-->

رواية نابغة بعصر الأغبياء - للكاتبة أسماء المصري - الفصل 36 - 1 الثلاثاء 9/7/2024

   قراءة رواية نابغة بعصر الأغبياء  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية نابغة بعصر الأغبياء

للكاتبة أسماء المصري


الفصل السادس والثلاثون

1

تم النشر يوم الثلاثاء

9/7/2024

❈-❈-❈

صرخ بفزع وهو يشعر أن كل عظمة من عظامه تتفكك وتتفتت لاشلاء وأشلاء وهو يرفض أداء التعويذة ولكن جسده أصبح هشا ضعيفا، عالمه اﻻفتراضي قد اندثر تماما ولم يعد له وجود، بل وفقد الكثير من قدرته حتى عاد لا يستطيع أن يلمس أحدا، فقط ما يبقيه مرئي بالنسبة لهم هي تلك الطلاسم التي رسمها الكهنة حول جسده المسجى أمامهم لتبقيه أطول فترة ممكنة.


رمقه رمسيس بحزن ودمعت عينيه رغما عنه على حال والده فحتى مومياؤه قد تضررت كثيرا وتم فصل رأسه عن جسده بفعل كثرة التعاويذ، فآثر نجله على محاولة حفظها بأفضل صوره لعودته للحياة اﻻخرى فيما بعد (كما هو سائد بمعتقداتهم).


انحنى بالقرب منه وهمس برجاء:

-أرجوك أبي، لماذا ترفض تنفيذ التعويذة فهي قد وافقت أخيراً ب...


صرخ به بحدة:

-وافقت على التخلي عن نفسها مقابل انقاذي أليس كذلك؟ لن اتركها تفعلها من جديد.


حاول شرح اﻻمر له بهدوء:

- ابي، لا جسدك ولا مومياؤك تعد تحتمل ما يحدث وإن لم نتصرف فستفنى تماما ولن نستطع اعادتك.


أغلق عينيه وقال بأسى:

-إن كان هذا هو الثمن لبقاءها آمنه فأنا على استعداد لدفعه وبنفس راضية.


تعجب رمسيس بشدة، ألهذا الحد يعشقها لدرجة أن يتنازل عن كل شيئ لأجلها! ما هذا الحب الذي لم يعاصره ابدا بحياته وهو أوشك على إتمام الخمسين من عمره، بل وتزوج أكثر من عشرين زوجة وعاشر مئات المحظيات لدرجة انه لم يعد يتذكر اسمائهن.


زفر أنفاسه بحيرة وقال بتوسل:

-أرجوك ابي، دعنا نكمل التعويذة و...


قاطعه رافضا ومؤكدا:

-إن لم تجد تعويذة تجمعني بها فأتركني أهنئ بلحظاتي اﻻخيرة بسلام ابني الملك رعمسيس.


وقف ونظر للكهنة باستسلام وحرك رأسه ممتعضا وتحرك للخارج  هو يستدع كبير السحرة حتى يساعده على زيارتها من جديد كما حدث سابقا.


جلس على عجزتيه أمامه مغلقا عينه ووقف الكاهن حليق الرأس ممسكا بدلو به ماء وبدأ توزيعه بيده عليه وهو يتمتم تلك التعويذة، فسحب نفسا عميقا ودخل دوامة عقله حتى فتحها ووجدها أمامه نائمة على فراشها فتنحنح بصوت مسموع ففتحت عينيها وانحنت باحترام هاتفة:

-مولاي الملك رعمسيس.


أشار لها باﻻعتدال وتوجه للجلوس أمامها وسحب شهيقا عميقا ودفعه للخارج بضيق متمتما:

-لم يفلح اﻷمر، إننا نفقده بنترشيت.


بكت وانتحبت وهي تتوسله:

-أﻻ يوجد طريقة لرؤيته كما كان يفعل ويأخذني معه لزيارتكم مولاي؟! 


حرك رأسه نافيا وقال:

-لا أعلم كيف فعلها ولا يستطيع السحرة بعصري أن يحضروا احدا من المستقبل، ولا أعلم إن كان ذلك الساحر الذي تعرفينه يستطيع!


قالت بحزن:

-لابد من إيجاد طريقة حتى أستطيع إقناعه، تلك المرة استطعت أن تأتيني بجسدك مولاي عكس المرة الماضية و....


قاطعها موضحا: 

-التلبس ليس بهذه السهولة، ولا أعلم كيف استطاع ابي أن يفعلها طوال تلك المدة؟ ولا كيف تتعايشين أنتِ مع اﻻمر طوال حياتك!


قوست فمها وردت:

-تعتاد اﻻمر بمرور الوقت وبعدها لا تشعر بالغرابة مطلقا.


رفع وجهه ناحيتها وسألها بصوت حزين خيم على ملامحه:

-هل تحبين والدي بنترشيت؟


أومأت له مؤكدة بلهفة:

-أحبه فقط؟ أنا أعشقه وأتنفسه مولاي، لا أجد داع للحياة دونه ولا أقوى على العيش وهو بعيد عني.


أسند رأسه للخلف وتمتم بضيق:

-لم أعد استطيع اﻻحتفاظ به أكثر، لا أظنه يستطيع التحمل لأكثر من يوم أو اثنين ولا أجد الوقت الكافي حتى أحرره من عذابه فهو يتألم وبشدة.


بكت حزنا عليه، ولكن قطع حديثهما طرقات على الباب فالتفتت تنظر للخارج وهي تقول:

-من يا ترى؟


التفتت له مجددا فلم تجده، لتسمع صوت الطرقات من جديد فتفاجئت وفتحت عينيها لتجد نفسها لا تزال بفراشها نائمة ولكن اﻻمر بدا حقيقيا للغاية فاستيقظت وجلست ولا زالت تلك الطرقات التي استمعت لها بحلمها على بابها فتوجهت لفتحه بتذمر بعد أن فهمت أن تلك الطرقات هي من قطعت تواصلها بالملك رمسيس أثناء نومها.


فتحت الباب بحده وهي على أتم استعداد للمشاجرة مع الطارق فوجدته آخر شخص تتوقعه بالعالم أجمع قد يأت لزيارتها هنا وبهذا الوقت بالتحديد؛ فجعدت جبينها من هول الصدمة وهتفت بذهول:

-ابي !


دلف أيدي ووراؤه زوجته هانده وتبعهما ذلك المعالج الروحاني دان وايت الذي عاصر معها الأمر منذ نعومة أظافرها، فابتعدت قليلاً عن مدخل الباب حتى تفسح لهم المجال ولحقائبهم التي بحوزتهم.


ارتمت بنترشيت بأحضان والدتها المزعومة وقالت باشتياق:

-اشتقت لكما.


ردت عليها هانده بحزن:

-وكأنك نسيتنا دورثي، لما توقفتي عن مراسلتنا يا فتاة؟


أجابت باكية وهي تنظر لملامح وجه والدها الممتعضة:

-لقد مررت بأصعب فترات حياتي وأنا اﻵن أتجرع مرارة الوحدة و...


قاطعها أيدي بحدة:

-ولم تتوقفي عن أفعالك إلى اﻵن دورثي، ولن تتوقفي أبدا أليس كذلك يا بنيتي؟


سحبت شهيقا عميقا وزفرته بتمهل وقالت بإطناب:

-يا ليتني أستطيع التوقف، فكلما اتخذت قراري باﻻبتعاد عن كل شيئ وأن أبدأ حياتي من جديد أجد ما يجذبني مرة أخرى لنفس الدائرة المغلقة التي أنا بها منذ أن كنت بالثالثة من عمري، وكأنني بداخل حلقة مفرغة أو يوجد مغناطيس كبير يتحكم بي ويقوم بجذبي للداخل كلما ابتعدت عنه.


رمقها المعالج دان بنظرات متحيرة وسألها:

-إذا لا زلتِ مقتنعة أنكِ الكاهنة بنترشيت ولست ابنتهما دورثي لويز أيدي أليس كذلك؟


أطرقت رأسها وأومأت بصمت فاقتربت منها هانده هاتفة بحزن:

-حتى وإن أقسمتي على ذلك فأنتِ ابنتي ولن يغير حديثك هذا من الأمر شيئا.


جلسوا جميعاً بالصالة وهي ترمقهم بتعجب ولا تعرف سبب مجيئهم بل والأدهى اصطحابهم لذلك المعالج الروحاني معهم، ولكنها تشجعت بالنهاية وسألت:

-ما سبب مجيئكم وبرفقة السيد دان؟


زغر أيدي بعينه بضيق وأجاب:

-جئنا لمساعدتك بعد ما علمناه عنك وعن ما تعاصريه.


لم تفهم حديثه فأضاف موضحا:

-لقد أرسل لنا إمام خطاب ووضح كل شيئ حدث معكما منذ عودتكما المزعومة لمصر، وأخبرنا بكل شيئ مر عليه.


ارتبكت بعد أن فهمت تلميح أيدي لتلبس جسد إمام من قِبل الفرعون سيتي فابتلعت ريقها بتباطئ وظلت صامتة تستمع له يضيف:

- وبالطبع لن نترك ابنتنا تتعرض لكل تلك المضايقات التي أخبرنا عنها إمام من السكان المحليين، ولن نتركك دورثي تعيشين وحدك بدون عمل أو أسرة ترعاكِ بنيتي.


رقق صوته رغما عنه وبكى قليلاً وهو يستطرد:

-فكما قالت والدتك، أنتِ ابنتنا حتى وإن كنتِ لا تعتقدين أو تصدقين ذلك.


ابتسمت وهي تبكي فنظرت والدتها لبطنها المنتفخ وسألتها بحيرة:

-هل فعلا ما تحملينه هو من نسل ذلك الملك الفرعوني دورثي؟


أومأت مؤكده وعقبت:

-حتى الصغير سيتي هو ابن الفرعون امي، أنت تعلمين ذلك بالفعل.


تجعد جبين إيدي وهو يستمع لحديثها فقال بضيق:

-وإن كان هذا! فلماذا أخذه إمام منك؟


ردت بحزن:

-أصر على اخذه مني وبعدها تفاجئت أنه غادر البلاد، لقد قام بخطفه وسرقته مني يا أبي.


ربت عليها وهو يصر على أسنانه وقال مؤكداً:

-لا تقلقي بنيتي سأعيده لكِ ولن يتجرأ هذا المدعو إمام بالاقتراب منكما مجدداً فانتِ مواطنة إنجليزية بحق اللعنة وتعيشين ببلد تحت الحماية الإنجليزية؛ لذلك لم أفهم كيف لم تذهبي لطلب العون من السفارة أو حتى من المعبوث السامي نفسه.


أجابته بتوتر ملحوظ على ملامحها:

-لم أجد الوقت الكافي أبي، فمولاي سيتي يحتضر و لا أجد طريقة لإنقاذه.


قوس دان حاجبيه وسألها:

-ما معنى حديثك؟


رددت كلماتها بتوضيح:

-إنه يحتضر بعد أن قام إمام بنفيه مجددا لعالمه فقواه أصبحت ضعيفة ولابد أن يجد جسد يستول عليه حتى يستطيع اﻻستمرار والعيش مجددا معي.


تعجبوا كثيرا من حديثها العفوي والذي القته على مسامعهم وكأنها تتحدث عن حالة الطقس؛ فصاحت هانده بشكل هستيري:

-ما هذا الهراء الذي تتفوهين به يا ابنتي؟ جسد ماذا وتلبس و....


قاطعتها باكية:

-ساعدوني أرجوكم، أنا لا أستطيع العيش دونه وتكاد أنفاسي تختنق لمجرد ابتعاده عني، أتوسل لكم.


انهارت باكية على الأرض فاقترب منها دان وسألها:

-هل لديك حل أو طريقة يمكنك أن تخبريني بها وأنا أساعدك.


رمقه أيدي بتعجب فصاح به الأول:

-ألم تحضرني الى هنا من اجل هذا ؟


رد نافيا وموضحا:

-لا، بل أحضرتك لتساعدها على تخطي الأمر و...


قاطعه دان بحدة:

-مساعدتكما لها لن تفيد أبدا صدقاني والمساعدة الوحيدة التي قد تجعلها ممتنة لكما هي بتنفيذ رغبتها وجمعها بمن عشق قلبها وعاشت لأجله وأي فعل آخر سيكون هو الهراء بعينه.


صمت الجميع فنظرت لهم بتوسل ورجاء وهي تبكي بغزارة فأومأ أيدي برأسه موافقا وتبعته هانده بفعل نفس الشيئ فابتسمت على الفور واتجهت ناحية دان وسألته:

-هل يمكنك أن تجعلني أتواصل معه كما فعلت قبلا؟


رد بإيمائته:

-أظن ذلك.


حركت رأسها بفرحة وقالت:

-هيا إذا فلا يوجد وقت.

الصفحة التالية