-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 34 - 1 الجمعة 21/6/2024

  قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثالث والثلاثون

1

تم النشر يوم الجمعة

21/6/2024

تأملته بعينين مرتعدتين وهي تصر على أسنانها بضيق وغل من كلماته والتي يبدو وكأن مكوثه بذلك العالم اكسبه بعضا من شخصية عشيقها الفرعون سيتي، حاولت أن تتحدث فوجدته يقترب منها أكثر وأكثر حتى بات قريبا منها حد اﻻلتصاق وانحنى بجذعه ينظر لها بحدة وغضب قائلاً:

-ها أنا ذا قريبٌ منكِ حد اﻻلتصاق دورثي، فقديما كان يتلبس جسدي ليمنعني من ذلك القرب ولكنني ها أنا ذا اﻵن وليريني ما يستطيع فعله.


همست له بصوت منخفض:

-لا تستفزه إمام فأنت لا تعلم مدى قوته بعد، ولولا رجائي وتوسلي المستمر له أن يبقي على حياتك لكنت بعداد الأموات اﻵن كما حدث مع تلك الصغيرة دورثي.


سعل سعلة صغيرة ليجلي حلقه الجاف وتحدث متسائلاً بحيرة:

-كيف فعلتِ هذا بي؟ كيف استطعتِ أن تسخي بي إلى هذه الدرجة؟ ألم تحبينني يوماً؟


كاد أن يجن من فرط مشاعره التواقة لها ومن برودها تجاهه وجمود نظراتها له وهي تجيبه بكل بساطة وكأن ما تلقيه على مسامعه ليس بأمر جلل:

-إن كان لا يزال قلبك ينبض باسمي بعد كل ما حدث فكيف تتوقع مني أن أمحي لعنة عشقي للفرعون الذي أحببته منذ أن كنت بالرابعة عشر وحارب هو الأهوال والصعاب وربما العصور أيضاً لنكن سويا.


ضغط بفكه على أسنانه وكور قبضتيه بقوة غارزا أظافره بلحم كفه الداخلي من فظاظتها واستمع لها تكمل:

-حقا لقد عنيت لي الكثير إمام ولكن لا يمكنني أن أكف عن حبه هو، فلقد خلقت له كما خلق هو لي تماما مثل إيزيس وأوزوريس.


حاول كبت غضبه وتحلى بآخر درجات الصبر وسألها بخفوت:

-واﻵن ما هي خططك القادمة بعد أن نفي فرعونك مجدداً لعالمه بلا رجعة؟


لم ترد إخباره بالطبع بمخططها لاسترجاعه وظلت صامتة لا تتحدث ولكنها ظلت تذرف العبرات حتى تبللت وجنتيها فقال هو برجاء: 

-لما لا نحاول من جديد من أجل ابننا؟


ردت عليه ترمقه بنظرة محتارة من تمسكه الشديد بها:

-إن فرضنا أن الصغير سيتي هو ابنك ومن نسلك إمام ولكن من رابع المستحيلات أن يكون من ينمو بداخلي بتلك اللحظة هو من نسلك أيضاً! اليس كذلك فأنت متفيب تماما عن مضاجعتي منذ أن عندنا لمصر؟


زفر أنفاسه بشراسه وقال موضحاً الأمر من وجهة نظره:

-مضاجعتك له أيتها الخائنة كانت من خلال هذا الجسد، حملك منه كانت من نطفة أخرجها ذلك الجسد.


ظل يشير لجسده براحته وهو يتحدث هاتفا:

-حتى ملامح الصغير تشبهني ولا تشبهه، عينه نفس عيناي وشعره كذلك، ملامحه السمراء وشكل أنفه وكل ما به هو ملكي أنا؛ لذلك هو ابني ومن نسلي شئتِ أم أبيت وذلك الجنين بداخلك هو بذرتي الاي ربما زرعها غيري بداخلك ولكن تظل بذرتي أنا.


تنفس بغضب مرار وقال لها بإقرار:

-استمعي لي جيداً لأنني ولآخر مرة سأعطيك الخيار ومعه فرصة أخيرة لأجل خاطر صغيرنا، إما أن تنسي كل هذا الهراء ونعيش سويا من جديد بعيداً عن كل تلك الأمور لنربي ابنائنا أو أن ترحلي اﻵن وتنسي تماما وجودنا بحياتك سواء كان أنا أو صغيرك.


❈-❈-❈


تربع بجسده مرتديا تلك العباءة البيضاء الواسعة والتي تفترش الأرضية معه تعطيه هالة من نوع خاص وصوته يتردد صداه بكل أرجاء المكان بعد أن استخدم آخر تعاويذه لإستعادة قوته وتحكمه بذلك العالم من جديد وذلك لجهله بالوقت الذي ربما سيضطر أن يمكث به هنا.


ظل يردد تلك الترنيمة التي تذكره بحبيبته ووجهه يبتسم كلما تذكر وجهها الذي يعشقه بأي من ملامحها القديمة أم الحديثة فهي فاتنة بكل الأحوال، أغلق عينيه وهو يسترجع تعاويذه التي ظل يستخدمها لآلاف الأعوام حتى يستطيع أن يتواصل مع عشقه الأبدي حتى ولو عن طريق الأحلام إن كانت هي الوسيلة الوحيدة لذلك.


شعر بارتياح جعله يخرج زفيرا عميقاً سبقه بشهيق أعمق لتأكده أن إمام لا زال يحبها ولم يطاوعه قلبه على تركها هنا وموتها بالحاضر، وربما شعر باﻻطمئنان أيضاً على نسله الذي يتواجد اﻵن وبتلك اللحظة بيد عدوه اللدود ولكنه متأكد من طيبة قلب غريمه وحسن خلقه.


ومن بين تصارع أفكاره جل ما شغل تفكيره هو تواجدها معه بتلك اللحظة وربما استغلال الأخير الفرصة للتقرب منها ولمسها أو الأسوأ مضاجعتها كزوجة له، على الفور شعر بألم حاد بصدره فتعجب من حاله وهو من المفترض له أن لا يشعر بتلك الأحاسيس الإنسانية وهو بذلك العالم.


تذكر أنه استطاع فتح تلك البوابة التي تمكنه من زيارة نجله اﻵخر (رعمسيس) وابنته الحبيبة (تيا)، فبدأ بترديدها مراراً وتكراراً حتى فتح عينيه ووجد نفسه بمنزل النيل.


بالرغم من سعادته مع من عشقها بعالمهما الحالي إلا أنه لا يشعر بالراحة ولا أنه يتنفس حقا إﻻ عندما يأتِ الى هنا؛ فهنا عالمه وقوته وحياته فأتخذ خطواته سيراً على الأقدام بإتجاه القصر الملكي.


وصل بعد أن غابت الشمس وقد لفحته بسخونتها فظمأ كثيرا وتعرق بشدة وكأنه عاد ذلك البشري الذي كان عليه من آلاف السنوات، دلف بخطواته نحو القاعة الملكية الخاصة بالحكم للبحث عن نجله الأكبر فربما يساعده على العودة لحبيبته، و لكنه تفاجئ به وقد كبر سنا ومكانة أيضاً، فقد كان كل ملوك الحيثيين يركعون أمامه بتلك اللحظة ويدينون له بفروض الولاء والطاعة وتجديد المعاهدات.


ابتسم وشعر بالفخر أنه أنجب مثل هذا البطل الهمام الذي تخلد إسمه بالتاريخ، فظل واقفا لا يريد مقاطعة هذا الحدث عليه وليجعله يستمتع به بكل شكل وطيف ولكن لم تكتمل مشاهدته بسبب رؤية نجله له فترك عرشه على الفور واقترب منه منحنياً باحترام ولفظ بصوت مسموع للكل:

-مولاي!


تعجب الجميع من فعلته ولكن لم يجرؤ أحد للتحدث أو حتى لسؤاله؛ فانحنى الجميع طواعيةً باتجاه أنظار رعمسيس وظلوا مطرقي الرأس حتى أمرهم بصوته الغليظ:

-اتركوا القاعة اﻵن فالملك الفرعون قد جاء لزيارتي.

لم يصدق انه يحتضنه بقوة وقد أصبح رجلا وليس شاباً صغيرا مثل آخر زيارة، بالرغم أن تلك الزيارة بالواقع لم تكن سوى من أيام قليلة ولكن يبدو أنه فقد قدرته على التحكم بالتوقيت الذي يريد الانتقال اليه ولكنه أكثر من ممتن على عودته هنا حتى ولو بعد أعوام من زيارته الأخيرة.


ابتعد (رعمسيس) وابتسم له متسائلاً بحيرة:

-لم تقم بزيارتي منذ زمن طويل مولاي، ماذا حدث؟ لقد استخدمت كل التعاويذ التي أعرفها ويعرفها الكهنة حولي للتواصل معك بالعالم اﻵخر عندما امتنعت عن زيارتي ولكن لم يفلح أي منها.


زفر سيتي أنفاسه متنهدا بعمق فرمقه نجله باهتمام قائلاً: 

-أظنك قد مررت بوقت عصيب أبي!


أومأ له دون التحدث بتفاصيل وجلس يخبره بإجهاد:

-أنا متعب وجائع ولأول مرة أشعر بالظمأ الشديد.


على الفور ناوله (رعمسيس) دلو الماء فتجرع منه بلهفة وخرج الأول يأمر خدمه بتجهيز مأدبة للعشاء بجناحه الخاص وعاد يجلس بجوار والده وسأله مجدداً:

-ما الذي حدث لك بتلك الأعوام؟ وهل بنترشيت معك هنا اﻵن؟


نفى بوجه متجهم وملامح غاضبة وقال بصوت حزين:

-أظنني فقدتها من جديد.


لم يع ولم يفهم ما ألقاه على مسامعه فردد سؤاله:

-لما لم تفلح كل محاولاتي بالتواصل معك لسنوات وسنوات؟


أجابه موضحا:

- فقط لأنك كنت تبحث عني بالمكان الخاطئ بني.


لم يفهم ما يقصده فنظر له متحيرا ليجيب سيتي تسائله الصامت مفسرا:

-كنت تبحث عني بالعالم اﻵخر وحقيقة اﻷمر أنا لم أذهب هناك مطلقا، لم أعبر الخط الفاصل بين العالم الحالي والعالم اﻵخر.


حديثه كان صعب على نجله أن يفهمه فنظر له بحيرة ليعقب سيتي متحدثا بتفسير أعمق:

-تلك التعويذة التي ألقاها سحرة المعبود ست وذلك الإتفاق التي أبرمته معهم كان ينص على تنازلي عن نصف عمري مقابل الأبدية بالعالم اﻵخر.


استمع له رعمسيس باهتمام وهو يردف:

-ولكن حقيقة الأمر أنه لم يكن أبدا العالم اﻵخر، بل كان المستقبل بني.


لمعت عين رعمسيس وهو ينظر لوالده وحديثه المبهم والذي وضحه الآخر:

-لقد انتقلت روحي للمستقبل وعشت بضع أعوام بجسد إنسان حي مثلي ومثلك وحبست روحه هو بعالم موازي لم يكن سوى سجن كبير يقطنه لأعوام، وعندما تلاعبت بتعويذتي التي استخدمتها لزيارتك أظنني قد فتحت بابا استطاع هو بفضله للعودة لجسده و نفيي أنا لذلك العالم الموازي من جديد.


تجهمت ملامح الملك رمسيس وسأله:

-وماذا عن بنترشيت؟ هل حدث معها نفس الأمر؟


حرك رأسه نافياً ومستطردا:

-لا، فقيثارة الحب وضعها مختلف، هي حبيسة ذلك الجسد ولا يمكنها تركه، فإن تركته ماتت وانتهت.


ربت رمسيس على كتف والده بعد أن شعر بألمه وقال يطمئنه:

-لا تقلق أبي، فكل شيئ سيعود لنصابه وسأقوم باستدعاء أكبر السحرة بإمبراطوريتي الكبيرة حتى يفعلوا ما تريده وبأي شكل تريده.


سأله بعد أن صمت لحظات:

-ولكن هل يمكنك أن تعود للمستقبل بمساعدتهم؟ انا حقا لم أفهم الأمر.


أجابه مؤكداً:

- هناك تعويذة مخبأة بمكان ما بطيبة، أو يمكنهم استخدام نفس التعويذة التي استخدمتها سابقا بمساعدة بنترشيت.


سأله من جديد:

-أين أجدهما؟


أخبره فوراً دون مماطلة:

-الأولى بمقبرة توجد بطيبة لأحد وزراء الأسرة الرابعة.


ظهرت الحيرة على معالمه فابتسم سيتي من شكله وتفهم ملامحه فأوضح:

- آه، لقد نسيت أن تصنيف الأسر لم يبدأ بعد بهذا العصر، أعني بعصر بناة الأهرام ما بين الملك خوفو وابنائه فأنا لا أعلم بالتحديد.


فهم ما يعنيه واستمر بسماعه قائلاً:

-تذكر تلك القائمة التي أخبرتك عنها والتي دونت معظمها على جدران معبدي الغير مكتمل؟


ابتسم رمسيس وأخبره بتفاخر:

-أظنك ستفرح بعد أن تعلم انني قد أتممت بنائه وأيضاً أكملت تدوين أسماء كل الملوك والفراعين الذين حكموا البلاد ولكنني آثرت على حذف ملوك الغزاة فهم لا يستحقون أن يدون اسمهم بالتاريخ.


ربت سيتي عليه بسعادة وأخبره:

-ستساعدك هذه القائمة كثيرا لتستطيع أن تجد تلك التعويذة المخبأة وأيضا قد أحتاج كتاب الموتي.


رفع رمسيس حاجبه وقال بجمود:

-ماذا تريد أن تفعل به أبي؟ لقد حذرنا جميع السحرة من استخدامه حتى ...


قاطعه سيتي متمتما: 

-استمع لي ولا تجادلني، أنا قد اختبرت قوة الكتاب وتعاويذه وتستطيع التعاويذ الموجودة به أن تساعدني على العودة من جديد فقط أوجده لي...


هنا قاطعه رمسيس لأول مرة هاتفا:

-الكتاب بحوزتي مولاي.


الصفحة التالية