-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 5 - 2 الجمعة 20/12/2024

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش

 

الفصل الخامس

2

تم النشر الجمعة

20/12/2024


أكدت شفاعات وهي تملس على بطنها من جديد في فخر: خالتي مكحلة البلانة، فتحت الودع، وجالت لي ايه اللي بيچرا فالنچع من شرجه لغربه، وجالت لي إن اللي چاي فالسكة واد وهيكون سيد نچع الرسلانية كلاته... 

قهقهت فُتنة ساخرة: ما هي جالت لك الحديت ده جبل سابج فالبتين اللي عندك! ايه عچب هتصدج معاها النوبة دي! شكلها البت التالتة چاية فالسكة، ووهدان أخوي هيكون عندِه حچة يچيب لك درة عن جريب يا حزينة! 

انتفضت شفاعات تهتف حانقة: الشر بره وبعيد، فال الله ولا فالك.. الواد چاي وهجعد واتربع واتمريس ع الدار دي باللي فيها، أني ايه اللي كان چابني هنا م الأساس! 

نهضت شفاعات مندفعة لخارج الحجرة، مغلقة الباب خلفها في ضيق، تاركة فُتنة تضحك على أفعالها، معاودة النظر مجددا من خلف نافذتها المشرعة نحو ذاك الذي لو رفع الطرف صوب موضعها لبرهة، لسقطت صريعة تلك الهيبة، هامسة لنفسها في وجد: آه لو الزمان يصفا لي وانول الجبول،  واااه يا بت يا فُتنة دا لو حصل، دي تبجى طاجة الجدر انفتحت لك بصحيح!..

❈-❈-❈

كان سعد رسلان يجلس على صهوة فرسه السمراء التي يعكس وهجها الآبنوسي ضي الشمس الساطعة في ذاك الصباح الخريفي الدافيء، وهو يقف على مدخل النجع في أنفة وأبهة، يبرق سرج جواده العربي الأصيل المطعم بالفضة كأنه شعاع من القمر، فزاده هيبة وزاد محياه تألقا في انتظار ضيوفه.. 

هلت العربة المغلقة القادمة من البعد في تؤدة، فتنبه سعد وكذا خدمه وعبيده المتراصين على جانبي الطريق، الذي تم تعبيده وإزالة كل عثراته ليكون ناعما بلا أي منغصات على راكبيها.. 

تقدم بفرسه حتى أصبح بمحازاة العربة، التي طل منها وجه رستم باشا مبتسما، فهلل سعد مرحبا: الرسلانية نورت يا باشا.. 

هز رستم رأسه في تحية وقورة، متطلعا لأنس الوجود التي جلست على الجانب الآخر بالمقعد المقابل، ما حجب رؤيتها عن عيني سعد الذي منّ نفسه بنظرة لمحياها فخاب مسعاه، ما دفعه للتقدم أمام العربة يرشدها الطريق نحو دار الرسلانية التي تحتل ذاك الجزء العامر من أرضها..

كان موكب ضيوف سعد رسلان من مدخل النجع وحتى داره حدث جلل تحاكت به الرسلانية كلها لأيام وليالِ طويلة، فما رآه أهلها يومها أشبه بما كان يحكي عنه أبناءهم الذين نزلوا للمحروسة من أجل الدراسة بالأزهر الشريف، وشهدوا مواكب الأمراء والأميرات.. 

وصلت العربة لمدخل البوابة الرئيسية للدار، والتي تعد المدخل الوحيد لها، بوابة خشبية متينة، تربط طرفي سور نصفه من الطين اللبن والجزء الأعلى مكون من قضبان خشبية متجاورة مطلية حديثا، تحف حديقة تم الاعتناء بها وتقليم أشجارها، وغرس العديد من الزهور والرياحين بأرجائها فأصبحت في ليلة وضحاها جنة غناء.. 

اندفع الخدم والعبيد صوب باب العربة الذي انفرج لينزل الباشا ومن بعده نازك مرافقة أنس الوجود ومن خلفها هلت أنس ليكون سعد باستقبالهم جميعا على باب الدار بعد أن ترجل مسرعا من على صهوة فرسه، مشيرا للباشا نحو الاستراحة ومشيرا لخدمه ليرافقوا أنس ومرافقتها صوب مجلس الحريم الذي كانت توحيد تقف على أعتابه، وقد هللت في فرحة ما أن دنت أنس من موضعها: يا مرحب بالبرنسيسة، والله إحنا زارنا النبي النهاردة.. يا مرحب يا مرحب.. 

ابتسمت أنس وقد رفعت عن وجهها خمارها التلي الشفاف، وقد همت بالرد على ترحيب توحيد، إلا أن الأخيرة ابتدرتها تهتف مشدوهة: اللهم صل على جمال سيدنا محمد، بدر منور في ليلة تمامه.. 

همست أنس ومن خلفها نازك مرافقتها وهن يضعن اكفهن على صدورهن موضع قلوبهن، يرددن في وجل: عليه أفضل الصلاة والسلام.. 

هتفت توحيد في سعادة: هي البرنسيسة بتتكلم عربي!.. 

ابتسمت أنس مؤكدة: نعم، بتكلم عربي، وأنا مش برنسيسة، أنا أنس الوجود ناديني أنس، أنا حاسة إننا هنبقى أصحاب.. 

هتفت توحيد وهي تشير للداخل: أصحاب! وهو إحنا نطول برضك، اتفضلي يا برنسيسة اتفضلي، خطوة عزيزة.. تعالي أما اطلعك اوضتك.. اكيد تعبانة من طول الطريج ورايدة ترتاحي.. سعد بيه أخوي ربنا يزيده ويكرمه.. خلى المضيفة اللي حضرتك هتشرفيها چنة، كل اللي ممكن تعوزيه هتلاجيه من كافة شيء، وجالي البرنسيسة بس تشاور كده، طلبها أمر، ياچيها لحدها ولو كان لبن العصفور بذات نفسيه.. 

ابتسمت أنس لحفاوة الاستقبال هاتفة: يا خبر! لبن العصفور! كفاية استقبالكم الجميل وضيفاتكم الكريمة يا.. أنا معرفش اسمك لحد دلوقت..

اضطربت توحيد مجيبة: أني توحيد أخت سعد بيه رسلان..

همست أنس مبتسمة: أخته! توقعت إنك حرمه! 

تطلعت توحيد لبرهة لا تدرك ما المقصود، إلا إنها تنبهت لمضمون الكلمات واكدت على عجالة: لا، إني أخته، سعد أخوي مش متچوز.. 

هزت أنس رأسها متفهمة، ولم تعقب حين أصبحن على باب الحجرة التي خصصها سعد لإقامة أنس الوجود خلال فترة بقائها بالرسلانية، والتي استحضر كل محتوياتها من أرقى اماكن لبيع الأثاث والمفروشات، لتليق بوجود أنس الوجود ابنة الباشوات، وربيبة القصور والسرايات.. 

دخلت أنس الحجرة وتعجبت من روعتها ودقة ترتيبها وأناقة محتوياتها، فابتسمت في إكبار، فقد كانت مدركة تماما أن كل هذا الترف حديث عهد بالغرفة، وأن كل هذا ما تم إلا لأجلها، وكان لذلك وقع كبير على نفسها.. 

استأذنت توحيد تاركة أنس ورفيقتها نازلي وحيدتين بالغرفة، التي جلست أنس على أحد ارائكها الوثيرة مع تنهيدة راحة، متسائلة في نبرة ودود كعادتها، وبتركية أصيلة: ما رأيك يا نازك! أعد كل هذه الآبهة من أجل حضورنا! 

جالت نازك بناظريها بمحتويات الغرفة الأنيقة، مؤكدة في نبرة لا مبالية: أقل مما يليق بك سيدتي، لقد تواجدنا في قصور وسرايات أكثر جمالا وأناقة من مجرد غرفة صغيرة في بيت ريفي! 

تطلعت أنس لنازك بعتب: أنتِ ظالمة يا نازك، وفي كلماتك ما يدل على عكس ما قلتي.. هذا بيت ريفي كما أكدتي، وهو قد حول غرفة فيه لهذا الترف الغير مألوف في هذا البلد ليكون مناسبا لوجودي، فذاك والله عين التقدير.. يا ظالمة.. 

ابتسمت نازك ولم تعقب لمزاح سيدتها، التي لم تكن بهذه الاريحية منذ زمن بعيد، بل بعيد جدا.. ما دفعها لتصمت وهي ترى مخدومتها تقف متجهة صوب النافذة تتطلع منها نحو الأفق البعيد، تعب من نسيم قادم على مهل من ذاك الجبل الشامخ هناك.. شاردة وعلى وجهها ابتسامة رضا، لم ترتسم على ذاك الوجه المليح منذ دهور.. 



الصفحة التالية