-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 6 - 3 - الجمعة 27/12/2024

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل السادس

3

تم النشر الجمعة

27/12/2024

دفعت أنس بكرسي صفية عائدة بها نحو حجرتها من جديد، والتي لم تعترض مطلقا على تسييرها بهذا الشكل، ما أثار تعجب النساء لمعرفتهن بقوة شخصية صفية، وعدم ازعانها لأوامر أي كائن من  كان..  

في داخل الغرفة، تركت أنس الكرسي واتجهت نحو الجرامافون، شغلت إحدى الاسطوانات بعشوائية لينساب لحنها، تطلعت نحو صفية لبرهة والتي كانت تحيد ناظرها عن محياها مرغمة، قبل أن تترك الغرفة في عجالة لتلحق بحبيب وقد اندفعت بأقصى قدرة لديها، تتحامل على آلام قدمها، حتى وصلت لحجرة منيرة، طرقت الباب ودخلت بلا انتظار إذن للدخول، لتجد حبيب ملتهيا في محاولة افاقة أخته، ممسكا بزجاجة عطر يضع بعضا منها على كفه يقربه لأنفها، ويضرب في خفة على وجنتيها في انتظار افاقتها بلا طائل.. 

اقتربت أنس في محاولة منها لإفاقة منيرة، صعدت على الجانب الآخر من الفراش، وجذبت الوسادة من خلف رأسها في محاولة لمد جسد منيرة باستقامة، وقد امسكت بكفها تدعك ظاهرة في حركات دائرية، واعادت ما فعل حبيب بالعطر، الذي كان في حالة اضطراب شديدة، يكرر اسم أخته كالممسوس لعلها تستجيب وتفتح عينيها لتطمئنه على حالها.. لكن بلا جدوى.. 

طرقات متتابعة ودخل الطبيب مستأذنا، حل الدكتور سرور محل موضع حبيب الذي نهض متقهقرا بضع خطوات للخلف، تاركا أنس تقوم بما يستدعي التدخل ومساعدة الطبيب، الذي أقر بعد فحص منيرة: دي صدمة شديدة يا حبيب بيه، وأني مش هجدر اعملها حاچة إلا إني اديتها حجنة تهديها، لكن لازما لها داكتور نفسي ضروري.. لأني مجدرش اجول هيبجى ايه حالها ولا رد فعلها بعد ما تفوج.. ربنا يخفف ويزيح عنِها.. 

هتف حبيب مستفسرا: يعني ايه! هو ايه اللي بيچرى!.. وليه مش جابلة تفوج! 

أكد سرور في هدوء: من اللي عرفته يا حبيب بيه، الصدمة عليها مش هينة، وده اللي خلاها فالحالة دي، لازما داكتور يشوف هي رافضة ليه الافاقة.. ويعالچ الصدمة اللي اتعرضت لها عشان ترچع لطبيعتها.. 

ربت الدكتور سرور على كتف حبيب مشجعا، وقال في محاولة لمؤازرته: متجلجش، أني هتصل بزمايلي وهاياچيك لها أحسن دكاترة حلاً، ونشوفوا ايه في! 

هز حبيب رأسه موافقا ولم يعقب، عيناه مسلطتان على محيا أخته الغائبة عن الوعي تماما، محاولا استيعاب ما حدث لها وإيجاد تفسير منطقي لفعل عزت، لكن رأسه يكاد يغلي من شدة التفكير فيما جرى بلا جدوى، وكل ما يبتغيه اللحظة هو عودة منيرة لحالتها الطبيعية، ورؤيته لها على أتم صحة وأفضل حال.. وليكن بعدها ما يكون.. 

❈-❈-❈

اندفع عزت لداخل دار أبيه صارخا في قهر، ممسكا بكل ما وقع تحت يديه محطما إياه، تجمع الخدم من كل حدب داخل الدار يتطلعوا لما يقوم به ابن سيدهم وعمدة بلدهم، تمصمص بعض الخادمات شفاههن شفقة لحالة الجنون التي اعترت زينة شباب النجع وسيدها المنتظر بعد عمر طويل لعمدتهم الحالي.. 

جاءت أمه سنية مهرولة من الداخل، وفي أعقابها حضرت أخته مجيدة، والتي شهقت في ذعر لأفعال أخيها الغير مبررة، بينما توقفت سنية تتطلع نحوه في تعجب، وكل ما كان في جعبتها هو صرف الخدم حتى لا يشهدوا لحظات ضعف سيدهم، تاركة ولدها يفرغ شحنة غضبه التي لا تعرف لها سببا، حاولت مجيدة اثنائه عما يفعل، مقتربة منه في حذر تحاول تهدئته، إلا أن سنية أمرتها في حزم: سيبيه يعمل ما بداله، باين الموضوع واعر جوي! 

أطاعت مجيدة على مضض، متخذة ركن قصي تاركة الساحة لعزت يفعل ما يحلو له بالقاعة، التي كانت تحوي الكثير من التحف والقطع الغالية الثمن، والتي كانت تزين الزوايا والأركان، وقد أضحت اللحظة حطام على يديه، أخيرا بدأت ثورة الغضب الهادرة تلك تركن للهدوء رويدا، وبدأ عزت يتطلع نحوه في تيه لبرهة، وبالآخير اندفع نحو الدرج هاربا نحو حجرته محتميا خلف بابها.. 

همت مجيدة بالركض خلفه، إلا أن سنية أمهما أمرتها بتركه وحيدا لبعض الوقت، ما جعل مجيدة تقترب منها مستفسرة في ريبة: هو ايه اللي بيحصل! أنتي تعرفي حاچة أني معرفهاش ياما! 

هزت سنية رأسها نفيا، مؤكدة: والله علمي علمك، بس الچنان اللي حصل ده مش هيخرچ عن اتنين، بت الرسلانية حبيبة الجلب، أو... 

صمتت سنية لبرهة توزن كلماتها، لتستحثها مجيدة في لهفة: أو مين!.. أني متأكدة إن منيرة ملهاش ذنب فاللي بيحصل ده، دول عرسان چداد.. ودخلتهم كمان كام يوم.. والدنيا ما بينهم زي الفل، يبجى مين يا حچة، جولي! 

همست سنية في نبرة كلها ريبة: عشية، الغفير جال للبت سعادات تجوم أبوكي من أحلاها نومة، جام منفوض ولبس ونزل چري للمندرة، جال ايه في ناس بهوات مستنظرينه، مين دول وعايزين ايه!.. محدش يعرف، سألت ابوكي استفسر منه بعد ما چفاني النوم من الجلج.. هب فيا بغزم ما فيه وراح سايب الدار، ده منمش هتا من أساسه، ولحد دلوجت مرچعش، ومعرفتش ايه في لحد الساعة دي.. 

هتفت مجيدة متعجبة: وايه دخل البهوات اللي بتجولي عليهم دول، باللي عِمله عزت دلوجت! 

اندفعت سعادات الخادمة من الخارج، وما أن شاهدت ما طال البهو من فوضى، حتى شهقت في صدمة ضاربة صدرها بباطن كفها صارخة: يا مصيبتي! ايه اللي چرا هنا! 

هتفت سنية فيها: اخرسي وبلاها كتر حديت، وتعالي نضفي المكان، هِمّي.. 

هتفت سعادات في نبرة متخابثة: هو سي عزت اللي شندل الحال كده! طب لما هو زعلان جوي، ليه عِمل اللي عِمله! 

تنبهت مجيدة، بينما سألت سنية في نبرة صارمة: ايه في يا مخبلة! لو تعرفي حاچة انطجي من غير لوع ولف ودوران.. 

اعتدلت سعادات مؤكدة في صراحة: رمي يمين الطلاج على ست منيرة وسط الخلج، وفجلب سراية الرسلانية، وحبيب بيه ضرب عليه نار، بس ربنا سلم.. 

شهقت مجيدة صارخة: انتي بتجولي ايه يا مخبلة، كنك اتچنيتي! 

بينما هتفت سنية في هدوء منافي تماما للموقف: عيدي تاني اللي جولتيه يا بت.. 

أكدت سعادات في نبرة مهزوزة خوفا من رد فعل سنية: والله يا حچة سنية النچع كله ملوش سيرة إلا اللي حصل ده! أني مليشي صالح، بس اللي سمعته إن سي عزت طلج ست منيرة جدام أخوها، ونسوان النچع اللي كانوا ماليين السرايا، وحبيب بيه ضرب عليه نار، بس ربنا سلم وعزت بيه ربنا نچاه.. 

بدأت مجيدة في البكاء والعويل غير مصدقة ما جاءت به هذه البومة من أخبار الشؤم هذه، بينما سنية زاد هدوءها وهي تحاول ربط الخيوط ببعضها البعض، حتى أصبحت على يقين أن زوار الفجر في الليلة السابقة، لهم اليد الطولى فيما يجري من أحداث لا تعرف إلى أي مدى قد يصل تأثيرها.. لكنها وعلى الرغم من ذاك الخراب، تنهدت في راحة وقد ارتسمت ابتسامة راضية على شفتيها، مخالفة تماما لكل ذاك الدمار الذي يحيط بهم، فقد تحقق مرادها بالآخير أي كانت طرق تحقيقه، وما دخلت ابنة الرسلانية دارها كما تمنت.. وبعد كل هذه الأحداث، أصبح من رابع المستحيلات دخولها.. وبهذا تكون حققت رغبتها دون أي جهد منها.. وذاك كان عين المطلوب والمراد..

❈-❈-❈

كان وصول ممدوح في ظل كل هذه الأحداث الساخنة غير متوقع، تنحت به أنس الوجود جانبا بركن متطرف من الحديقة، وجلست تقص عليه كل ما جرى منذ لحظة رحيله.. أكد هو في تعجب: أنا مكنتش جاي الصراحة، أنا عارف إن الأمور هتكون مستقرة لحد ما ترجعي بحقك.. لكن أنتي عارفة بقى برلنت ودرية، فضلوا فوق دماغي عشان أجي أشوف ايه الأخبار واطمنهم.. لكن هتعملي ايه بعد المستجدات دي! 

همست أنس متنهدة في قلة حيلة: والله مش عارفة يا ممدوح! كان خلاص ورق الأرض ف أيدي، والدنيا مفيش فيها مشاكل، لكن فجأة حصل اللي حصل والدنيا كلها اتقلبت.. 

تساءل ممدوح متعجبا: بس ايه اللي يخلي العريس يعمل كده! انتي بتقولي بيحب منيرة جدا! في سر كبير في الموضوع.. اصل اللي بيحصل ده مش طبيعي، وكمان قبل الزفاف بيومين، ده جنان! 

همست أنس في نبرة متعجبة: وأي جنان! أنا مبقتش فاهمة حاجة.. حتى اللي اسمه حبيب ده مبقتش فاهمة هو ايه بالظبط!.. أنا..

قاطع استرسالها صوت حبيب الذي ظهر اللحظة وهو بطريقه للتعريشة التي ينعزل بها عن العالم، هاتفا في نبرة ترحيبية: يا مرحب يا أستاذ ممدوح.. چيت ميتا!؟ 

رد ممدوح التحية في نبرة ودودة، ليستطرد حبيب الذي كان يوجه كلامه وعيناه مسلطتان على محيا أنس، مؤكدا في نبرة عجيبة تحمل ذبذبات ضيق، أو ربما بعض من.. من ماذا، لم ترغب في التحليل واللجوء للمنطق من جديد، خاصة في تعاملها مع ذاك الرجل، مشفقة على حاله وما يمر به، فما أرادت تحميل الأمر أكثر مما يحتمل، وهو ينطق معاتبا: مش تجولي يا أستاذة إن عندك ضيوف! عشان بس نعملوا الواچب.. 

أجابت أنس بلا تفكير: ممدوح مش غريب.. 

أثار ردها المزيد من حنق حبيب، لكنه كظم غيظه بعزيمة جبارة، قبل أن يندفع مبتعدا في الإتجاه المعاكس، تاركا إياها وذاك اللاغريب، هاتفا في نبرة تنضح سخرية: طب استأذن أنا بقى يا أستاذ مش غريب، واعتبر الدار دارك.. 

اتسعت ابتسامة ممدوح متطلعا نحو أنس، متسائلا في ريبة: هو ماله! 

أكدت أنس في تعاطف حقيقي: متاخدش عليه، موضوع أخته أكيد مضايقه، دي حالتها تصعب على الكافر.. 

اتسعت ابتسامة ممدوح، وتساءل من جديد، متطلعا نحو أنس في ريبة مضاعفة: أنس، أنتي مالك! 

هتفت أنس في حنق: ايه يا ممدوح، هو ماله، انتي مالك!.. مالنا!؟ ما هو إحنا أهو قدامك! 

همس ممدوح باسما، غير عابىء بثورة أنس: ما هو عشان انتوا قدامي بسأل مالكم.. أصل.. 

توقف لبرهة، قبل أن يستطرد هامسا: خلاص، كبري دماغك وقوليلي، ناوية على ايه! 

تنهدت أنس مجيبة: مبقاش ينفع افاتحه وأخته في الحالة دي، دي مش بتنطق يا عيني وغايبة عن الدنيا، أنت فاهم يعني ايه واحدة تطلق بالشكل ده قبل فرحها بيومين، في نجع فالصعيد!.. دي مش مصيبة.. دي فضيحة كبيرة.. دي كان هيبقى فيها دم وقتل لولا ربنا ستر.. شكلي لازم أرجع معاك.. مبقاش له لازمة وجودي هنا فالظروف دي وخلاص الموضوع اللي جيت علشانه متأجل لحد ما نشوف اخرتها ايه.. أنا بس مبقتش عارفة ممكن أصبر على عملية ماما لحد امتى!.. فاهمني!..

هز ممدوح رأسه في إيجاب، هامسا: ايوه طبعا، هو إحنا كنا جينا ليه من الأصل! بس خلاص مبقاش من قعدتك فايدة، خلينا نرجع القاهرة بكرة، وربنا ييسر شهر ولا حاجة ونبقى نشوف إيه الأحوال.. 

هزت رأسها موافقة، وقد اتخذت قرارها بالرحيل..

صوت جلبة قادم من ناحية البوابة جعلها تنتفض مذعورة وكذا ممدوح، عيناهما تتبع حبيب الذي اندفع نحو ذاك الحشد الذي يقف على مدخل البوابة، وعلى ما يبدو من ذاك اللغط الدائر، اعتراضهم على أمر ما..

الصفحة التالية