-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 2-2 - الخميس 19/12/2024

 

قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الثاني

2

تم النشر الخميس

19/12/2024


نظر إليه الضابط نظرة طويلة من رأسه حتى قدميه، ثم قال بصوت هادئ:


"اقعد يا شوقي."


جلس شوقي على الكرسي أمامه، يبدو عليه الألم والحيرة، وكأنه لا يصدق رحيل شقيقه بهذه الطريقة. بدأ الضابط حديثه بأسئلة مباشرة:


"أخوك كان عنده أعداء؟"


هز شوقي رأسه سريعًا وقال بصوت متهدج:


"لا يا بيه، ده كان قلبه أبيض. أحنّ وأطيب شخص في الكون كله."


سأله الضابط بنبرة أكثر جدية:


"ومراته سميرة... تعرف إيه عنها؟"


أخذ شوقي نفسًا عميقًا، وكأنه يسترجع ذكريات بعيدة، وقال:


"دي ست ولا كل الستات. مرة واحدة جه أخويا قالي إنه عايز يتجوز زميلته في الكلية. أخويا كان زينة شباب الحتة عندنا، شاطر أوي يا بيه. أبويا الله يرحمه كان نجار، علّمه الصنعة وهو صغير، وأخويا اشتغل معاه. كان شاطر في شغله وذكي، قدر يجمع قرشين بالرغم من حالتنا اللي كانت ضنك. دخل دبلوم صنايع، وبرضو ما وقّفش طموحه. ذاكر لحد ما دخل كلية الهندسة وبقا معيد كمان."


صمت قليلاً ثم أكمل:


"قال لي إنه عايز يتجوز زميلته، بنت يتيمة غلبانة، وعايز يسكن في شقة إيجار في حتتنا الشعبية. بس لما شفتها، مكانش باين عليها الغُلب اللي حكاه."


رفع الضابط حاجبه وسأله:


"ماكنش باين عليها الغُلب... إزاي؟"


أجاب شوقي بنبرة مترددة:


"يا باشا، كانت حتة بسكوتة كده، مدلّعة وما تعرفش حاجة عن شغل البيت. لا طبيخ، لا غسيل، ولا حاجة. حتى لما اتجوزوا، ما عملوش فرح زي الناس، ولا لبست فستان أبيض زي البنات. بعد الجواز، أخويا عمل شركة هندسية صغيرة، ومع الوقت ربنا فتحها عليه، وكبرت الشركة. نقل للبيت اللي اتقتل فيه بعد ما جمع قرشين."


سأله الضابط مباشرة:


"تتوقع سبيل هي اللي قتلت أخوك؟"


نظر شوقي بخبث واضح، وكأن الطمع في ميراث أخيه بدأ يسيطر عليه، ثم قال:


"أيوة، البنت دي ممكن تكون عملتها. بس ليه؟... الله أعلم."


رفع الضابط حاجبه بدهشة وسأله:


"ليه بتقول كده؟"


❈-❈-❈


أجاب شوقي بنبرة ممتلئة بالضغينة:


"ما بتحبنيش، دايمًا تبصلي من فوق لتحت وكأنها شايفاني مش بني آدم. تحسسني كأني جربة. غير كده، البنت مش طبيعية، كأنها مريضة نفسية أو عندها حاجة غلط."


أجاب شوقي بنبرة ممتلئة بالضغينة والحقد، وكأنه يبحث عن أي ذريعة لتوريط سبيل:


"البنت دي ماكنتش طبيعية أبدًا، كانت غريبة في كل حاجة. مبتحبش حد يقرب منها، وكأنها عايشة في عالم لوحدها. حتى مع أخويا، عمرها ما كانت بنت لطيفة أو بنت بتحب أبوها. أنا شفتها مرة بتزعق له، وكان شكلها مرعب، عنيها كانت مليانة غضب وحقد. بتعاملني كأني مش بني آدم، تبصلي من فوق لتحت كأني شحات، وهي اللي عايشة في خير أخويا."


صمت قليلاً، ثم أكمل وهو يحاول تبرير موقفه:


"البنت كانت مريضة يا بيه، مريضة نفسيًا. تحس إنها شايلة حاجة جواها مش طبيعية، كأنها متضايقة من الدنيا كلها. حتى لما كنت أروح البيت، كانت بتدخل أوضتها وتقفل على نفسها، مبتحبش تتكلم مع حد. وأخويا الله يرحمه كان على طول بيقول إنها صعبة، وإنه مش فاهمها. البنت دي كانت زي الغريب في بيت أبوها، لا كلام مع أمها ولا أبوها، ودايمًا الوش المظلم."


توقف شوقي للحظة، ثم أضاف بنبرة أكثر خبثًا:


"وبعدين يا باشا، هي الوحيدة اللي كانت في البيت وقت ما الجريمة حصلت، يعني مين غيرها ممكن يكون عملها؟ حتى أمها اختفت فجأة. دي أكيد وراها حاجة، وأنا متأكد إنها مش بريئة."


حاول الضابط أن يبقي وجهه محايدًا، لكنه شعر أن شوقي يحاول دفع التهمة نحو سبيل بأي طريقة. فسأله بحدة:


"طيب، غير كل ده، كان في حاجة تانية غريبة عنها؟ تصرفات أو كلام لاحظته عليها؟"


هز شوقي رأسه قائلاً:


"يا باشا، تصرفاتها كلها كانت غريبة. البت دي عمرها ما حسستنا إنها طبيعية. تحسها بتخبي حاجة كبيرة جواها، حاجة ممكن تكون السبب في اللي حصل."


أشار الضابط بيده لينهي الحديث وقال ببرود:


"طيب روح انت دلوقتي، ولو افتكرت أي حاجة مفيدة، تعالَ بلغنا."


وقف شوقي، وبدت على وجهه تعابير مختلطة بين الخوف والطمع، ثم خرج من الغرفة، تاركًا الضابط في حالة من الشك والريبة تجاه دوافعه.


ثم قال الضابط لأمين الشرطة بنبرة هادئة لكن حازمة:

"خلّي اللي بعده يدخل."


❈-❈-❈


فتح أمين الشرطة الباب، ودخلت سلوى، زوجة شوقي شقيق القتيل. كانت ترتدي ملابس سوداء، ووجهها شاحبًا يوحي بحزن عميق. بدا واضحًا على ملامحها أثر البكاء الشديد، وكأنها قضت الليلة الماضية في نوبات من الدموع المتواصلة.


رفعت عينيها نحو الضابط بتردد، وجَلَست على الكرسي أمامه ببطء، بينما كان يراقبها بتمعن محاولاً استنباط ما تخفيه وراء دموعها.


قال الضابط بهدوء: "علاقتك إيه بالقتيل؟"


سلوى مسحت دموعها بطرف حجابها قبل أن تجيب بصوت متهدج:

"كنا متربيين مع بعض في المنطقة بتاعتنا. عبدالله ماكنش في منه اتنين... الأدب والأخلاق والشطارة. كان محبوب من كل الناس."


نظر الضابط إليها بتمعن، ثم سأل بصوت هادئ لكنه مليء بالترقب:

"يعني ما كانش عنده أي عداوات؟ حد ممكن يكون عايزله الشر؟"محتاج منك تصفيلنا علاقة شوقي بالمرحوم. هل كان في أي خلافات بينهم؟"


تنهدت سلوى وأجابت بصوت منخفض:

"كان إنسان طيب، ودايمًا واقف جنبنا ، و جنب أي حد عايز مساعدة "

ثم 

رفعت سلوى رأسها بصعوبة وقالت بصوت مبحوح:

"شوقي... شوقي كان دايمًا يحاول يساعد أخوه، مهما حصل بينهم. كانوا زي أي إخوات... أوقات يختلفوا، بس مش حاجة كبيرة..." توقفت فجأة وكأنها تخشى أن تقول المزيد.


لاحظ الضابط التردد في كلامها وسأل بحذر:

"يعني ما كانش فيه أي مشاكل كبيرة بين شوقي وأخوه؟ طيب، آخر مرة شوفتي المرحوم، كان إيه اللي حصل؟"


تنهدت سلوى بعمق وبدأت تمسح دموعها:

"آخر مرة شفته كانت لما جه عندنا البيت من أسبوع. كانوا قاعدين في الصالة بيتكلموا... مش عارفة كانوا بيتكلموا في إيه. لما سألت شوقي بعد ما مشي، قالي إنها أمور شغل."


نظر الضابط إليها بتركيز وقال:

"هل لاحظتي على شوقي أي تصرفات غريبة بعد كده؟ أو قال حاجة غير عادية؟"


نظرت إليه سلوى بخوف وقالت:

"ما كانش طبيعي... الأيام اللي فاتت كان سرحان ومتوتر، كأنه شايل هم كبير. لما كنت بسأله، كان يقولي إنها مشاكل الشغل بس... "


أشار الضابط برأسه وسأل بصوت أهدأ:

"طيب، شوقي كان فين ليلة الحادث؟ هل كان في البيت؟"


ترددت سلوى للحظات، ثم قالت بخوف واضح:

"كان في بيسكر زي عادته ... بس... أنا مش متأكدة."


تبادل الضابط وأمين الشرطة نظرات ذات مغزى، ثم قال لها بنبرة مطمئنة:

"شكراً يا مدام سلوى، لو افتكرتي أي حاجة تانية، إحنا موجودين. تقدري تمشي دلوقتي، بس ممكن نحتاج نسألك تاني."


قامت سلوى بتثاقل، وعيناها ما زالت مليئة بالخوف والحزن، وغادرت الغرفة ببطء، تاركة وراءها أسئلة أكثر مما جاءت بإجابات.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة