-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 2 - 4 - الجمعة 29/11/2024

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش



الفصل الثاني

4

تم النشر الجمعة

29/11/2024


هتف صديقه سالم الذي كان برفقته في نبرة مشدوهة: الله، دي بت زينة جوي يا شيخ محمود! بدر مصور.. 

هتف محمود معاتبا: سالم! 

هتف سالم في حنق: يا دي سالم ع اللي چابه، خلاص هنغض بصرنا أها.. 

نكس الصبي رأسه، محاولا أن يغض بصره الذي كان يحيد بشكل لا إرادي صوب موضع أُنس متطللعا في فضول نحوها، ما دفع ضحكاتها لتصدح عالية على أفعال الصبي المشاغب، الذي هتف مبرئا ساحته: أها، مليش صالح يا بوي، هي اللي بتضحك، بس إيه ضحكة تشرح الجلب.. 

امتعض محمود متسائلا: أنتي مين! 

هتفت أُنس مجيبة: اعتبرني ضيفة.. 

أكد محمود في نبرة هادئة لا تتماشى مع أعوامه التي قدرتها تقريبا بثلاثة أو أربعة عشرة عاما على أقصى تقدير: ضيفة ع العين والراس، بس الضيف مبيدخلش على حد كده من غير إحم ولا دستور.. 

ابتسمت هاتفة بنبرة معتذرة: عندك حق، بس صوتك ما شاء الله.. هو ده اللي جبني، لولا كده مكنتش خرجت من اوضتي إلا مع وصول حبيب بيه، اللي هيعرفك إني مش ضيفة أوي يعني.. 

هتف محمود متعجبا: يعني إيه مش ضيفة!.  

عرفت نفسها: أنا أنس الوجود نجيب الحراني.. 

لم يظهر على وجه محمود أي تأثر بالاسم، إلا إنه همس في تعجب: حراني! أنتي من الحرانية! .. 

همس سالم متعجبا بدوره: حرانية، ايه اللي بيحصل هنا يا شيخ محمود! ومين دي! 

همس محمود دافعا سالم في عجالة: هتكون مين! ما هي جالت ضيفة، ياللاه روح يا سالم دلوجت ونحفظوا بعدين..

هتف سالم معترضا: بعدين ميتا! ده أني لازما أروح حافظ الربع للشيخ معتوج بعد صلاة المغرب.. وإلا هتبجى ليلتي كوبيا..

أكد محمود وهو يدفعه ليرحل: معلش، روح دلوجت، أني تعبت.. 

اندفع سالم راحلا في حنق، منفذا أمر محمود وهو يتمتم معترضا: مش هتسلم من فلكة الشيخ معتوج يا فجري، جال سالم جال، ده أني مفيش ولا حتة مني هتبجى سليمة، وكل حتة هتبجى ف ناحية.. 

اتسعت ابتسامتها على الرغم منها حين مر بها سالم، وعلى الرغم من ورطته، إلا أنه تطلع لها وقد انشرحت نفسه فجأة ناسيا ما كان ينتظره من وعيد الشيخ معتوق، واتسعت الابتسامة على شفتيه وهو يلوح لها راحلا، فأمسكت ضحكاتها عن الانفلات لأفعاله.. والتي وأدتها تماما وكاد أن ينطلق بديلا عنها شهقة قوية ما أن تحرك محمود وكاد أن يتعرقل بحافة البساط القديم الذي كان في يوم ما ذي قيمة ثمينة، لكنه ضبط حركته مستقيما باحثا عن شيء ما في الفراغ حوله، أدركت أنه عصاه التي يستطلع بها طريقه، هالها أن عرفت أنه كفيف، فما لاحظت ذلك منذ الوهلة الأولى، مدت كفها مساعدة تناوله عصاه التي كانت قابعة بالقرب منه لكنه من اضطرابه لم يستدل على موضعها، والتي قبض عليها بإحدى كفيه شاكرا لها صنيعها، وهم بالخروج من الغرفة، فسألته: على فين! أنا راجعة اوضتي لو ده هيخليك ترتاح وتقعد في اوضتك براحتك! 

أكد محمود في رزانة: أنا كمان راچع اوضتي، دي اوضة الضيوف وأني كنت مع سالم فيها عشان ميدهسش البيت وفيه حريم داخلين وخارچين عشان كتاب منيرة أختي، فجلت ياخدوا راحتهم.. 

ابتسمت رغما عنها لمنطقه، وعرضت عليه في ود: طب ممكن اوصلك.. 

كاد أن يعترض، إلا أنها استبقته هاتفة: عشان اطمن عليك إنك وصلت بالسلامة، كفاية إني كنت سبب في إن صاحبك مشي وأكيد كان هو اللي هيوصلك اوضتك، أنا هوصلك وهرجع على اوضتي على طول.. 

ساد الصمت لبرهة، قبل أن يهز رأسه موافقا.. 

❈-❈-❈

فتحت عينيها في تباطوء لتدرك أنها في حجرتها ببيتها لا في المشفى، ما جعلها تزفر في راحة.. فما زال شبح تلك الليالي التي قضتها بالمشفى قابع بذهنها، فهناك وهي في غيبتها عن العالم رأتهم جميعا، كل من رحلوا وكل من لازالوا على قيد الحياة، كل الأحبة الذين خزلتهم أو ربما هم من خزلوها، سمعت لومهم وتقريعهم، واسمعتهم هي بدورها عتابها وصوت انين قلبها الدامي حتى هذه اللحظة.. تنهدت وحاولت النهوض في تمهل، لتدرك أن درية ها هنا تجلس غافية على مقعد مقارب للفراش، يعلو صوت غطيطها قليلا عن المعتاد، ربما لأنها تنام في وضعية غير سليمة برأسها المائل على إحدى كتفيها، مؤثرا على مخارج تنفسها، ما دفعها لتهمس في اشفاق: درية، درية!!

تنبهت درية مزعورة، تتطلع نحوها في خوف حقيقي، متسائلة في نبرة ملهوفة: إنتي كويسة، أكلم الدكتور! 

ابتسمت برلنت مؤكدة: أنا كويسة متخافيش، قومي نامي مع أُنس، هي فين صحيح! أنا مشفتهاش خالص النهاردة! 

اضطربت درية قليلا، لكنها ما أفصحت عن سبب غياب أُنس، محاولة تبرير غياب أنس بشكل لا يثير ريبة أمها، مؤكدة في نبرة حاولت أن تكسوها بالصدق قدر استطاعتها: أُنس نايمة جوه من التعب يا عيني، وأنا قلت لها ترتاح شوية، أصلها تعبت جامد فالمسشفى، مكنتش بتنام من قلقها عليكي، سبتها تنام وخدت أنا مكانها جنبك.. 

هزت برلنت رأسها متفهمة، وأمرت درية في نبرة حانية: وإنتي كمان روحي نامي، أنا كويسة، ولو عزت حاجة هنادي حمدية.. 

تمنعت درية بعض الشيء، لكنها في الآخير ازعنت لإصرار برلنت،  ونهضت مغادرة الغرفة، تاركة برلنت وحيدة تتطلع قبالة ناظريها للفراغ، تجتر حوارات الماضي وأحداثه من جديد، تتابع أمامها كشريط سينمائي، وقد تناهى لمسامعها صوت فيروز القادم من مذياع أحد الجيران، حاملا الحطب إلى نيران الذكرى التي كادت أن تخبو فزادتها اشتعالا.. 

              بأيام البرد وأيام الشتا

        والرصيف بحيرة والشارع غريق

        تجي هاك البنت من بيتا العتيق

     ويقول لها انطريني وتنطرع الطريق

         ويروح وينساها وتدبل بالشتا..

الصفحة التالية