-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 13 - 2 - الثلاثاء 28/1/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الثالث عشر

2

تم النشر الثلاثاء

28/1/2025


الرسلانية.. ١٩١٧.. 

تلك الصرخات التي شقت عتمة ليل الرسلانية كانت كفيلة بإثارة القلق والتوتر في قلب سكان النجع وقاطنيه، ليدعو ويبتهل كل من أدرك أن تلك الصرخات الملتاعة ما هي إلا صرخات توحيد وهي تجاهد لقذف جنينها للحياة، كان وهدان يقف حائرا لا يقدر إلا على الدعاء والانتظار، وقد أرسل سعد لطبيب البرنسيسة ليباشر توحيد، حتى إذا ما انتهى وتعالت صرخات المولود ربما حزنا لفراق دفء الرحم وأمانه، أو ربما فرحا على حياة يتأمل فيها الخير!.  

تعالت زغاريد الخادمات وهن يندفعن نحو خارج الغرفة في اتجاه وهدان، مهللات في فرحة: حلاوة البشرى يا سي وهدان، ولد زي البدر الله أكبر.. 

هلل وهدان لا يصدق أن حلمه تحقق، وذاك الولد الذي ترجاه دوما جاءه من توحيد، الفرحة إذن فرحتين، سأل في اضطراب: طب وهي! زينة! 

أكدت إحدى الخادمات: زي الفل، الله أكبر.. 

دفع لهم وهدان بحلاوة البشرى، واندفع للخارج هابطا درجات السلم الداخلي للدار، تتطلع إليه شفاعات في غل، فقد جاءها الخبر المشؤوم، وها قد أضحت ابنة الرسلانية سيدة الدار بلا منازع.. أما كفاها استحواذها على قلب زوجها وعقله، حتى تستولي بجملة ما حصلت على الدار وسيادتها!.. هكذا أصبح الحساب أثقل.. والحساب يجمع.. 

وقف وهدان خارج الدار، وأخرج سلاحه، وبدأ في إطلاق الرصاصات في الهواء معلنا عن فرحته بقدوم الصبي الذي كان في انتظاره عمرا.. أمرا أحد الخدم زاعقا في فخر: ادبح أكبر تلت عچول في الزريبة، ووزع متخليش، حلاوة مچية ولدي، مختار وهدان عمران الحراني.. جول ورايا يا واد.. مختار وهدان عمران الحراني.. 

كرر الخادم عدة مرات خلف سيده اسم ولده، معتقدا أن وهدان قد فقد عقله فرحا.. وخاصة حين رفع سلاحه وبدأ في الضغط على زناده في تتابع محموم، مفرغا خزنته، وإعادة ملأها عدة مرات بعدد من الرصاصات، معلنا عن فرحة غامرة لا يعادلها فرحة.. لم يوقفه عن إبداء مظاهرها اللحظة إلا قدوم مصباح مهرولا، يطلب الطبيب على عجل، فعلى ما يبدو أن البرنسيسة قررت أن تضع مولودها الليلة أيضا.. 

اندفع وهدان للأعلى، منتظرا أن يأذن له الطبيب بالدخول لرؤية ولده وزوجته، خرج الطبيب بالفعل معلنا أن الأم والصبي بصحة جيدة، وضع وهدان بكف الطبيب ما كان بجعبته كله، مؤكدا أن سعد بيه في انتظاره لأن البرنسيسة على ما يبدو في حالة وضع، اندفع الطبيب ملبيا، تاركا وهدان يدخل الغرفة في وجل، متطلعا نحو توحيد التي ما زادها الوهن إلا حسنا في عينيه، والتي ما أن وعت لوجوده، حتى ابتسمت هامسة: ولدك يا وهدان! هتسميه ايه!.. 

هتف وهدان بقلب واجف وهو يحمل الصبي في حذر، متطلعا نحو ملامحه الوردية: مختار يا توحيد! مختار وهدان عمران الحراني.. ولاه إنتي لك شوج في اسم تاني!.. 

همست توحيد في فرحة: مختار!.. حلو جوي، وبعدين هو أني ليا جول بعد جولك يا سيد الناس.. 

وابتسمت مستطردة في دلال:  والواد الچاي ابجى اسميه أني.. 

رفع وهدان ولده بين ذراعيه، واحتضنه في حنو ومحبة فاقت الحد، تاه في معالم وجهه الوردي، وأخيرا تطلع نحو توحيد في عشق مؤكدا: هچيب منك دستة عيال يا توحيد، كيف ما يكونوا، بكفاياني إنهم منك يا غالية.. 

ثم تنبه مقرا: آه بالحج، الداكتور راح لأخوكي، شكل البرنسيسة هتعملها النهاردة هي التانية.. 

هتفت توحيد: كان نفسي أكون چنبها، أنت عارف سعد زمناته عامل كيف دلوجت!.  

هز وهدان رأسه متفهما: ربنا يخلف الظن ويجومها بالسلامة، وتبجى الفرحة أفراح يا رب.. 

همست توحيد في قلب وجل: يا رب.. يا رب.. 

وقد كانت على حق تماما في اعتقادها، فالحال التي كان عليها سعد لا يمكن وصفها، فما أن أدرك أن أنس قد بدأت مخاضها، حتى انتفض مرسلا مصباح للاتيان بالطبيب، الذي علم أنه عند بيت الحرانية، فزاد قلقه أضعافا، تارة على أخته وتارة على زوجته التي تتألم في أنين موجع، جعله يستعيد ذكريات ما رغب في استعادتها.. كان يصرخ في الخدم، ويأمر بألف أمر في الدقيقة الواحدة، ويزعق فيمن لا يستجيب لمطالبه في عجل، كان أشبه بمجنون ترك وحيدا في ساحة واسعة يزعق ولا أحد يجيب خشية من غضبته، حتى وصل الطبيب الذي كان على علم بتاريخ سعد العائلي، فهدأه مطمئنا، تاركا إياه يقطع الردهة ذهابا وإيابا، مبتهلا في قلب وجل، لا يسمع إلا أنين وهمهمات متقطعة، وأخيرا علت صرخة وحيدة متوسطة القوة، قبل أن يأتيه صوت بكاء معلنا عن قدوم مولوده سالما.. 

خرجت الممرضة الأجنبية باسمة، هامسة في هدوء: مبارك، صبي چميل.. 

هتف بها سعدا متسائلا في لهفة: هي، هي عاملة كيف!.. زينة!.. بخير يعني!..

كانت الممرضة لا تستوعب معنى الكلمات لكنها استنتجت مقصده، وهزت رأسها في تفهم مؤكدة: المدام كويس، بخير.. بخير كتير.. 

نقدها سعد ما كان بجيب جلبابه، حلاوة البشرى، ليخرج الطبيب مؤكدا وعلى وجهه ابتسامة عريضة: مبارك ما جالك يا سعد بيه، أسهل ولادة عدت عليا، اللي تخاف منه مفيش أحسن منه، وربك كريم.. 

هتف سعد بأعين دامعة: كريم جوي يا داكتور، والبركة فيك برضك.. اتفضل.. دي حاچة بسيطة متچبش على كد تعبك معانا.. 

ابتسم الطبيب في دبلوماسية: العفو يا سعد بيه، معملتش إلا الواجب، وألف حمدا لله على سلامة الهانم.. 

هتف سعد متسائلا: وتوحيد بخير يا داكتور! زينة يعني! 

أكد الطبيب باسما: كويسة جدا.. مبارك عليكم.. عن إذنك..

هتف سعد مناديا: يا مصباح مع الباشحكيم والست الحكيمة توصلهم مطرح ما يحبوا.. 

هز مصباح رأسه في طاعة، هاتفا في سعادة مهللا: مبارك ما چالك يا بيه، يتربي في عزك.. 

ابتسم سعد في فرحة، قبل أن يندفع نحو الغرفة دافعا بابها في حرص، لتعاجله نازك حاملة طفله متجهة نحوه ليحمله عنها، إلا أنه توجه نحو موضع أنس، هامسا في محبة: إنتي زينة! 

همست أنس مؤكدة في وهن: بخير سعد بيه، بخير..

واستطردت متسائلة في فخر: رأيت ابننا سعد بيه، رأيت فضل الله علينا!.. 

تنبه سعد، متوجها نحو نازك التي وضعت الطفل بين ذراعيه في هوادة، واستأذنت في هدوء، فقد وعت أن عليها الخروج ما أن يكون سعد بالغرفة، حمل سعد طفله متطلعا نحو ملامحه الرقيقة، عائدا نحو موضع تمدد أنس الوجود بالفراش، هامسا مرددا كلماتها: فضل الله!.. فضل الله سعد عبدالمچيد رسلان.. 

لتهمس أنس في رقة: چميل سعد بيه، چميل.. 

لثم سعد الصبي في وداعة، وانحنى نحو جبين أم الصبي مقبلا في عشق..