-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 25 - 1 الجمعة 7/6/2024

 

قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الخامس والعشرون

1

تم النشر يوم الجمعة

7/6/2024

❈-❈-❈

فتحت عينيها تنظر حولها بذهول فكيف وصلت إلى هنا وماذا حدث؟ نزلت من على الفراش وبحثت عن خُف ترتديه بقدمها فوجدته ولكنها تعجبت من نقوشه الفرعونية ولونه الذهبي المشابه للذهب الحقيقي.


رفعت وجهها تنظر حولها فأيقنت أنها تحلم وربما لا تزال نائمة، فهي بقصر الفرعون سيتي مر إن بتاح ليس منزل النيل ولا بيتها بلندن ولا حتى منزلها المتواضع بمصر، ولكنها حقا بقصره وبغرفة نومه الملكية، فارتدت الخف الذهبي وتحركت صوب المرآة ونظرت لانعاكس صورتها بها فوجدت ملامحها التي افتقدتها كثيرا، نعم نفسها ملامح الكاهنة بنترشيت وليس الفتاة الإنجليزية دورثي لويز أيدي.


حركت راحتها على وجهها تتحسس بشرتها الناعمة والرائجة فشكلها صغير عكس حالها اﻵن بعد أن تخطت التاسعة والعشرون من عمرها، التفتت تنظر حولها وهي تبحث عنه بلهفة بأرجاء جناحه الملكي ولكنها لم تجده فتسائلت بداخلها: 

-أين ذهب يا ترى؟


عادت تقترب من المرآة فهي لم تشبع من النظر لانعاكس صورتها ولمحت تلك المكحلة الفرعونية الذهبية الراقية، فأمسكتها وبدأت بالتزين والتعطر فدلف هو يرتدي ردائه الملكي المرصع بالأحجار الكريمة وتاجه يعلو رأسه فنظر لها  مبتسماً عندما اشتم عطرها واقترب منها وقبلها قبل كثيرة على طول عنقها قمحي اللون صعودا ونزولا كأنه يتشبع من عبقها ورائحتها التي يعشقها يلتهمه بحب ويتذوقه كما يتذوق الفاكهة.


رأت انعاكسه فاتسعت بسمتها لتكاد تصل إلى أذنيها فهي إن كانت افتقدت شكلها؛ فأكثر ما افتقدته هو شكله وملامحه الأصلية، ملامح الفرعون سيتي حبيبها ومعشوقها فسحبت نفسا عميقا وطردته بتنهيدة حارة وهو لا يزال يقبلها كما لو أنه يقبلها لآخر مرة بحياته.


همس بجانب أذنها يسألها بحب: 

-ما بها قيثارتي؟


استدارت وواجهته تتحسس بشرته ونظرت له بتدقيق لتشبع منه وقالت بحيرة: 

-كم اشتقت لك ولشكلك! ولكن هل نحن بحلم؟


حرك رأسه نافياً فتعجبت وظهرت الحيرة على ملامحها ورفعت حاجبها تسأله: 

-أين نحن إذن؟


أجاب بهدوء: 

-بزيارة للماضي حبيبتي، فقد أردت رؤية يوم تتويج ابني وولي عهدي رعمسيس فكما يقال إن يوم تتويجه كان ولا زال أعظم ما شهده التاريخ، لذا أردت أن أراه بأم عيني.


زاد اندهاشها وسألته بحيرة: 

-كيف؟ كيف سنظهر أمامهم و........


قاطعها يسحبها من ذراعها وهو مبتسم وقال: 

-لا زلتِ تقللين من شأن وقدرات معبودي المفضل سيت، ولا زلت أحاول أن أريك كم هو قوي وسحره لا مثيل له.


تسائلت بحيرة: 

-أخبرني إذاً كيف؟  ودع أمر معبودك ست لنتحدث به بوقت لاحق.


ابتسم من أفعالها التي لا يمل منها أبداً فاقترب منها وقبلها بعمق وحب وهو يشعر بالنشوة من عشقه الذي لم يقل ولو قدر قطرة ماء، ابتعد لاهثا وهو ينظر لها بعبث هامساً لها بنبرة مؤججة للمشاعر: 

-إن استمريت على هذا الدلال فأظن انني سأهدر التعويذة على بقائنا هنا سويا وأضاجعك حتى انتهائها وعودتنا للحاضر.


ضربته على صدره توبخه: 

-كفى، أنت غير مهذب وتتعمد إحراجي.


ضحك عاليا وقال بتأكيد: 

-لا زلتِ طفلة، مهما كبرتي ورأيتِ بحايتك فلا تزالين تلك الطفلة ذات الأربعة عشر ربيعا وهذا ما أذوب لأجله.


عاد لتقبيها قُبل عاشقة فدفعته تسأله بإلحاح: 

-هيا حبيبي أخبرني، كيف سنحضر تتويج ابنك؟


غمز لها ووضح: 

-كل ما هنالك أننا سنظهر كطيفين ولن يرانا سوى من يحبوننا فقط والبقية لن يرونا فبتلك التعويذة أكثر من فائدة قيثارتي، فهي ستعرفنا إن كان حبهم لنا حقيقي أم إدعاء؟ وأيضاً ستجعلنا نزورهم بكثرة بدءً من اﻵن.

ردت عليه رافضة: 

-لا اظنها فكرة جيدة، فما الداعي أن نعرف إن أحبونا حقا أم كانوا فقط يتظاهرون بالحب؟ فقط سيؤلمنا الأمر وأساساً لم نعد ننتمي لهذا العالم.


حرك رأسه بضيق وقال ممتعضاً: 

-جل ما أحاول فعله أن أعوضك عن عدم مقدرتي على أخذك معي عندما اضطررت للسفر لأبيدوس، و لكن يبدو أن لا شيئ جيد مما أفعله لأجلك.


اعتذرت بملامحها قبل فمها وقالت: 

-آسفه حبيبي فقط أنا قلقة ولا أريد منك سوى ان تطمئنني فحسب.


مسح على ذراعها صعودا وهبوطا وقال بحب: 

-لا تقلقي حبيبتي، ألم تشتاقي لتويا؟ لقد كبرت وأصبحت أما لخمس أمراء بهذا العهد.


قفزت كالاطفال بفرحة تصفق بحب: 

-حقا سأراها؟ أنا سعيدة للغاية.


ولم تنه جملتها حتى قفزت ترتمي بحضنه تتعلق برقبته وتقبله قبل كثيرة من عنقه شاكرة إياه بحب: 

-حقا أنا عاجزة عن شكرك؟ شكرا لك على كل شيئ حبيبي.


أنزلها وقال لها مؤكداً: 

-إن أردت شكري فلا تكفي أبداً عن نعتي بحبيبي، و لا تقللي من إظهار مشاعرك وحبك لي كلما مرت الأيام، و ظلي كما أنتِ حبيبتي  بريئة ونقية وطفلة أعشقها وأتمنى أن أقضي معها الأبدية حتى آخر الدهر قيثارة الحب.


قبلته قبلة عميقة وخرجت برفقته وهي تتأبط ذراعه وتنظر أمامها بسعادة طفل صغير سعيد وفرح فرأت جمع العامة مصطفين أمام الدرج الرخامي يصيحون بترحيب للموكب الملكي القادم  ومحمولاً على أكتاف العبيد فلفت وجهها تجاهه وأخبرته بفرحة: 

-يبدو وسيماً جداً.


احتدت تعابيره وقضم شفته قائلاً بضيق: 

-هل تتغزلين برجل آخر أمامي أيتها المعتوهة؟


تعجبت واندهشت وهمست بتسائل: 

-إنه ابنك مولاي، هل تغار من ابنك؟


رد واجماً ومحتداً: 

-بالطبع أغار من الجميع، ولا تنظري تجاهه مجدداً.


ضحكت بسعادة على عشقه الذي يجعلها تحلق بالسماء وقبلت راحته هاتفة بغزل: 

-أنت الأصل يا مولاي وهو مجرد انعكاس لك ولا يمكن أن يصل لقدر وسامتك.


ضحك وأحاط كتفها بحب واقتنص شفتيها بقبلة عميقة وابتعد يتغزل بها: 

-أحبك يا شقية.


شعرت بالخجل وقالت معترضة: 

-مولاي، قد يرانا أحد.


ضحك ورد مؤكداً: 

-لا يمكن أن يرانا أحد إﻻ من يحبونا ويشعرون بطيفنا ولا زلنا بعيدين عنهم بالأساس.


أمسك راحتها وقال وهو يتحرك تجاه الموكب: 

-هيا حبيبتي حتى نتبع الموكب ونحضر حفل التتويج.


وصل الموكب للبهو الكبير والواسع بمعبد آمون رع فوقفت بنترشيت فوراً على أول درجة من درجاته الرخامية، ونظرت لمكان موتها ومكان سقوطها فانقبض قلبها فورا وشعر بها على الفور فنظر لها وهمس بأذنها: 

-حبيبتي، إن كنتِ لا تريدين الدخول فلا بأس.


حركت رأسها نافية وبدأت بالتحرك من جديد وهي ترتعش مع كل درجه من درجاته حتى وصلت للمدخل، فلمحت كبير الكهنة وهو كهل لا يستطيع التحرك إﻻ بمساعدة خادمه فصرت على أسنانها بغل وقوست فمها بامتعاض فسألها سيتي باهتمام: 

-هل أنتِ بخير؟ 


أومأت صامتة فسأل مجدداً: 

-هل نتابع أم نعود أدراجنا؟


ردت بتوتر ملحوظ: 

-لا بأس أنا بخير.


دلفا معا للداخل فلمحت تيا واقفة ببطن منتفخ وبجوارها ابنائها وزوجها توت يقف بجوارها يرتدي حلة الوزير الأكبر؛ فاتسعت بسمتها على الفور وسألت بفضول: 

-هل قمت بتعيين القائد توت لمنصب الوزير الأكبر؟


أومأ لها وأوضح: 

-لقد شاركت رعمسيس معي بالحكم وهو بعامه الرابع عشر ووقتها قمت بتعيين توت كوزير وقبيل موتي رقيته لمنصب الوزير الأكبر لتهيئته حتى يساعده بإدارة شئون البلاد.


انكمشت ملامحها فور سماعها كلامه وقالت بحزن: 

-نعم، تتويج رعمسيس يعني موتك مولاي منذ.......


أكمل نيابة عنها: 

-منذ أربعين يوميا، ولكني شعرت باقتراب الأجل قبلها بشهور لذلك قمت بتزويج رعمسيس للاميرة أست نفر وهو بسن الخامسة عشر وهي ابنه امير من أمراء الحيثيين حتى يقف معه إن حدث أي تمرد من ناحيتهم مره أخرى بعد موتي.


حزنت وقالت برجاء: 

-توقف عن التحدث عن موتك مولاي رجاءً فقلبي يؤلمني من مجرد التفكير بالأمر.


ابتسم لها وقبلها مجدداً وابتعد ليكمل حديثه بسعادو: 

-انجبت له ثلاث أمراء وأنا لا أزال على قيد الحياة، هؤلاء الأمراء الواقفين بجوار ابيهم الملك وهم الأميرة بنت عنتا، والأمير رعمسيس، والأمير خعمواست.


ضحكت مازحة: 

-زوجة منتجة، بخمس سنوات أنجبت ثلاث وتحمل بأحشائها آخر.


نظر لزوجة ابنه فلاحظ انتفاخ بطنها قليلاً فابتسم بسعاده ورد مؤكداً: 

-أظنها تريد توطيد قدميها كزوجة كبرى وأساسية أكثر وأكثر.


نظرت له من خلف عينيها وقالت تشاكسه: 

-أظنه لن ينهج نهج والده بزوجة واحدة وعشيقة.


فهم ما ترمي إليه فقال مؤكداً: 

-والده اكتفى بحبيته وزوجته قيثارة الحب ولأجلها تخلى عن تعدد الزوجات، ولكنكِ معكِ حق فأنا قد أخبرته أن يتزوج وينجب الكثير من الابناء حتى يعلي من شأن عائلتنا، فكما تعلمين لم أستطع أن أنجب ذكراً غيره بذلك العصر ولم أرد أن ينتهي حكم أسرتنا بسبب قلة الذكور من نسلي.


انتبهت فوراً لحديثه عن اﻻبناء فصرخت بلهفة: 

-سيتي...


رد فوراً: 

-نعم حبيبتي ما بكِ؟


ردت بقلق: 

-أقصد ابننا سيتي، أين هو اﻵن؟


أجابها موضحاً: 

-مع جدته، لا تقلقي.


تجهم وجهها وحاولت سؤاله فانحنى يهمس بأذنها: 

-أقصد والدة إمام يا حبيبتي، وأظن تيا قد انتبهت لصراخك وتنظر نحونا اﻵن.


دارت بوجهها ناحيتها فرأتها تنظر باتساع حدقتيها وجمود تعابيرها، فابتسمت لها بنترشيت ولكن الأخرى ظلت متسمرة مكانها وتوت يقترب من أذنها يهمس لها بتسائل: 

-ما بكِ حبيبتي؟


أشارت بصمت تجاههما فنظر توت ورأى سيتي فنطق بتفاجئ: 

-مولاي سيتي!


ابتلعت ريقها وأضافت: 

-وبنترشيت إلى جواره.


رد عليها متعجباً: 

-أنا لا أرى سوى مولاي سيتي!


نهجت بأنفاسها وبنترشيت تشير إليها بالاقتراب فتحركت صوبهما برفقة زوجها ورمقت والدها باشتياق وقالت باكية: 

-أبي!


ثم دارت بوجهها صوب صديقتها وهمست بتعجب: 

-بنترشيت! كيف؟



الصفحة التالية