-->

رواية جديدة مقيدة في بحور عشقه لتوتا محمود - الخاتمة - 3 - الأحد 17/11/2024

  قراءة رواية مقيدة في بحور عشقه كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مقيدة في بحور عشقه 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الخاتمة

3

تم النشر يوم الأحد

17/11/2024

❈-❈-❈

وحين «شريف» وقع علي الأرضية  ، جلس «بيجاد» على ركبته و ادمع عينيه  ، لأول مرة «بيجاد الجمالى» يبكى امام احد  ، ولكن هذا صديقه  ، صديق عمره وأيامه  ، وهو الذى قتله على يـ ـده  . 


ابتسمت والدة «سلا» على هذا المشهد وهى تخرج مسدسها وترفعه أمام «سلا» وهتفت بقسوة ولكن مليئة بالخبث  :  


ـ جاه الوقت بقى تودع حبيبة القلب  . 


ختمت حديثها واطلقت رصاصتين في اتجاهه  ، مما رفع رأسه يهتف باسمها بخوف  ، وبعد ما اطلقت رصاصتين اتجاهه  ، ابتسمت ولكن ابتسامتها اختفت بالتدريج  ، وهى ترى الجسد الذي أخذ الرصاصتين هو «مازن» أبنها  ، الذى يعانق «سلا» حتى يأخذ هو الرصاصات  . 


فهو كان يقف بعيداً يتابع حديثهم ولا يصدق ابداً أن والدتها تفعل هكذا فيهم  ، فهى دمرت عائلتها  ، ودمرت حياة «تمارا» ايضاً  ، كيف لأم أن تفعل هكذا بـ أولادها؟؟؟  . 


وحين «بيجاد» اطلق الرصاصة على «شريف» اصدم ومازال فى مكانه ثابتاً لا يستطيع أن يفعل شئ من الصدمة  ، وحين رأى والدتها تخرج سلاحاً  ، ثوانى و أدرك نوايها ، مما ركض نحو شقيقته  ، وفى اللحظة الأخيرة عانـ ـق شقيقته متفادياً لها تلك الرصاصات  . 


صرخت «سلا» بعد ما وقع «مازن» في اعنـ ـاقها وهتف بألم بنبرة متقطعة ولكن بأبتسامة خفيفة على ثغره  :  


ـ انا وعدك انى هحميكى  ، و وفيت بوعدى  ، أنا  ، ااه  ، أنا مش وحش يا سلا  ، هما اللى وحشين  ، اخوكى عمره ما كان  ، اااه  . 


وقع «مازن» على الأرضية  ، وضعت رأسه على قدميها وهتفت بقلق وخوف حقيقي عليه  :  


ـ متتكلمش يا حبيبي  ، متتكلمش  ، ان شاء الله الإسعاف هتيجى  ، وهتعيش  ، وهتبقى زى الفل  بس متتكلمش  . 


ختمت حديثها وبكت بقوة امامه  ، اقترب «بيجاد» منهم  ، وهتف بنبرة قلقة على «مازن»  :  متتكلمش وحاول متنامش تمام  . 


نظر له «مازن» وعينيه يدمعون من الألم وهتف بندم وألم ايضاً :  


ـ انا ندمت صدقنى  ، ندمت  ، مغلطتش نفس غلطتى زمان  ، انا مكنتش عارف احمى تمارا  ، بس قدرت احمى سلا  ، انا خطفتها بس عشان احميها يا بيجاد صدقنى  ، سامحنى  . 


بكى «بيجاد» على حالته المؤلمة وهو يمسك يـ ـده بخوف  : 


ـ مسامحك والله  ، بس متتكلمش عشان خاطرى  ، متتكلمش  . 


ابتسم بألم هو ويمد يـ ـده لـ «بيجاد» وهتف بحُب لـ شقيقته «سلا»  :  


ـ اوعدنى انك هتحميها دايماً  ، وهتخلى بالك منها  ، اوعدنى يا بيجاد  . 


امسك يـ ـده «بيجاد» وهتف بخوف حقيقي عليه  :  


ـ اوعدك  ، اوعدك بس انت متتكلمش تانى عشان خاطرى  . 


فلتت شهقة مرة ثانية من فم «سلا» وهى تمسح دموعها  ، وخائفه عليه  ، خائفه من فراقه  ، فهى ليست مستعده أن تخسره ابداً  ، فهو شقيقها  ، وصديق طفولتها  ، و ملجأها  ، و الركن اللطيف والمُحب لقلبها  . 


هتف هو بألم ويغمض عينيها بعد ما امسك يـ ـد شقيقته  :  


ـ أنا هنام  ، بس لازم تعرفى انى عمرى ما فكرت أذيكى  . 


كانت اللحظة ثقيلة كأنها أبدية  ، جسد «مازن» المسجى بين ذراعي «سلا» بدا وكأنه يحمل كل آلام الماضي، كل الخطايا التي أراد التكفير عنها قبل أن يغمض عينيه للمرة الأخيرة.


بكت «سلا» بحرقة، تحتضن جسد شقيقها كأنها تحاول أن تعيد إليه الحياة  ، صوتها المخنوق كان يمزق القلوب :

ــ مازن، متسبنيش، ازاي تسيبني لوحدي؟ قوم يا مازن، وعدتني إنك مش هتخليني أواجه الدنيا لوحدي. 


اقترب "بيجاد" منها، يضع يده على كتفها، لكن لم يملك أي كلمات تعزي ألمها. الدموع تنهمر بصمت من عينيه، وحاول بصعوبة أن يبقى متماسكًا امامها :


ــ ادعوله برحمة يا سلا  ، هو دلوقتى بين ايدين ربنا 


لكن «سلا» لم تستطع أن تسمع أو ترى شيئًا  ، كل ما في عقلها كان صورة شقيقها وهو يحميها بروحه.


كانت نرجس تتابع فراق أبنها مما بكت هى الأخرى عليه  ، فهى لا تتوقع ابداً انها تقتل أبنها  ، فـ أبنها الوحيد التى كان يساعدها على العيش  ، كيف قتلت أبنها  ، قطعة من قلبها  ، أبنها فارق هذه الحياة بسببها هى  ، بسبب تلك اليـ ـد التى قتلت به أبنها  ، فـ الوحيد الذى احبته فهذه الحياة هو «مازن» الذى كان قريب منها  ، وقريب من قلبها؟؟  


كيف قتلته هى بكل تلك السهولة؟؟  ، كيف قتلته هو ولم تقتل «سلا»  ، فهى لا تستطيع أن تعيش بدون أبنها  ، فهى الآن خسرت كل شئ  ، ابنها  ، و زوجها  ، وعملها  ، خسرت كل شئ يدافعها للعيش  ، واهمهم أبنها «مازن»  ، لذلك بدون سابق انذار رفعت مسدسها وبكت وهى تنظر الى جثة ابنها  :  


ـ سامحنى يابنى  ، سامحنى  ،  انا جايلك يا حبة عينى  ، انا جايلك  . 


ختمت حديثها ورفعت المسدس وصوبتها نحو رأسها وبعد أقل من الثوانى قتلت نفسها 


ارتج المكان بصوت الرصاصة الأخيرة، ووقعت «نرجس» جثة هامدة بجانب جثة ابنها الوحيد الذى أحبته فهذه الدنيا  ، كان المشهد يعكس النهاية الحتمية لعالمها المدمر، الذي بَنَته على الأكاذيب والخيانة، وانتهى بيدها هي.


شهقت «سلا» حين رأت والدتها تسقط، وضمّت «مازن» إليها أكثر، وكأنها تحاول أن تحتمي به رغم أنه لم يعد هناك ، كانت دموعها لا تهدأ، ولكن هذه المرة امتزجت بحزن عميق على النهاية المأساوية لكل شيء.


وقف "بيجاد" صامتًا، ينظر إلى الفوضى حوله  ، دموع "سلا"، جثة «مازن»، و«نرجس» الغارقة في دمائها  ، والرجال الذى كان يقفون خلفها حين قتلت نفسها أمامهم  ، هربوا من المكان بأكمله، وتاركين «بيجاد»  و «سلا» 


أخذ نفسًا عميقًا وحاول أن يتماسك، فقد كان يعلم أنه لا يملك رفاهية الانهيار الآن.


اقترب من "سلا"، وضع يده على كتفها برفق وقال:

ــ  سلا لازم نفوق  ، ادعى لمازن بالرحمة يا حبيبتى  ، قعدتك هنا مش هترجع اللى روحوا  . 


نظرت إليه "سلا"، وجهها غارق في دموعها، ولم تجد أي كلمات تخرج من شفتيها  ، لكنها أدركت في أعماقها أن "بيجاد" على حق، وأنه لم يعد هناك مجال للانهيار.


لم يمر وقت طويل حتى ملأ صوت سيارات الإسعاف والشرطة المكان  ، تقدم «مالك» نحو «بيجاد»، وجهه يشع بالقلق والغضب معًا، وقال بصوت عالٍ :


ــ  إيه اللي حصل هنا؟ إزاي الأمور وصلت لكده


أجابه "بيجاد" بهدوء مخيف :


ــ "نرجس اختارت طريقها... وكل اللي كان ممكن ينهار انهار  ، دلوقتي لازم نلم الباقي ونحمي اللي لسه باقي.


نقل المسعفون "مازن" و"نرجس"، بينما بقي "سلا" جالسة في صمت مطبق، وكأنها تعيش في عالم آخر.


بينما كان "شريف" ينقل إلى سيارة الإسعاف، جاء الطبيب ليعلن أنه ما زال على قيد الحياة، وأن الرصاصة لم تكن قاتلة  ، كان الخبر كأنما أضاء شعاع أمل صغير وسط كل هذا الظلام  . 


اقترب «بيجاد» من «شريف» وهو يهتف بندم وقلق عليه  :  


ـ سامحنى يا صاحبى  ، سامحنى  . 


اجابه «شريف» ببعض الألم وهو ينظر له بسخرية  : 


ـ هسامحك بس على حاجه واحدة  ، انك تعزمنى على شاورما  ، وسورى كمان  .


ابتسم «بيجاد» وكاد أن يقترب يعانـ ـقه ولكن منعه الطبيب  : 

ـ أستاذ بيجاد مينفعش كده  ، اتفضل بره  . 


ختم حديثه وخرج من السيارة الأسعارف حتى يداوى جرح «شريف»  ، ولكن وهو يخرج من السيارة الأسعاف  ، سمع «شريف» يهتف بحُب  :  


ـ أنت كنت قاصد الرصاصة تيجي في جنبي   ، عشان ميحصليش حاجه  ، عشان تعرف انك متقدرش تستغنى عنى  . 


ابتسم «بيجاد» له  ، والطبيب أغلق باب السيارة الاسعاف  ، مما اقترب من «سلا» و ابتسم بخفوت وقال :


ــ "شريف لسه عايش   ، انا جنبك يا سلا ومستحيل اسيبك  ، اوعى تفتكرى انك لوحدك ابداً  . 


هزت "سلا" رأسها ببطء، وكأنها تحاول استيعاب كل ما يحدث حولها  وعانـ ـقته بحُب  ، فهي عانـ ـقته حتى تبحث عن الأمان الذى افتقدته منذ قليل  . 


بعد أيام من التحقيقات والجنائز، بدأت الحياة تعود تدريجيًا إلى طبيعتها  ، «سلا» لم تكن كما كانت من قبل، لكن بوجود «بيجاد» و«شريف»  و«فريدة» و «مالك» استطاعت أن تستمد القوة من حبهم ودعمهم .


 اختارت «نرجس» نهايتها بنفسها، و«مازن» ضحى بروحه ليكفّر عن خطاياه ويحمي أخته  ، كان الألم حاضرًا دائمًا، لكن الأمل كان أقوى .


وقف "بيجاد" مع "سلا" في شرفة منزلهم الجديد، عيناها تنظر إلى الأفق، وقال لها:

ــ مازن عاش ومات عشان يحميكى ، وكل اللي عمله كان بدافع الحب  ، وإحنا هنعيش ونحافظ على ذكراه  . 


ابتسمت «سلا» بخفوت، ووضعت يدها على بطنها قائلة :


ــ ابني هيحمل اسم مازن. وهعلمه انه يكون قوي زيه، ويعرف معنى التضحية.  . 


عقد حاجبيه «بيجاد» بحيرة وعانـ ـق كتفيها  : 


ـ و أنت ايش عرفك انه يطلع ولد؟؟  


ابتسمت «سلا» وعانـ ـقت بطنها بحنان  : 


ـ انا حاسة انه ولد  ، الأم بتحس برضوا  . 


ربّت «بيجاد» على يدها بحنان، وقال :


ــ  المهم انه منك ، وانك هتكونى مامته  . 


كان الألم جزءًا من ماضيهم، لكنهم قرروا أن يجعلوه القوة التي تدفعهم لبناء مستقبل جديد، مليء بالأمل والحب  . 


الصفحة التالية