-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 21 - 4 - الجمعة 28/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش



الفصل الواحد والعشرون

4

تم النشر الجمعة

28/2/2025

❈-❈-❈

هتف حبيب مازحا بدوره: يبجى نسميه مدمس السعادة.. ايه رأيك يا ست سعادة!.. 

قهقت سعادة في فرحة، لتهل نبيهة مارة بالتعريشة حين سمعت نداء ما باسمها، كانت الحجة صفية قد نادت باسمها عدة مرات، ولم تسمعها، وما أن خرجت بكرسيها المدولب حتى الشرفة الخارجية للسراي، حتى رأت حبيب يجلس بصحبة أنس تحت تعريشته، ما جعلها ذلك تعود للداخل وعلى وجهها ابتسامة رضا، لتلحق بها نبيهة ملبية ندائها، فوقع ناظرها على محيا سعادة التي احتلت موضعها بين أنس وحبيب، تنهل من دلالهما، لتهتف بها نبيهة في أريحية: بجي كده يا سعادة، تاچي ومتفكريش ف نبيهة، لاه أني واخدة على خاطري منك..           

اندفعت سعادة نحو نبيهة في لهفة، لتستقبلها الأخيرة في محبة، حاملة إياها نحو الداخل، صوب حجرة الحجة صفية، تاركة حبيب وأنس وحدهما مجددا.. 

ساد الصمت لبرهة، قبل أن يرتفع صوت جرامفون الحجة صفية من الداخل، واسمهان تتساءل بصوت ملائكي في وله: 

امتى هتعرف امتى.. إني بحبك أنت!.. 

نهض حبيب يضع إبريق الشاي على نار الركوة مزيدا نارها استعارا، ليجد أنس تهمس مستأذنة في عجالة: تصبح على خير يا حبيب بيه!.. 

هتف حبيب متسائلا: طب اشربي الشاي عشان تحبسي بعد الاكلة التجيلة دي بالليل!.. 

ابتسمت أنس مؤكدة: لا أنا كده تمام أوي.. تصبح على خير.. 

همس حبيب خلفها: وأنت كل الخير.. 

لم يتناهى لمسامع أنس رد حبيب الذي يحمل الكثير، لكن صوت اسمهان وتساؤلاتها ظلت تطاردها وهي بنافذتها بالأعلى، وهي تشدو في رقة: 

خلتني أحبك.. واتمنى قربك..

اسعدني يوم بلقاك، ترحمني فيه برضاك.. 

ليكون فؤادك مش خالي وتعذّب قلبي..

يللي غرامك في خيالي وفي روحي ودمي..

امتى هتعرف امتى!.. إني بحبك أنت!. 

ليجلس هو حاملا كوب الشاي، بعد انتهائه من صنعه، تتردد على مسامعه نفس تساؤلات أسمهان المحيرة.. 

مرت ساعتان حاولت فيهما النوم بلا جدوى، فتلك النيران التي استعرت في جوفها جراء تلك الأكلة الثقيلة، حرمتها الرقاد في سلام، ما حثها على وضع شالها والاندفاع صوب حجرة منيرة، طرقت بابها ودخلت حين أيقنت أن منيرة ما تزال مستيقظة، لتسألها في نبرة مرهقة: بقولك يا منيرة! مفيش دوا للحموضة!.. أنا مش عارفة أنام.. 

قهقهت منيرة متسائلة: كلتي ايه عمل فيكي كده! 

أكدت أنس في اضطراب: كلت فول، بس عليه خلطة عجيبة كده، كان عمله حبيب بيه، وريحته جابتني على ملا وشي.. 

ارتفعت قهقهات منيرة من جديد، مؤكدة عليها مازحة: حد ياكل ديناميت بالليل كده! اصل الفول اللي بيعمله حبيب ده كيف الديناميت، مش أي حد يجدر عليه، بس أني عذراكي، هو حلو بزيادة الصراحة.. 

أكدت أنس في استحسان: اوووي، جدااا، ومعاه القرقوش المبلول ده، أنا افتريت بجد.. 

ارتفعت ضحكات منيرة من جديد، لتهتف في خباثة: وااه، ده الأسرار كلها طلعت اهي.. كمان جرجوش!.. 

ابتسمت أنس في سلاسة ولم تعقب، لكنها قررت مشاكسة منيرة بدورها: اه، بالمناسبة، مش أنا قابلت حضرة الظابط سراج الحفناوي!.. 

اضطربت منيرة، وغابت عن وجهها ابتسامتها، وتساءلت في حرص: جابلتيه فين!.. 

أقرت أنس: قابلته هنا ف النجع، هيكون فين يعني! كنت بتمشى أنا وسالم، صادفني ع الطريق، سلم وسأل.. 

صمتت أنس متطلعة نحو منيرة التي رفعت ناظريها تتعجلها هاتفة: سأل على إيه! 

ابتسمت أنس: سأل عليكي، وعلى أخبارك وأخبار صحتك، وسأل عن قرابتك بحبيب بيه، ولقيت الشال اللي كان معاكي فاسكندرية على كتافه، فسألت نفسي، راح له إزاي يا بت يا أنس!.. 

اضطربت منيرة وأجابت في الحال: أني حطيته على سريره لما كان موچود تحت بيتعالج، جلت أهي أمانته ورچعت له.. 

ابتسمت أنس ولم تعقب، لتستطرد منيرة في حنق: بس هو ماله بيا! بيسأل عليا ليه!.. 

تعجبت أنس: وماله لما يسأل! مش يمكن معجب! 

شهقت منيرة في صدمة: معچب ايه! لاه، إحنا جفلناه الباب ده خلاص، لا عايزة اتچوز ولا رايدة چواز.. 

هتفت أنس متنهدة: بقى ده كلام يا منيرة! أنا معاكي إن التجربة اللي عدت عليكي صعبة، لكن مش معنى ده إننا نوقف حياتنا عليها، مش يمكن ربنا قفل باب عشان يفتح لك باب تاني فيه الخير ليكي!..

اضطربت منيرة: لاه، لا خير ولا شر.. أني جلبي حطيت عليه مليون جفل ورميت مفتيحهم فالمالح.. 

همست أنس مهاودة بابتسامة: طب ما هو حضرة الظابط شكله نازل المالح يجيب المفاتيح كلها، ما هو اسكندراني بقى والبحر ده لعبته.. 

قهقهت أنس، بينما تطلعت لها منيرة مدعية الحنق، تحاول أن تداري ابتسامة تجاهد للظهور على قسماتها، لتستطرد أنس مازحة: يا بنتي انتي مشفتيش شكله لما بيقولي هي الآنسة منيرة قريبة حبيب بيه، رحت قلت له لأ.. كان هيسورق افتكرك مراته، ولما قلت انك أخته كان ناقص يتشاهد.. 

ابتسمت منيرة في حياء، بينما انفجرت أنس ضاحكة، تضع كفها على معدتها، هاتفة في توجع: زودتيلي الحموضة بالمقاوحة معاكي، ويا ريت عندك دوا، اعمل ايه فيكي دلوقت، أنا عايزة أنام!.. 

دفعت منيرة بها نحو الباب مازحة: ما تروحي تنامي وسبيني أنا كمان انام، حد قالك تفتري فالعشا.. والحموضة دي تطلع على دماغي وتخديني سلوتك.. ياللاه من غير مطرود تصبحي على خير..

قهقهت أنس وهي تهرول لخارج حجرة منيرة مغلقة بابها في عجالة، حتى كادت أن تصطدم بحبيب الذي ظهر على أول الرواق المفضي للغرف.. شهقت هي في صدمة، وتراجع هو في ثبات.. 

طال تطلعه نحوها متعجبا من تواجدها هنا من الأساس، ما حثها لتشير نحو باب حجرة منيرة معترفة: جيت أدور على دوا للحموضة عند منيرة.. 

سأل حبيب بصوت ابح: ولجيتي!

هزت رأسها نفيا، ما دفعه ليستكمل طريقه هاتفا: طب هشوف لك عندي.. 

لا تعرف ما الذي دفعها لتتبعه، دخل حجرة ملقيا العباءة والعصا جانبا، وجلس على طرف فراشه يبحث في أحد أدراج الكومود الملاصق له، لتطلق ناظريها بأنحاء الغرفة وهي تقف بعيدة بعض الشيء عن اعتابها، وما أن أدركت أنه وجد ضالته، حتى عادت بضع خطوات متقهقرة للخلف، حتى إذا ما خرج حاملا شريطا من الدواء وكوب من الماء، تصنعت أنها تطيل النظر في أحد نقوش السقف الباهتة قليلا.. 

مد كفه بشريط الدواء، أمرا: خدي لك حباية.. 

مدت كفها مبسوطة فسقطت الحباية بوسطه، دفعت بها لجوفها، وناولها كوب الماء ليساعدها على ابتلاعها.. 

همس: بالشفا.. 

تناول منها الكوب باسما: شكل معدتك عصافيري ملهاش فالأكل التجيل!.. 

أكدت باسمة بدورها: لا، هي معدتي ملهاش ذنب، دي جدعة وبنت حلال، بس أنا اللي افتريت الصراحة.. 

ارتفعت قهقهاته على تفسيرها، لتضطرب هي وهو يؤكد: عشان لما جلت لك اشربي الشاي رفضتي، ومتبعتيش كلامي.. 

ابتسمت أنس هاتفة: معلش بقى، مكنتش أعرف إن عندك حق.. 

ورفعت ناظريها نحوه بلا وعي هامسة: والظاهر كده، هيطلع عندك حق في حاجات كتير.. 

لا علم لها كيف تجرأت وهمست بهذه الكلمات، ولا كيف واتتها الشجاعة للاعتراف بهكذا اعتراف قبالة ناظريه!.. ولا كيف ظلت تتطلع نحو نظراته المتطلعة نحوها بكل هذا العجب والدهشة!.. للحظات ظل ذاك الخيط الأثيري بينهما متصلا بوصل مثير للتعجب، لكن ما أن أدركت تورطها، حتى ألقت كلمات مبهمة المعنى كنوع من التحية، قبل أن تنسحب مهرولة للعودة نحو حجرتها، تاركة حبيب يقف مشدوها معلق النظرة إلى ذاك الموضع حيث غادرت منذ لحظات.. 


الصفحة التالية