رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 13 - 3 - الثلاثاء 28/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الثالث عشر
3
تم النشر الثلاثاء
28/1/2025
الرسلانية ١٩٩٠..
تطلعت نجية لذاك الملثم الذي أزاح عن محياه لثامه ليضمن لنفسه الأمان، وأن لا ترفع عقيرتها بالصراخ وجمع الناس، وهو الذي جاء متسترا تحت عتمة الليل، وتسلل للدار حتى لا ينضره مخلوق، هاتفا في تعجب: نسيتي صوتي يا نچية!
صرخت نجية في شوق: ضاحي! ..
اندفعت لأحضانه في شوق، هاتفة في عتب وهي تبكي لوعة: كده برضك يا ضاحي! هونت عليك ده كله! خمس سنين يا ضاحي، خمس سنين لا حس ولا خبر ولا اتصال واحد، طاب حتى چواب، دول جالوا بعد الشر عنك تكون.. ليه كده نهون عليك يا ضاحي، ليه!
بكت وبكت، وأخيرا تتبهت لأمر ما، نازعة نفسها من أحضانه، تهم بالاندفاع نحو حجرة سالم، مؤكدة في فرحة وهي تمسح عنها دموعها: هروح اصحي الواد سالم! ده متوحشك جوي وكل شوية يسألني، هو أبوي مش چاي السنة دي!
أمسك ضاحي بها مانعا: لاه، سيبيه نايم..
ثم جذبها من جديد بين ذراعيه، هامسا في لهفة: أني اتوحشتك يا بت، والبعاد مر..
همست نجية في دلال لائم: وايه اللي كان بعدك!
همس ضاحي وهو يجذبها نحو حجرتهما، مغلقا الباب خلفهما في إحكام: مش وجت العتب يا بت، تعالي بس..
طاوعته نجية في استسلام تام، فقد كان شوقها إليه يفوقه أضعافا، ووجوده جوارها كان أحد أروع أحلامها طوال الخمس سنوات التي مرت على غيابه، وأنفاسه التي تعلو وتهبط اللحظة وقد راح في سبات عميق، بعد أن بل ريق الشوق لقربها، كانت بالنسبة لها تساوي العالم بما فيه، فقد عاد لها الأمان من دنيا الغدر التي تنتظرها لتفتك بها هي وولدها، الذي ترغب اللحظة في ايقاظه لتبلغه أن أبوه الذي عيروه آلاف المرات أنه ذهب بلا عودة قد عاد بالفعل، وعليه أن يرفع رأسه عاليا بين أقرانه، فقد أصبح له ذاك السند الذي تمنى طوال عمره، وبات واقعا ملموسا.. لكنها تراجعت تاركة الأمر ليكون مفاجأة حلوة في الصباح..
❈-❈-❈
تقلب على أريكته وكاد أن يسقط أرضا، فقد أدرك أنه لا ينام على فراشه، تنبه قليلا، فإذا بالفجر قد بدأ يبزغ في الأفق، ما دفعه لينهض مهموما نحو حجرته، فقد ضاعت عليه صلاة الفجر، وما خرج لصلاتها كعادته، ليجد الشيخ محمود يقرأ ورده الصباحي، دخل عليه الغرفة حانقا: سلام عليكم يا شيخ محمود! ليه مصحتنيش للفچر معاك ورحت لحالك!
هتف محمود متعجبا: أني كنت فاكرك أنت اللي سيبتني وراك لما دخلت عليك اوضتك ونادمت، مردتش وعرفت إنك مش فالاوضة جلت بس راح لحاله فخدت شبل ورحت..
تنهد حبيب: لاه، كده أنت براءة، أني كنت نايم تحت..
هتف محمود متعجبا: فالبرد ده! واعر عليك النوم فالطل!
أكد حبيب باسما: نعست ومحستش بحالي إلا دلوجت..
همس محمود متسائلا في نبرة صادقة: مالك يا حبيب! أني عارف إن الحمل على كتافك تجيل، وأني عاچز كيف ما أنت واعي، يا ريتني كنت بصحتي كنت شلت معاك.. وخففت عنك هبابة، حتى ع الأجل شلت هم روحي..
همس حبيب رابتا على كتف أخيه في حنو: متجولش كده يا محمود، مين جال إنك حمل! ده أنت بركة الرسلانية كلهم..
همس محمود: بس أنت برضك مش تمام! فيك حاچة متغيرة، إيه هي!.. أني معرفش..
ابتسم حبيب هاتفا: واه يا شيخ محمود يا معنجر، بجيت بتجرا اللي فصدور الناس!..ده أنت واعر على كده!..
ضحك محمود في أريحية مؤكدا: لاه، لا واعر ولا معنجر ولا ربراب، أني بس حاسس بك، وواعي إن جلبك مهواش مرتاح، ريح جلبك يا حبيب، لجل ما عجلك يرتاح..
هتف حبيب متهكما: وإن كان راحة جلبي هي اللي هتچيب وچع الراس، هتحلها لي كيف يا شيخ المشايخ! ..
هتف محمود متحيرا: عويصة دي ياخوي! بس العبد في التفكير والرب بالتدبير.. فاصبر لها، فعلها ولعلها.. ولعل من خلق السماء يحلها..
تنهد حبيب مؤكدا: والله صدجت يا شيخ محمود، لها رب كريم يعدلها..
ربت حبيب على كتف أخيه الأصغر في ود، وخرج من الغرفة متجها لغرفته، كان ينوي النوم لساعة أو أكثر فما زال الوقت باكرا، لكنه أيقن أن ما من عودة للنوم، وفي رأسه تتصارع كل هذه الأفكار..
❈-❈-❈
هرول شاب ذو لحية قصيرة، من أحدث الشباب الذين انضموا للمجموعة التي تسكن الجبل منذ شهور قاربت على العام، مؤكدا في نبرة خفيضة تأدبا: يا شيخ بلغ الأمير إن المؤن على وشك النفاد، ولازم نأمن مؤن جديدة..
هتف الشاب الأكبر سنا، مؤكدا في عزم: أمير الجماعة، الشيخ رفعت في خلوة، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب، سأحدثه عند خروجه بإذن الله..
هز الشاب رأسه في طاعة عمياء، وعاد لموقعه، بينما وقف الشاب الأكبر سنا في هدوء متصلبا على تلك الربوة الهادئة التي تشرف على نجع رسلان.. وكل معالمه.. لم يكن هو من أهله، لكنه سمع من الأمير الكثير من الحكايات والقصص التي رواها، التي عايشها هو شخصيا أو نُقلت له، والتي تؤكد ظلم أهل هذا النجع، وطغيان سيده الحالي، وجبروت أسلافه الطواغيت.. وعلى الجميع أن يدفع الثمن غاليا، حتى تسود الدولة الحقة، وينتشر العدل وتطبق العدالة على كتاب الله وسنة رسوله الكريم كما لقنهم مشايخهم.. تطلع الشاب نحو ذاك الكهف البعيد الذي يجمع فيه الشيخ رفعت زوجاته، والذي لا يجرؤ مخلوق على الدنو من محيطه، فقد أحاطه الأمير بعدد من أعتى رجال جماعته لحماية النساء ومن معهم من الأطفال.. شعر ببعض الحسد يسري بنفسه تجاه أميره وما لديه، فهو مالك أمر جماعتهم، لا يُعصى له أمرا، ولا يُؤخذ من غيره رأيا، منعم مع نسائه كل ليلة، يبيت في فراش دافىء بأحضان واحدة من زوجاته، تاركا من هم على شاكلته لحمايته وحراسة عرينه، المال ماله، والتصريف والتصرف له، وأغلى الأغراض من مأكل وملبس، هي له.. فمتى ينعم هو بمثل هذه المكانة!.. وينل كل هذه النعم!..
ظلت الأسئلة حائرة بعقل الشاب، يتمنى لو كانوا قادرين على دحر كل الظالمين الليلة قبل غد، وإقامة الد*ولة المزعومة كما أقر أمي*رهم، ليكون له الحق في الزواج والتمتع بكل النعم التي وُعد بها، بعد أن نال شرف الج*هاد.. تنهد في ضيق، عليه أن يكون جاهزا وعلى أهبة الاستعاد، فهو يعلم أن ما أن تقل المؤن، إلا ويأمر الأمير بغزوة على ديار الك*فر، من أجل تحصيل ما يلزمهم من غنائم.. لكنه ينتظر الأمر بذلك، فقد يكون لدى الأمير تصريف آخر لا علم لهم به.. فهو الأمير وما لهم إلا السمع والطاعة..
❈-❈-❈
توجه صوب التعريشة، عيناه تحيد عن الطريق ترفع الطرف نحو وجهة واحدة، نافذتها.. والتي كانت مغلقة حتى اللحظة.. كان من عاداتها الاستيقاظ باكرا، لكن ربما جافاها النوم الليلة الماضية قهرا على أقواله، مثلما جافاه ندما لنفس السبب!... هو يعترف أنه أخطأ خطأ فادحا، وأن كلماته كانت لها فعل الرصاص ألما.. جلس على أريكته المفضلة، وعيناه معلقة بالنافذة، وعقله مشغول بحال صاحبتها، والتي لم تبين منذ ما جرى بينهما.. يسأل نفسه في اضطراب عن الدافع الذي أوصله لهذه الحالة في التعامل معها!.. وهو الذي ما كان يوما بهذه الغلظة ولا تلك الرعونة!..
كيف فقد حسن حديثه وسلامة منطقه!.. يعترف الآن بينه وبين نفسه، أن رؤيته لها تدخل على رجل غريب بكامل بهائها، وبهذا الشكل الفجائي الغير مبرر، والغير معتاد منها، جعله يفقد بعض من رجاحة عقله، ثم جاءت الطامة حين أدرك أنها على معرفة بذاك الغريب، مع تبادل التحية في أريحية، ووضعها كفها بأحضان كفه بهذا التباسط، وهو الذي ما مدت له يدا للسلام من قبل، جعله يفقد البقية الباقية من رجاحة منطقه، التي حاول أن يتمسك بها لأقصى حد ممكن من تصبره، لكنها ما ساعدته بل زادت برودة ردودها، من سكب البنزين على نار غضبه، ليثور بهذا الشكل الفج، وتختفي هي مخلفة الذنب له، والذي يتآكله حتى اللحظة..
ما كان هناك من أمل لظهورها وقد بدأ النهار يعلن عن نفسه بشمس وضاحة قوية الدفء، وهو يحمل على عاتقه الكثير من المشاغل، وعليه التحرك لإنهائها قبل أن ينتصف النهار..
نهض مغادرا في حسرة لعدم قدرته على رؤيتها..