رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 7 - 2 - الجمعة 3/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل السابع
2
تم النشر الجمعة
3/1/2025
الرسلانية ١٩٩٠..
سارت أنس ذاك الطريق الترابي الغير ممهد والمشجر على جانبيه، متوقعة أن يظهر زفراني كما ظهر لها بغتة في المرة السابقة التي سارت فيها ذاك الطريق وحيدة، وخاصة أنها استشعرت أن هناك عيون من موضع ما لم تتبينه تترقبها، تجاهلت ذاك الشعور بالترقب، وصرفت فكرها لإتجاه آخر، أخذت تستعيد ما فعله زفراني البارحة مساءً حين اتفرط عنقود العنب أرضا، وكيف جمعه في إصرار وصبر حبة بحبة حتى وضعه بحجر جلباب حبيب، لمَ فعل ذلك! ولمَ بعد أن جمعه لم يرجعه لها من جديد! ألم يكن العنقود لها من الأساس!..ظلت هذه التساؤلات تدور ببالها حتى أنهت الطريق الترابي وطل دار سالم التي خرجت من السراي لاتيانها، وقفت أمام بابها الخشبي المتواضع طارقة، فانفرج الباب عن محيا نچية أم سالم، التي هللت في فرحة: يا مرحب يا أستاذة، اتفضلي..
أكدت أنس في مودة: انا خلاص مسافرة وقلت أجي أسلم عليكي..
هتفت نجية ممتنة: والله فيك الخير إنك افتكرتيني وچاية تسلمي! تروحي بالسلامة وربنا يردك على خير، مش هنشفوكي تاني هنا فالرسلانية يا أستاذة! ولا خلاص كده ختروحي وتنسينا!..
أكدت أنس مبتسمة: راجعة تاني إن شاء الله، عشان هاخد منيرة معايا كام يوم تغير جو، وبعدين هنرجع تاني على هنا..
مصمصت نجية شفاهها في اشفاق: ربنا يصبر جلبها، هو اللي حصل لها شوية!.. مين كان يجول إن سي عزت يطلع منه ده كله!.. وست منيرة زينة البنات متستاهلش اللي چرا لها ده، ربك يستر ع اللي ناويه حبيب بيه ورچالة الرسلانية، أصلك اللي حصل ده يضيع فيه رجاب، ربنا يعديها على خير..
همست أنس متسائلة في فضول: هو ممكن يحصل ايه يعني!
قامت نجية نحو إبريق الشاي تضعه على النار، هاتفة في تأكيد: يوووه يا أستاذة، ده يحصل كتير، اللي چرا مهواش هين! ده عرض بتهم، يعني جَصاده دم، وعركة كبيرة محدش هيعرف تخلص ميتا، ولا تخلص على ايه من أساسه!..
تذكرت أنس ما فعله حبيب حين جاءه رجال العائلة، لو طاوعهم لكان حدث ما تؤكده نجية اللحظة، كان قراره إذن عين العقل حين صرفهم مؤكدا أنه قادر على الأخذ بحقه وحق أخته في الوقت الذي يراه مناسبا.. ولو طاوعهم بدعوى الحمية والثأر، لكان الوضع الآن خارج عن السيطرة، وما استطاع مخلوق التدخل أو إيقافه من الأساس، فهي قد سمعت أن أمور الثأر هذه متى أن بدأت، أصبحت كبكرة الخيط، تسحب كل من يمر بطريقها لسنوات وسنوات، بل قد تمتد لأجيال وأجيال بلا توقف..
مدت نجية كفها بكوب الشاي لكف أنس، التي احتضنته في راحة، ترتشف الرشفة الأولى في استمتاع حقبقي، ليدخل سالم الذي ما أن رآها حتى هلل في فرحة، لتهتف أنس مؤكدة: لقيتك مجتش السرايا وجبت لي القصب والدرة زي ما اتفقنا، قلت أجي أنا بقى أكلهم عندكم قبل ما أسافر..
هتف سالم في عجالة: معلش يا أستاذة، اللي حصل للست منيرة، وحال الشيخ محمود اللي مكنتش بفارجه، خلى الواحد عجله مهواش فراسه، الشيخ محمود مجهور على حال أخته، ومين يجدر يلومه! حجه والله.. هو اللي حصل ده كان يخطر على بال مخلوج!..
ساد الصمت لبرهة، قبل أن يعود سالم لنبرته المرحة مؤكدا: بس دجيجتين، هچيب الجصب والدرة واچي رمح..
ابتسمت أنس لمحبة سالم، فهزت رأسها في إيجاب مؤكدة: مش هتحرك من مكاني إلا لما أخد حقي ف الدرة والقصب..
انتفض سالم مهرولا: فوريرة..
كانت أنس على وشك إنهاء كوب الشاي، ترفعه لتفرغ آخر رشفة به لجوفها، لتنتفض من موضعها ويسقط الكوب من كفها محدثا دويا، مع صرخة نجية الملتاعة حين رأت ذاك الملثم يخرج من العدم قابضا على أنس بهذا الشكل، مطوقا جسدها بسيطرة بنيته العريضة، حاملا السلاح بالكف الآخرى، موجها إياه صوب موضع نجية أمرا في نبرة صوت حازمة: اخلعي حلجك والغويشة اللي فيدك وهاتيهم..
ضربت نجية على صدرها، ولطمت وجهها في وجع حقيقي حينما تعرفت على حقيقة صاحب الصوت، وحاولت أن تثنيه عن فعلته، وهي تربت على صدرها عدة مرات متتابعة ليشفق على حالها، ويترك ضيفتها التي يأسرها بهذا الشكل المهين، مكمما فمها بكفه الضخمة: أحب على راسك، طب ابوس رچلك يا رفعت، سيب الهانم ونتفاهموا، حد يعمل في ضيوف حبيب بيه كده! والله ما هيكفيه دمك وناسك كلهم يا عويل..
هتف رفعت في حنق: اخلصي بلا كتر حديت، جال حبيب بيه جال، ولا يجدر يمس شعرة مني، انتي نسيتي أني بجيت مين، وبجيت فين! خافي منه انتي واللي زيك، وطاطوا له عشان تفضلوا طول عمركم خدامين وتحت المداس..
هتفت نجية وقد سال دمعها ذعرا وشفقة على حال أنس، التي كانت تقاوم في بسالة للتخلص من سيطرته التامة على جسدها الضئيل مقارنة بحجمه، لتستجيب نجية وقد شرعت تخلع عنها قرطها، مؤكدة في نبرة باكية: خدهم يا رفعت، خدهم وسيب الهانم، ربنا ع المفتري..يچيب لي حجي م...
لم تكمل حديثها، فقد قطعه ذاك الشبح الذي اندفع لداخل الدار قافزا نحو موضع رفعت، الذي انهار جسده تحت سطوة ذاك الدخيل، ففقد سيطرته على جسد أنس، التي اندفعت صوب نجية تحتمي بها، وبدأت المعركة بين رفعت وذاك الغريب، الذي أخذ بتلابيب جلباب رفعت الأبيض، نازعا عنه لثامه الثقيل قابضا على لحيته الكثيفة المتوسطة الطول، صارخا فيه بلوعة، وهو يهزه في عنف: حد يعمل كده فأخته الغلبانة يا عويل!.. أختك اللي واجفة بطولها تربي عيلها وچوزها غايب له سنين، بدل ما تبجى سندها، چاي تاخد الدهبات اللي حيلتها، عشان تبيعهم لچل ما تعمل كبير على شوية عيال عملينلي فيهم رچالة بالكدب..
أخذ الغريب يكيل لرفعت اللكمات في قهر، لتصرخ نجية وهي ترى أخاها ينهار تحت وطأة ضربات الغربب الموجعة: خلاص بكفياك يا سي مدثر، سيبه لچل خاطر النبي..
رفع مدثر نظره نحو موضع نجية، وما أن هم بالتحدث لها، إلا وجاءت الفرصة لرفعت، ليتخلص من سطوة جسد مدثر، دافعا إياه بأقصى قوة يملكها، ولم يكتف بل سدد كعب سلاحه نحو هامة مدثر، ليسقط وقد بدأت الدماء تتفجر من رأسه الذي شُج، قبل أن يندفع مهرولا هربا نحو الخارج، يضع لثامه مخفيا هويته، وهو يركض نحو سفح الجبل القريب نسبيا من موضع دار نجية..
نهض مدثر يحاول أن يتماسك في بسالة على الرغم من ذاك الدوار الذي يكتنف راسه، وخيط من الدماء يسيل على جبينه وجانب وجهه، هاتفا في نبرة عميقة: انتوا بخير يا ست نچية!
هتفت نجية في نبرة مذعورة: إحنا بخير يا سي مدثر، ربنا يخليك، بس اجعد نداوا چرحك اللي دمه سايح ده..
هم بالرد، لكن وصول حبيب المندفع في تأهب، والذي دفع عباءته جانبا في عنف، وخلفه سالم لاهثا، جعل مدثر يبتلع رده، وحبيب يهتف في نبرة مذعورة، مندفعا نحو أنس في لهفة: أنتي بخير!
هزت أنس رأسها مؤكدة، وهمست في نبرة مرهقة، وهي تشير نحو مدثر: لولا ظهوره ف الوقت المناسب، مكنتش عارفة ممكن يحصل ايه! بس أنت مين عرفك!
تنبهت أنس لوجود سالم الذي اندفع لأحضان أمه باكيا، ولم ينطق حرفا، بينما خلع حبيب لاسته الشاش، مندفعا نحو مدثر، يضمد بها جرحه النازف، مؤكدا في نبرة على الرغم من شدتها إلا أنها جاءت لطمأنة الجميع، وخاصة نجية وولدها: متخافوش، ميستچريش ينزل تاني من الچبل النهاردة، هياخد له شوية عشان يجدر يعملها..
جوم يا مدثر تعال معاي ع السرايا نعالچ چرحك..