رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 3 - 3 الجمعة 6/12/2024
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الثالث
3
تم النشر الجمعة
6/12/2024
زفرت برلنت وهي تسير في هوادة خارج غرفتها بمساعدة حمدية خادمتها، حتى وصلت لمجلس درية التي كانت تنتظرها بالخارج، تجلس على أريكتها المعتادة التي تجلس عليها دوما ما أن تأتي لزيارة برلنت، حتى اسمتها أنس في لحظة مزاح.. "كنبة دودو".. تنبهت درية لبرلنت التي كانت تأتي على مهل فانتفضت تساعدها على المسير نحو أقرب مقعد بدلا عن حمدية التي سألتها: الهانم خدت كل ادويتها يا حمدية!
هزت الخادمة رأسها إيجابا قبل أن تغادر للمطبخ لصنع بعض الشاي، جلست برلنت متطلعة نحو درية في نظرة عاتبة، هامسة في وجع: فين أُنس وممدوح يا درية!؟ قاعدة تلفي وتدوري عليا ومش مرسياني في ايه! الولاد فين يا درية!
اضطربت درية، لا تعرف بما تجيبها، فقد كان اتفاقها مع أنس وممدوح أن الأمر لن يتخطى الليلة الواحدة غيابا، لم كل هذا الغياب إذن! إن القلق يتآكلها ولا تعرف كيف تتصرف الآن!
هتفت درية بعد الكثير من الضغط من جانب برلنت، لتهتف أخيرا في انفعال: أنا قلت لأنس اللي أعرفه، وهي وممدوح فالرسلانية دلوقت..
انفعلت برلنت صارخة: ليه كده يا درية! ليه قلتي لأُنس! هو مش أنا مأمناكي متفتحيش بقك بكلمة..
اضطربت درية ودمعت عيناها هامسة: والله يا برلنت ضغطت عليا كتير أوي فوق ما تتخيلي، وإنتي كمان فالغيبوبة جبتي سيرة.. سيرة رؤوف.. وهي سمعتك، وكانت عايزة تعرف مين ده، وبعدين هو أنا قلت ايه يعني! قلت الحقيقة.. واللي أعرفه عن الموضوع..
تنهدت برلنت في قلة حيلة: يعني أُنس هناك يا درية! فاهمة ده معناه إيه! أنا بموت من قلقي عليها، يومين اهو وأنا مش عارفة اتلم على روحي، كنت حاسة حتى وانتي مخبية عليا، كل ليلة كوابيس، اتاري الموضوع كبير وأنا مش دريانة..
زاد اضطراب درية متسائلة: وهو ايه اللي ممكن يحصل يعني! واحدة رايحة تاخد حقها! فيها ايه يقلق! وبعدين ما هو ممدوح معاها وقالي لو عرف يتصل بينا يطمنا هيتصل..
أكدت برلنت: ما هو ده اللي مطمني، وجود ممدوح معاها.. ربنا يجعل الموضوع ده يمر على خير..
دق جرس الباب.. فاندفعت حمدية مهرولة لفتحه، هللت ما أن رأت محيا القادم، الذي ما أن هل على مجلسهما، حتى انتفضت برلنت متسائلة في ذعر: أنت جاي لوحدك ليه! فين أُنس!
تطلعت درية نحوه ولم تنطق حرف، بينما أكد ممدوح في بساطة: أُنس لسه هناك يا لولو، هي اللي..
زعقت برلنت في قلق مقاطعة: هي اللي ايه يا ممدوح! ليه سبتها لوحدها وجيت، ده أنا اللي كان مطمني هو وجودك معاها هناك!
اضطرب ممدوح واجاب في تردد: والله يا لولو، أُنس هي اللي أصرت على رجوعي عشان متبقوش لوحدكم، وقالت لي بالحرف، أنا مش ماشية غير لما اخد حقي بعد الفرح..
هتف كلاهما، درية وبرلنت، متسائلتين في تعجب: فرح مين!
أكد ممدوح: فرح اسمها ايه دي.. اه.. منيرة.. أخت اللي اسمه حبيب.. ده الفرح المفروض النهاردة.. يعني هانت.. يومين ولا تلاتة بكتير وتكون هنا..
تطلعت إليه برلنت في وجوم، وشردت لبرهة قبل أن تنطق وهي ساهمة: هي منيرة كبرت وبقت عروسة، وفرحها النهاردة كمان!..
لم يتنبه ممدوح لشرود برلنت، أو لاحظ حتى وجومها وهو يستطرد مؤكدا في تعجب: أه، دا الدنيا مقلوبة هناك.. كتب الكتاب بكرة، والدخلة بعد أسبوع.. وهيصة وزيطة تقولش فرح قطر الندى!..
شردت برلنت ولم تعقب بحرف، بينما تبادل كل من ممدوح ودرية النظرات فيما بينهما خلسة، إلى أن استأذنت برلنت مغادرة المجلس، هامسة في وجع: أنا داخلة ارتاح في اوضتي..
همت درية باللحاق بها، إلا أن برلنت أشارت لها بأن لا تفعل، فعادت درية أدراجها تجلس مع ممدوح، تستجوبه في قلق: هو حقيقي كل حاجة هناك تمام!
تطلع ممدوح نحوها في تعجب: ومش هتكون تمام ليه!.. واستطرد مؤكدا: الصراحة اللي اسمه حبيب ده على الرغم إنه شايف نفسه حبتين وكان بيكلمنا من طرطوفة منخيره، لكن اتعامل بالأصول، والليلة اللي قضتها هناك كانت مريحة ومفيش فيها أي مشاكل، وأنا مكنتش هسيب أُنس لوحدها لو كنت حسيت إن في أي ضرر عليها، الناس مشغولين بفرح بنتهم وده اللي خلى حبيب يأجل الكلام في أي مواضيع لحد انتهاء الفرح، وده اللي قاله لأنس، وعلى هذا الأساس أنا رجعت اطمن عليكم، ولو أنس اتأخرت هروح لها تاني طبعا مش هسبها..
ربتت درية على كتف ممدوح في إكبار، وما أن همت بالحديث إلا ورن جرس الهاتف، أشار ممدوح لحمدية لتكمل ما كانت تفعل بالمطبخ، تاركة له الرد على الهاتف، فإذا بها هاجر تسأل على أُنس بعد عودتها من رحلة عمل خارج البلاد كعادتها..
هتف ممدوح في سعادة لسماع صوتها: أُنس مش هنا، دي حكاية كبيرة وقصة عجيبة كده..
أكدت هاجر: طب أنا جاية اطمن على طنط برلنت، أنا جبت لها الدوا اللي كانت طلباه من بره، وأشوف ايه الحكاية دي! يا رب خير..
وضع سماعة الهاتف منتظرا قدومها على أحر من الجمر، تتطلع أمه إليه في تعجب، فقد تحولت حاله بالكلية، ما أن علم بقدوم هاجر..
❈-❈-❈
اطمأنت أخيرا أن ممدوح اقتنع بكلامها بعد إلحاح منها وغادر الرسلانية، فما عاد له من طائل وجوده جوارها، وقد أعلن ذاك المتغطرس الذي بيده الأمر كله، أن ما من نقاش حول سبب قدومها، والحديث في أي موضوع يخص أرثها وأمها في أيام الفرح التي تنتهي غدا، مضى منهم يوم بليلة وبقى القليل.. فليكن .. ستنتظر على الرغم من تعجلها، فليس هناك من أمر آخر بيدها سوى الانتظار حتى يتم لهم فرحهم، وها قد ارتاحت بعض الشيء أن ممدوح قد سافر للقاهرة حتى لا تظل أمها وحيدة بصحبة أمه، دون وجود أي منهما بصحبتهما.. فقد كان على أحدهما التواجد معهن، فما عاد تركمهما وحيدتين مناسبا في ظل الظروف الراهنة، وقد باتت صحة كلتيهما على السواء لا تحمل مؤشرا مطمئنا مؤخرا.. خاصة بعد وعكة أمها الأخيرة..
مطت ذراعيها على طولهما متثائبة في كسل، فقد نامت بعمق على عكس ما كانت تتوقع، على الرغم من أن بعض الناموس شاكسها في بداية الليل، لكن سرعان ما راحت في سبات عميق، وقد قامت تلك الناموسية التلية التي تنبهت لوجودها فقامت بفردها وقد أتمت واجبها على أكمل وجه، ومنعت عنها وصول الناموس إلى موضع رقادها، فقد كان جسدها منهكا في حاجة لبعض الراحة، وكذا كان عقلها الذي لم يهدأ لحظة عن التفكير، في حاجة لبعض السكينة.. في انتظار المواجهة الحتمية مع ذاك الحاكم بأمره، والتي تعلم علم اليقين، أنها لن تكون سلسلة بأي حال من الأحوال، وأنها قادمة لا محالة...
قرقرت معدتها بصوت عندما وصل لأنفها رائحة ذاك الخبز الطازج، الذي يأتيها من النافذة المطلة على الباحة الخلفية للدار، والقريبة نوعا ما من حجرة الخبيز، وتذكرت أنها بالفعل جائعة لأنها لم تتناول طعام العشاء البارحة، تطلعت لصينية الطعام التي أتت بها نبيهة مساءً، مدركة أنه يعلم عدم رغبتها في الاختلاط بمن في الدار، محاولا أن يجنب صفية رسلان جدته العجوز مقابلتها مجددا.. حسنا، الشعور متبادل على كل حال، والرغبة مشتركة، وذاك كان من دواعي سرورها، فهي أحرص منه على عدم معاودة ذاك اللقاء المربك مع هذه السيدة مجددا.. والتي ما تركت حجرتها تقريبا منذ مقابلتهما، فقط تدرك وجودها من خلال صوت ذاك الجرامافون الذي يصلها صوته من حجرتها التي تقع تقريبا أسفل حجرتها التي تحتلها منذ قدومها، فيتناهى لمسامعها أصوات تلك الأغنيات التي تديرها مؤنسة ساعاتها التي تقضيها وحيدة، كما هي الآن، يصلها صوت تلك الأنشودة القديمة.. ظلت تتطلع لسقف الغرفة البعيد من خلال الناموسية، سارحة في كلماتها التي تحاول تبينها:
حرام إن كنت أنا أخونه، وعشقي له من
الواجب، من الواجب.. خفيف الروح..
خفيف الروح بيتعاجب، بيتعاجب..
برمش العين والحاجب.. خفيف الروح..
شردت لفترة ودمعت عيناها حين تذكرت أمها واذاعتها الصباحية التي توقظها على صوتها يوميا، ترى كيف هي الآن! وهل علمت أنها هنا، أم أن الأمر ما زال خافيا عليها!...
قرقرت معدتها مجددا، شعورها بالجوع كان حافزا قويا لتنهض دافعة عن فراشها طرف الناموسية التي اشعرتها أنها إحدي أميرات العصر الفيكتوري، وخاصة مع ذاك الفراش العتيق المصنوع من خشب يبدو أنه قيم وثمين، لتكتمل الصورة التي جعلتها تبتسم في شجن، وهي تغادر الفراش في إتجاه النافذة، التي فتحتها على مصرعيها بلا حذر أو مواربة، ووقفت تسحب من الهواء المنعش المحمل بكل تلك الروائح البكر، ما عبأت به أنفاس عميقة سكنت رئتيها لبرهة، قبل أن تطلقها حرة مع ابتسامة رضا..
متى كانت آخر مرة استيقظت على مشهد رائع كهذا الذي يطالعها اللحظة مجسدا بكل بهاء قبالة ناظريها!.. ومتى كانت آخر مرة عبأت ذاك المخزون الشهي من الروائح الذكية بداخل جسدها!.. كان ذاك قبل رحيل والدها!.. ربما.. فقد كانت أحضانه تحمل عبقا خاصا، توقن أنها لن تحظى بمثيله مرة آخرى ما حيت..