رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 12 - 2 - الجمعة 24/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الثاني عشر
2
تم النشر الجمعة
24/1/2025
الرسلانية.. بيت الحرانية.. ١٩١٦..
همست فُتنة في حنق، وهي تتبع بنظراتها مكحلة، التي استدعاها وهدان على عجل، وهي تصعد الدرج للطابق العلوي، حيث تسكن العروس، تصعد درجة درجة في هوادة لأوجاع مفاصلها، ليهتف وهدان بالأعلى متعجلا: همي يا مرا..
همست شفاعات في تشفي، وهي تميل نحو فُتنة: إيه! العچوزة اللي خدها، بتموت ولا ايه!
هتفت فُتنة حانقة: عچوزة! ليه عيونك ما نضرتها يا مسدوحة! دي أتبدلت كنها رچعت بت ستاشر.. أعاد وهدان الصراخ في مكحلة لتسرع خطاها، لكنها ما استطاعت إلا الصعود على قدر طاقتها، ما دفع شفاعات لتسخر هامسة: يعني المرا تموت روحها، ما بتطلع على كد چهدها، شكل اخوكي هينزل يشيلها، عشان تبجى كملت..
وكأن وهدان قد سمع شفاعات، فاندفع من موضعه بأعلى الدرج نحو موضع مكحلة، جاذبا يد المرأة العجوز ليدفع جسدها فوق ظهره، حاملا إياها في عزم وعجالة نحو الأعلى.. لتشهق شفاعات في صدمة، هاتفة في حنق: بوووه ع الرچالة لما تخيب، واعية لأخوكي، ده كنها هي اللي سحرتله!..
لم تعقب فُتنة بحرف، فقد تعجبت بالمثل من أفعال وهدان، وكأنه قد تبدل هو أيضا لرجل آخر لا تعرفه..
همست شفاعات متسائلة: عملتي ايه في أخو العجربة اللي فوج!.. أهو واحدة فينا تفلح!
همست فُتنة في خيبة أمل: هو بيخرچ م الدار من أساسه يا شفاعات! كن حظنا مال، ومكحلة دي مش چايبة همها..
أكدت شفاعات مدافعة: لاه، خالتي مكحلة سرها باتع، هم اللي محچبين، آه منكم يا ولاد رسلان..
ابتسمت فُتنة ساخرة: ايوه، مين يشهد للعروسة، ما انتي مچرباها، لكن چت عندي أني، وعمايلها نخت.. و..
انطلقت الزغاريد من الطابق العلوي، لتتسمر شفاعات لا تصدق أن ذاك الظن الذي قفز بمخيلتها عن سبب الزغاريد صحيحا، بينما اتسعت ابتسامة فُتنة وعلت ضحكاتها حتى وصلت لقهقهات عالية، وهي تتطلع لشفاعات المصدومة، والتي ما نطقت حرفا ومكحلة تعلن النبأ السعيد..
❈-❈-❈
الرسلانية.. بيت رسلان.. ١٩١٦..
خرج الطبيب من حجرة أنس بصحبة نازك، مؤكدا في ابتسامة: مبارك سعد بيه، البيه الصغير جاي فالسكة..
تطلع سعد نحوه في دهشة: أنت تجصد إن الهانم شايلة، حامل يعني!
اتسعت ابتسامة الطبيب مؤكدا: ايوه يا سعد بيه حامل، تقوم بالسلامة إن شاء الله..
اصطحب مصباح الطبيب للخارج، ووصل الخبر للخدم، وما أن همت نازك بالعودة للحجرة من جديد، حتى تكون تحت أمر مخدومتها، إلا ومنعها سعد، صارفا إياها، ليدخل للحجرة في وجل، متطلعا لجسد أنس الوجود المسجى في وداعة بين الأغطية، دنا مادا كفه يملس على شعرها في اضطراب، ففتحت عينيها في هوادة، هامسة في وهن باسمة: ابننا قادم سعد بيه، أنا لا أصدق..
همس سعد بالمقابل: إنتي مش جولتيلي إنك مبتخلفيش!..
هزت أنس رأسها في تأكيد، هامسة بنبرة متحشرجة، وقد بدأت عيناها تبرق بالدموع: أمر الله سعد بيه، تسع سنوات مع زوج سابق كان دوما يعيرني بعدم الإنجاب، وكأن الله ما أراد لي أبناء إلا منك أنت، إنه سليل المحبة سعد بيه..
دفع سعد رأسه ليدفنها بعمق نحرها، كان مذعورا، بل كان يرتجف رعبا، عدم إنجابها كان كفيل بمنحه الراحة بعدم الفقد كما حدث مع زوجتيه السابقتين، اليوم يعاوده شعور حاول أن يئده كثيرا داخل نفسه، أن الفقد سيلازمه دوما، وأن الفقد مكتوب عليه كقدر، وعليه أن يستعد ليفارق أحبته وأن يهذب قلبه على تحمل تبعات ذاك الفراق.. تشبث سعد بأنس الوجود أكثر، وقد أدركت هي ما به دون أن يفصح، فقد علمت من أخيها حين جاء ذكره يوما في أحاديثهما، ما عاناه من فقد لزوجتيه وأطفاله، تذكرت يومها أنها بكت لأجله كثيرا، ودعت له براحة البال، طوقته بذراعيها في حنان، هامسة له في نبرة تهدد بها مخاوفه: الله رحيم، لن يفرقنا أبدا، وسأنجب لك جيش من الصغار، كان ذلك برضاك أو غصبا عنك سعد بيه..
رفع سعد رأسه من أعماق نحرها، مقبلا جبينها في عشق، ثم انتفض مبتعدا لخارج الغرفة، وما أن ظهر بالأسفل، حتى انهالت عليه المباركات وصدحت الزغاريد من جديد، خرج مناديا على مصباح، الذي ظهر في لمح البصر ملبيا، فأمره سعد في نبرة تقطر راحة: بجولك يا مصباح، روح شد اچدعها عچل فالزريبة، وادبح وفرج ع الغلابة، حلاوة اللي چاي، ربنا يكرمنا فيه..
هتف مصباح في فرحة: ياچي بألف سلامة، يفرحك بعوضك يا بيه، وتجوم لنا الهانم بمليون سلامة..
ما أن هم مصباح بالتحرك، إلا وصدعت الزغاريد من جديد طائرة من الأفق البعيد، وظهرت مكحلة على باب الدار، هاتفة في عجالة: البشارة يا سعد بيه، ست توحيد شايلة، الحلاوة بجى..
ابتسم سعد مهللا: والله تستاهليها يا مكحلة، خدي..
أخرج من جيب جلبابه ريال فضة أخذته في فرحة مهللة تكاد ترقص سعادة متناسية قدمها العليلة، ليتركها سعد مستوقفا مصباح، ليأمره من جديد: خليهم عچلين يا مصباح، خلي الغلابة تاكل، مش عايز حد فالنچع چعان.. وربنا يجومهم كلهم بالسلامة..
هتفت مكحلة في خبث: لهو الهانم شايلة يا بيه! لاه دي بجى رايدة فيها الحلاوة الكبيرة صح!..
قهقه سعد معاتبا: يا ولية انتي مبتشبعيش حلاوة، سنانك طرمت، بس وماله، خدي..
أخرج لها ما في جيبه، ووضعه بكفها الممدودة في لهفة، لتشهق في سرور منقطع النظير، حتى أنها نسيت آلام مفاصلها وظلت ترقص وتدور في نشوة وسعد يتطلع إليها وضحكاته تعلو على أفعالها المجنونة..
❈-❈-❈
الرسلانية ١٩٩٠..
ضربت سنية على صدرها في صدمة ما أن طالعها جسد الخفير الممدد أرضا فاقدا الوعي، دفعته بقدمها عدة مرات، صارخة باسمه، حتى بدأ المسكين في استعادة وعيه ببطء، لكن ما أن أدرك وجود سنية في مجال رؤيته، حتى انتفض على قدر استطاعته منتصبا يلق التحية في ترنح، لتهتف سنية متسائلة وهي تندفع نحو الغرفة، لتتأكد أن ظنها ليس في محله، وأن عزت نائم بالداخل، لكن ما أن انفرج الباب في سهولة دون الحاجة لمفتاح، حتى زعقت في حنق: سيدك عزت فين يا بچم! خرچ ميتا!
هتف الخفير في أحرف مضطربة: كان عايز يروح بيت الراحة يا ستي، ولما فتحت له سهاني وضربني على نافوخي وراح، والنبي ماليش صالح يا ست، كنت هجوله ايه طيب!..
اندفعت سنية كالمجنونة تهبط الدرج على عجل لتقابلها مجيدة متعجبة من حال أمها، لتستوقفها متسائلة في قلق: ايه في!..
هتفت سنية في ذعر: اخوكي خرچ من حبسته، هيچيب لنا ايه وراه تاني، لو واد رسلان عتر فيه، هيكون خلاص اخوكي على يده.. فينه ابوكي.. سايبني فالهم ده وغاير فين!.. هو مش عمدة النچع ده وأكبر راس فيه، يبجى يچيب لي ولدي دلوجت، أني ماليش صالح يا سيد، هات الواد وأني هخده واغور بره النچع الفجري ده..
هتف السيد أبو زكيبة متعجبا: اچيب ولدك منين! هو مش انتي حبساه فوج كيف الولية اللي خايفة تچيب لك العار!
هتفت مجيدة: سها الغفير وخرچ يا عمدة، و..
هتفت سنية صارخة: وايه! انطجي ما هي أصلك ناجصنا بلاوي..
هتفت مجيدة مقرة: منيرة رچعت امبارح النچع..
صرخت سنية وهي تضع كفها فوق رأسها، وتضرب عليه بالكف الآخر في لوعة: ولدك راح لجضاه برچليه يا السيد، أني رايدة ولدي.. والله لو حصل لعزت حاچة، ما هيكفيني أحرج النچع بناسه، وما يطفي ناري.. هاتوا لي ولدي..
اندفع السيد لخارج الدار في اضطراب حين أدرك أن الأمر جلل، يهرول لخارج البوابة لعله ينقذ ما يمكن إنقاذه، لكنه توقف في صدمة، ما أن وجد عزت قادم برفقة الدكتور سرور الذي كان يسنده في هوادة، وكف عزت تقطر دما، أثر جرح لا يعرف أحدهم له سببا، دخل السيد بصحبة ولده سائلا سرور في قلق: ايه في يا داكتور!
انتفضت سنية نحو عزت صارخة ما أن رأت كفه النازفة، ومن خلفها جاءت مجيدة باكية في لوعة، ليهتف سرور أمرا: متجلجوش يا چماعة، ده چرح سطحي، چيبوا اللي هاجولكم عليه، وإن شاء الله خير.. بسيطة..
اندفع الجميع منفذا أوامر سرور، وقد بدأ يروي ما حدث وهو يطيب جراح عزت في احترافية..