-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 21 - 1 - الثلاثاء 4/2/2025

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل الواحد والعشرون

1

تم النشر الثلاثاء

4/2/2025



رحل الحبيب وترك خلفه حكاياتٍ لم تكتمل، وأحلامًا باتت كالغبار تتلاشى مع أول نسمة ريح. كيف لقلبٍ أحب بصدق أن يتجاهل هذا الفراغ؟ كل زاوية تحمل ذكرى، وكل لحظة تحمل وجعًا. ليست الخسارة في الفراق فقط، بل في محاولتي أن أعيش بعده وكأن شيئًا لم يكن.


ورغم الحزن، أؤمن أن الأيام تعلمنا كيف نعيد ترتيب نبضاتنا، وكيف نلملم أشلاء أرواحنا. فالحب يبقى درسًا، حتى إن لم يكتمل.


تميم مدحت العسلي 

❈-❈-❈

في بعض الأحيان، يكون الصمت أبلغ تعبير عن أوجاع لا تسعها الكلمات.

صمت متألم، يتكسر صداه في أعماق روحك، حيث تنكسر الأحلام بصمت، وتخبو الآمال دون ضجيج.

صمت صامت، كأنه ظلٌ يرافقك، يخفي انكسارك حتى عن نفسك، كأنك تخشى الاعتراف به كي لا يزداد وجعه.

تختار الروح أن تتوارى خلف ستار من الهدوء، بينما في الداخل عاصفة هوجاء، لا تهدأ، لا تتوقف، لكنها تظل حبيسة بين الضلوع.


                    بغرفة تميم


كان حسام يساعده في تعديل وضعية الوسادة برفق، قبل أن يستند عليها تميم بتعب، والإرهاق بادٍ على وجهه، رغم تحسن حالته الصحية إلى حدٍّ كبير، يحمد الله عليه في كل لحظة.


إلا أن حسام يثق أن ما بداخله ينعكس عليه بشكل قوي. تميم يتألم ولا يتكلم، بداخله صرخة متألمة لن يخرجها مهما حاولوا، 

لا لأنه لا يعرفه، بل لأنه يعرفه حق المعرفة. يعلم أن الألم سيظل له وحده، 

مغلقًا عليه ألف بابٍ وباب.


تنهد بضيق وهو يطالع صمت تميم التام.

 كان هناك حيث يريد أن يكون، 

لا هنا في أرض الواقع... أرض الآلام. لذا، اقترب منه، جلس بالمقعد بجانبه، قائلًا بهدوء:


تميم، انت كويس؟


لم يرد عليه لوهلة، وظن أنه لم يسمعه، لكنه في النهاية التفت، ناظرًا إليه، وربّت على يده قائلًا بعد عدة لحظات: الحمد لله يا حبيبي.


ثم تابع بضيق: حسام، أنا قلت لك امبارح روح، وكنت رافض تمامًا قاعدتك هنا،

 بس انت أصريت. بس أظن كفاية... 

يلا يا حبيبي روح البيت، ارتاح، 

أنا كويس والحمد لله.

 الممرضين هنا عاملين اللي عليهم وزيادة، ومحدش سايبني، يعني وجودك تعب ليك وخلاص. أنا بخير يا حسام، وكده كده أصلًا هنام وارتاح، فهتقعد لوحدك.


وتابع بحزم، مشيرًا إلى الباب: يلا توكل على الله من غير مطرود.


هز حسام رأسه نافيًا، إلا أن تميم شدد على يده، قائلًا بإصرار: والله لتروح يا حسام! بجد، أنا بخير والحمد لله.

 انت كمان محتاج ترتاح وتنام كويس.

واكمل بتساول : بقالك قد إيه مشوفتش مراتك وبنتك؟

روح يلا... 

وأصلًا شوية وهتلاقي جيش التتار جه طابق عليَّ نفسي!


قالها مازحًا، مشيرًا إلى إخوته وأبيه، إلا أن حسام لم يجاريه في المزاح، وبقي محافظًا على ضيق ملامحه، وبداخله يتساءل:

إلى متى الصمت والتجاهل يا تميم؟


لماذا لا تشاركني هذه المرة ما في قلبك؟


هذه المرة مختلفة، وليست ككل مرة. يريد أن يحمل عنه ولو قليلًا، 

يريد أن يزيح تلك الهموم. لذا، شدد على يده هو هذه المرة، قائلًا بخفوت: تميم، انت محتاج تتكلم، محتاج تخرج اللي جواك وفي قلبك.

 احكيلي، قول كل اللي وجعك، أنا هنا وفي ضهرك، أنا أخوك. 

لو أنا موقفتش جنبك، مين هيقف؟

 فضفض عشان ترتاح. 

تميم أنا عارف إن اللي حصل مكنش سهل، مش سهل أبدًا، بالعكس... صعب.

 أنا يمكن مقدرش أبدًا أحس بوجعك، بس عارف قد إيه قلبك اتوجع.

 مش هين تعترف بده كراجل، بس وجع القلب مبيفرقش بين راجل وست، هو بس... وجع.


ثم تابع بيأس: خلاص يا تميم

فر......


وقبل أن يكمل، رفع تميم يده ليوقفه، قائلًا بحزم خافت، كأنه ينتزعه انتزاعًا من حلقه، كأشواك تمزقه شر تمزيق: لا يا حسام... 

لا مينفعش.

من النهاردة اسمها ميتذكرش تاني يا حسام!


صمت لوهلة، قبل أن يتابع بخفوت واهن، بصوت ظهر فيه شيء من القهر، أو ربما الخذلان والحزن: الإنسانة دي... إنسانة متجوزة، على اسم راجل تاني، 

وليها بيت وأسرة. مينفعش نتكلم عنها، 

لا بحلو ولا بوحش، ولا سيرتها تتجاب من النهارده، ولا تكون مجال كلامي ولا كلامكم.


قالها بإصرار، ثم تابع بصدق:

كانت، وهتفضل ليها مني كل الاحترام. 

اللي كان... بقى ماضي.  ماضي اتقفل واتردم بالتراب.

 أنا بعتبر اللي حصل كان نصيب، وأكيد ربنا له حكمة في كل ده، لكن لا هي نصيبي، ولا أنا نصيبها. يمكن كانت تجربة كان لازم أمر بيها، ومكنتش من حقي، كانت حق غيري.

 الست دي صفحة واتقفلت... 

اتقفلت خلاص يا حسام. 

أرجوك، مش حابب أتكلم ولا أسمع كلام تاني في الموضوع ده، على الأقل احترامًا للوضع الجديد.


وصمت. ثم همس، كأنه يهمس لنفسه:


"الوضع أنها بقت ست متجوزة..."


وبداخله، أدرك أخيرًا أن بعض الصفحات، مهما تشبث بها القلب، ومهما نزفت وجعًا حتى جفّت روحه، لا بد أن تُطوى. فمضى في طريقه، يجر خلفه ظلًا من خيبة، وقلبًا أنهكته المعارك حتى بات خرابًا. لكنه أيقن بعد أن فقد كل شيء، أن بعض الخسارات تميت أكثر مما تنقذ، لكنها تتركنا أحياء رغمًا عنّا.


❈-❈-❈

كانت تحظى بنومٍ عميقٍ مُتعبٍ،

إلا أنه لم يدم طويلاً.

وهي تستفيق على كفٍّ صغيرٍ سقط على وجهها في صفعةٍ أحدثت صوتًا عاليًا،

مرحبًا بها في بداية يومٍ جديد.

فتحت عينيها تنظر حولها بفزعٍ وصدمةٍ،

وقبل أن تستوعب، كانت تنال الكفّ الآخر.

أمسكت يده بسرعةٍ، وهي تفتح عينيها تناظره بذهولٍ،

والآخر يناظرها بهدوءٍ وابتسامةٍ شريرة.

رفعت حاجبها تتمتم بضيقٍ ووجهٍ غاضبٍ مُتعبٍ ومرهقٍ: كده تضرب ماما؟

عيب تضرب ماما،

تميم نوتي.

قالتها بصوتٍ أعلى قليلاً من صوتها العالي،

لينتفض الآخر ينظر لوجهها المخيف بعيونٍ متسعةٍ،

وهي توبّخه بشدةٍ،

وهو لم يفعل شيئًا.

قبل أن تنقلب شفتاه وينفجر في بكاءٍ عنيفٍ.

اتسعت عيناها بدهشةٍ،

وهي تراه يُمثّل المثل بدقةٍ:

"ضربني وبكى، سبقني واشتكى."

فعلاً هي المخطئة،

إلا أنها لم تقدر على تحمل بكائه لأكثر من عدة ثوانٍ.

وهي تستقيم، تجلس، تحمله وتضمه لصدرها،

قائلةً برفقٍ وهي تهدئه بحبٍ وحنانٍ: "خلاص أنا آسفة،

آسفين يا سيدي،

بس بس يا روح قلب ماما،

بس يا روحي.

قالتها وهي تمسّد على ظهره،

تهدئه. وحينما لم يتوقف،

تابعت بفظاظةٍ وسخريةٍ: "خلاص بقى يا تيمو، متبقاش قليل الأدب،

يعني بتضربني وعايزني أسقفلك،

وأقولك برافو كمال يا حبيبي،

إيه الجيل المهبب ده؟

لكن بكائه كان يزداد.

وبعد وصل دلالٍ استمر لمدة عشر دقائق كاملة، وافق على السكوت أخيرًا.

وكاد أن يصفي عينها بعد ست ثوانٍ من الصلح،

إلا أنها أمسكَت يده مُقبّلةً إياها، قائلةً بتعبٍ ويأسٍ:

"أبوس رجل أمك، كفاية،

كفاية وشي اتهري ضرب."

وكأنه يفهم حديثها، فأطلق ضحكةً سعيدةً،

وهو يميل إليها ليقبلها.

فابتسمت له،

تمنحه وجهها بهدوءٍ.

فكانت تستحق ما حدث بعدها،

وهي تنال عضةً قويةً من فمه الصغير،

قابضةً على أنفها كاللص.

حسنًا، هي تستحق،

هي الغبية التي تظن أن هذا الكائن الصغير

سيقبلها.

خلصت أنفها برفقٍ من بين أسنانه،

قائلةً بتساؤلٍ وهي تمسّد أنفها بالألم:

أين باقي الصغار إذن؟

وقفت بكسلٍ بعد أن وضعته على الفراش،

تحرك رأسها يمينًا ويسارًا بتعبٍ،

والصداع لا يتركها أبدًا منذ عدة أيام.

قبل أن تتوجه للخزانة، تخرج ملابسَ نظيفةً وحجابًا.

ف انس  بالمنزل معهم،

ولحسن الحظ أن أباها

وفر لكل غرفةٍ حمامًا خاصًا

ليمنحهم المزيد من الخصوصية،

تحديدًا لأيام تجمعهم.

راقبت تميم المتجه ببطءٍ نحو حافة الفراش،

ليلقي بنفسه من عليه،

مرحبًا بالأرض ليحتضنها بكل حب.

أسرعت تلتقطه وهي تعض وجنته، قائلةً بهدوءٍ ومشاغبةٍ: يا حبيبي، يا حبيبي،

نطت التنين المجنح ده مش صح ابدا،

هتقع تاخد الأرض بالحضن،

وتتكسر زي البسكوت،

اتقي الله،

اتقي الله فيا.

قالتها وهي تضعه في كرسيه الصغير  المتحرك ليلعب إلى حين خروجها،

وكانت تتابع تحركاته بدقةٍ من شق الباب.

فتميم الصغير

كتلة كوارثٍ متنقلةٍ،

لا يجب أن تغفل عيناها عنه ولا دقيقةً واحده حتى.

وفعلاً، وقبل أن تكمل ارتداء ملابسها،

سمعت صوت شيءٍ يسقط أرضًا بقوة.

اتسعت عيناها برعبٍ،

وهي تركض للخارج،

وبرأسها ألف سيناريو مرعبٍ.

قبل أن تقف تستند على الباب،

تضع يدها على صدرها المرتعب،

وهي تراه سليمًا ولله الحمد.

إلا أنه أسقط صفَّ زجاجات عطرها

بعد أن جذب غطاء طاولة الزينة.

هزت رأسها بيأسٍ،

وهي تتوجه نحوه تحمله،

وتجلسه على الفراش.

لتكمل ارتداء ملابسها بيأسٍ.

حسنًا، لا أمل في بعض الخصوصية،

فهي أم،

وتلك الكلمة لم تعد موجودة في قاموسها.

❈-❈-❈

خرجت من الغرفة تحمل تميم،

ليقابلها مدحت، وقد كان لتوّه خارجًا من غرفته بعد أن صلّى الظهر.


هلّل بسعادة وهو يقترب منها، يحمل تميم، يقبّله بحب،

والآخر يصفّق سعيدًا بجَدّه الحبيب.


ولم ينسَها بكل تأكيد،

بل طبع قبلة حنونة على إحدى وجنتيها، قائلًا بحنان: صباح الخير يا لولو.


ابتسمت له، تعيد له قبلته ولكن على يده، مردّدةً بخفوت: صباح النور يا حبيبي.


وتابعت متسائلة: الولاد فين يا بابا؟ صحيت ملقتش حد في الأوضة.


أجابها بهدوء وهو يلاعب تميم: تحت، البنات صحيو الصبح وخدوا عز ونزلوا، وأنا قلتلهم يسيبوكي نايمة، وهم قاعدين تحت مع حور وملك.


أوْمَأت له برفق،

وتساءلت بهدوء، متابعةً ملاطفته لتميم: إحنا هنروح لتميم إمتى المستشفى؟


أجابها برفق وهو يمسح على خصلات الصغير:

 أنا كنت لسه هنزل أكلم حسام، لما كلمته من شوية مردش، فقلت أكيد لسه نايم، قلت بقى شوية وأكلمه تاني، وننزل نروح، ولما يرد إن شاء الله نتحرك، وهو ييجي يرتاح شوية هنا.


أوْمَأت له بهدوء، قبل أن تَتَأَبَّط ذراعه، ليهبطوا للأسفل حيث الجميع.


❈-❈-❈


كان أنس يقف في الحديقة يحادث أمه،

زفر بضيق مستمعًا لتوبيخها الحاد له،

قبل أن يرد بهدوء: ممكن تستهدي بالله؟ إيه اللي حصل لكل ده يعني؟

 كل ده عشان قلتلك اديني بس كام يوم،

 وأنا إن شاء الله هجيبلك ملك وآجي! يا ماما، الوضع هنا مش أحسن حاجة، هروح أقولها إيه؟ 

سيبي أخوكي المرمى في المستشفى وتعالي زوري أمي؟

أنا والله لولا الوضع كنت جيت، ومستحيل أتأخر عليكي، بس صعب، صعب أوي، إزاي عايزاني أعمل كده؟


أطبق فمه بتعب وهو يمسح وجهه،

مُبعِدًا الهاتف عن أذنه،

وهو يسمعها تصيح به قائلةً بعصبية: وفيها إيه لما تيجي؟ هي الزيارة بتاعتي تقيلة أوي كده على قلب السنيورة؟ بدل ما هي اللي تقولك تعالي نروح لمامتك، بتقويك عليا، وبتخليك تعصي كلامي! أخوها فاق وبقى زي الحصان، إيه؟ هتغيرله ولا إيه؟ ما هي مرزوعة عندك! بص يا حسام، أقسم بالله…


قاطع قسمها قائلًا بتعب: يا ماما، لو سمحتي، بلاش حلفان، عشان إنتي كده بتجبريني أكسره، هو أنا اللي بطلبه كتير؟ كام يوم بس، كام يوم، وأنا أوعدك هنيجي.


وكالعادة، أغلقت الخط في وجهه.


وضع الهاتف في جيب بنطاله، شاعرًا بالضيق.

ماذا يفعل؟

حقًا، ماذا يفعل؟


أمه لا تفهم،

لا تفهم أنه هو ابنها ،

هو فقط من يجب أن يطيعها،

لا زوجته.


تنهد بتعب، وهو يلتفت ليعود للداخل،

إلا أن وقوف ملك خلفه

جمّده مكانه.


تنهد بضيق وهو يرى ملامحها، والتي تنبئ بكل تأكيد أنها استمعت لحديثه.

اقتربت منه، تضع رأسها على صدره، قائلةً برفق: مش مشكلة، حقها يا أنس تشوفك، وتشوفني، كمان طنط ليها حق علينا. مش مشكلة يا حبيبي، حصل خير، نروح بكره أو بعده نزورها، متزعلش نفسك، كله هيتحل إن شاء الله.


قالتها بحنان، وهي تمسح وجهه برِقّة.


ابتسم لها بحنان، وهو يزيد من ضمّها بحب.


مهما كان حزينًا،

تظل هي صاحبة القدرة على حلّ أي مشكلة،

القادرة على رسم الابتسامة على شفتَيه،

مهما كانت،

مهما كانت.

الصفحة التالية