-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 18 - 1 - الجمعة 14/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الثامن عشر

1

تم النشر الجمعة

14/2/2025

 والله شاهدنا.. 


 القاهرة أواخر ١٩١٩..  

  سار سعد لداخل القصر وقد سبقه الخادم يشرف على دخول كل ما حمل معه من النجع من خيرات، تاركا سعد في انتظار نزول رستم باشا لموافاته، والذي ما أن طل، حتى نهض سعد ملقيا التحية في نبرة فرحة، على الرغم الحزن الذي يحويه قلبه: ألف مبروك يا رستم باشا، مبارك ما جالك، يتربى فعزك.. 

ابتسم رستم في رزانة، محاولا اخفاء أمرا ما، وهو يهتف مرحبا في حفاوة: حمدالله بالسلامة يا سعد بيه، الله يبارك فيك، بس ايه كل اللي أنت جايبه معاك ده!.. 

أكد سعد في محبة حقة: دي حاچات بسيطة يا باشا، حلاوة البيه الصغير، ربنا يخليهولك وتفرح به عريس.. 

أكد رستم: كلك خير يا سعد بيه.. يا رب.. 

تنهد سعد متسائلا في نبرة خجلة: عارف إن سؤالاتي بجت كتير، بس بجول يمكن ف مرة تصدج ونعرف حاچة عن أنس الوچود وفضل.. أي خبر يريح البال يا باشا.. 

أكد رستم متفهما: والله مقدر وضعك تماما يا سعد بيه، وأنا حقيقي في نفس القلق على أنس وولدنا فضل، وطبعا كاظم باشا والدنا، الوضع فعلا مش مستقر في أزمير، وللأسف هي معزولة عن باقي الأجزاء، ومش سهل إننا نوصل لحد جوه أو حتى يوصل لها حد من بره أزمير لأن الجيش اليوناني يحكم الحصار عليها.. لكن نتعشم إن الأمور تكون بخير.. 

هز سعد رأسه متفهما، على الرغم من شعوره أن رستم يخفي أمر ما لا يدركه، حتى أنه سأل بلا مواربة: هو چنابك مش مخبي عليا أي حاچة! أصلك حاسس إنك عارف خبر ومش عايز تجوله، ريحني يا رستم باشا لو في أي خبر، وأني بإذن الله هتحمل، بس ابجى عرفت وارتحت.. 

أكد رستم في نبرة صادقة: حقيقي معرفش أي خبر مهما كان، لو كويس اكيد كنت هبشرك به، ولو لا قدر الله فيه خبر سيء اكيد أنت من حقك تعرفه، ومش هخبيه عليك، بس الحقيقة إن مفيش أخبار لحد دلوقت.. 

تفهم سعد الوضع، مؤكدا وهو ينهض مغادرا: معلوم يا باشا، ربنا يجعل لنا على يدك البشارة بإذن الله، ومبارك ما چالك، يتربي فعزك وحمدا لله‏ على سلامة الهانم.. 

هتف رستم باسما في دبلوماسية: الله يسلمك يا سعد بيه، ولو حصل وجت لي أي أخبار، أكيد مش هبخل بها وهبعت لك.. وربنا يرجعهم بالسلامة.. 

هتف سعد: الله يسلمك يا باشا.. 

وخرج سعد مغادرا القصر، ليعود رستم إلى حجرة زوجته، التي كانت تداعب طفلها الناعس جوارها، متسائلة في نبرة متعاطفة، حين لاح الحزن على محيا رستم: بلغته يا رستم! 

أكد رستم متعجبا: بلغته ب ايه يا هانم!.. هو إحنا عارفين نتأكد من حاجة! 

همست ألفت متنهدة: على قولك يا باشا! ده خبر محدش متأكد حتى من صحته، بلاش نقلقه على خبر مش مؤكد.. 

أكد رستم: بالظبط، ده اللي بلغني قالي إنه مش عارف يوصل لحد داخل أزمير، واللي خرج منها هربان، بلغه إن آخر حاجة يعرفها، إنهم استولوا على القصور اللي هناك لصالح الجيش اليوناني وقواده، وده طبعا يشمل قصر والدنا كاظم باشا لأنه من أكبر القصور في أزمير، لكن ايه اللي حصل بالظبط محدش عارف يا هانم، ونتعشم يكون خير، يا رب يكون خير.. 

همست ألفت في تضرع: يا رب.. 

ساد الصمت لبرهة، وقد عمدت ألفت لتغيير مجرى الحديث لجذب انتباه رستم بعيدا عن أحوال أنس أخته وولدها، وكاظم باشا والده، لتخرجه من حالة الحزن التي خيمت عليه منذ جاءه الخبر الأخير، توجه انتباهه نحو طفلهما، هاتفة في دلال: شوف كده يا رستم، بالحق كده، مش بهجت واخد منك كل حاجة، شبهك أوي.. 

ابتسم رستم مجاملا: طالما ألفت هانم قالت شبهي، يبقى هو شبهي.. 

وانحنى مقبلا جبينها في مودة، ممتنا لمحاولاتها إخراجه من حالة الاضطراب التي تشمل دواخله، وباله يحاول أن يفترض أي افتراضات تخالف توقعه لرد فعل والده كاظم أوغلو إذا ما قرر اليونانيون احتلال قصره.. حتى يرتاح ويهنأ خاطره، ويسعد كما يجب بقدوم ولده بهجت، الذي انتظر قدومه للدنيا طويلا، وما عاد قادرا على إظهار السعادة كما يجب، وهو يحمل بداخله كل هذا القلق لحال والده، وأخته الغالية وطفلها!.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩١٩.. 

عواء الذئاب الذي لم ينقطع في تلك الليلة المعتمة بلا قمر، وتلك السماء الشاحبة، مع ذاك البرد القارس الذي هجم على النجع في هذه الليلة من ليالي شهر طوبة، جعل الجميع بلا استثناء يتستر خلف جدران داره متلحفا بالأغطية الصوفية، ساكنا جانب ركوة النار التي كانت مصدر الدفء الوحيد.. 

كل ذلك جعل توحيد تنتفض من موضع رقادها، تضع كفها فوق صدرها مستعيذة بالله من ذاك الشيطان الذي بث في نعاسها لعقلها ذاك الحلم المزعج، الذي دفعها لتفز من نومها بهذا الشكل المزعور.. نهضت من فراشها في هوادة، وثقل الحمل يضغط على عظام ظهرها ومفاصل قدميها، فقد كانت بطنها كبيرة على غير عادتها في حمل مختار ولدها، والذي لم تظهر بطنها في حمله إلا حين ناهزت الشهر الخامس، سارت نحو موضع القلة الفخارية تجرعت بعض رشفات من مائها، وعادت لفراشها لتتعجب من عدم وجود وهدان به، فقد كان نائم يجاورها، لقد وقعت عيناها عليه وهي تنهض لتشرب، كان هنا.. تراه أين ذهب!.. عادت تستلقي بفراشها ولكن جافاها النعاس وما عادت قادرة على العودة له من جديد، فقد هرب بلا رجعة وقد بدأ فكرها في الانشغال، فما عاد حال وهدان يسر عدوا ولا حبيبا، حتى أخته التي طلبت تدخلها لتوقف شفاعات عن أفعالها التي أخذت من تعقله الكثير، ما استطاعت أن تردعها، حتى بعد أن قدمت عرضها مفضلة الابتعاد عن وهدان والعودة لبيت أخيها تاركة لها الجمل بما حمل، شرط ألا تصيب وهدان بسوء، ما حرك العرض فيها بعض الرحمة حال وهدان الذي اختل صوابه، وطاش عقله..


الصفحة التالية