رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 21 - الخميس 30/1/2025
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل الواحد والعشرون
تم النشر الخميس
30/1/2025
لم تعرف سبيل ماذا تقول في تلك اللحظة؛ فقد كانت كلمات ليث اللطيفة تملأ الأجواء من حولها، لكن عقلها كان مزدحمًا بالكثير من التساؤلات. نظراته، واهتمامه الزائد، لم يكونا شيئًا جديدًا بالنسبة لها، فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها هذا الجانب من ليث، والذي كان قد اختفى وسط مشاعر الغيرة والعداء الذي شهدته في الماضي.
❈-❈-❈
شعرت بارتباك غريب في قلبها، فتلك الفتيات اللاتي كن يتنكرن لها الآن ويظهرن بلا اهتمام، كن في الماضي يريدن صحبتها بشدة، يلاحقنها أينما ذهبت، تحاولن التقرب منها بكل الطرق. تلك الأيام كانت تتنقل بينها، وكأنها جزء من عالم لا يُمكن الخروج منه. كانت تحاول أن تظل على تواصل معهن لتبقى جزءًا من هذا العالم، لكنهن في لحظة غريبة تخلين عنها، بل وتظاهرن بعدم معرفتها. لم تكن قادرة على فهم السبب الحقيقي وراء هذا التغير. كانت تشعر بنوع من الحزن البسيط على تلك الأيام، لكنها سرعان ما قررت أن تتخلى عن كل شيء، وأن تركز فقط على تدريباتها، فمستقبلها كان الأهم الآن.
ابتسمت سبيل بلطف، بينما قالت بصوت هادئ:
"شكرًا على لطفك تجاهي يا أستاذ ليث."
أجاب ليث مبتسمًا، وأوضح بلطف:
"لا ولا حاجة، لو حبيتي، ممكن أتدرب معاكِ لحد ما ترجعي زي زمان."
نظرت إليه سبيل بتفكير عميق، ثم قالت بحذر:
"بجد؟ ده كتير... أنا فعلاً مستوايا اتأثر كتير عن الأول، وهكون ممتنة لو ساعدتني."
كانت قد طلبت الكثير من المساعدة من أشخاص سابقين، لكن هذه المرة كان الوضع مختلفًا. ليث كان يبدو أكثر اهتمامًا وصدقًا في عرضه للمساعدة، وكانت سبيل على يقين أن نظراته لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت تحمل خلفها نية حقيقية. وإن كانت ستطلب المساعدة، فلا شك أن عينيه، تلك العيون التي امتلأت بمشاعر صادقة، ستبقى صادقة في مساعدتها بكل سرور.
رد ليث بسرعة، وكأن الجواب كان واضحًا بالنسبة له:
"أنا موافق، تحبي نبدأ إمتى؟"
"الوقت اللي يناسبك." قالت سبيل ببساطة، ولكنها كانت تشعر بمزيج من الحماس والقلق في آن واحد.
"إيه رأيك يكون بعد التدريب الساعة السادسة مساء؟" اقترح ليث، وهو يرمقها بنظرة متفهمة.
"تمام، ما عنديش مانع. وبحب أشكرك تاني، مع السلامة." أجابت سبيل، بينما كانت تبتسم بحذر.
ترك ليث مكانه ليعود إلى التدريب، بينما ظلت سبيل واقفة للحظات تفكر في العرض الذي قدمه لها. لم تكن متأكدة تمامًا من كل شيء، لكنها كانت تعلم في أعماقها أن هذه الفرصة يمكن أن تكون بداية جديدة لها، بداية يمكن أن تعيدها إلى مكانها الذي كانت فيه في السابق.
❈-❈-❈
شعر ليث في تلك اللحظات بأنه لا يملك قدمين بل جناحين يستطيع الطيران بهما بعيدًا إلى خيال مليء بالأزهار والعصافير وكل شيء جميل ولطيف، بعيدًا عن الواقع المؤلم الذي يعيشه. كان في هذا العالم الخيالي وحيدًا مع حبيبته، حيث لا شيء يزعجه ولا شيء يعيقه. كانت اللحظات التي يقضيها في تخيل هذا العالم المثالي تعني له الكثير، وكأنها المهرب الوحيد من الحقيقة القاسية.
لكنه لم يشعر بالوقت يمر ولا بالقرب المفاجئ من ليان لكي تقم بإيصاله، التي اقتربت منه بخفة، وكأنها لاحظت شيئًا غريبًا في تصرفه. قالت بنبرة فضولية، وكأنها على وشك كشف سرّ:
"مالك يا ليث، عامل كده ليه؟"
انتفض جسد ليث بشكل مفاجئ، وكأن الصوت قد زلزل الأرض تحت قدميه. كانت ليان قد فاجأته في لحظة ضعفه، وهي المرة الأولى التي يشعر فيها بهذا الشكل.
"ها، مفيش." أجاب على الفور، محاولًا إخفاء توتره، لكن كان في صوته شيء غريب.
لم تبدُ ليان مقتنعة بكلماته، فأجابت بعينين لامعتين وبابتسامة مُشاكسة:
"مفيش إيه؟ عمال تبتسم زي الأهبل وتقول مفيش؟ أممم، فهمت، أنا شوفتك بتتكلم مع بنت من شوية. إيه بقى الموضوع يا سي ليث؟"
شعر ليث بنفخة من القلق تدب في جسده، فحاول أن يظهر برودًا أكبر من ذلك، لكن كانت ليان قد فتحت عليه بابًا لم يكن مستعدًا له.
"موضوع إيه؟ أنتِ ما بتصدقي أي حاجة تتكلمي فيها ،يلا نمشي." قال ذلك بسرعة، يحاول تغيير الموضوع وتجنب أي نقاش قد يكشف ما يشعر به.
لكن ليان لم تكن لتتراجع بسهولة. ضحكت بإغاظة، وكأنها تعرف شيئًا لا يجب أن تعرفه. ابتسمت ابتسامة ساخرة، وهي تراقب توتره، فقالت:
"ماشي، اهرب دلوقتي، لكن بعدين مفيش هروب مني."
كان كلامها مثل الشرارة التي أضاءت في عقله، لكنها لم تكن تعرف بعد كل شيء عن قلبه وما يختبئ فيه.
❈-❈-❈
توقف ليث بجانب ليان، يدخل خلفها إلى المنزل. ما إن دخلا إلى الحديقة حتى لمحا والدها شاهين جالسًا هناك في مكان غير معتاد. كان الأمر غريبًا جدًا بالنسبة ليان؛ فوالدها نادرًا ما يجلس في المنزل نهارًا أو ليلاً. كانت ملامح القلق تسيطر على وجهها، بينما كان ليث ينظر حوله بتساؤل.
ابتسم شاهين لهما بابتسامة عريضة، وكأن لا شيء غريبًا في الوضع، وقال:
"أهلاً بالحلوين."
رد ليث بأدب، وأشار إلى نفسه بيده قائلاً:
"أهلاً بيك يا عمي، أنا هطلع فوق أستريح شوية."
"روح يا بني مع السلامة." قالها شاهين وهو يلوح له بيده، في إشارة لوداعه المؤقت.
ذهب ليث في الزاوية بينما اقتربت ليان من والدها، تجلس بجانبه. لم تتمكن من إخفاء القلق الذي كان باديًا في عينيها، حيث ارتسمت على وجهها ملامح الحيرة والتساؤل. قالت بصوت منخفض:
"في إيه يا بابا؟ غريبة أول مرة أشوفك هنا في وقت زي ده."
أجاب شاهين بابتسامة عريضة على وجهه، وكأن سرًا كبيرًا يختبئ وراء هذه اللحظة:
"مفيش يا ستي، بس أنا جاي في الوقت ده وعندي خبر حلو ليكِ."
نظرت ليان إليه بحذر، ثم قالت:
"خبر إيه؟"
أجاب والدها بسعادة غامرة، وعيناه تلمعان وكأنهما تعكسان الفرح الذي يخفيه:
"في عريس."
قفزت ليان فجأة من مكانها، وانتفضت ملامحها بين الدهشة والغضب. عينيها اتسعتا، ولم تصدق ما سمعته:
"تاني يا بابا؟ أنا مش قلتلك مش هتجوز بالطريقة دي."
لكن شاهين لم يتأثر، بل استمر في حديثه، متمسكًا بفكرته. رفع حاجبيه وقال:
"ومالها الطريقة دي بس؟ اصبري لما تسمعي هو مين و ابن مين جايز تغيري رأيك."
ردت ليان بعنف، وهو يعلو صوتها قليلًا:
"رأيي مش هيتغير أبدًا، وأنت عارف ده كويس."
لم يكن الوالد مستعدًا للتراجع، وقال بصوتٍ أعلى:
"ومالها الطريقة؟ اتجوزت أمك الله يرحمها كده، وكله اتجوز كده، ولا عايزة بقى تحبي وتتحبي والكلام الفاضي ده يا بنت شاهين؟"
ليان حاولت أن تتمالك نفسها، وابتسمت ابتسامة حزينة، لكن كلمات والدها أثارت مشاعرها، وخرجت منها تلك الكلمات التي كانت تخفيها طويلاً:
"لا طبعًا، بس على الأقل أكون عارفاه، وأعرف عنه حاجات كتير. يا بابا، حالات الطلاق كترت، وأنا مش حابة أمر بالتجربة دي. البنات والستات المطلقات بيصعبوا عليّ، أرجوك افهمني. أنا محامية ولازم أختار حد بعناية يشاركني أيامي اللي جاية."
توقف شاهين عن الحديث للحظات، ثم نظر إليها بنظرة جادة، ولكنه كان يشعر بالحيرة أيضًا:
"لحد إمتى؟ بقى عندك تلاتين سنة يا ليان. أنا مستني من سبع سنين، من ساعة ما اتخرجتي، وقلت خلاص يا شاهين هتفرح ببنتك الوحيدة. لكن دماغك حجر، كل عريس تطلعي فيها القطط الفطسانة. خلاص، لو عندك حد عارفاه، هاتيه وأنا موافق، بس تتجوزي وأشوف عيالك قبل ما أموت."
تأثرت ليان بكلماته، وأصابتها قشعريرة، لكن مشاعرها اختلطت بالحزن والغضب، وقالت:
"بعد الشر عليك يا بابا، يا بابا افهمني، أنا مفيش حد في حياتي، وفي نفس الوقت مش عاوزة أتصرف زي الناس اللي بيتجوزوا صالونات ولا أتجوز عن حب."
نظر إليها شاهين بنظرة شديدة الجدية، ثم قال:
"هي دي فزورة ولا إيه بقى؟ اعمل إيه؟ أنا مبقتش فاهمك، ولا عارفك. الراجل زي الفل، اقعدي معاه واتكلمي واسألي، ولو طلع مش كويس أو مش مرتاحة، خلاص."
ردت ليان بحزم، ولكن مع شعور بضغط داخلي:
"بابا، أنا قلت مش هقابله يعني مش هقابله."
قفز شاهين من مكانه بغضب، وزمجر بصوتٍ عالي:
"إن شاء الله عنك ما اتجوزتِ. خليكِ قاعدة كده في وشي طول العمر. أنا هجوز الواد ليث، وأنتِ خليكِ لحد ما تقابلي اللي يفهمك، مع إنّي مظنّش حد يفهم الدماغ المهلبية دي." ثم غادر بخطوات غاضبة.
❈-❈-❈
بينما بقيت ليان في مكانها، تقدم ليث باتجاهها، وقال:
"عايز إيه أنت كمان يا سي ليث؟"
رد عليها بصدق، وقال:
"أنا سمعت كل حاجة، وعمّي معاه حق، اقعدي مع العريس الأول قبل ما تحكمي."
أجابته ليان بعناد، وقالت:
"لأ، واسكت بقى علشان مزعلش منك."
قال ليث مبتسمًا، لكنه كان يشعر بثقل الكلام:
"عمّي عايز يفرح بيكِ، ونفسه في كده من زمان."
نظرت له ليان بحزن شديد، وعينيها تلمعان بكثير من المشاعر المختلطة:
"وأنا كمان نفسي أفرح وأتجوز وأخلف، بس برضو خايفة."
سأل ليث برفق:
"خايفة من إيه؟"
أجابته ليان بصوتٍ حزين، وكأنها تفتح قلبها لأول مرة:
"خايفة أختار غلط. كل الناس بقت بتمثل، ومبقتش تقدر تميز بين الحلو والوحش. أنا خايفة أطمن لواحد، ويطلع مش مناسب ليّ. يطلع إنسان عكس ما كان مبين لي."
رد ليث بنبرة هادئة:
"بتقولي كده علشان شوفتي قضايا كتير في الطلاق وغيره، لكن لكل شخص تجارب مختلفة تمامًا. مفيش حد زي التاني يا ليان. وأنا عارف إن في ناس كتير اختارت غلط، وبرضه في ناس اختارت صح. فركزي وبصي لنص الكوباية المليان، وخدي من كل تجربة واستفادي منها، لكن متقفليش الباب كده على طول."
ابتسمت ليان بحزن، وقالت:
"والله وكبرت وبقيت تقول كلام حلو يا ليث. هو الحب بيغير كده؟ بيخلي الواحد عاقل وكلامه موزون."
توتر ليث من حديثها قليلًا، وقال باندفاع:
"بتقولي إيه؟ حب إيه ده؟"
ضحكت ليان ضحكة خفيفة، وقالت:
"أنا رايح أنام، أنا تعبان أوي."
ضحكت ليان كثيرًا من توتر ليث المضحك، فقد كشفت المستور منذ زمن طويل، ثم قالت بابتسامة مليئة بالإغاظة:
"ما تتجوزها طالما بتحبها. أنت دلوقتي شخص ناضج شوية، ولاعب مشهور جوا النادي بتاعك، وليك شغلك مع بابا يعني جاهز من مجاميعه. والبنت جميلة جدًا يعني." ثم أعطته غمزة بعينيها اللئيمة.
قال لها بحدة:
"اسكتي بقى."
هرب بعد أن قالت ليان كل ما يريد قوله و البوح به لكن التردد هو عدو الإنسان الأول ، أسوأ شئ قد يحدث لك في حياتك هو التردد أن تكون محتارًا بين أن تبوح ما في صدرك أو الا تبوح به.
لم تلاحظ ليان أن تلك الفتاة هي سبيل التي دافعت عنها منذ سبع سنوات و لا يعتقد ليث أن تشجيعها في الإستمرار و التقدم للزواج من سبيل سيستمر بعد معرفة من هي تلك الفتاة الجميلة و انا كانت في السجن و في تهمة شنيعة و هي قتل والدها بطريقة بشعة ، لكن ليث يعلم تماما و يثق في براءتها و أنها لم تفعل ذلك عن عمد أو بدون قصد أو أنها قتلت والدها عن طريق الخطأ ، بل هي بريئة تمامًا في نظره .
❈-❈-❈
ليث
دخلت غرفتي فقد كنت متعبا أو بمعنى أصح كنت هاربًا من نظرات ليان لي التي تدل على أنها تعرف ما يدور في ذهني
اتأمل كل شئ في غرفتي ،لما كل شئ جميل اليوم ؟ لما أشعر بأن الغرفة التي امكث بها منذ زمن طويل أشعر و كأنها قصرًا كبيرًا واسعا و أشعر أنني أستطيع التنفس بسعادة و قلبي يقفز فرحًا من مكانه ، كل شئ جميلا في نظري
اخرج من درج مكتبه صورة سبيل التي حصلت عليها من ملفها الرياضي الذي تم التخلي عنه منذ سبع سنوات و التخلص منه في سلة المهملات ، و أخذت منه الصورة المتعلقة بسبيل ، منذ أول لحظة رأيت فيها تلك الفتاة الوحيدة التي لا تتحدث سوى بضع كلمات قليلة تكاد ترفع صوتها قليلا حتى نسمعها ، هادئة كنسيم يمر بجانبك بلطف و يحتك بوجهك بنعومة و رغم نعومتها تجرح كل من يقترب دون إذن ،نبرات صوتها ليست نبرات عادية بل انغام ناي تأخذني لأطير في السماء مثل طائر يطير لأول مرة في حياته بجناحه الضعيف الذي بالكاد يحمل جسده الضعيف و رغم ذلك يشعر بقوة الرياح تغزو جسده بعنفوان ، و رغم الجهد الذي يعانيه لكنه يشعر بالسعادة لمقاومة تيار الهواء و البعد عن الأرض ، نظرة عيناها كفيلة بإرباكِ طوال اليوم ليست عينان بل سيفان ، أو خنجران يصيبان قلبي دون خطأ ، تلك الصورة التي تأملتها لسنوات طويلة لم أشعر بالملل من النظر لها لساعات و ساعات دون أن أدري كم من الوقت كنت
أشرد فيها و كأنني أنثر آلامي من خلال ذلك ، و اقوم بالعد من أجل الانتهاء من مدة السجن المحددة لها .
❈-❈-❈
ليان
اعلم أن أبي يريد تزويجي منذ مدة كبيرة ، لكنني أيضا اود شيئا آخر أو غريبا ، أريد الزواج و تكوين أسرة جيدة لكن ليست بهذه الطريقة ، اعلم أن زواج الصالونات ليس سيئا و قد نجح مع كثير من الشباب و الفتيات ، لكن هذه الطريقة لا تناسبني بشكل عام و لا أريد أن أحب و بعدها يتم التخلي عني و لا استطيع دفع تلك المشاعر بعيدًا ، حقا لا اعرف ماذا اريد بالضبط ، ابي يظن أنني قد بلغت سنا كبيرا لا استطيع بعده الزواج فالشباب يفضلن الزواج من الصغيرة أو الأصغر سنا و قليل من يفكر في الزواج من انثى قد بلغت أكثر من الثلاثين عامًا ، لطالما يحدثني أبي أن فرصي الجيدة ستنتهي فور بلوغي الثلاثين من عمري فلن يتقدم لي سوى القليل جدا من الشباب ، هل هذا يعني أنني اتعجل في الموافقة على أول شخص يدق الباب للزواج مني أليس لدي الحق في الاختيار في الرفض أو القبول هذا معنى أنني قد بلغت الثلاثين ، أشعر و كأنني سأتقابل مع شخص سيكون مثلما أريد لدي يقين بذلك لا أعلم متى و لكن حتما سأقابله يوما ما.
❈-❈-❈
بعد الانتهاء من التدريب، كان ليث يشعر بسعادة كبيرة، سعادة لا يمكنه وصفها بكلمات. كان يتنفس بصعوبة بعد التدريب الحماسي مع سبيل، فقد كان تدريبًا مليئًا بالحركة والنشاط، وكانت كل حركة معه تأخذه في عالم مختلف. كان يراقبها عن كثب، مستمتعًا بكل لحظة، مستمتعًا بكل خطوة تخطوها على الملعب.
نظر إليها بابتسامة، وقال:
"مستواكِ حلو زي ما كان بالظبط."
ابتسمت سبيل ابتسامة عابرة، لكن هناك شيء في عينيها كان يفضحها. شعرت بشيء من التوتر، لكنها حاولت إخفاءه بأسرع ما يمكن. قالت بهدوء، وبصوت منخفض يحمل بعض الحزن:
"لأ بصراحة، اتأثر كتير بسبب قلة التدريب. مفيش زي زمان."
لمحت في كلامها نبرة الحزن، فكأن كلماتها تحمل خلفها سنوات من المعاناة والصبر. كانت شاردة قليلاً، وكان ليث يشعر بأن وراء تلك الكلمات الكثير من الألم. لكن إجابتها كانت بالنسبة له طبيعية، فقد كان يعلم تمامًا أن انقطاعها عن التدريب لفترة طويلة لا بد أن يكون له تأثير.
قال لها بحماسة كبيرة:
"مع الوقت هترجعي أحسن من الأول.. لكن مهاراتك أحسن من ناس كتير بتدرب بقالها سنين. أنا متأكد إنك هترجعي أقوى."
نظرت إليه سبيل بعينيها اللامعتين، وحاولت أن تتمالك نفسها. كانت تعرف أنه يقول ذلك ليطمئنها، لكنها شعرت بأن الحزن لا يزال يثقل قلبها. رغم أنها كانت تحاول أن تكون قوية، لكن مشاعرها كانت تتناثر في كل اتجاه. ابتسمت من جديد، لكن ابتسامتها كانت مغمورة بالحزن، ثم قالت:
"شكرًا يا كابتن ليث. كلامك بيسعدني، بس ده مش كافي... مش هقدر أرجع زي الأول بسرعة. كان عندي دافع قوي زمان... لكن دلوقتي كل شيء اتغير."
شعر ليث بالحزن يتسلل إلى قلبه، ولكنه لم يرد أن يضغط عليها أكثر. فهو كان يعرف أنها كانت تتألم، لكنه لم يعرف تمامًا السبب وراء ذلك. قرر أن يغير الموضوع ليخفف عنها قليلاً، لكنه شعر أنه بحاجة إلى معرفة المزيد. نظر إليها نظرة مليئة بالاهتمام، وقال:
"ممكن أسألك سؤال؟"
أجابته سبيل بنبرة هادئة، وكأنها تنتظر سؤاله:
"إسأل."
أخذ ليث نفسًا عميقًا ثم قال، وهو ينظر في عينيها بتفكير:
"ليه بتحبي التنس؟ اشمعنا اخترتي الرياضة دي بالذات؟ يعني... مش كنتِ ممكن تختاري أي رياضة تانية؟"
ابتسمت سبيل ابتسامة حزينة، وكأن السؤال قد أعاد إليها ذكريات بعيدة. كان هناك شيء في عينيها يشير إلى أن هناك قصة طويلة خلف هذا السؤال، قصة قد تفتح أبوابًا من الماضي المخبأ. قالت بصوت مختنق، بينما كان الألم يراها بوضوح:
"مش أنا اللي اخترت، كانت رغبة والدتي... كانت هي اللي بتحب التنس. كانت بتشجع نجوم محليين وعالميين. كنت أشوفها كل يوم وهي تشجعهم وتتابع أخبارهم. وكان نفسها أكون زيهم. وكنت شفتها وهي صغيرة، كانت بتدرب وتحب الرياضة دي، لكن حصلت ظروف منعتها من إكمال مشوارها فيها."
توقف ليث عن التنفس للحظة، وكأن الكلمات التي خرجت من فمها كانت أداة لفتح جرح عميق في قلبها. شعر بنوع من الأسى والشفقة تجاهها، لكن قبل أن يتمكن من الرد، أكملت سبيل حديثها بصوت متحشرج:
"كانت كل أملها إني أكمل، وكل ما أحقق أي إنجاز، كانت تحتفل بيه. تفرح و تعمل كيكة الشوفان بالشيكولاتة والموز اللي بحبها... كانت دايمًا تقولي: 'برافو يا حبيبي، خلاص دي خطوة على الطريق الصح'."
ثم فجأة، دون سابق إنذار، بدأت الدموع تتساقط من عيني سبيل بغزارة. كانت الدموع تخرج وكأنها صنبور مفتوح لا يستطيع إيقافه. كانت تتساقط على وجنتيها، تجسد آلامها العميقة وحزنها الذي لم تجد له مخرجًا بعد. كانت عيونها مليئة بالدموع التي تشهد على الألم الذي عاشته.
نظر ليث إليها بتأثر شديد، قلبه يعتصر من الحزن. لم يعرف ماذا يقول، فكل كلمات العزاء كانت تبدو فارغة في تلك اللحظة. شعر بالذنب لأنه ربما تسبب في أن تفتح جرحًا قديمًا، لكنه في ذات الوقت أراد أن يكون إلى جانبها. اقترب منها وقال، بصوت خافت وحنون:
"أنا آسف يا سبيل... لو كنت سببت ليكِ أي إزعاج بسؤالي ده."
مسحت سبيل دموعها بسرعة وكأنها تريد أن تخفي حزنها عن عينيه. حاولت أن تكون قوية وتكبح مشاعرها، لكن الدموع كانت أقوى منها. وقفت فجأة، وكأنها قررت أن تبتعد عن تلك اللحظة. قالت بصوت منخفض، محاولة أن تتجنب الحديث:
"لأ... مفيش حاجة. أنا همشي دلوقتي. نتقابل بعدين."
كان ليث يقف في مكانه، مشدوهًا من كلماتها وألمها. كان يود أن يقول لها المزيد، أن يعبر عن مشاعره تجاهها، لكن الكلمات كانت تعجز عن وصف ما يشعر به. فبكل بساطة، كان قلبه ينطق بما لا يمكنه التعبير عنه بالكلام.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية