رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 19 - 1 - الثلاثاء 18/2/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل التاسع عشر
1
تم النشر الثلاثاء
18/2/2025
على قيد الشوق..
الرسلانية ١٩١٩.. بيت الرسلانية..
ما أن رأت توحيد مختار ولدها بين يدي سعد أخيها حتى دبت فيها الروح من جديد، على الرغم من أنها كانت تعاني في محاولة منها للسيطرة على أوجاعها حتى تطمئن على ولدها، وفي انتظار حضور الطبيب الذي ذهب مصباح لاستدعائه ولم يعد حتى اللحظة..
هتف سعد وهو يحمل مختار، متسائلا في ذعر حقيقي: إيه اللي چرا لوهدان يا توحيد! الراچل اتبدل!.. ايه في!..
سالت دموع توحيد في قهر مؤكدة: معرفاش يا سعد، كان زي الفل، وفيوم وليلة اتبدل حاله كيف ما وعيت له، ومحدش ورا الموال ده إلا شفاعات مرته، أني حبيت على يدها، وجلت لها إني هسيب لها الچمل بما حمل، وارچع لعندك، بس تسيب وهدان لحاله، وتكفينا شرها..
هتف سعد مستفسرا: ايه يعني!.. جصدك تجولي ماشية بالاعمال والسحر!..
هزت توحيد رأسها مؤكدة: چبت شيخ واتنين، وكلهم جالوا كده.. هو حال وهدان اللي وعيتله ده عادي يا واد أبوي!..
هز سعد رأسه متفهما، وهمس في قلق: بس مبين كده إنها لسه حطاكم فدماغها.. واللي بيچرا ده كله من تحت راسها..
لم تستطع توحيد الرد، فقد بدأت وتيرة الألم تتضاعف، ما دفعها لتهمس في وهن: أني تعبانة يا سعد.. ميتا ياچي الحكيم!.
أكد سعد: شيعت مصباح يچيبه من ساعتها.. و..
علا صوت توجع توحيد مقاطعا، هاتفة في أخيها: ابعت چيب أي حد يخلصني م الوچع اللي بيجطع فيا ده يا سعد، لحد ما الحكيم ياچي.. أني بموت..
هتف سعد مذعورا: بعد الشر عنك.. حلا..
اندفع سعد لا يرغب في ترك مختار من يده، وكأنما لو غاب عن ناظره، قد يصل ليد أبيه من جديد، وقد لا يسعه بانقاذه هذه المرة.. أمرا الخدم بإحضار القابلة، لمساعدة توحيد حتى يأتي الطبيب الذي تأخر على غير العادة..
صرخات توحيد المتعاقبة، والتي كانت تأتيه من داخل الحجرة التي تقبع فيها، كانت تمزع قلب سعد الذي ذاب من الأوجاع.. فقد كانت هذه اللحظات تعيد عليه ذكرى لا يرغب في تكرارها.. خرجت القابلة من داخل الغرفة بوجه مكفهر، ليعاجلها سعد متسائلا: ايه في! انطجي..
أكدت القابلة في اضطراب: معرفاش يا سعد بيه، دي حاچة موردتش علي جبل سابج، ربنا ينچيها..
هتف سعد صارخا: يعني ايه! اعملي كل اللي تجدري عليه، چيبي اللي يساعدك وهتاخدي اللي تجولي عليه كله، بس تلحجيها..
هتفت القابلة في توتر: والله يا سعد بيه عملت، ومعدش ف يدي حاچة أعملها اكتر من كده، غير إننا ندعيلها إن ربنا يخفف عنها..
تطلع سعد حوله في اضطراب لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، واندفع للخارج يتطلع للطريق، لعل الطبيب في طريقه للدار فيتعجله.. لكن لا أثر لقادم إلى دار الرسلانية في هذه الساعة..
ضرب سعد جانبي جسده بكفيه في قلة حلة، وهو يهتف متضرعا: يا رب، يا رب نچيها..
تحولت صرخات توحيد التي كانت تصدرها من قلب الوجع الكامن بجوفها، وكأن روحها هي التي تصرخ بهذا الشكل المتألم، إلى أنات متكررة صادرة من جسد فقد قدرته على المقاومة.. كانت تزوم في صوت أشبه بصوت ماكينة تعطلت تروسها عن العمل، وما من أحد قادر على تقديم يد المساعدة لها، وانتشالها مما تعاني، حتى جاء الفرج أخيرا، وهل الطبيب مهرولا لداخل دار سعد متسائلا في قلق: خير يا سعد بيه!
هتف سعد دافعا به لداخل الحجرة حيث ترقد توحيد: ادخل إلحجها يا باشحكيم، دي ع الحال ده بجالها كام ساعة دلوجت، اتأخرت علينا جوي..
أكد الطبيب معتذرا وهو يجهز نفسه للكشف وقد ارتدى معطفه الأبيض: كنت فالعمليات، أنا آسف..
غاب الطبيب لدقائق، قبل أن يخرج مؤكدا: الهانم نزفت كتير فعلا، والحالة صعبة يا سعد بيه، أنا هطلب دعم من بعض الزملاء، وربنا يجيب العواقب سليمة..
هتف سعد في ذعر: أطلب اللي تطلبه، أهم حاچة هي، مش مهم أي حاچة تاني، واعيلي يا باشحكيم، هي وبس..
هز الطبيب رأسه مؤكدا على إدراك ما يرم إليه سعد من تأكيده، فلو كان في اضطرار للتخلص من الجنين حتى تعيش أمه، فلا مانع في ذلك..
جهز سعد ما استطاع حتى يأتي الفريق الطبي الذي أمر الطبيب باحضاره لمساعدته في إنقاذ توحيد.. وأصبحت دار الرسلانية كخلية نحل عاملة.. لم تهدأ فيها الحركة لساعات.. وخاصة مع وصول باقي الأطباء.. وما أن بزغ الفجر.. حتى كان الطبيب يخرج من الغرفة متنهدا وهو يدفع قناعه الطبي عن وجهه، مؤكدا في نبرة صوت منهكة: الحمد لله، ربنا قدرنا وولدت على خير..
انتفض سعد صوب الطبيب متسائلا من جديد: هي بخير طيب!
أكد الطبيب: الحمد لله، لكن الطفل مولود ميت للأسف، ومشوه..
هتف سعد حامدا: الحمد لله إنها جامت بالسلامة، المهم هي، أي حاچة تتعوض..
أكد الطبيب: الحمد لله، بس حقيقي، دي أصعب ولادة صدفتني طوال مسيرتي الطبية.. عمري ما شفت حالة بالشكل ده..
تنبه سعد أن كلام الطبيب يتوافق مع كلام القابلة، يبدو أن هناك أمرا غير طبيعي، هل تكون اللعنة التي حلت بوهدان، قد لحقت بأخته وأطفالها!.. لا شك في ذلك.. فكل تلك الأحداث التي ما لها من تفسير منطقي، تؤكد أن هذا هو التفسير الوحيد المقبول لتعليل كل ما يقع..
هتف سعد في نبرة ممتنة: أني ممنون لوچود حضرتك.. وتعبك معانا..
ابتسم الطبيب في دبلوماسية: معلمتش إلا الواجب يا سعد بيه، ربنا يتمم نفاسها على خير..
أنهى الطبيب عمله وزملائه، وقام مصباح بأوامر من سعد بمرافقتهم إلى حيث أرادوا.. فقد مرت هذه الليلة بسلام وكُتب عمر جديد لأخته بعد ما سمع عن صعوبة حالتها، دخل في هدوء لحجرتها، يتطلع لوجهها الشاحب ليجد الممرضة التي تركها الطبيب برفقتها، تجلس بالقرب من فراشها ساهرة على راحتها، ألقى التحية وسأل في هدوء: هتفوج ميتا!..
أكدت الممرضة هامسة: هي نزفت جامد ولازم تنام وترتاح، بس لازم خلال ساعة تفوق.. عشان تاخد الدوا.. متقلقش.. هتبقى كويسة..
هز سعد رأسه متفهما، وحاد بناظريه عن محيا توحيد الشاحب، متطلعا صوب ذاك الجسد الملفوف بغطاء أبيض.. حمله سعد في هدوء للخارج، حتى إذا ما استفاقت أخته لا تصر على رؤيته فيزيد حالها سوءا..
خرج سعد حاملا جثمان طفل توحيد المتوفى ليدفنه، وقد انفطر قلبه لتخيله حزنها حين تعي ما حدث، يدرك ذاك الشعور تماما، فقد جربه ثلاث مرات، والمرة الأخيرة حين رحل طفله جنينا مع أمه حتى قبل أن تنضره عيناه، رفع الغطاء عن وجه الطفل فكاد أن يدفعه بعيدا عن كفيه، كان الوجه بشع المنظر، فانقبض قلبه، معيدا تغطية الجسد من جديد، مندفعا لخارج الدار، حتى يواري ذاك الجسد الثرى، وقد حمد ربه أنه قرر دفنه سريعا فما كان لتوحيد من قدرة على مجابهة ذاك المنظر الذي جاء عليه ولدها.. وما أن هم بالخروج من بوابة الدار حتى كاد أن يتعثر بجسد وهدان، الذي جلس على الأعتاب ينظر نحو جسد الطفل الذي يحمله سعد في حرص، هامسا في نبرة موجوعة: ده ولدي يا سعد! ..
هز سعد رأسه مؤكدا ولم ينطق حرفا، فقد كانت هيئة وهدان كافية لتجعله على الرغم مما جرى، يشفق على حاله، فقد كان مترب الوجه والكفين، عيناه تحمل وجعا قاهرا، وهو ينهض متخبطا، يمد يده نحو سعد مطالبا: أني أولى بدفنه..
سلم سعد وهدان الجسد المتدثر بكفنه الأبيض، فضمه وهدان لصدره، هامسا وقد سالت دموعه: توحيد زينة يا سعد! جولي إنها بخير!..
هز سعد رأسه مؤكدا: ايوه بخير، كانت بتموت وربك نچاها..
هز وهدان رأسه متفهما: معلوم، ربك نچاها، ما هو لو توحيد راحت، وهدان هيروح وراها..
هم سعد بالكلام، لكن وهدان ابتعد ضاما جثمان طفله، هامسا من جديد: وهدان هيروح وراها..
وهدان هيروح وراها..
تطلع سعد نحوه وهم بأن يلحق به، لكنه أشار إليه ألا يفعل، ما جعل سعد يتسمر موضعه، متعجبا مما آل إليه حال وهدان، ومندهشا أنه على الرغم مما يدعِ من محبة يحملها قلبه لتوحيد، إلا أنه لم يفكر حتى في طلب الدخول لرؤيتها والاطمئنان عليها!..