رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش - الفصل 8 - 3 - الجمعة 10/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الثامن
3
تم النشر الجمعة
10/1/2025
الرسلانية ١٩٩٠..
اندفع الصبي لداخل دار جده في اضطراب، هاتفا حين وجد جده يجلس وحيدا ينفث دخان نارجيلته كالعادة في مثل هذا الوقت من النهار: يا چد! ضيفة الرسلانية سافرت..
انتفض الجد موضعه، مقتربا من موضع الصبي، جاذبا إياه في حنق، صارخا بوجهه: أني مش جايلك تكون كيف ضلها! سافرت كيف!
أكد الصبي في نبرة مهزوزة خوفا: يا چدي كنت راجبها كيف ما جلت، وماغبتش عن نضري طول ما هي بره السرايا، لكن من يوم اللي حصل لبتهم وطلاجها، مخرچتش من السرايا إلا مرة ولما چيت اجولكم، كان حبيب بيه وياها، ولسه من مفيش شوفتها هي واخته راكبين العربية مع شبل ومبحرين، سألت عرفت إنهم مسافرين..
سأل الجد في لهفة: مسافرين على فين!
أكد الصبي: معرفش! بس ما دام منيرة معاها، تبجى راچعة على هنا تاني!..
علا صوت عميق النبرة في استهانة: ولا مترچعش! ايه عازتنا فيها..
تطلع الجد عزام الحراني صوب حفيده مظهر، متسائلا في تعجب: كيف يعني! ليها عازة كبيرة، ولا أنت مواعيش للحكاية الجديمة..
أكد مظهر في لا مبالاة: ولا چديدة ولا جديمة يا چد، صدجني الموضوع ميستاهلش، واهي أول ما جالت يا رچعة، رمت نفسها فحصن الرسلانية، كن فيهم مغماطيس..
جلس عزام الحراني بعد أن صرف أصغر أحفاده، متطلعا نحو حفيده المفضل مظهر، متسائلا في حيرة: جصدك إنها مش چاية جصدانا!
هتف مظهر مؤكدا: وهي لو جصدانا، كانت راحت للرسلانية ليه!
هتف عزام لحفيده: طب ما يمكن راحت للرسلانية تتحامى فيهم، عشان توجف جصادنا وهي لها ضهر فالنچع!
هز مظهر كتفيه في عدم اكتراث هاتفا: چايز، بس هو إحنا جليلين، ولا هنخافوا من الرسلانية ولا حتى هنخاف من غيرهم، وحكايات الربابة اللي كانت بتتغنى عنِهم من زمن الزمن دي بجت ماسخة ومالهاشي عازة، يروحوا ياخدوا حج بتهم اللي طلجها واد العمدة جبل دخلته عليها بكام يوم، وخلاهم ولا يسووا.. وراسهم بجت فالطين، جبل ما ياچوا يعملوا فيها رچالة..
تنبه عزام أن حفيده على حق، وأن حديثه هو عين الصواب، وقلقه من وجود أنس الوجود في الرسلانية لم يكن هناك ما يبرره، غير بعض الهواجس القديمة وبعض الرواسب التي ما تزال كامنة في نفسه أثرا لمجد عائلة رسلان الغابر، والذي عاصر في طفولته وبعض صباه بعض من سطوته وجبروت رجالهم.. ما خلق في نفسه اضطراب ما له داع، اذابه كلام حفيده وحسن منطقه.. ما دفعه للاستكانة والعودة لهدوء باله وهو يحمل ذراع نرجيلته ينفث دخانها من جديد وقد راق خاطره من هواجسه.. متطلعا نحو مظهر في إكبار، ضاربا كتفه بكفه المتغضن الذي ما زال يحمل بعض من عزم الشباب على الرغم من عمره الذي تخطى السبعين عاما بقليل، مبتسما لحفيده في محبة، مدركا أنه ترك للحرانية سبعا من بعده، يقدر الأمور حق قدرها..
❈-❈-❈
الإسكندرية ١٩٩٠..
هدأ الهرج والمرج ما أن تم تعزيز أمن المحطة بالكثير من قوة الأمن المركزي لإعادة الضبط والربط، وبدأت الأجواء بالعودة لطبيعتها، وتم نقل المصابين للمشفى، لكن أُنس الوجود هي التي طاش صوابها، فقد بدأت في البحث عن منيرة كما المجنونة، تجري هنا وهناك وما من أمل في إيجادها، حاولت أن تهدأ حتى تستطيع التفكير في كيفية التصرف السليم، تاركة حقائبها بأمن المحطة، قبل أن تندفع لأقرب سنترال، طالبة رقم تليفون ممدوح، وجلست تنتظر في نفاذ صبر أن تؤكد عليها الموظفة بالسنترال رد أحدهم على الجانب الآخر، دقائق وهتفت الموظفة مشيرة عليها لإحدى الكبائن، أمرة: كبينة تلاتة يا آنسة ياللي طالبة القاهرة..
انتفضت أنس مندفعة نحو الكابينة، حتى أنها رفعت سماعة الهاتف المعلق بأحد جوانب الكابينة، صارخة في اضطراب، وبصوت متحشرج صارخة: إلحقني يا ممدوح، منيرة تاهت مني..
انتفض ممدوح هاتفا في صدمة محاولا استيعاب هل هذه أنس التي تصرخ بهذا الشكل: أنس معايا! مين اللي تاهت! في إيه يا أنس إهدي كده وفهميني بالراحة..
تمالكت أُنس نفسها قليلا، تعيد كلامها: منيرة تاهت مني فالمحطة يا ممدوح، حصلت خناقة كبيرة وضرب نار لحظة وصول القطر، والدنيا اتقلبت، دورت عليها بعد ما الدنيا هديت ملهاش أثر.. أعمل ايه فالمصيبة دي! منيرة أصلا رجعت لها حالة التوهان اللي كانت عندها طول ما إحنا جايين فالطريق، يا ترى هي فين وحصل لها ايه دلوقت!
هتف ممدوح مطمئنا: طب أنا جايلك حالا يا أُنس، حاولي بس تشوفي لو في إصابات فالخناقة اللي بتقولي عليها دي، شوفي راحوا مستشفى ايه وأسالي تكون هناك، اهو نستغل الوقت لحد ما أجي..
هتفت أنس مقترحة: فكرت أروح ابلغ فالقسم!
هتف ممدوح: محدش هيعمل لك حاجة هناك قبل مرور ٢٤ ساعة على غيابها، ، ونبقى نلف الأقسام لما اجي، متدخليش قسم لوحدك.. يبقى الأفضل ابدأي بالمستشفى وأنا أهو بجهز نفسي ونازل أركب أول عربية جاية اسكندرية وجايلك، وربنا يجيب العواقب سليمة..
بكت أنس هامسة: هقول لأخوها إيه يا ممدوح! ضيعت أمانته! ده موصيني عليها.. إزاي مخدتش بالي منها، إزاي تاهت من ايدي!..
هتف ممدوح يحاول أن يهدئ من روع أنس المنهارة فعليا: أُنس، الغلطة مش غلطتك، دي غلطتي أنا اللي سبتكم تسافروا لوحدكم ومجتش معاكم، بس ربنا عالم إن ظروف الشغل عندي ملخبطة، ده أنا لسه داخل من بره على تليفونك، اهدي بقى، وتمالكي أعصابك، وروحي شوفي المستشفى زي ما قلت لك، وارجعي استنيني على كافتريا المحطة، وإن شاء الله هنلاقيها وتبقى بألف خير..
أغلقت أُنس الهاتف حين انفصلت المكالمة، هاتفة بها موظفة السنترال متسائلة: عايزة مدة تانية يا آنسة!..
هزت أُنس رأسها نفيا، وهي تسحب نفسها لخارج الكابينة، وما أن أصبحت خارج السنترال حتى أشارت لأقرب سيارة أجرة أمرة سائقها بالتوجه نحو المشفى الذي نُقل إليه مصابي الشجار المشؤوم، الذي كان سببا لتلك المصيبة التي حلت بها.. لعلها تجد خبرا يساعدها في العثور على منيرة، محاولة أن تدفع عن خيالها وجه حبيب الذي يتمثل أمامها اللحظة، بكل ملامحه الثائرة، بعد أن يعلم بما جرى لأخته..
❈-❈-❈
الإسكندرية ١٩٩٠..
انتفض الصول مجاهد أمرا عساكر القسم في نبرة حازمة: اعدل أنت وهو، سراج بيه الحفناوي وصل، ومش عايزين تكدير ع الصبح..
وقف عساكر القسم باستقامة التشريفة ما أن وعوا لنزول أحدهم من سيارة ما، والذي ما أن بدأ في صعود سلم القسم الثلاثي الدرجات بخطوات متمهلة قليلا، حتى بدأ الجميع في الإنتباه مشدودي الجسم ملقين التحية العسكرية في عزم..
هتف الصول مجاهد في ترحيب: حمدا لله بالسلامة يا فندم.. القسم نور..
ابتسم النقيب سراج في دبلوماسية: الله يسلمك، چمال بيه وصل!
أكد مجاهد وهو يسابقه بخطوة حتى وصل لباب حجرة المكتب، مؤكدا: آه، ده جمال بيه هنا من بدري وبيفطر، اجيب لسعادتك فطار!
هز سراج رأسه رافضا: لا يا حضرة الصول، متشكر.. تجدر تتفضل..
ترك مجاهد موضعه، تاركا سراج يدفع باب مكتب جمال بنفسه، وصوت الراديو يعلو كما هي العادة، بشدو محمد رشدي: طاير يا هوا.. طاير ع المينا..
ابتسم سراج متسائلا في مرح: اغيب عليك شوية ألاجيك مغير نشاطك، من حليم لمحمد رشدي!..
كان جمال يرفع قطعة من رغيف عيش كان قد وضعها بكوب الشاي القابع أمامه على الطاولة المنخفضة، بعد أن أتى على صينية الطعام التي فرغ كل أطباقها أمامه، يقطر منها بعض من قطرات الشاي بفمه مترنما مع الأغنية، أشبه بشخصية الصول عبدالعال في مسرحية ريا وسكينة، موقفا أخيرا تمايله على انغامها ما أن وعى لتساؤل سراج المرح، صارخا في فرحة: سراچ بيه الحفناوي، والله بعودة يابو السراريج..
اندفع جمال في لهفة صوب سراج، محتضنا إياه في محبة خالصة، هاتفا في فرح مهللا: القسم نور يا كبير.. والله ولك وحشة يا نجم..
قهقه سراج في رزانة هاتفا: مش هتبطل البكش ده بقى يا بني! ما أنت كنت عندي فالمستشفى من يومين، لحجت وحشتك!
أكد جمال متقمصا دور المتحرش هذه المرة، وهو يملس على صدره، غامزا بعينه: مقدرش ع البعد يا جميل..
ارتفعت ضحكات سراج من جديد، هاتفا في نبرة مازحة: يا بني أنت اللي عملك ظابط ظلمك، كان مكانك معهد السينما..
أكد جمال في لهفة: يا ريت والنعمة، ع الأقل اشوف حتت طرية وناعمة كده، بدل وارد جهنم اللي كل شوية محدوفين علينا دول..
تنبه سراج هاتفا في حنق: يووه، اقعد بقى نستني الغلبانة اللي بره..
جذب سراج الباب ليفتحه، فوجد تلك الفتاة التي أنقذها من السرقة جوار سور محطة سيدي جابر، تقف في استكانة ونظرات دامعة، لا تعرف لما هي هنا من الأساس..
أمرها سراج في لطف: اتفضلي..
سارت في خطوات حذرة نحو الداخل، وقفت بتردد على أعتاب حجرة مكتب جمال، ليعيد سراج طلبه في تأدب: اتفضلي.. متخافيش..
تشجعت ودخلت في اضطراب، متطلعة نحو سراج في تيه، هامسة في نبرة مهزوزة: أني عايزة ارچع لأخويا..
هز سراج رأسه في طاعة، مشيرا إليها لتجلس على أحد مقاعد الحجرة، مقتربا من جمال، الذي وقف مشدوها يتطلع للفتاة في إعجاب، هامسا في تيه: يا مرسي يابو العباس!.. ايه القمر اللي هل علينا ده! ده باين الليلة عيد!