الفصل السابع والعشرون - بنات حورية
الفصل السابع والعشرون
تهفو روحي لكَ آيا زوجي العزيز ..
ماذا أقص عليك وماذا أحكي .. هل أحكي عن جيلان التي تدفن وجعها بين العمل ،، أم أحكي عن رسيل المتعذبة بين محاولة الحد من حزنها والخوف من فقدان طفلها .. أم أحكيك عن سبأ المشتتة و عن عيناها الضائعة دائماً .. أم أقص عليكَ كسرتي أنا ..
شهقت وهي تترك الورود البيضاء علي قبره هامسة بدعاء : يارب اغفر له وارحمه وأنر قبره .. يارب اجعل مئواه الجنة .
ابتسمت بغيامة دموعها وهي تتذكر قوله حين كانت تدعو لوالديها بعد وفاتهم بجعل مثواهم الجنة مخبراً إياها : اسمها يجعل مئواكم الجنة يا صغيرتي .. لأن الله سبحانه وتعالي بالقرآن قال " فإنَّ الجنة هي المأوى " .
أغمضت عينيها بإرتعاش جفونها وهي تقف مودعة إياه بقلبها .. بروحها الحُلوة الذى أخذها معه وصاحبتها أخرى منطفئة من يوم وفاته .
خرجت من المقابر لتركب السيارة جوار زوج ابنتها لتقول شاكرة بنبرة خالية من الحياة وقد ذهبت حياتها بالفعل مع ذهابه : شكراً لكَ يا جود .. أزعجتك منذ الصباح الباكر .
سارعها قائلاً بعتاب : لا تقولى هذا يا أمي سأزعل والله .
حاولت مجاملته بابتسامة ولكن لم تخرج حقاً لتسأله برفق : كيف حال جيلان .
تنهد بنفاذ عاطفته ناحيتها قائلاً : لقد أوصلتها للعمل صباحاً قبل أن آتي لكِ .. حرفياً تهلك نفسها بالعمل وانتقلت أمي معنا لتنتبه للأولاد .
وضعت كفها علي وجهها بآسي ولاحظ جود ارتعاش أصابعها ليتحدث بقلق : ماما هل أنتِ بخير .
أومأت له قائلة بدموع : نعم يا بني .. أنا سآتي غداً وأتحدث معها ..
تغضنت ملامحه بألم لا يعلم ماذا يفعل لزوجته ولها ولعائلته المتمثلة بهم حتي سمع حورية تطلب منه : جود أريد سائق لن أتعبكم أنتَ وسفيان معي كلما أردت الذهاب لمكان .. لذا لتأتي لي بأحد موثوق .
عاتبها مجدداً بعشم : تعبك راحة يا أمي ولكن سأفعل ،، كل ما يريحك سأفعله وأرجوكِ لتعتبريني ابنك ولا تخجلى من طلب أى شئ مني .
ربتت علي كتفه بحنان وهي تخرج من السيارة قائلة بعد أن صفها أسفل بنايته : قبل لي مروان ومحمد .
ثم صعدت لشقتها متخذة من درجات السلم حركة لجسدها بدل المصعد لعلها تنشغل بتفكيرها .. دخلت المنزل ليقابلها صوت عالٍ .. صوت تكسير متواصل قادم من الأعلي وقبل أن تغلق الباب كان سفيان ينزل درجات السلم الفاصلة بين الدورين متسائلاً لحورية قبل أن يستمع لصوت التحطيم : أمي هل سبأ هنا .
أغمضت عينيها بألم وهي التي ظنت أنه سيعرف كيف يحتويها بعد أن رأتها تصعد له ليلة أمس .. ويبدو أنَّ هذا السفيان لديهِ الكثير ليتعلمه بعد كي يحصل علي ابنتها .
______________________________
قبل ذلك بليلة .
ترقد بدموع علي سريرها .. دموعها تهطل من عينيها فتبلل خصلات شعرها علي كلا الجانبين .. تحتاج لحضنٍ يحتويها ،، لقد ذهب والدها دون تنبيه .. بأسوأ تخيلاتها لم يخطر وفاته أبداً .. خاصةً بهذا الوقت وهي مشتتة ،، ضائعة بين ذلك الوغد القديم وذلك الجديد الذى يشع دفئاً وأماناً من عينيه .
ترقد بدموع علي سريرها .. دموعها تهطل من عينيها فتبلل خصلات شعرها علي كلا الجانبين .. تحتاج لحضنٍ يحتويها ،، لقد ذهب والدها دون تنبيه .. بأسوأ تخيلاتها لم يخطر وفاته أبداً .. خاصةً بهذا الوقت وهي مشتتة ،، ضائعة بين ذلك الوغد القديم وذلك الجديد الذى يشع دفئاً وأماناً من عينيه .
همست بألم : أبي لما رحلت .
وقفت تخطو الغرفة بخطواتها المشتاقة .. روحها تُنهش بفعل الألم وكأن هناك ذئباً يأكل منها كلما جاع .. تحتاج لأن ترتمي بأحضانه وتنسي ألهما أو لعلها تفعل .. ولكن كرامتها تقف هناك أمامها .. أمام رؤيتها المشوشة بفعل دموعها ،، تنهرها وتذكرها بكل ما فعله فيزداد ألمها بحقد عليه .. ماذا لو أحبها مثلما فعلت .. ماذا لو لم يكن هناك أخرى قبلها .. ماذا لو كانت مخدوعة به حتي الأن .. لكانت بين أحضانه الأن ،، يواسيها .. يدفئها و يشعرها بالأمان .
حالت دموعها بغزارة بين كبريائها الذى يقف حائلاً بين ترددها .. لتلغى كل منطق بالكون تاركة غرفتها والشقة بأكملها متجهة للأعلى .. مستقلة المصعد بانهاك فحتي درجات السلم لن تحتمل وجعها الأن .
وضعت يديها علي جرس الشقة وعاودها هذا التردد منبهاً إياها لفعلتها الشنيعة ولكن ألمها فاق حدوده .. فتح لها الباب بعد قليل قائلاً بذهول .. وقد تحطم قلبه لرؤيتها هكذا ، بالكاد يرى خضراويتاها : سبأ .
همست له برعشة وسط بكائها : فقط الليلة .. دعنا ننسي كل شئ .. خذني بأحضانك فقط الليلة أرجوك .
ثم نظرت للأرض وكأنها تخجل من هذا الذنب التي تقترفه .. وليتها تعلم أنه ليس ذنب بل هو إحدى حقوقها المشروعة لتتلقفها ذراعيه برقة وهو يدخلها الشقة .. كوب وجهها أمامه مترجياً : سبأ .. سبأ هل أنتِ واعية لما يحدث .. أرجوكي أخبريني أين نحن هل أنتِ بخير .
نظرت له بنظرتها التي تذبح صدره مترجية : أرجوك الليلة فقط .. أنا لا أستطيع تحمل هذا الألم وحدى .
كان قد أجلسها ليجلس جوارها قائلاً وهو يتقبل إندفاعها لأحضانه : لا بأس اهدأى لا بأس .
كانت تبكي وهي تتمسك بظهره مهتزة بشكل ملحوظ وهي تخبره : أرجوك اجعلنى انسي .. فقط الليلة .
ابعدها عنه قليلاً قائلاً .. يشعر أنها ليست واعية لما تفعله وأبداً لن يستغل حالتها تلك فقال : سبأ أنتِ لست واعية لما يحدث صحيح .. لن استغلك يا سبأ .
ترجته كالأطفال ليحتضنها بدموع هو الأخر قائلاً : ستكرهينني إن فعلت .
أخذ يُمسد علي ظهرها مقاطعاً حديثها المتكرر : حاولى أن تنامي هيا يا حبيبتي .
قالت بهمس تتأمل وقد داعبت كلمته قلبها النازف فالتأم الفتات منه : حبيبتك .
أخبرها بصدق متنهداً : والله أحببتك .. أعرف لا أستحقك ولكن سأفعل المستحيل لأستحقك يا سبأ لأسترجعك لي ..
نظر لها فوجد عينيها تغلق مع توقف دموعها ولكن صدرها ما زال يعلو ويهبط في شهقات متسارعة ليخبرها بألم : ولكن يبدو أنه يجب أن أرجعك لنفسك أولاً .
ثم رفع رأسه متنهداً وهو يحتضنها كلها بين ذراعيه قائلاً : طريقي طويل يا الله ساعدني .
حملها بين ذراعيه ليصعد بها لغرفتهم .. وضعها علي السرير ليملس علي شعرها بحنان حتي تقلبت شاهقة فجأة جعلته يختض بمكانه خوفاً عليها ولكنها أمسكت بذراعه مقتربه من جسده هامسة بين نومها .. أو ربما حالة اللاوعي التي تلبستها قائلة وهي تتوسد صدره : لا تتركني .
احتضن جسدها وفعلت هي المثل بعينين مغمضة وجسد مرتخي .. وظل هكذا يمسد علي شعرها ثم ظهرها قرابة الساعة حتي انتظمت أنفاسها بطبيعية ليمددها بأريحية علي السرير ولكن يديها التي حاوطت ذراعه لم تتركه ليظل جالساً جوارها متطلعاً لتلك اللحظات المسروقة بالنسبة له حتي أخذه النوم وهو علي وضعيته مستنداً علي ظهر السرير .
صباحاً استيقظ قبلها بتشنج رقبته المائلة بوضعية خاطئة ليجدها ملتصقة بجسده كلياً .. رأسها ملامس لخصرها المستكين جوارها وذراعيها تتمسك بيديه وقدمه .. داعبها بكفهِ مجدداً مقبلاً جبينها قبل أن يقوم بهدوء من جوارها متجهاً للمطبخ كي يحضر لها فطوراً ولكن كان ينقصه الكثير من الأشياء فارتدي ثيابه بعجلة وخرج مسرعاً لتسوق بسيط .
وعندما عاد لم يجدها بالغرفة .. فناداها بخوف وترقب : سبأ .. سبأ أين أنتِ .
وضع يديه علي رأسه بخوف عليها ،، يخشي ما ستفكر به .. كان يود أن يكون جوارها حين يستيقظ .. خرج من الشقة نازلاً الدرجات بسرعة فوجد بابهم مفتوحاً وحورية تقف علي أعتابه ليسألها قبل أن يصله ما كان يخشاه : أمي هل سبأ هنا .
________________________________
وقبل دقائق من نزول سفيان وحضور حورية من الخارج كانت سبأ تتململ في السرير بألم .. رغم أنها نامت بهدوء كما لم تفعل من شهرين إلا أن جسدها يؤلمها بطريقة وكأنه يفتقد دفئاً كان بجواره منذ وقت قليل .. استيقظت بروية وهي تحاول تلمس مكانه جوارها ولكن كان السرير فارغاً .. فجلست بصدمة من ذكريات البارحة الشنعاء .
وقفت كالملسوعة تبحث عنه ولم تجده فاحتلتها صدمة بشعة ومؤلمة .. ماذا فعلت هي ،، هل سلمت له نفسها مرة أخرى .. يا الله تلكَ المرة أخذ روحها وليس جسدها فقط .
لقد استغلها مجدداً وتركها .. كان أسوأ ما حدث لها أن تستيقظ وحيدة بفراشه .
لقد استغلها مجدداً وتركها .. كان أسوأ ما حدث لها أن تستيقظ وحيدة بفراشه .
خرجت من تلكَ الشقة الكئيبة المظلمة التب انتهكت روحها بها ونزلت لشقتها الجميلة .. المنعشة التي قضت أجمل أيام عمرها بها .. بل كل أيامها كانت جميلة حتي جاء هو .. حتي دخل حياتهم فبدأ الألم وحتي .. حتي ذهب والدها .. لكم تشعر بالرخص الأن .. لقد رخصت ذاتها له مجدداً .. خجلة هي من نفسها من روحها التي خذلتها .. كيف تنظر لعينيه بعد ذلك ،، كيف وقد ذهبت له بقدميها معرضة عليه جسدها لعلها ترتاح .
كان بكائها يعود لها بغضب وحقد تلك المرة حتي دخلت غرفتها لتغلقها خلفها ،، فسقطت علي الأرض غير مُصدقة .. تريد الصراخ بأعلي صوتها حتي فعلتها بالفعل واقفة بانهيار محطمة لكل ما طالته ذراعيها غير آبهة بدقات هيا الخائفة علي الباب وهي تخبرها ببكاء هي الأخرى : سبأ أختي حبيبتي ماذا يحدث معك ،، افتحي الباب لي أرجوكِ .
لم تكن تسمع شئ من الخارج لا صوتها ولا صوت حورية حتي انتبهت لصوته هو فجلست منكمشة علي ذاتها ترفض الاستماع لصوته .. تشعر بالخزى يحتلها أكثر وأكثر : سبأ .. حبيبتي افتحي الباب .
ولم تفعل حتي صدح صوته مجدداً : سبأ والدتك هنا خائفة عليكِ لا تقلقيها ..
وحين هدأ صوتها تسأئل بترقي هلع : هل أنتِ بخير .
جائته صرختها المجروحة تخصه هو دون غيره : اذهب من هنا .
تنهد براجة من سماع صوتها قيل أن يتحدث بترجي : أقسم لكِ لم يحدث بيننا شئ ،، وما فعلتهِ أمر طبيعي يا سبأ أنا زوجك يا حبيبتي .
صرخت به مجدداً ببكاء ولأول مرة بحياتها تنهار فاقدة السيطرة علي ذاتها هكذا : أنا أكرهك .
تقطع قلبه من جملتها .. لا لن يرجع خطواته المنعدمة أساساً معها .. ضرب على الباب بقبضة يدهِ بقوة وهو يهتف : ماذا فعلت .. أقسم لم أفعل بكِ .. افتحى الباب يا سبأ .
صدح بعد ذلك بصراخ : سأكسره إن لم تفتحي دعينا نتحدث .
أبعدته حورية ببعض الحدة غير مستوعبة أنه سبب حالتها تلك وهي تدق الباب بقبضتها الضعيفة : سبأ حبيبة والدتك لا تحزنيني عليكِ أرجوكِ افتحي الباب لى ،، لأطمئن عليكِ يا صغيرتى .
قالت سبأ بنشيج : اجعليه يذهب أمي .
نظرت حورية لسفيان قائلة بجدية : سمعتها يا سفيان اذهب لكي نطمئن عليها .
مسح وجهه ورقبته بضيق قائلاً : حاضر سأذهب ولكن أقسم لكِ لم أفعل شئ لها .
أومأت له بتفهم ليتراجع للأسفل متجهاً لأحدى الشرفات وفي الأعلى قالت حورية : طفلتى لقد ذهب افتحى لى .
ثوانٍ وفتحت سبأ الباب دافعة بجسدها لجسد والدتها ببكاء فاحتصنتها حورية باحتواء حتى دخلت بها غرفتها مجدداً .. ووقفت هيا تطلع لهم بخوف .. تخشي على أختها قبل كل شئ .
_____________________________
دخلت مكتبه تحمل بين يديها تصاميم قد كان طلبها منذ مدة طويلة للإضطلاع عليها وهي للأن حتي استطاعت إخراج شئ علي الأوراق من ذهنها الذى وكأنه لم يدرس أبداً أى شئ علي الإطلاق طوال حياتها .. ذهنها المنغلق من حزنها حالياً .
وضعت الملف أمامه بعد أن أخبرها : تعالى يا حبيبتي .
وقفت تنتظر تعليقه التي تعرفه مسبقاً وهي تراه يقلب بالملف بحاجب مرفوع حتي نظر لها متسائلاً : هل هذا عمل لورين .
تعلقت نظراتها بنظراته قبل أن تهتف بيأس وهي تعض شفتيها : أسفة لا أستطيع .
نفي قائلاً بتشجيع : حبيبتي التصاميم ممتازة ولكن طريقة التنفيذ .. لماذا خطوطك متعرجة هكذا .
نظر ليديها التي تفركهم معاً بإرتعاش فوقف محاوطاً إياهم قبل أن يحاوطها كلها باحتضان دافئ هي بأمس الحاجة إليه في كل وقت وهو لا يبخل وهي ممتنة ،، أخبرته بأسف وقد بدأت في البكاء كالأطفال : لا أسيطر علي يدى .. لا أستط..
قاطعها قائلاً برفق : ششش لا بأس اهدئى .
رفعت يديها تتمسك بقميصه علي صدره هامسة بين بكائها الصامت كعصفورة صغيرة : ديم لا أحتمل .. لم أعد أحتمل هذا فوق طاقتي .
مسد ظهرها برفق متحدثاً : أنتِ من تجعليه فوق طاقتك ،، فلتنسي حبيبتي تلكَ سنة الحياة .
كانت ستهمس بكيف أنسي ولكنه تابع بمشاكسة : ثم ستطردين لو استمريت هكذا الكثير يتمني ان يحصل علي وظيفتك .
ابتسمت بوهن مخبرة إياه : لقد حصلت عليها بمجهودى لذا لا تهددني .
ضحك قليلاً وهو يبتعد عنها مناولاً إياها الملف قائلاً بتحذير ممازح : حافظي علي وظيفتك إذاً سأنتظر نفس الملف بعد ساعتين ولكن بخطوط معدلة .
التقطته منه وتنهدت عائدة لمكتبها .. وبينما ديم يريد لجيلان أن تصرخ وتكف عن دفن نفسها الموجوعة بالعمل فهو يخشي عليها الإنهيار المؤخر هذا كان ديم يحاول بشتي الطرق أن يخرجها من وجعها بإشغالها في العمل .
________________________________
صدح صوت حورية حتي سمعته هيا بغرفتها وهي تنهر سبأ بعد أن اتلفت لها أعصابها من كثرة بكائها وهي تقص عليها ما حدث : توقفي .
ارتعشت سبأ قليلاً ولأول مرة يعلو صوت والدتها عليها فنظرت لها بترقب وهي تخبرها بما يجيش بهِ صدرها : لقد رخصت نفسي له مجدداً .. لقد ذهبت وقدمت نفسي له علي طبق من ذهب وكأنه وكأنه ..
شهقت ببكاء وهي تتابع : أريد الطلاق كيف أنظر لوجهه بعد ذلك .. لا أريد رؤيته أبداً ،، انا لا أتذكر ما حدث .
كوبت حورية وجهها بحدة قائلة : اخرسي .. أنتِ ترخصين ذاتك بما تقولين الأن وليس بما فعلتهِ ، أقسم إن سمعتك تقوليها مجدداً ساصفعك حتي يعود عقلك لرأسك .. إنه زوجك وما فعلتهِ من حقك تماماً .. لقد رأيتك أمس وأنتِ تصعدين له وتمنيت أن تعود الأمور لطبيعتها بينكم .. لو كان خطئً لما تركتك تصعدى .
جذبت رأسها بعد ذلك لحضنها قائلة بوهن متذكرة : حبيبتي هل تعلمين أنَّ .. أنَّ ..
صمتت شاهقة بألم قبل توسع ملامحها وعينيها كي تطرد سيطرة الحزن عليها وهي تخبرها : أنَّ أبيكِ قبل أن .. لقد وصاني عليكِ وعليكن جميعاً وهل تعلمين ماذا قال ..
رفعت سبأ عينيها لها تتعلق بلهفة بأى حديث كان يقوله والدها : ماذا قال .
ابتسمت حورية تدارى وجعها : أخبرني أن سفيان داخله نظيف وألا أجعلكِ تتطلقين منه .
توسعت عينيها قليلاً بدون تفاجأ فهي تعرف والدها دائماً ما أعطي فرصة وثانية وثالثة حتي طهر الشخص الذى أمامه أو أعلن فشله .. أكملت حورية : قال أن تعطي لنفسك وله فرصة أخرى خاصةً يا روحي وأنا أعلم أنكِ أحببته بقلبك النقي هذا ومازلتِ لذا لا تفكرى سلباً اتركى له نفسك .. اتركي له الفرصة ليثبت لكِ أنه تغير .
ابتسمت حورية بوهن غير مصدقة لملامح ابنتها الطفولية وكأنها كانت تنتظر من يشجعها علي العودة له .. تشعر وترى بناتها جميعاً وتعلم كيف تحتاج سبأ له خاصةً بهذا الوقت .. ربتت على وجهها قائلة : هيا الأن سأترككِ لتصلى ولتستجمعى نفسك ثم الحقي بي حسناً .
أومأت سبأ بهدوء وخرجت حورية في حين ظلت سبأ تفكر بما حدث ليلة أمس لا تتذكر أى شئ غير صعودها له واحتضانه علي الأريكة .. لا تذكر أى شئ أخر .. الكثير من المشاعر المبهمة تحتل كيانها .. ما زالت تشعر بدفئه الذى بثها إياه ومازالت تشعر بالبرودة التي شعرت بها حين استيقظت بمفردها وأيضاً تشعؤ بالخزى من نفسها والنقمة عليه ولكن هي تريده أن يجبرها علي العودة له .. هي تحتاجه لولا كبريائها العظيم الذى يقف أمامها .
نزلت حورية للأسفل فوجدت سفيان .. رمقته بعتاب وهو يسأل : كيف حالها .
نهرته قائلة بوهن وهي تجلس بتعب : يبدو أنه عليَّ أن أعلمك أيضاً كيف تتعامل مع زوجتك .
أكمل بلهفة : أقسم لم أفعل لها شئ كل ما حدث أنها نامت بالأعلى بدلاً عن هنا .
أخبرته بتنبيه : وهل كان يجب أن تتركها .. وهي بتلك الحالة .. هل تعلم لو كنت جوارها حين استيقظت لربما كان تحسن وضعكم الأن .
نظر لها بتساؤل وترقب : أنا لم أغيب إلا ربع ساعة كنت أحضر بعض الأغراض ولكن هل هذا يعني أنكِ موافقة علي عودتها لى .
اومأت له بدون ملامح تذكر وهي تخبره : عليكَ بذل كل جهودك معها انها تحتاجك جوارها ولكنها تكابر لذا أثبت لها أنكَ تغيرت .. أم أنكَ لم تفعل .
نفي بملامح نادمة : أقسم انني أحببتها ولم أفق علي نفسي إلا بوجودها في حياتي ،، أعدك سأفعل كل ما بوسعي .. هل تسمحين أن أصعد لها الأن .
تغضنت ملامحها بألم قليلاً وهي تخبره بخوف : لا ليس الأن اتركها قليلاً حتي تهدأ .
وقبل ان يجيبها نزلت هيا تجمل حقيبتها ودفاترها فسألتها حورية : إلي أين .
وهيا كانت تنهار هي الأخرى ولكن تنهار مما يحدث لهم .. مما تعيشه بهذا العمر ولم تكن مستعدة له أبداً كحال الجميع .. تشعر أنها ستكون أفضل إن خرجت ونست كل شئ ،، فالحياة تُنسي الهموم بالفعل مع الإرادة .. أخبرت والدتها : سأذهب للجامعة .
نظرت حورية لسفيان الذى تحدث من تلقاء نفسه قبل أن يفهم نظراتها فيومئ لها بإطمئنان : انتظريني خمس دقائق سأوصلك .
______________________________
وصل راكان منزله مساءاً فوجد والده ووالدته بالأسفل فسلم عليهم قائلاً بعد ذلك : أين راما .
أخبرته والدته بشفقة عليها : لقد حاولت أن أخرجها من غرفتها ولكنها ترفض .
أومأ راكان بامتنان وهو يصعد لها ، دخل الغرفة بهدوء فوجدها واقفة أمام إحدى لوحاتها بشرود فظيع حتي أنه وقف جوارها وكاد يلاصقها ولم تنتبه له .. لاحظ دموعاً تخط مسيرتها علي وجنتيها وهي تقف هكذا فتحدث بهدوء قلق : راما.
نظرت له بشرود خارجة من قوقعتها قبل أن تفتح ذراعيها لتحتضنه باكية ليتسائل : ماذا يُبكيكي يا سكرتي .
أخذت تبكي وهي تتمسك بظهره مهتزة بشكل ملحوظ وهي تخبره بخوف : لما تأخرت اليوم .. أنا انتظرتك كثيراً وحاولت ألا أبكى كما أخبرتني .. أنا لا أستطيع رسم شئ .. لم أقهم شئ بمحاضرات اليوم عقلي ليس معي وأنتَ تأخرت وأنا كنت بحاجة لكَ لما لا تأتي مبكراً قليلاً كل يوم من أجلى .
ثم شهقت وهي تتابع مزيدة من احتضانه :
حضنك كحضن والدى أنا اشتقت لأبي واشتقت لصوته .
ثم شهقت وهي تتابع مزيدة من احتضانه :
حضنك كحضن والدى أنا اشتقت لأبي واشتقت لصوته .
وهي كل يوم تخبره بهذا وهي تندس بأحضانه حتي كاد يصدق أنها تعتبره والدها بالفعل .. لة ينكر أنها أصبحت أقرب ولكنه لم يكن ليتمني قربها بهذا الشكل أبداً وهي مهزومة ومجروحة هكذا .. لقد عاصر أياماً شاقة معها وهو يحاول إخراجها من الصدمة التي سيطرت عليها حتي خشي أن تدخل بغيبوبة لتنفي واقعها ولكنها صدقت الأمر في النهاية حين رأت عينين والدتها المطعونة .. حينها فقط صدقت وانهارت بالبكاء الذى كان كشلالات بأول وأيامه وأصبح الأن سيولاً تأتي من وقت لأخر إن لم يكن يومياً .
تنهد وهو يسألها مواسياً : بأى ساعة تريديني أن أعود للمنزل .
قالت بمآساتها : لا أريدك أن تذهب أساساً .
ضحك قليلاً وهو يسألها : ولمن أترك العمل هل تذهبين أنتِ مكانى .
رفعت نظرها له متسائلة : هل آتي معك للعمل .
قال بسرعة متذمتاً من الفكرة : لا .
تراجعت ملامحها بيأس متسائلة مجدداً : لما ! بعد أن أنهي محاضراتي سآتي لك ثم نأتي معاً مساءاً .
لاحقها وهو يجلس بها : ومتي تنهين واجباتك ثم أن العمل أغلبه رجال و ..
قاطعته مقررة بضيق بعد أن فهمت الأمر .. يغار عليها : حسناً فهمت هل ستأتي مبكراً .
قبلها برفق مرحباً : عيوني يا سُكرتي والأن دعيني أساعدك حتي تتناولى طعامك وتنامي .
وباليوم التالي خرجت من جامعتها تتطلع للمكان الذى يقف بهِ سائقها الذي خصصه لها ولكن تفاجأت بوجوده هو لتبتسم بسعادة وهي تركب جواره محتضنه إياه باحتياج حاد قائلة : لماذا أتيت .. أقصد عملك أليس لديك عمل .
أخبرها بلطف وهو يقود سيارته : أحقق طلبك يا سُكرتي من اليوم أنا سأجلبك من الجامعة وسأظل معكِ طوال اليوم والأن برجر أم بيتزا .
ابتسمت بعيون مدمعة لقد فرحت حقاً بوجوده فتمسكت بكفه الغليظ تحتضنه لصدرها وهي تخبره بتغير مزاجها عن قبل : أريد حلوى .. أى حلوى لا أريد أكل حاد .
وإن كانت ستأكل ما لا تستطعمه فيكفيها أن يكون شئ محلى لعلها تشعر بالسكر والحلى ويكفيها وجوده .
________________________________
وصل دوروك مع عائلته المكونة من والدته رحمه ووالده .. وأخيهِ أحمد وأخته .. لمنزل هيا ،، لم يكن يريد الذهاب ولكن والدته أخبرته أن ربما فرح هيا يخرجهم من حالة الحزن تلك .. ولم يُدرك رفض هيا حينها وهي تتمسك بوالدتها أمامهم مخبرة إياهم : لن أترك ماما الأن لا استطيع .
ضيق جبينه بألم يريد أن يكون جوارها يريد أن يحتضنها ويخفف عنها بدلاً من هذا البعد عنه .. إنها تتألم بصمت وهو ليس بيدهِ شئ حقاً .. قالت حورية بابتسامة : أنا أقدر مجيئكم لهنا ولكن هل تتركون لنا بعض الوقت للتفكير .
قالت رحمة بحنان : لا بأس المهم راحة هيا .
ابتسم دوروك بفخر من والدته وهو يتسائل : هل يمكنني أن أجلس معها قليلاً وحدنا .
أومأت حورية لسفيان الجالس جوارهم فقال سفيان وهو يراقب وقوف سبأ وخروجها من الغرفة : يمكنكم دخول الشرفة إن أردتم .
وقف بعد ذلك متجهاً للخارج متابعاً لطيفها الذى اختفي وهي تدخل المطبخ .. رآها تتجرع رشفات الماء الصغيرة بهدوء ثم فتحت احدى علب الحلوي الذى أحضرها دوروك معه ورآها تأكل من البقلاوة البيضاء بهدوء كذلك .. قطب جبينه وهو يراها انهت كل البقلاوة الموجودة بطبق الحلوى المنوع .. لم يكن يعلم أنها تحبها هكذا هو بالفعل لا يعلم عنها أى شئ .
اقترب منها بلا وعي حتي أعادت هي غلق طبق الحلوى وابعدته عن يديها مسافة قبل أن تلتف لتخرج فشهقت بخضة مصطدمة به فأحاطها بذراعيه متنعماً بقربها وعطرها وعينيها الخضراء الجميلة الحزينة .. ضربت صدره بتشتت قائلة : ابتعد عني ابتعد .
قربها له أكثر متسائلاً وهو يداعب وجهها بوجهه : لماذا .
هل تنكر مشاعر احتياجها الشديدة له الأن ،، قلبها يدق بخنوع يريد الاستقرار .. يريد الامان .. يريد الدفئ الذى شعرت به منذ يومين معه حتي إن كانت لا تتذكره كلياً ولكن عقلها يرفض .. وكبريائها يثور .. رأى تقلب ملامحها التي استقرت علي قطب حاجبيها بغلظة ليسرع قائلاً بهمس : تريدين هذا تحتاجيني وأحتاجك لا تحرمينا من هذا .. أعطيني فرصة ثانية .. فرصة واحدة أخرى يا سبأ لنرتاح .. لأساعدك وأريحك كما تريدين .
ابتعدت عنه نافية برفض متسائلة : ماذا حدث أول أمس أنا لا أتذكر .
رفع كفه لوجهها ولكنها سحبت وجهها بعيداً ليجيبها متنهداً : لم يحدث شئ جلسنا سوياً قليلاً في الصالة حتي نمتي ثم حملتك لغرفتك فقط .. وفي الصباح ذهبت لأحضر لنا بعض الأغراض .. كنت سأحضر فطوراً لكِ .
ثم تابع بتساؤل : بالتأكيد اشتقتِ لطعامي أنا متأكد .
رمشت بجفونها بلا جواب ليتابع هو : هل تأتين معي غداً لمكانٍ ما .
نظرت له بحيرة متسائلة : أين .
أخبرها : وددت أن تكون مفاجأة ولكن سأريكِ مكان عملى الجديد .
قالت بموافقة : لنأخذ ماما معنا لا أريد تركها وحدها .
ابتسم لها قائلاً : ونأخذ هيا أيضاً .
قالت بهمس وهي تتخطاه وتخرج : حسناً .
________________________________
سألها برفق : كيف حالك و أخبار الجامعة .
أومأت له باعتيادية : بخير الحمد لله .
تسائل مجدداً : اقتربت امتحاناتك صحيح .
أيدته ليسأل ثالثاً : هل أستعددتي لها .
رفعت كتفيها تنظر له بامتعاض : لا أعلم ولكن سأفعل ما بجهدى كي لا يحدث شئ سئ .
ابتسم برفق لها وقال بدفئ : لن يحدث شئ بإذن الله وأنا معك هنا لو احتجتي لشئ .
همست له بشكر خافت ليسألها بلهفة معاتباً : ألا تريدين أن نكون سوياً لماذا رفضتي .
وقفت تنظر له ولعيناه المؤنبة بإشفاق لتخبره : أعذرني أنا لا أريد ترك ماما الأن .
أجابها بتلهف : ولكن سبأ وسفيان هنا معها .
قالت بتصريح وأول مرة يلاحظ انهيار عواطفها هكذا : سيأكلها الحزن وهي وحدها حتي تذهب لأبى كما حدث معه لقد أكلهُ حزنه علي جدى حتي ذهب له وتركنا .. لقد كنت مدركة لحزن بابا الذى أخفاه عنا منذ وفاة جدى ، ولا أريد لماما المثل .
تنهد وكم ود لو يضمها لصدره ويخبرها أن كل شئ سيكون أفضل وهما معاً : ما رأيك لو تأتي أمي للعيش معنا بعد الزواج .
نفت برأسها : ماما لن تقبل .. لن تترك المنزل أبداً أنا أعلم هذا .
_لنسألها ونرى رأيها .
هذا ما قاله دوروك قبل سؤاله لحورية بعد دخولهم والتي أجابت : لا أبداً لا أترك منزلى ولكن يمكننا التجهيز رويداً رويداً وما إن ينتهي كل شئ نحدد ميعاد للفرح .
هذا ما قاله دوروك قبل سؤاله لحورية بعد دخولهم والتي أجابت : لا أبداً لا أترك منزلى ولكن يمكننا التجهيز رويداً رويداً وما إن ينتهي كل شئ نحدد ميعاد للفرح .
وافق دوروك وتنهدت هيا متمسكة بوالدتها تستمد منها دعماً يريح قلبها .
______________________________
مساءاً أغلقت لورين الهاتف مع صديقتها ثم نظرت له حيث يتمدد جوارها علي السرير يلعب بخصلاتها يُسلي نفسه بها وهي تاركة إياه لما يقارب الساعة تتحدث مع صديقتها تلك .. همهم لها بتذمر وهو يجذبها لصدره بخشونة قائلاً : لماذا أغلقتي معها لديك الليل كله .
ابتسمت له برفق وهو تداعب ذقنه : هي أخذت ساعة وانتَ لديك الليل كله والعمر كله أيضاً .
ضحك ليجذبها له أكثراً قائلاً قبل أن يقبلها بشغف : هذا كلام كبير يا فتاة .
بعد ثوان كانت تنام علي ذراعه فأخبرته : تريد أن نتقابل غداً .
وافق قائلاً : حسناً لا بأس يمكنكِ الخروج من العمل في الرابعة وسأمر عليكِ لأخذكِ بعد أن تنتهي .
احتضنته بشدة ممتنة له ولموافقته علي كل شئ وكم تحبه وكم تحب تواجده جوارها دائما وكم تحمد الله عليه .
______________________________
صباحاً فتحت حورية الباب لسفيان .. كان متأنقاً جاهزاً ولكن عبست ملامحه وهو يراها بثياب المنزل فقال بعد أن دخل : أمي لماذا لم تتجهزى بعد ألم تخبركِ سبأ .
أومات له برفق : بلي يا بني أخبرتني ولكن أنا سأذهب لجيلان اليوم .. يوماً أخر سأراه بإذن الله .
تفهم متسائلاً بترقب : حسناً وسبأ .
أخبرته بهدوء : إنها تتجهز سأخبرها أنكَ هنا .
ثم تركته وابتعدت قبل أن تلتفت له مجدداً قائلة : لا تكن غبياً بتصرفاتك يا سفيان واغتنم تلك الفرص .
تنهد متعباً ليومئ لها وبعد قليل من صعودها كانت سبأ أمامه بثيابها المهندمة الأنيقة لأبعد حد وتلكَ أول مرة أيضاً يلاحظ مدى اهتمامها بنفسها وبأدق التفاصيل بها .. عجباً لغباء عقلٍ لم ينبهه من البداية بكل تلكَ الإشارات بينهم .. استقبلها واقفاً ليقول بعينان تتفحصاها بسحر : جاهزة .
أومأت له بهدوء قائلة : نعم .
مد كفه لها بأمل ولكنها تجاهلته بألم وهي تخرج من المنزل أمامه .. وقفت جواره في المصعد .. انتبه لما تحمله بين يديها من حقيبة كبيرة اختفت قليلاً تحت جاكيت كانت تحمله ليسألها : ما تلكَ الحقيبة هل لديك عمل اليوم .
قالت بدون النظر له : نعم سأذهب للجامعة علي الثانية .. أحتاج لبعض الاستفسارات من بعض الدكاترة لرسالة الدكتوراة .
انكمشت ملامحه بجمود تام قائلاً حتي شعرت بغرابة صوته : هل حددتي ميعاداً معهم أم ستذهبين هكذا .
نظرت له باستغراب قائلة : بلي فعلت .
ضغط علي زر المصعد ليوقفه فهتفت : ماذا تفعل .
زم شفتيه بنفس الجمود وهو ينظر أمامه بغضب ،، حقاً لقد أعدَ نفسه ليقضي معها اليوم ليخبرها الكثير .. ليخبرها ويستمع لما لا يعرفاه عن بعضهما ولكنها وبكل بساطة تضع له وقتاً كي لا يتخطاه .. كي لا تنسي هي نفسها معه ،، تحدث محاولاً الهدوء : نحن الأن بالعاشرة والطريق لمكان عملى طويل .. لن ننتهي حتي الثانية ،، لا بأس يمكننا تأجيل الأمر .. هل نصعد مجدداً أم تحبين أن نفطر معاً بالخارج .
رمشت بأهدابها بتوتر .. استشعرت نبرة اليأس والاحباط بصوته .. لقد ذهب حماسه كله وحل الجمود مكانه ،، شعرت بالندم للحظات فأجابته بصدق : لم أكن أعلم أننا سنحتاج لوقت طويل .. وأيضاً لم أخرج من المنزل منذ وقت طويل لذا أخذت اليوم حجة كي .. كي .
صمتت موقفة لسانها عن الاسترسال في هذا الغباء .. كيف تخبره أنها كانت ستستمد قوة منه لتعود لإنهاء رسالتها ،، عفاها هو من الإكمال وهو يسأل : لا يهم أن تفسرى لا تهتمي .. ماذا نفعل الأن .
نظرت له بألم ،، لا ينظر لها حرفياً ظنته غاضباً فقط ولم تكن تعلم أنها لو نظرت لعينيه سترى مقدار خيبته .. مقدار ندمه وإحباطه لدرجة جعلته يرغب في البكاء حقاً .. كما يفعل وهو يتذكرها كل ليلة كيف كانت مثل الحورية بمنزله .. يحتاج لحبها مرة أخرى كما يعلم أنها تحتاج له أيضاً ،، أجابته موافقة كاعتذار قائلة : حسناً لنفطر معاً ثم توصلني للجامعة وربما نذهب لعملك بعد ذلك .
ضغط زر المصعد ليكمل نزوله قائلاً ببسمة هادئة : لا لا بأس يوماً أخر .
____________________________
وصلت حورية لمنزل جيلان .. استقبلتها والدة جود مرحبة بها .. احتضنت احفادها وقبلتهم بشوق وكم سُر قلبها برؤيتهم .. وظلت جالسة معهم حتي تأتي جيلان من عملها .
قبيل العصر كانت جيلان تدخل الشقة برفقة جود ،، ما إن رأت حورية حتي ابتسمت بإتساع ابتسامة وصلت لعينيها بفرح تعجب لها جود ولكنه رفرف قلبه ببهجتها تلك .. سيطلب من حورية أن تبقي معهم فترة حتب تستعيد ابنتها الصلبة ذاتها وابتسامتها ويعود عقلها لرأسها .. راقبها وهي تحتضن والدتها بعد أن اندفعت لها بالحذاء والجاكيت كالأطفال ثم خلعتهم رويداً رويداً لتعود وتندس بين ذراعيها بدفئ لتقل حورية : هل تشعرى يا صغيرتى بهذا الدفئ.
همهمت جيلان وهي تجيبها : اشتقت لكِ يا ماما .
عاتبتها برفق : لماذا إذاً تحرمى أطفالك منه ألا يحتاجونه هم أيضاً أم لأنهم صغار .
نظرت لها بدهشة ثم نظرت لجود المتابع بقلق خوفاً من أن تحتلها مشاعر الذنب فتزيدها حزناً وأجابت وهي توقن أنها لم تطمئن عليهم منذ الصباح .. منذ تركتهم مع جدتهم لتعض شفتيها بغضب من نفسها : إنه فقط العمل أنتِ تعرفين .
قاطعتها حورية مدابعة وجهها بحنان : حبيبتي جيلان أعلم أن العمل اصبح كله مسئوليتك وأن الحمل إزداد عليكِ ولكن صغيريكِ بعمر لا يحتملا بعدكِ فيه عنهم .. وها هو جود هو يستطيع تولي العمل مع سبأ وأنتِ لتأخذى فترة راحة وتهتمي بطفليكِ .
أومأت لها بتفهم وهي تقف قائلة: سأطمئن عليهم وأتي .
غادرتهم فتنهد جود ناظراً لحورية : أنا حقاً أخشي عليها تلكَ العزلة التي فرضتها علي نفسها وتلكَ القوة الواهية التي تتمسك بها .
أجابته وكأنها تتحدث عن نفسها ولكن جيلان بالفعل كانت كذلك : إنها فقط تحتاج لشك إبرة ،، هل تفهمني .
نظر لها بغموض قائلاً : يكون شك الإبرة أحياناً أفضل من الإنفجار المؤجل .
أخبرته برفق : ما هذه النباهة يا زوج ابنتي .
ضحك مذهولاً للحظات .. حقاً تلكَ المرأة التي تجلس أمامه قوية .. يبدو أن عمه دياب رحمه الله أورثها بعض من شخصيته .. وإن لم يكن كذلك لما تحملت وصبرت حتي الأن بعد رحيله وكله من أجل بناتها .
_______________________________
" كيف أحوال طفلك أخبريني " .
تسائلت لورين لصديقتها التي تجلس أمامها الأن لتجيبها ببشاشة : بخير الحمد لله لم أصدق متي أخذ زوجي أجازة وتركته له وجئت لكِ مباشرةً .
تسائلت لورين لصديقتها التي تجلس أمامها الأن لتجيبها ببشاشة : بخير الحمد لله لم أصدق متي أخذ زوجي أجازة وتركته له وجئت لكِ مباشرةً .
ثم عادت تكمل بتساؤل : وأنتِ ألا يوجد شئ في الطريق .
ابتسمت لورين بحلم : أتمني ولكن ليس بعد .
طمأنتها الاخرى بقولها : قد يكون حملكِ عزيز لا تقلقي .
ادعت لورين اللامبالاه وبداخلها نمي شعور الحاجة لطفل بشدة مجيبة : أساساً لم نتحدث أنا وديم أبداً بهذا الموضوع ،، الأمر بيد الله .
تبادلا الحديث معاً ورغم ذلك ظل عقل لورين مشوش طوال الجلسة تفكر لما لم تحمل حتي الأن .. حتي قاطعهم صوت شخص يقول بلهفة مراهق وهو يحدث صديقتها وقد كان بالفعل شاباً بفترة مراهقته لا تعطيه أكثر من تسعة عشر عاماً : ما تلكَ المفاجأة ماذا تفعلين هنا .
أجابته بينما لورين تتابع : أنا هنا مع صديقتي ماذا تفعل أنتَ هنا .
جلس بدون أخذ الإذن مجيباً : وأنا هنا مع أصدقائي أيضاً .
قالت صديقة لورين مُعرفة : صديقتي لورين وهذا مازن ابن عمي .
نظر لها مذهولاً من جمالها ومد يدهِ لها فصافحته محرجة باصطناع ليسألها الكثير ويتحدث مراراً بسذاجة ومراهقة وهي كانت تجيبه بتزمت وضيق حتي دعت أن يأتى ديم سريعاً ليخلصها من هذا اللزج وحاولت معه صديقتها بصوت منخفص : اتركنا قليلاً لأن زوجها سيأتى بعد قليل ونحن نريد التحدث معاً .
ابتسم بنفي متذمراً بغباء : لا تضيعي تلك اللحظات على .
كانت لورين حينها تجيب على هاتفها لديم ببعض الكلمات قبل أن تغلق مجيبة علي تساؤل صديقتها التي سألت بيأس : هل أتي .
أومأت لورين مجيبة : نعم أنا مضطرة للذهاب .
ثم وقفت لتحتضنها قائلة : سأتي لأرى طفلك قريباً .
نظرت لمازن بعد ذلك قائلة باحترام : وداعاً استاذ مازن .
ولكنها فوجئت باحتضانه هو الأخر لها وهو يقول :الي اللقاء لورين .
لتدفعه قائلة بصدمة : هل جننت .
ولكنها شعرت به يُسحب ففكرت كيف لدفعتها أن تلقيه أرضاً هكذا حتي استوعبت أن قبضة ديم هي التي فعلت .. ارتفع إنذار الخطر بعقلها ودق قلبها بألم خوفاً مما قد يحدث وهي ترى ملامحه المتشنجة من الغضب .. الغيرة ،، أمسكت بكتفه قبل أن يندفع له مرة أخرى هامسة برجاء : ديم اتركه هيا نذهب .
نظر لها ولعينيها المرعوبة باستحضار دموعها ليقول بتشنج خافت : لا تبكي .
ثم اندفع للأخر المنبطح أرضاً من لكمته ليمسكه من تلابيبه مهدداً : ضع يديك علي أى أمرأة مرة أخرى وسأكسرها لك .
وقف بغضب يعدل من جزعه ثم التقط كفها قائلاً : دعينا نذهب .
نظرت لصديقتها التي بادلتها نظرات الإعتذار ثم اعتدلت برأسها لتسير جواره ،، كفه كان يؤلم معصمها رغماً عنه .. وصلا معاً لسيارته ففتح الباب لها لتجلس داخل السيارة بصمت تمسد معصمها برفق وما إن ركب رآها ورأى الاحمرار الطفيف الذى يعلوه فأمسك بمعصمها ورفعه لفمه ليقبله برفق رغم شعورها بتشنج جسده الغاضب قائلاً : لم أنتبه يا حبيبتي .
ابتسمت له بلا ضغينة وهي تحتضنه ممسدة ضهره برفق عاملة علي تفكك تشنجه الغاضب وغليان جسده التي تشعر به : لقد فاجئني بفعلته ، إنه شخص مراهق وأنتَ أوقفته عند حده لا تكن غاضب أرجوك .
أبعدها مداعباً وجهها ليقبلها برفق هامساً : لا بأس لقد رأيتك وسمعتك وأنتِ تدفعيه ولكن كوني متيقظة لتلكَ المواقف مرة أخري .
أغاظتها كلماته الأخيرة فشعرت وكأن ما حدث حدث بإرادتها لتجيبه بضيق : أنا متيقظة بالفعل ديم ولكن هو شخص هكذا أنا ما دخلى .
زفر بغير فهم لما تقوله متسائلاً : لما تعترضي الأن ما الخطأ في أن أنبهك للأمور .
تأففت لا تستطيع محاورته الأن فابتعدت عنه ضامة ذراعيها لصدرها برغبة في البكاء ليمسح وجهه مستغفراً وهو يجذبها له مرة أخرى فاككاً تشابك يديها قائلاً : ما الأمر ،، حسناً لم يكن لكِ دخل أعلم هذا ولم أكن ألمح أنه قد يكون لكِ دخل لذا لماذا أنتِ متضايقة أنا أساساً أشد تفهما للموقف كي لا تحزني .
نظرت له بملامح حزينة ومشاعر مضطربة تسيطر عليها لا تعلم لما تلومه تارة و تارة أخرى تشعر بأنها مذنبة أمام حنانه ودفئه لتحتضنه نائمة علي صدره قائلة : أسفة أنا مرهقة فقط .
شعر بدموعها ليرفع وجهها محاوطاً إياها : يا إلهي لورين لما البكاء .
مسح دموعها برفق متسائلاً : بماذا تفكرين أخبريني .
سألته بتردد مترقبة : لما .. لما لم أحمل حتي الأن ،، لقد مر وقت طويل .
تسمر للحظات وتصلب جسده بجمود وبداخله هتفت آراء كثيرة منها البشع ومنها المتحير بسبب تساؤلها وصيغته ليجيبها بتعقل : وماذا في الأمر حين يأتي الوقت سيرزقنا الله .
عادت تضع رأسها علي صدره قائلة بحذر وخوف : هل ستتركني لو .. لو لم أنجب لك .
لا تعرف كيف خرج هذا السؤال منها ولكن قد يكون هذا هو الجزء المضطرب القلق الذى أرق ليلتها مع صديقتها .. لا تعرف حقاً ما مصير مستقبلهم دون .. دق قلبها بعنف وقلق وهي تشعر بجمود صدره أسفل رأسها واعتداله ليتحرك بالسيارة قبل أن يقول بهدوء وكأن اجابته تعتمد علي اجابتها : هل ستتركيني لو لم أكن أنجب .
نفت بذعر من الفكرة قائلة : لا لا بالطبع لا .
أجابها وقد شعر حقاً بالضيق من هذا الحوار : إذاً وأنا لن أفعل .
لقد قالها بكل برود حقاً حتي شعرت وكأنه نوع من الشفقة أو المسايرة أو أنه سيرفق بها كما لو كانت مكانه وكأن اجابتها له كانت تعتمد على إجابة سؤالها بالفعل ،، ودت للغاية أن ترى ملامح وجهه حينها ولكن لأول مرة تشعر بنفسها ضعيفة هكذا خائفة ومشتتة تخشي فقدانه فابتعدت بهدوء لتضع رأسها علي زجاج السيارة خائفة حقاً من قول أى كلمة أخرى أو سماع أى شئ منه رغم أنها ستدفع عمرها بالكامل لتعرف بما يفكر الأن ولما أجابها بكل هذا البرود الذى يعصف بداخلها الأن العديد من التساؤلات الخائفة .
_________________________________
غداً يوم ميلاده لقد توقع أياماً مختلفة منها .. أياماً أخرى تضج بأنوثتها .. توقع تحركها قليلاً للأمام ،، أن تأخذ خطواتها لتتقرب منه لقد تعب حقاً .. جسده أصبح يأن بحاجة لها .. لا يكفيه أن يحتضنها ويظل ساعات يتأمل بها حتي يغفو جوارها ،، يريد أن يشعر بها حقاً يحتاج أن يكونا كياناً واحداً معاً .
كانت ترسم بهدوء في الحديقة أسفل شجرة كبيرة بنهاية الحديقة أسفل سور الفيلا حيث الهواء القليل الذى ساعدها في الحفاظ علي كل أوراقها وأدواتها جانباً حين أقبل عليها وبيدهِ قالب شوكولاه بالبندق كما تحب .. خاصةً بأخر فترة وقد أصبحت مُحبة للحلوى وكارهة لباقي الطعام .. ابتسمت له منقضة علي عنقه ليجذب جسدها بحميمية له في احتضان دافئ أصبح كجرعة لها ولكن هو لا يستطيع الإكتفاء بهِ حقاً حتي ابتعدت عنه ليتنهد بسأم وقد كان سيقبل بشرة عنقها .. أعطاها قالب الشيكولا لتبتسم بإتساع هامسة برقة : شكراً لكَ .
تسائل بأمل منفلت : أكملي .
طالعته بعدم فهم متسائلة : ماذا أقول أيضاً .
سأل بهدوء محاولاً : من أنا .
ابتلعت ريقها هامسة بتوتر : راكان .. شكراً لك راكان .
شعرت بالذنب بعد تحول ملامحه لأخرى لم تفسرها وهو يجيبها بضيق : لا شكر علي واجب حبيبتي .
جز بأسنانه حين قال حبيبتي وهو يقف مبتعداً عنها صاعداً لغرفتهم فخافت من غضبه وخافت أن تصعد خلفه وهو بهذه الحالة ولكنها أيضاً لا تحتمل أن يكون غاضباً منها لتتبعه بلا تردد فوراً ولكنه لم يتوقف تحت مناداتها باسمه حتي دخل الغرفة فدخلت خلفه بقليل لتجده يخلع تيشرته بغضب ملقياً إياه بإهمال فتقدمت لتلتقطه من الأرض ولكنه سحبها بعنف قبل أن تصل إليه فشهقت من الصدمة وهي تنظر له بترقب مذعور ليتحدث بغضب : ليس هذا عملك ليس هذا ما أريده منكِ واللعنة فلتشعرى بي .
نظراتها كانت زائغة بين حدقتيه تحدق بهِ في رعب فتركها بيأس ودخل للحمام وضع رأسه أسفل صنبور المياه ثم رفعه وخرج متجهاً لغرفة ملابسه ولم يحدث ذلك أى فارق بداخله وظلت نيرانه كما هي .. نيران شوقه و نيران خوفه عليها نيران قد تحرقه وحده أو تحرقهم معاً وهي لا تساعد بإخمادها أبداً .
كانت بنفس مكانها بعد أن خرج مرتدياً سروال قصير وتيشرت قطني ليتمدد علي إحدى الكراسي فارداً قدميه أمامه علي الطاولة لتقترب بتردد ولكن ما إن فتح عينيه حتي تراجعت بخوف من نظراته ليأمرها بزمجرة : تعالي هنا .
ارتعشت وهي تنفي برعب .. حقاً خائفة من حالته تلك وقف غير مستوعباً نفيها لتبتعد بسرعة للخلف فقال مجدداً وكاد يصرخ : قلت تعالي هنا .
نفت بتوسل ونزلت دموعها لا تدرى لما هو هكذا غاضباً منها كل هذا الغضب ،، اقترب منها عدة خطوات ليتوقف وهو يرى تباعدها المذعور عنه فتسائل بغضب : هل سأجرى خلفك .
فتحت فاهها تتنفس بسرعة لتهمس متغلبة علي رعبها : أنتَ .. أنتَ غاضب وأنا خائفة .
لقد فاض من طفوليتها لذا هتف بهمس ولكنه مرعب بالنسبة لها : إذا أتيت أنا لكِ ولم تأتي لهنا سأعطيكِ سبباً لتخافي منه حقاً .
انكمشت ملامحها بخوف لتقل ترجوه : سأتي ولكن إهدأ ولا تفعل لي شئ .
صرخ قائلاً بعدم استيعاب لحالتها : لن أقتلك يا راما .
قالت بتساؤل متسرع : لن تضربني ؟ .
تسمر رافعاً حاجبيه بدهشة ليتنفس بعمق وهو يهدأ ذاته ولكن عبثاً : لن أفعل متي ضربتك أنا من قبل أيتها الغبية .
أخبرته ببكاء : أنتَ غاضب للغاية وأنا لم أفعل شئ أقسم لك وأظن أنكَ ستضربني وأنا لست غبية .
صرخ قائلاً : لا تفقديني صوابي وتعالي هنا .
انتفضت مكانها ولكنها اقتربت منه بحذر شديد خوفاً من تنفيذ تهديده لها وما إن أصبحت بالقرب منه حتي رفعت يديها في حماية منه فجذبها منهم بغضب لتصطدم به فأغمضت عينيها وأصبح قلبها يدق بعنف ليسألها : افتحي عينيكِ وأخبريني من أكون .
همست بإرتعاش : راكان .
هزها ناهراً إياها بعصبية : راما لا تتغابي .
قالت ببكاء متضايقة للغاية من سبه إياه : أنا لست غبية أنتَ الغبي والمتخلف أيضاً .
صرخت وهو يزيد قبضته علي ذراعيها حتي أصبحت تقف علي أطراف أصابعها وصرح بصوت سبب لها الفزع ،، كان بأقصي درجات غضبه وقد طفح كيله : بماذا تفوهتي ،، من تنعتين بالمتخلف أيتها الوقحة .
أجابته ببكاء متؤلمة : أنتَ نعتني بالغبية أولاً .
هزها بعنف مؤنباً : وإن فعلت ألستِ كذلك بالفعل ،، ألستِ طفلة غبية وقحة وعديمة الحياء لتسبي زوجك أيضاً ،، لا تعرفين سوى النوم والطعام ورسوماتك الغبية والذهاب للجامعة نهاراً والبكاء ليلاً وكأنكِ طفلة بالروضة .
كانت تنظر له بألم مبهوتة مما يتلفظ به .. لم تكن تعرف أن غضبه أعماه بالفعل عن ما يتلفظ به حتي لو كان يجرحها بحديثه ،، أليس هو .. أليس هو من اختارها هكذا وهي بهذا السن .. أجابت متلعثمة بشدة : أنا .. أنا لست .. أنا ..
قاطعها وهو يلقيها علي السرير خلفها بعنف قبل أن يتجه للباب فيغلقه بالمفتاح ومن ثم اقترب منها وهو يخلع التيشرت الذى يرتديه بطريقة آثارت فزعها كحالته تماماً فهتفت بتساؤل هلع : ماذا تفعل .
لم يجيبها بل دني منها جاذباً رأسها له بقوة ممسكاً برقبتها في قبضته ،، فأغمضت عينيها بألم وخوف ليهمس بشراسته : انظرى لي .
أطاعته غير مفكرة ليسأل بحدة مجدداً : من أكون .
همست بصوت منخفض : راكان .
هز رقبتها صارخاً : أسمعيني صوتك .
بكت بصوت عالٍ ولم تعد تحتمل حالته تلك لتجيبه : راكان أنتَ راكان .
ازدادت قبضته ليزداد ألمها وهو يجز علي أسنانه وعلي رقبتها بأصابعه : لا تتغابي أنا أعرف نفسي من أكون بالنسبة لكِ .
صرخت بألم : أنتَ تؤلمني أرجوك اتركني .
لم يفعل معيداً سؤاله لتجيبه بانهيار : زوجي أنتَ زوجي .
خفت يديه لتتنفس براحة ولانت نبرته قليلاً : تعرفين إذاً أنني زوجك ولى حقوق عليكِ لا تفعلي سالب واحد منها حتي .
تحدثت بإرتعاش وهي تبكى بكاء مؤلم : سأفعل ما تريد أسفة .
تحدث بهدوء وتهديد أثار رعبها أكثر : ستفعلين يا راما وإلا أقسم سأريكِ وجهي الأخر .
اومأت له بطاعة ليلقي بجسده علي السرير بغضب فسقطت رأسه علي قدميها وراح يتنفس بعمق وسرعة قائلاً بخشونة : دلكي لى رأسي .
وضعت كفيها الأثنين في رأسه بسرعة تحركهم بعشوائية محاولة السيطرة علي إنتفاضة جسدها ورغم ذلك وصلت له كاملة ولكنه استكان وهدأ رويداً رويداً كحالها وقد خفت رعشتها وكذلك خفت حركة يديها حتي توقفت وهي تميل بجسدها فوق رأسه وقد سقطت نائمة والسبب بكائها بالفعل .. خشي أن تستيقظ مفزوعة إن تحرك الأن فظل هكذا حتي تأكد من نومها الكامل ليعتدل نائماً أخذاً إياها بين ذراعيه لتندس هي داخل أحضانه وكأنها تبحث عن الدفئ ليقل بضيق من ذاته ومنها : أتعبتني يا راما .
وكأنها تسمعه وتستجيب همست بنومها : أسفة .
استيقظت صباحاً بصداع وحرقة يحتلا عينيها .. كانت الغرفة فارغة منه تنفست بعمق وهي ترفع جسدها لتستند علي ظهر السرير ممسدة رقبتها برفق .. لا يوجد ألم ولكنها فقط تذكرت أحداث الليلة الماضية لتعض شفتيها بغضب طفولى وبعض القهر ماذا كانت تظن .. لمتي كان سيصبر عليها ولكنه بالنهاية لم يفعل شئ لم يغصبها ولكن وضح لها امتعاضه وضيقه .. وضح لها أنه لن يصبر عليها مجدداً وهذا حقاً يفزعها تعلم أن لديه كل الحق بالنهاية هي وافقت أيضاً علي الزواج بهذا السن .. وبالنهاية هي تحبه بالفعل .. كم أصبحت ترى به والدها حتي رغبت بمنادته أبي .. ضحكت بعبث طفولى وهي تفكر بملامحه حين تناديه هكذا ثم عادت تكرمش ملامحها بغضب مما فعله أمس .. حتي دق إنذار منبهاً بعقلها فتوسعت عينيها وهي تتذكر اليوم يوم مولده .. كيف سترضيه وهو غاضب هكذا .. تأففت ولم تظن التفكير بهِ صعب لهذا الحد ثم وقفت متجهة للحمام .. داهمتها دوخة بسيطة لتقف مكانها مغلقة لعينيها حتي اتزنت لتكمل طريقها .
بعد ساعة كانت جاهزة للخروج .. ارتدت ملابسها والتقطت حقيبتها وتذكرت قبل أن تخرج أنها نسيت استأذانه كي تخرج للتسوق .. ستشترى له هديه لعله يهدأ قليلاً وربما .. ربما .. فكرت برعشة أنها ربما تستطيع أخذ خطوة للأمام وتنسي خوفها الطبيعي قليلاً ،، ولكن كيف ستحدثه الأن هل سيجيبها أساساً .. التقطت هاتفها بتردد لتتصل بها .. قطمت أظافرها وهي تستمع لجرس الهاتف لثوانٍ قليلة حتي أتاها صوته الخشن فأصابت جسدها قشعريرة : نعم .
قالت بهمس مترقبة ،، لا تعرف كيف مزاجه الأن : صباح الخير .
استطاعت سماع تأففه بغضب وهو يسأل بجمود : ماذا تريدين .
تراجعت فوراً خائفة : لا لا شئ أسفة إن عطلتك .
زفر بحنق وشعور مؤلم يستحوذ علي قلبه من نبرتها الخائفة لتلين نبرته قليلاً متسائلاً : لست منشغلاً ماذا تريدين .
استأذنته برقة : هل يمكن أن أخرج قليلاً .
تسائل بجدية ولم يمنع الابتسامة التي داعبت شفتيه من نبرتها المستاذنة .. يحبها بطفوليتها تلك رغم كل شئ .. بريئة للغاية وهو بالفعل غولاً بالنسبة لها : إلي أين .
أخبرته بما تريده : للمول القريب من هنا سأذهب سيراً .. سأشتري بعض الأشياء .
أجابها موافقاً : لا بأس اذهبي وأرسلي لى رسالة حين تعودين للمنزل .
شكرته بسرور : حاضر شكراً لك .
أخشن صوته قبل أن يغلق معها : انتبهي لنفسك ولا تتأخرى .
وضعت الهاتف بحقيبتها و خرجت متجهة لهذا المول ،، اشترت بعض المكونات لتجهز له قالب حلوى .. شئ ستفعله لأول مرة من أجله ثم أخذت عن شئ تستطيع اهدائه إياه .. استغرقت وقتاً كبيراً حتي ملت بالفعل لا تعلم ما الهدية التي تناسبه .. رأت خلف الزجاج بروازاً أنيقاً كأناقته الوسيمة الساحرة فابتسمت وقد لمعت فكرة بذهنها وهي تشتريه عائدة للمنزل .
أرسلت له الرسالة سريعاً لتطمئنه قبل أن تغير ثيابها وتدخل المطبخ بالمكونات التي أحضرتها لتطلب من الخالة مريم أن تساعدها لتعد قالب الحلوى له .. انبهرت بالنتيجة النهائية له لتضعه بالثلاجة ثم صعدت لتؤدى مهمة أخرى ستأخذ وقتاً تتمني فقط أن تنهيها قبل أن يأتي .
مر وقتاً كبيراً وهي منهمكة بها حتي نظرت لكل شئ راضية حتي أتي .. كانت تخرج من الحمام بعد أن استحمت وهي تسمع صوت سيارته تدخل من الباب ولكن لم تجفف شعرها بعد ،، كانت تعلم أنه سيرى والدته أولاً قبل أن يصعد لذا ارتدت ثيابها براحة ولكن لم تلحق أن تجفف شعرها وقد دخل الغرفة بالفعل .. تفاجأت من بروده وهو يقول بجمود دون النظر لها : مساء الخير .
ثم أخذ ثياباً نضيفة واتجه للحمام متجاهلاً إياها لتنظر في أثره بصدمة .. لم يقبلها لم يحتضنها لم ينظر لها حتي .. شعرت برغبة في البكاء لا تقوى علي خصامة ولكنها تمالكت حتي تفاجئه بما فعلته من أجله .. كانت ترتدى فستاناً ربيعياً قصير به الكثير من الورود من تصميمها وانتاجها كذلك ثم جدلت شعرها بعشوائية وتركته ينسدل علي إحدي جانبيها حتي خرج من الحمام ومن الغرفة بأكملها متجهاً لمكتبه .
تنهدت بعمق وقد تركته ساعتين علي راحته بغرفة مكتبه بعد العشاء .. لا تنسي كيف تغزل والده بها علي العشاء وكيف كان هو محمراً غيوراً .. دقت باب مكتبه لتسمع صوته يأذن لها ففتحت الباب وطلت منه كبريق الماس داخل العتمة التي تحتله .. هذا ما فكر به وهو يبتسم ابتسامة عذبة لم ترها في هذا الظلام ،، سألته برقة : هل أدخل .
أجابها بجمود : تعالي .
اقتربت من مكان جلوسه لتشعل النور قائلة : لماذا تجلس بالظلام .
لم يجيبها والتزم الصمت لتجلس جواره وأمسكت كفه برجاء : لا تكن غاضباً مني أرجوك .
داعبت كفه وشدته قليلاً ناحيتها وهو صامت متزمرة بخوف : راكان .
نظر لها ببسمة لتقل وهي ترفع كفه لشفتيها تقبله برقة : لم تعد غاضب صحيح والله لا أقدر أن تخاصمني هكذا .
سحب كفيها لشفتيه هو الأخر مقبلاً إياه .. لا يصدق حقاً أنها تسترضيه بعد ما فعله البارحة لقد فقد أعصابه وتعقله وأبداً لم يكن يريد أن يصل لتلك النقطة .. لقد كان يجهز نفسه حتي يبعد شعور القهر هذا بحرمانه منها بعيداً ويذهب هو ليسترضيها .. ظنها ستظل تبكي بطفولة وتخاف اقترابه ولكنها حقاً فاجئته بقوتها وتفهمها ،، لذا أخبرها بصدق : أنا لا أخاصمك .
استمرت بمداعبة كفه والضغط عليه وهي تجيب بتزمت طفولى : ولكنك غاضب ولا تريد التحدث معي .
قال بتقرير : أنا أحب الحديث معك يا راما ولكنني بالفعل كنت غاضب جداً .
ابتسمت بإشراق قائلة : كنت هذا يعني أننا بخير الأن .
ابتسم وهو يفتح ذراعه ليأخذها علي صدره لتحتضنه بحب قبل أن تتحدث بتذمر : لم تنظر لى حينما أتيت ولم تقبلني أو تحتضنني .
عبس بمكر قائلاً وهو يدنو منها : أووه يا لي من زوح سئ ألم أقبلكِ .
أومأت نافية وهي تمط شفتيها بضيق فود لو التهمهم ولكنها ابتعدت عنه منتقمة ليمط هو شفتيه بيأس متسائلاً : ماذا .
داعبت ياقة تيشرته بتردد قائلة : تعال معي أريد أن أريكَ شئ .
تنهد موافقاً : حسناً هيا .
خرجا من المكتب فسألها : أين .
أجابته بخجل : فوق بالغرفة .
نظر لها بعبث مفكراً وهو يصعد معها لغرفتهم المظلمة لم تجعله يضيئ النور وهي تطلب منه : هلا تتقدم قليلاً لجوار السرير ولكن لا تجلس عليه ،، نعم وأغمض عينك .
ضحك بحماس موافقا وأغمض عينيه وانتظر حتي شعر بإضاءة الغرفة وشعر بها تتسلل جواره ثم ابتعدت حتي سمع نبرتها : افتح عينيك الأن .
فتح عينيه ليراها أول شئ أمامه وبينهم السرير متلألأة بحماس .. ثم نظر لما تنظر له فوجد السرير كفترش بالورود الملونة وبالمنتصف تموضع قالب الحلوى الدائرى الصغير والطويل بألوان قوس قزح وبجواره هديه مغلفة فابتسم بإتساع مبتهجاً متسائلاً بدهشة : كنتِ تعرفين .
يقصد يوم ميلاده أومأت له وهي تخبره بحب : كل عام وأنتَ بخير .
فتح يديهِ لها لتقترب منه متسائلة ببهجة : هل تحب الفانيليا .
أومأ وهو ينظر لقالب الحلوى فأخبرته مما أثار دهشته وسروره في آن : أنا فعلته أتمني أن يعجبك .
هتف بدهشته وهو يلتقط شوكة ليتناول منه بعشوائية : حقاً .
شهقت موقفة إياه ولكن لم تلحق به فتلذذ بطعمه مهمهماً باستمتاع ثم التقط أخرى ليضعها بفمها هي وقال : مذاقه رائع جداً لماذا أنتِ مستاءة .
تحدثت بطفولة متزمرة : راكان لقد خربته ولم نطفئ الشمع بعد .
ضحك وهو يجذبها من خصرها جالساً علي السرير وهي علي قدمه ليأكل منه المزيد ويطعمها كذلك : لا أحب التقاليد المحفوظة صغيرتي .. كل ما يهمني أنكِ فكرتي بي وصنعتيه من أجلى .
ابتسمت لتخبره وقد أقتنعت : يوجد عصير أيضاً .
نفي قائلاً : لا لا أرغب ولكن هذا الجاتو حقاً رائع .
كانت تطير من الفرحة لأنها أعادته مجدداً وانتهي غضبه .. وأيضاً لحبه للحلوى التي صنعتها فقالت : بالهنا سعيدة لأنه أعجبك تلكَ أول مرة أصنعه فقط من أجلك ويوجد هدية أيضاً .
ابعدها قليلاً بعد أن انتهي ورفعت هي قالب الحلوى عن السرير لتضعه جانباً ثم فتح هديته ليتفاجأ بصورته داخل برواز أنيق .. ولكن لم تكن صورة عادية بل رسمة .. رسمة لوجهه بجزء من عنقه فهتف بذهول وقد حازت علي إعجابه : من أين حصلتي عليها هذه .
قالت بخجل وهي تراقب ملامحه بلهفة : أنا رسمتها .
نظر لها رافعاً حاجبه بتفاجأ ثم قال : شكراً يا حبيبتي .. ولكن لم آراكي ترسمي أشخاصاً من قبل .
أجابته ومازالت خجولة : بلى ولكن ليس كثيراً .
تركها ليجذبها له مداعباً وجهها : أعجبتني للغاية يا راما ، لماذا أنتِ خجولة هكذا .
ثم تسائل بقلق ضاحك : لماذا ترتجفين .
ابتلعت ريقها قائلة : هناك .. هناك شئ علي ظهر البرواز .
أمسك بهِ ومازالت هي بين يديه ليديره وقد وجد كلاماً منمقاً مكتوباً بخط يديها الذى يعرفه .. شده انتباهه أول كلمة كُتبت بسطر وحدها وكانت كلمة " أنتَ "
" أنتَ كل شئ .. أنتَ زوجي وحبيبي وأخي وأبي وصديقي .. أنتَ روحي .. أنتَ كل حياتي " .
ذلك ما كان مكتوب يقرأه بعينيه وقلبه يرفرف لسماعه من بين شفتيها أيضاً فقد كانت تهمس بإرتعاش بنفس الكلمات وأكملت أيضاً :
بدأت أشعر أنني لا شئ بدونك .. لا يمكنني تخيل أنكَ غاضب مني .. أنا أتعثر بدونك راكان في الجامعة طوال اليوم أكون مختنقة وأرجو لو كنت معي وعندما تخرج من المنزل لعملك أشعر بالضياع كلما استيقظت ولا أجدك لأنني بدأت يومي بدون رؤيتك .. وحينما مرضت قليلاً انخلع قلبي لأجل تعبك ، أفديكَ بروحي أقسم لكَ " .
بدأت أشعر أنني لا شئ بدونك .. لا يمكنني تخيل أنكَ غاضب مني .. أنا أتعثر بدونك راكان في الجامعة طوال اليوم أكون مختنقة وأرجو لو كنت معي وعندما تخرج من المنزل لعملك أشعر بالضياع كلما استيقظت ولا أجدك لأنني بدأت يومي بدون رؤيتك .. وحينما مرضت قليلاً انخلع قلبي لأجل تعبك ، أفديكَ بروحي أقسم لكَ " .
كان يطالعها مبهوراً طفلة ناضجة أنثوية .. أكثر مما أراده منها يوماً وكلماتها تدخل قلبه المفتوح لها وحدها فتضخه بالحياه أكثر .. وكانت خجلة منه ولكنها أكملت بصدق : أنا محظوظة للغاية بك وأشكر أبي حبيبي رحمه الله وأنار قبره كل يوم عليك .. أنت حنون للغاية وصبور وأنا .. أنا أحبك ، أحبك راكان أحبك للغاية حبيبي .
كررت الكلمة كثيراً مستمتعة بها وكأنها أخيراً تحررت من داخلها الخجول الخائف ووجدت نفسها تقترب من شفتيه بإرتعاش هامسة :
أحبك .
أحبك .
أسقطت كل تمالكه وقد تولدت تلك الشرارة بينهم فهجم علي شفتيها يقتحمهم بشغف متذوقاً كلامها المعسول قبل أن يرفع جسدها كله علي السرير متجاهلاً ارتعاشها للواضح هامساً : لا مجال للتراجع الأن يا حلوتي حتي لو أردتي هذا .
تمسكت بعنقه تضمه إليها بخوف وكأنها تستمد منه القوة قائلة بدموع لا تعرف من أين أتت وهي ترى حماسه العنيف : فقط برفق أرجوك فأنا خائفة .
وأمام دموعها يتراجع مجدداً ليمسح دموعها مقبلاً عينيها بكل هدوء العالم وبرفق : لا تخافي يا حلوتي فقط أرخي نفسك لي .
أجابته وهي تتنفس بسرعة : ولكن الأمر مفزع يا راكان .
ضحك ليسألها : ما الذى يفزعك أخبريني .
أخبرته بتلعثم : أنتَ فوقي .. كالوحوش أرجوك سأفقد وعيي .
ضحك وهو يقبلها برفق مرة وأخرى حتي هدأت بالفعل ومرت ليلية طويلة كانت كألف ليلة وليلة من الحب وقد أصبحت زوجته قولاً وفعلاً .
يتبع