نستطيع التلامس أبي؟


أومأ لها فوقفت من فراشها واحتضنت بنترشيت بقوه وقالت بحب: 

-لقد اشتقت لكِ كثيراً.


ربتت عليها وقالت هى الأخرى بغصة بكاء: 

-وأنا وحيدة جداً بدونك.


ابتعدت عنها وقبلت راحة والدها فابتسم لها وهي تقول: 

-حقا اشتقت لكما.


رد مبتسما: 

-سنزوركم كثيراً بدءا من تلك اللحظة، فلا تقلقي ولكننا يجب ان نعود أدراجنا اﻵن.


حزنت كل من بنترشيت والأميرة تيا واحتضنا يودعا بعضهما البعض وقالت الثانية: 

-كم افتقد وجودك بنترشيت؟


ابتعدت تنظر لها هاتفة: 

-وأنا أيضاً افتقدك كثيراً.


خرجا ولكن أوقفها صوت الملكة تويا قائلة: 

-مولاي.


التفت ينظر لها فتحدثت بتلعثم وتردد: 

-هل لي أن....


صمتت وأطرقت رأسها فانتظرها أن تكمل دون أن يتكبد عناء حثها على المواصلة، ولكنها تشجعت وقالت بصوت مهزوز: 

-أريد أن ألمسك وأودعك مولاي، فهل تسمح لي بذلك؟


اقترب منها ووقف قبالتها وتلك الثانية تقوس فمها بغيرة واضحة وتصر على أسنانها وهي تستمتع لصوتها الرقيق بتصنع من وجه نظرها وهي تقول له: 

-لم أكن أعلم أن فراقك سيؤلمني إلى هذا الحد ط، لذا أرجوك أن توافق.


أمسك راحتها ونظر بعينيها وابتسم لها قائلاً: 

-معنى أنك تستطيعين رؤيتي أن حبك لي حبا صادقاً تويا بالرغم من تصرفاتك الخاطئة، ولكن يكفيني أن أعلم أن زوجتى وأم أمرائي تكن لي المشاعر بشكل حقيقي، لذا ها أنا ذا أمامك تصرفي كما يحلو لكِ.


ارتمت فوراً بحضنه تتعلق برقبته وتقبله بلهفة، حتى خرجت عن سيطرتها وأصبحت قبلتها عميقة ومؤججة للمشاعر فاشتعلت نيران بنترشيت وصرخت بشراسة لم يسمعها سواه، بعد أن خرجت الأميرة تيا حاملة رضيعها لحرجها من رؤية والديها على هذا المنوال: 

-ماذا تفعل واللعنة؟ اتركها وابتعد.


لم يرد عليها ولم يعيرها آية اهتمام حتى أنها اقتربت منه وشدته بقوة لتبعده عنها، فتفاجئت الملكة تويا من ابتعاده عنها بهذا الشكل فتسائلت بحزن: 

-لماذا ابتعدت؟ أنا افتقدك مولاي.


ابتسم لها وقال موضحا: 

-إنها بنترشيت الغيورة من أبعدتني عنك.


صرخت بنترشيت وهي تصر على أسنانها: 

-ربما لا تراني، ولكنني أستطيع أن أهدم هذا القصر على رأسها إن اقتربت منك مرة أخرى.


ضحك بشدة على غيرتها وهمس لها بأذنها: ما الفرق بينك وبينها اﻵن، ها؟ ألم نعاني سوياً بسبب غيرتها؟


تضايقت منه وقالت بغضب: 

-فقط لأنها تراك نسيت كل ما فعلته بنا! أكاد أجن ولا أصدق أنك تساهلت معها لهذة الدرجة.


خرجت خارج الغرفة ووقفت بجوار الأميرة تيا، فنظرت لها الأخرى بفضول ولم تتحدث فصاحت بنترشيت بغضب: 

-الملكة تحاول استمالته لها من جديد وهو........


قاطعها سيتي بحدة: 

-وهو ماذا؟ هي زوجتي مثلك تماماً وبالرغم من ذلك ومنذ قديم الأزل وأنا أفضلك عنها، مجرد لحظة تركتها تشعر أن لها مكانة بقلبي فترفضين أنتِ ذلك بأي حق؟


ردت بغضب: 

-بحق معاناتي لآلاف الأعوام فقط حتى اجتمع بك وأنت مع أول فرصة للعودة لها توافق، ما هذا الهراء؟


صر على أسنانه فابنته تستطيع أن تسمع ردودها، وتسمع حدتها على العكس من الملكة تويا التي تستمع له فقط. 


تحدث معها بحدة وغضب: 

-بنترشيت، توقفي عن تصرفاتك الطفولية فأنا معك أنتِ، ونحن هنا مجرد زائران لا أكثر فتوقفي اﻵن.


دبت الأرض بقدميها وقالت بامتعاض: 

-لقد تخليت عن حياتي فقط لأجلك، لقد تخليت عن جنيني الذي مات بداخلي فقط لأجلك، واﻵن قد أتخلى عن العودة إلى هنا نهائياً إن كان الثمن هو خسارتك لصالحها.


ابتسم فوراً وقبلها قبلة خاطفة بجانب شفتيها بالكاد لامستهما وقال: 

-غيورة.


بكت الملكة تويا وهي تستمع للحديث من طرفه هو بعد أن فهمت سبب خروجه وربما ثورته التي لم تدم للحظات، فعلمت أنها مهما فعلت لن ترتقي لنصف مكانتها وإن علمت ذلك منذ البداية لما كانت قد فعلت ما فعلته، فالعشق بهذه الطريقة لا يمكن أن يحارب بأي سلاح، ولا حتى الموت يمكن أن يفرق بينهما مثلما حدث.

الصفحة التالية