-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 4 - 1 - الجمعة 13/12/2024

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الرابع

1

تم النشر الجمعة

13/12/2024

لعلها المنجية.. 


الرسلانية ١٩١٥..

ابتسامتها اتسعت مظهرة صفين من أسنان لؤلؤية منتظمة كما عقد وضاء حين قالت في سعادة: تهانينا سعد بيه، الصفقة أصبحت من نصيبك.. اعتقد رديت الجميل! 

ابتسم سعد في وقار مؤكدا: العفو يا هانم.. 

كانت بالفعل حليف ممتاز في نقاشه مع نظيم باشا حول استحقاقه للصفقة الكبرى التي كان يسعى إليها جاهدا، وإحقاقا للحق ما كان لينالها لولا تدخلها ووقوفها بصفه في تلك المفاوضات التي انتهت بفضلها لصالحه.. تنبه حين قالت أُنس الوجود من جديد: بتقولوا عليها ايه هنا في المحروسة.. معروف مقابل معروف!.. 

اتسعت ابتسامة سعد، منكسا رأسه في محاولة لضبط قهقهاته، التي لم يستطع كبحها فخرجت على طبيعتها ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد، مؤكدا وهو ينكس رأسه احتراما: واحدة بواحدة.. يعني خالصين يا هانم.. 

قالت بلغة تركية خرجت تلقائية مع ابتسامة صافية كماء جدول عذب: إيڤت، مظبوط.. خالصين.. 

تقدم رستم باشا أخيها لموضع وقوفهما باسما بعد أن أدرك فوز سعد بالصفقة: مبارك، تستحقها.. نظيم باشا كان قلقان جدا لكن أنا ضمنتك عنده.. وعارف إنك مش هاتخزلني.. 

أكد سعد بنبرة تقطر ثقة: برجبتي يا رستم باشا.. 

أخرج رستم علبة سجائره المعدنية القيمة من جيب سترته، هاتفا في نزق: المدعويين مشيوا أخد راحتي بقى قبل ما الهانم تيجي، وتعترض على آخر سيجار الليلة دي.. 

ابتسم سعد لأريحية رستم، وتنبه أن قاعة القصر التي كانت تعج بالمدعوين منذ قليل قد خلت بالفعل فشعر بالحرج، وتساءل.. كيف لم يستشعر خلو المكان من روداه وهو في حضرتها!؟.. دعاه الشعور بالحرج ليستأذن في عجالة، على وعد بلقاء جديد قبل عودته للرسلانية.. 

خرج مهرولا من القصر، لا يعلم لم كانت عجلته وكأنه يفر من أمر ما يلاحقه لا يعرف له تفسيرا.. 

انتفض سائقه من موضعه مسرعا نحو باب الاطومبيل ليفتحه، خلع سعد طربوشه الأحمر القاني واندفع للداخل، وما أن استقر به المقام حتى رفع رأسه بلا وعي صوب أسوار القصر، ليسقط ناظره عليها.. هل هذه شرفة حجرتها!.. كانت قد غادرت في غفلة منه، ما أن ظهر رستم في الصورة، أو ربما استأذنت في عجالة وما أدرك غيابها إلا حين شعر بوجود رستم في دائرة الحوار.. 

تحركت العربة مغادرة، لكن نظراته أبت أن تفارق موضع وقوفها بالشرفة وهي تتطلع للفضاء الواسع حولها، لا تدرك أن هناك عيون تعلقت بطلتها، وقلب عصى صاحبه وظل هناك تحت أسوار شرفتها مبتهلا.. 

انتفض سعد مستيقظا من شروده بحلم يقظته، متطلعا لأخته توحيد وقد وصل نداءها أخيرا لمسامعه، فهتفت هي في قلق حين أدركت انتفاضته، رابتة على كتفه في حنو: اسم الله عليك يا واد أبوي، إيه في! بنادم عليك ياچيلي دجيجة، خلعتني عليك! 

ربت سعد بدوره على ظاهر كفها القابع على كتفه مطمئنا: أني زين، وبخير يا توحيد، كان الفكر واخدني حبتين.. 

استفسرت متعجبة: بعد الشر عليك من الفكر والحيرة، ايه في شاغل بالك كده! 

أكد سعد متنهدا: الدنيا وحالها يا توحيد! 

ابتسمت توحيد التي لم تعدم بعض من فطنة النساء: حال الدنيا برضك! ولاه حال جلبك! بدك تتچوز صح! 

ابتسم سعد في حسرة: لاه چواز ايه بس! خلاص چربنا حظنا وعرفنا اللي فيها يا غالية، لسه هنچربوا تاني! 

أكدت توحيد في حماس: ايوه اومال، تاني وتالت وعاشر، لهو أنت جليل، دي ست البنات تتمنى تخطي عتبة دارك، وتبجى أمها داعية لها.. 

أكد سعد في توجس: جلبي مش هايطوعني اچيب واحدة لحظها وجضاها، أني كيف ما بيجولوا يا توحيد.. واكل ناسي.. 

انتفضت توحيد مدافعة في حماس: فشر، مين ده اللي يستچري يجول كلمة عفشة على سيد الرسلانية وتاچ راسها! .. 

هدأت ثورتها فجأة مثلما اشتعلت فجأة كعادة توحيد، رابتة من جديد على كتف أخيها هامسة: وبعدين هو جضا ربنا لينا فيه حاچة! .. ولا حد فينا.. له فنفسه حاچة م الأساس! 

همس سعد في نبرة مسالمة: ونعم بالله.. وبعدين خلينا بقى نفكر فيكِ أنتي يا توحيد، أنتي العروسة الچاية بإذن الله.. 

صمتت توحيد ولم تعقب، فقد علا وجهها سحابة حزن وكمد ظاهر، مؤكدة في نبرة متحسرة: لاه، بجيناه الحديت ده يا خوي، توحيد ملهاش في الفرح ولا مواويل الحريم، بجت شچرة عجفانة، لا تنفع لطرح ولا ضليلة حتى.. 

انتفض سعد مستنكرا: مين اللي جال! ده انتي يتمناكي سيد الرچالة، وانتي عشان مجامك عالي ومش أي راچل يستاهلك، مچاش لسه اللي يعرف جيمتك ويصونك.. 

دمعت عيناها وقد نهضت مبتعدة قليلة، تتطلع للأفق البعيد، هامسة وكأنها تعترف بما لا تطيق حمله، ولا تقدر على الإفصاح عنه وهي في مواجهة نظرات عيني سعد المتعاطفتين، هامسة في نبرة صوت تقطر وجعا: بالك يا سعد! أني سواعي كده اسرح ببالي واجول، يكونشي عشان أني بت عيلة وحدانا مال وأرض مجانيش اللي كد المجام، واتمنى بيني وبين نفسي لو كنت بت فجيرة من الانفار والتملية شغالة فأرض الخلج بس الاجي راچل يعزني ويتمنى لي الرضا، اچيب منه دستة عيال، اربيهم وافرح بيهم، ويبجوا عزوتي وناسي.. 

سال الدمع على خديها لذاك الاعتراف الصريح، وتعرية نفسها ودواخلها قبالة ناظري أخيها، الذي كان يجلس منصتا في صمت، محترما وجعها المنساب من بين كلماتها، ولو بمقدوره التنازل عن ثروته كلها في سبيل إسعاد أخته ولو لأيام لفعل، لتستطرد هي في هدوء متناقض تماما مع النيران المستعرة داخل نفسها قهرا: لكن لما ببص فالمراية على حالي، ببكي.. وبعرف إني بضحك على حالي، وبعرف ليه مفيش راچل مليت عينه واتجدم يطلب يدي، ما هو يعني هو مفيش رچالة من أصل وطيبين، ده جصر ديل، واهي حچة عبيطة بجولها لحالي واصبر بها روحي على النصيب المايل.. 

همس سعد وقد نهض مقتربا منها، رابتا على كتف أخته في حنو: ومين اللي جال إن الچواز بالچمال ولا المال يا خية، ده نصيب ورزج.. 

هزت توحيد رأسها موافقة، وساد الصمت لفترة قبل أن تعاود توحيد نوبة الحماسة من چديد، وكأن نوبة اعترافها السابقة ما كانت، متسائلة في خبث محبب: مش هتجولي هي مين بجى اللي شجلبت حال الكبير كده! 

أكد سعد مبتسما، متفهما أن أخته تحاول أن تغير مجرى الحديث لأمر آخر بعيدا عن أوجاع قلبها: لاه، دي واعرة جوي يا بت أبوي، أبعد من إن اخوكي يحلم حتى إنه يطولها، دي تربية بشوات وأهلها كلهم أتراك.. ده أني حتى معرفش إن كانت عازبة ولاه إيه حالها.. لكن يوم ما شفتها ف الكام مرة اللي صادفت.. ملجتلهاش راچل معاها، كانت معاها الكمريرة بتاعتها.. وبعدين أخوها ومرته.. 

هتفت توحيد مستنكرة: واه، وليه لاه! أهلها اتراك ولا خواچات حتة، ليه ميجبلوش بِك عاد!؟.. لهو أنت جليل بعد الشر! ده أنت سعد بيه رسلان عين أعيان وچه جبلي كلاته، واللي حداك مهواش شوية، وخدت البهوية، ولو ع المزاج تبجى نايب فالمچلس.. لهتكون بعون الله.. إنوي أنت بس وجول يا رب وهو عنده التساهيل.. بس هي تكون خالية.. 

همس سعد مستفسرا: تفتكري ساعة الحظ تواتي يا توحيد! 

أكدت توحيد في حماس: معلوم.. 

ساد الصمت لبرهة، قبل أن تقطعه توحيد مقترحة: هو فيها حاچة لو چبتهم هنا! اعزمها هي وأخوها الباشا خليهم ياجوا يشوفوا حالنا وبلادنا..واطجس لك أني على حالها.. ولو فيها الخير يبجى على بركة الله.. 

هز سعد رأسه في تباطؤ موافقا اقتراح توحيد بشكل مبدأي، يحاول استيعاب الفكرة التي بدأت تروق له، قبل أن يتخذ قرارا نهائيا بشأنها.. 


الصفحة التالية