رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 7 - 3 - الجمعة 3/1/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل السابع
3
تم النشر الجمعة
3/1/2025
هتف مدثر محرجا: لاه.. ملهاش عازة، الضيفة معاك يا حبيب، وأني هبجى بخير، متجلجش..
تطلع حبيب نحوه بنظرة متفهمة، وكأنما دار بينهما حوار بلا كلمات، جعل حبيب يهز رأسه موافقا، قبل أن يأمره في نبرة صارمة: طب حصلني ع السرايا، ماشي!
هز مدثر رأسه في طاعة، وخرج مندفعا لخارج الدار، بينما مد حبيب يده نحو عباءته المهملة جانبا، يضعها على كتفيه من جديد، وقد أقترب من أنس هامسا: بجيتي تمام! تجدري تمشي لحد السرايا!..
أكدت أنس هامسة بدورها: أيوه، يا ريت نمشي..
هز حبيب رأسه موافقا، وتنبهت أنه أخرج كفه من جيب جلبابه في خفة، واضعا بعض من مال فوق طاولة جانبية، واندفع لخارج الدار وهي في أعقابه، ليسلكا الطريق الترابي المشجر وحيدين، كانت تسير في خطى متمهلة، تحاول استجماع شتات نفسها بعد هذه التجربة التي ما توقعت أن تمر بها يوما، ضمت جسدها بذراعيها بلا وعي، كأنما تحاول أن تزيل آثار ضغط جسد ذاك الحقير على جسدها.. كانت عينى حبيب تتابع حركاتها في تركيز عن كثب، مدركا لحجم اضطرابها الداخلي وما أن وعى لحركة ذراعيها، حتى خلع عنه عباءته، وهم بوضعها فوق كتفيها، لكنها رفضت عرضه في حرج: مفيش داعي..
لم يعبء باعتراضها، واضعا عباءته فوق كتفيها، هامسا في حنو، محاولا جذب انتباهها عما حدث: الچو بدأ يصجع وإحنا داخلين ع المغارب، والهوا اللي چاي م الچبل بارد..
كان مبرره على قدر من التفهم، ما جعلها تدرك أنه يحاول أن يؤكد أنها لم تتأثر بهذه التجربة، وأن ذاك البرد الذي ينتشر بأطرافها ما هو إلا أثرا للجو البارد ليس أكثر، فازعنت لفعلته، وضمت طرفي العباءة في هوادة، تحاول تجميع أطرافها حتى لا تجرجر خلفها ذيلها على طول الطريق.. ساد الصمت لبرهة قبل أن يسأل في محاولة لكسر ذاك الصمت الذي يلفهما: أنتي تعرفي نچية أم سالم منين!
أكدت هامسة بنبرة هادئة: بالصدفة، كنت بتمشى على طول الطريق ده من كام يوم، وشافني سالم بالصدفة وعزمني على داره واتعرفت على أمه..
ابتسم يسأل في مزاح: وانتي عرفتي سالم منين من الأساس، عشان يعرفك على أمه ويعزمك على داره!
ابتسمت هامسة تفسر: لما كان الشيخ محمود بيحفظه عشان ميتعبطش بالفلكة م الشيخ معتوق..
انفجر حبيب ضاحكا: وااااه، ده اللي يدور وراكي يلاجيكي عرفتي ناس النچع كلهم فاليومين اللي جعدتيهم هنا!..
ابتسمت أنس في مودة: مش كلهم أوي يعني، نصهم كده..
اتسعت ابتسامة حبيب، هاتفا في مزاح: أسبوع كمان فالنچع ونرشحك للعمدية..
قهقهت مؤكدة: هنافس أبو زكيبة، وأخد مكانه..
صمت ولم يعقب، أدركت أن ما كان لها أن تذكر أمامه اللحظة سيرة هذه العائلة بكل ذاك الأذى الذي طال أخته من جراء نسبها المشؤوم، فاستطردت في محاولة لتلطيف الأجواء: هو أنت هتعمل ايه معاهم بعد اللي حصل ده!
تنهد حبيب مؤكدا: إن كان ع العمايل، فمفيش اكتر منِها..
هتفت في قلق: أوعى ترمي نفسك في مصيبة متقدرش تخرج منها!..
تطلع لها حبيب متعجبا لتبدل نبرتها لهذا التوتر المشبع بالتفهم بعد أن كانت تنضح أنانية، ما جعلها تستطرد في اضطراب مبررة: أنت وراك ناس كتير محتاجينك، أخوك محمود بظروفه، واختك بعد اللي حصل لها، وجدتك اللي قلبها هيتوجع عليك..
ابتسم حبيب متطلعا نحوها: البركة فيكي إني هنا معاهم دلوجت، فلولا الرصاصة اللي طاشت بسببك، كان زماني في زنزانة، محكوم عليا بمؤبد، ولا حتى خدت إعدام..
شهقت في توتر، فاستطرد مؤكدا: الفضل لك بعد ربنا، لكن أبو زكيبة له روجة..
شعرت باضطراب ما داخلها لرده بهذه النبرة، التي تؤكد أن ذاك الرجل من القوة، ما يؤكد على قدرته التامة على الأخذ بثأره في الوقت الذي يراه مناسبا، وبالطريقة الائقة لرد كرامته وكرامة العائلة العريقة، وعلى ذكر العائلة، سألته في فضول: أنا شفت اللي حصل، ولمة رجالة العيلة امبارح عشان اللي جرا..
ابتسم حبيب ابتسامة ساخرة، طلت على جانب فمه الذي يظلل شفته العليا ذاك الشارب المهذب، مؤكدا في نبرة تضج سخرية ممزوجة بحسرة حاول مداراتها: لمة رچالة العيلة! كل واحد فيهم چاي ياخد بتاره اللي معرفش ياخده بيده.. على حساب حبيب ومصيبته، ربنا يكفيكي شر اللمة الكدابة يا أستاذة..
عبرا اللحظة بوابة سراي وناسة، فانتفض شيل الخفير من موضعه واقفا ملقيا التحية، مبلغا حبيب: سي مدثر چوه يا بيه، مستنظرك من ياچي ربع ساعة..
هز حبيب رأسه متفهما، وسارا للداخل حتى اقتربا من باب المضيفة، فهمت أنس بخلع عباءته عنها، لكنه رفض أمرا في لطف: خليها عليكي مدفياكي لحد ما تطلعي، متخليعهاش ف الطل والچو بارد..
لم تجادله على عكس طبيعتها، وهمت بالدخول للمضيفة، لكنه استوقفها مطالبا بنبرة ودودة: ليا رچاء عندك يا استاذة، يا ريت بس لو هتخرچي تاني بره السرايا، متبجيش لحالك، خدي شبل وياكي..
ابتسمت مؤكدة: خلاص بقى، أنا مسافرة بكرة، مفيش خروج تاني..
هتفت متعجبا: ليه! أنتي مش معاودة مع منيرة تاني على هنا!
أكدت أنس: آه، بإذن الله..
اتسعت ابتسامته مؤكدا: يبجى كان لازما منِه اللي جلته، لأنك هتعيديها تاني وبرضك هتخرچي لحالك..
اتسعت ابتسامتها بدورها، فقد أدرك أن القوانين لم توضع لأجلها، وأنها خارجة عن أي مألوف.. هزت رأسها في هوادة، واندفعت صوب الداخل دون أن تنطق حرفا..
وصلت لغرفتها، ومنها طلت على تعريشته البعيدة نسبيا، التي وصلها لتوه هاتفا قبل أن يختفي أسفل عروشها الوافرة: يا بت يا نبيهة!..
استجابت نبيهة في ثوانِ، ليأمرها مطالبا: هاتي كوباية حليب متحلي بالعسل النحل وتعالي رمح.. همّي..
اطاعت نبيهة مختفية عنه في لحظتها، مدركة أن ذاك اللبن المحلى بالعسل من أجل مدثر، ذاك الشاب الذي يماثل حبيب عمرا، والذي على ما يبدو يربطهما صداقة قوية، فهو الوحيد الذي سمعته يناديه باسمه مجردا دون ألقاب..
أرهفت السمع قليلا، ليأتيها صوت جرامفون الجدة صفية، وصوت فيروز يتهادى في انسياب على أوتار الليل الوليد بالأفق:
حبيبك وصاكي لتضلي بالبيت..
ومين ما حكاكي، ما تتركي البيت..
ما بدو تشوفي حدا.. ولا تردي على حدا..
كل الأبواب مسكرة.. هيك الهوى يا قمرة..
لا تعلم لما جعلتها الكلمات ترسم ابتسامة بلهاء بلا معنى على قسمات وجهها، وقد تنبهت أنها لم تخلع عنها عباءته، بل هي الآن تجذب طرفيها لتبثها الدفء لجسدها أكثر، تركت أطراف ذيل العباءة أرضا، فتأكد لها أن فارق الطول بينهما ليس بالقليل، فاتسعت ابتسامتها.. وضمت العباءة حول جسدها أكثر، غير مدركة أن دفئها دثر شغاف القلب..