-->

الفصل الثلاثون - بنات حورية








الفصل الثلاثون 




لليل لغة خاصة ..
لا يتعلمها إلا اثنان .
إما تائب .. وإما مقهور .
ولا يتحدث بها إلا اثنان ..
إما صالح .. وإما تائه .
وبين هذا وهذا شعرة ..
فما الحل !
الحل صبراً .. إيماناً .. وتصديقاً .
يا ليل .



بدأ الصغير بالبكاء بعد ذهاب الجميع ما عدا سبأ وعائلة صهيب ،، كان صهيب يوضب المكان مع سبأ و مالك بغرفته وأهل صهيب كذلك فنادت صهيب بهدوء : صهيب خذ دياب مني لأحضر له لبنه .  



تناوله منها بعد أن مسح حبات العرق عنه وأخذ يحاول تهدأته حتي أتت رسيل مرة أخرى ترج زجاجة الحليب برفق ،، جلست أولا بروية ثم وضع صهيب الصغير بحضنها وكاد يذهب ليكمل مساعدة سبأ فأوقفته رسيل :  صهيب أريد التحدث معك .



استرعت انتباهه فجلس جوارها متسائلاً : ما الأمر .



قالت بتأنيب : مخاصمتك لمالك طالت حقاً يجب أن تجلس معه بهدوء وتتحدث معه لكي يعرف خطأه هكذا نحن لا نستفاد بشئ لا هو يعلم خطأه ولا أنتَ تلين الأمر كطفل صغير تتصرف يا صهيب .


نظر بتفاجأ وأردف بغيظ ولكن مستلذاً : أنا طفل و صغير أيضاً .

ضحكت بخفة ليجيبها بتسلية : حسناً يا حضرة الطبيبة لا رأى بعد رأيك .

ثم أزاح صغيرها ويديها قليلاً من علي قدميها لتقل بضحك : صهيب ماذا تفعل .

أخذ مكانه نائماً علي طرف قدميها قائلاً : سأنام ألست طفلاً ها أنا أجد مكاني الصحيح كطفل .

ضحكت زامة شفتيها لتدفعه عنها زاجرة إياه باصطناع : صهيب توقف عن اللهو واذهب وتحدث معه بهدوء أرجوك .

وقف علي مضض موافقاً ليسرق قبلته الذى لم ينالها من الصباح منها قبل أن يغادر قائلاً : حينما أعود أجد هذا نائماً وإلا أطرده هو وكل من في المنزل الليلة .

ابتسمت بحرج تزجره من تواجد غيرهم بالمنزل حتي ذهب لمالك وبقيت هي تهدهد صغيرها .. وبيديها كانت تشربه الحليب المسموم حتي غفي الصغير نائماً .
_______________________________

أوصل دوروك حورية وهيا إلى منزلهم ،، لم تتمكن هيا من البقاء عند رسيل بسبب جامعتها وامتحاناتها ولذلك رحلت حورية أيضاً  معها ،، وطوال الطريق كان دوروك يتحدث عن تجهيزات العرس التي أوشكت علي الانتهاء وعليه فليبدأ بحجز يوم العرس لتخبره حورية بموافقة : لم يتبقي غير امتحان لهيا غداً وتنتهي تلكَ السنة الدراسية لتنهيه ولتتزوجا بعدها .

عارضت هيا : ولكن ماما كيف أتركك .

ابتسمت حورية مطمئنة إياها : سبأ وسفيان معي وزوجة عمك أيضاً ،، لن أكون بمفردي أبداً ثم أنكم جميعاً كل يوم جمعة ستتجمعون عندى ويومياً تأتي أى واحدة منكن بزوجها .

ثم نظرت لدوروك قائلة بتحذير أمومي : هذا أمر هاا ،، سأرى ابنتي يومان بالاسبوع وقد أتي أنا بالثالث .

ضحك متناولا كفها ليقبله موافقاً وبمرح قال : وهل لى أن أعترض والله لو بيدى أبقي معكِ العمر كله يا جميل أنت .

ابتسمت له ولعبثه بامتنان متحدثة وقد توقف أمام منزلهم : إذا ونحن سنبدأ بتجهيزات يوم العرس مباشرةً بعد غد .

كانت هيا صامته تخبئ عيناها عن عينين دوروك المتغزلة بها من المرآة حتي توقف فنزلت بسرعة لتصعد للأعلى بخجل ليقل دوروك بعبث : لم أبارك لها حتي .

نظرت له حورية بتأنيب ليتراجع بمرح صامتاً وهو يوصلها حتي المصعد قائلاً : سأحجز القاعة وأخبركم فوراً ،، وبأى وقت تحتاجون لأى شئ هاتفوني وسأتي فوراً .

ربتت علي كتفه بدفئ قائلة : حسناً يا بني .

وكان الأمر سريعاً موضحاً نية دوروك بعدم استطاعته علي الانتظار أكثر فبعد انقشاع الليل وأمام جامعتها وقف مستنداً علي سيارته ينتظرها .. حتي رآها سائرة من بعيد بمفردها تتمسك بحقيبتها بين ذراعيها ولم تنتبه له وهي تتجه لسيارتها وتذهب بها .
تأملها بحب حتي ذهبت بسيارتها وحينها استفاق لنفسه ليركب سيارته سائراً خلفها واتصل بها لتجيبه فيسألها : حبيبتي ، كيف كان الامتحان  .
أجابته بهدوء وما زالت غير مصدقة لما حدث أمس منه وكيف أقنع والدتها يكل سهولة هكذا : الحمد لله كان جيداً .
توقفت علي طرف لتحدثه براحة فسألها بحيرة : لماذا توقفتي .
وأجابته هي بتلقائية قائلة : لا أحب أن أتحدث بالهاتف وأنا سائقة لذلك توقفت كي أحدثك ..

ضحك علي نفسه وعلي ردها لتدرك هي سؤاله وما قالته لتنظر حولها قائلة بضحك : هل تراني أين أنت .

ووجدته بسيارته خلفها تماماً لتغلق هاتفها وتترجل من سيارتها كما فعل هو لتسأله مبتسمة : ماذا تفعل هنا .

أجابها وقد استند علي سيارتها : جئت لأخذكِ من الجامعة ولكن وقفت كالأبله أراقبك حتي ذهبتي .

ضحكت لتبتسم ملامحه وعيناه وهو يتابعها بشغف حتي تحدثت بشقاوة : أين كنت ستأخذني إذاً .

حمحم قبل أن يجيبها : سأخذكِ لترى عدة قاعات ببعض الفنادق لقد أخذت موعداً من القاعات الفارغة لنهاية هذا الاسبوع .

رفعت حاجبيها بدهشة متسائلة وقد سيطر التوتر علي حواسها : نهاية هذا الاسبوع أى تقصد بعد أربعة أيام .

رفع حاجبه وهز رأسه بتأكيد لتجيبه بارتباك : ولما الاستعجال هكذا يعني يمكننا الانتظار قليلاً .

رفع حاجبه مجدداَ بعث رافضاً : يكفي أنني سأضيع أربعة أيام من أجازتك ،، سأستغلها يوماً يوماً يا حلوتي لذلك لنستغلها من أولها قبل حلول السنة الجديدة .

أنزلت نظرها عنه بخجل وتسائلت بهدوء : ولكن سيارتي ..

أجابها بتلقائية : منزلك قريب لنوصل السيارة ثم تأتين معي .

أومأت قائلة : ولأخبر أمي أيضاً .

صعدت لشقتها بعد أن استأذنته لينتظرها لدقائق ،، استأذنت حورية وتركت أدواتها وغيرت ثيابها لتنزل له بعد أن أخبرتها حورية : سأحضر العشاء حالما تنتهو ،، فليصعد معك أخبريه أنني انتطره معكِ ،، ولا تنسي عزيمته على افتتاح عمل سفيان غداً .

قبلت وجنتها قائلة : حسناً يا أمي .

_______________________________

تجهزت بفستان وردى شاحب غطي جميع أجزائها ووقفت بارتعاش بعد أن لملمت شعرها خلف رأسها للأسفل .. تتمسك بهذا الحجاب المنقوش ،، كانت ستلفه حول عنقها ولكن الفكرة التي ترواضها منذ زمن تشعر بحاجتها لتنفيذها الأن ،، فوضعت الحجاب على رأسها تلفه حول وجهها حتي ثبتته جيداً ،، لم تضع إلا القليل من الزينة زاذت جمالها .

دقت حورية علي بابها قبل أن تفتحه متقدمة منها بتفاجئ قائلة : ما شاء الله .

تسائلت سبأ وعينيها تلمع : هل لاقَ بي .

أمسكت حورية كفي سبأ بحنان مؤكدة : وكيف لا يليق وهو أمر من عند الله ،، ما شاء الله وجهك كبدرٍ بداخله .

تسائلت مجدداً : والفستان هل ..

ضحكت حورية قائلة بمكر : إنه رائع أيضاً ولكن أخبريني لمن كل هذا التزين وكأنكِ ذاهبة لموعد غرامي .

تزمرت سبأ نافية : أمي أنتِ أيضاً متزينة .

ثم نظرت لنفسها بالمرآه قائلة : هل ملابسي مبالغ بها هل اللون ملفت هل أغيره .

ضحكت حورية مجدداً لتقر : أبداً يا حبيبتي بل مثل القمر كان الله في عون المتعذب الذى في بالى .

نظرت سبأ لها حينها بإدراك واضح لتجيبها بأسي : ولكن لا أشعر أنني أخذت حقي بعد فأى عذاب هذا الذى هو به ،، مازلت أشعر بقهري يا ماما فماذا أفعل .

قبضت علي كفيها مجدداً بحنان : استمرى فقط بتلكَ الفرصة التي بينكم ،، استمرى باختباره .

ثم قالت بسخرية متسلية : علي الرغم من أن تذمتك هذا أصبح يختفي كلما تريه ولكن لا بأس ،، ليعرف قيمتك والأن ماذا كنت سأقول لكِ .

ودخلت هيا حينها قائلة : هيا دوروك ينتظر  وسفيان أيضاً .

ثم نظرت لسبأ صارخة بحماس : هل سترتديه دائماً لاقَ بكِ كثيراً .

سألتها سبأ براحة : هكذا أفضل إذاً .

أقرت ببهجة : بالطبع أفضل .

تسائلت سبأ حينها : قلتي سفيان ألم يكن بمقر عمله من الصباح .

قالت حورية : هذا ما جئت أخبرك به ،، منذ قليل أتى ليغير ثيابه وقال ليأخذنا ولكن دوروك أتي أيضاً ،، هيا بنا إذاً .

خرجن ثلاثتهن معاً ،، لم يكن سفيان نزل بعد ولكنه لحق بهم علي عجلة وهو يرتدى معطفه وقد ارتدى بدله منمقة وحلق لحيته التي طالت كثيراً مؤخراً .. وجهه عاد له رونقه .. شعره كان يلمع .. بدا مشرقاً متفائلاً باليوم عكس ما كان يسكن ملامحه من اليأس والبؤس .. كل هذا كانت تتأمله هي .. نسيت موقفها منه للحظات وسرحت به حتي رفع عينيه لها فأبعدت هي عينيها بفتور تتصنع وتدارى بصرامة لين ملامحها السابق .. وهنا جاء دوره المذهول .

تأمل جمالها الطبيعي وهيئتها الخلابة الجديدة ليعلم أن هناك حياة بأكملها يريد خوضها مع تلكَ المرأة .. يريد معرفة ما يفرحها .. ما يؤرقها .. ما يجمل عيناها .. ما تحب أن تفعله ببداية يومها ونهايته .. كيف تسيطر علي عملها والمزيد والمزيد يريد حياة معها .. تلكَ معذبة روحه ولم يعلم لما ارتفعت درجة حرارته فجأة وهو يراها الأن ليتقدم منهم قائلاً بترقب خوفاً أن ترفض : لأخذ سبأ أنا طالما دوروك هنا .

ولم يتوقع موافقتها وذهابهم قبله وبقائها هي واقفة جواره ولكنه لم يعرفها بعد .. هي التي تشعر بالجميع كما تشعر بذاتها .. تضع نفسها أماكنهم دائماً ،، ولم تكن لتخرب يومه أبداً .. فرغم كل شئ هي سعيدة من أجله ومن أجل طريقه السائر هنا .
فتح لها باب السيارة بقوله : تفضلي يا عذابي .

لاحت سخرية حزينة علي شفتيها ولكن لم تريه إياها وهي تركب ،، ركب جوارها وأول ما هتف به بغزل : أنرتي السيارة بطلتكِ الساحرة يا روحي .

أرجعت رأسها للخلف تنظر له ليبادلها نظراتها ،، عيناها تسأل دون الحديث ..

" هل أنا روحك ..
  هل أعني شئ ..
  ألا ترفعني بذراعيك فأرى النجوم
  ثم تدفعي بقدميك فأرى الهجوم
  ألا أصدقك ثانيةً فارتاح ..
  آ ألا استحق راحةً ..
  تتخللها أنتَ ..
  بكل نقاء .. "

وعيناه أجابت معذبة هي الأخرى ..

" ألا تصدقين ..
  ألا أحصل علي غفرانك ..
  ألا يا روحي كوني روحي بكل رضائك ..
  ألا انتزع قلبي وأقدمه لكِ ..
  فلا استحق هذا وأعلم ..
  ولكن أتعذب ..
  آ ألا ترحمينني .. "

أبعدت نظرها عنه وقاد هو سيارته لمقر عمله وهو يثني بفخر : ثبتكِ الله وزادكِ .

نظرت بتفكير .. إنه مختلف .. ابتسمت بإمتنان له قائلة : سلمت شكراً .

ثم قالت بمغزى : وإياك .

رغم تهكمها إلا أنه ضحك قائلاً : أنا والحمدلله بِتُّ ملتزماً لا أفوت صلاةً في المسجد ،، لا أتفاخر حاشى لله ولكن لقد تعلمت درساً مهم جداً وأطبقه الأن وأدعو الله التوفيق .

تهدجت أنفاسها بحديثه لتسأله : ما هو ! .

أجابها بتلقائية : يجب أن أكون مع الله ليكون الله معي ،، يجب أن أنال رضائه لأنال توفيقه ،، يجب أن أكسب ثقتي بنفسي لأكسب ثقتك .. رضا الله أولاً ثم إنني واثق أنني سأنال رضائك .

شهقت بسرية فارتفع صدرها متخبطاً بين أضلعها لتقل مرددة مثل ما قال : ثبتكَ الله .

رفعت يديها بالهدية المغلفة التي تحملها : هذه هدية افتتاحك أدعو أن يكون عملاً موفقاً وخيراً لك .. أعطيها لكَ هناك .

التقط كفها ليقبله ببطئ وازدادت نيرانه بملامستها قائلاً : آمين .

سحبت يديها منه فورا لتضعها علي جبينه ثم وجنتيه قائلة بقلق : سفيان حرارتك مرتفعة .

أمسك بكفها السائر على وجهه بعذاب .. نعم والله تعذبه هكذا قبله مجدداً بنفس البطئ قبل أن يطمئنها : لا تقلقي أنا بخير .

سحبت يديها تسأله بلطف : هل أنتَ متأكد ،، ألا تشعر بشئ .

تنهد بصوت عالٍ لينظر للخارج للحظات قبل أن ينتبه لطريقه مرة أخري : نعم يا حبيبتي أنا بخير .

ثم تابع : كدنا نصل .

قطبت حاجبيها قائلة : كدنا نصل هل تمزح ألم تقل أن مقر عملك بعيد ما زالنا في نطاق بيتنا .

نفي قائلاً : لا إنه علي النيل هنا قريب .

سألته بضيق : ولما قلت غير ذلك إذاً .

أجابها بصدق : من أجل موعدك حينها يا سبأ .

صاحت بحدة : مازلت تكذب سفيان مازلت تكذب علي لن تتغير .

نظر لها بصدمة وعيناه كمغدور لترمش لوهلة قبل أن يقف بالسيارة قائلاً بحشرجة لم تفوتها : وصلنا .

التفتت حولها بترى المكان اللامع الذى يضئ اسمه عالياً بلون أحمر بين برواز كبير يحمل من البحر ورماله وقواقعه تزييناً .. اسمه المشابه لاسمها " سبأ " .. مطعم .

مطعم ..رباه مطعم مقر عمله هو مطعم ويحمل اسمها وضعت يديها علي شفتيها بذهول وهي تترجل من السيارة وفعل هو المثل حتي وقف جوارها هامساً بصدق وحشرجة صوته وكأنه سيبكي لم تذهب : لم أكن أريدك أن تريه اليوم مثلك مثل الجميع .. حينها في ذلك اليوم كنت أريده لنا بأكمله لتكوني أول من يراه .. وبعد ذلك لم نتوفق بأى موعد وكلما اتفقت معكِ يحدث شئ يجعلنا نؤجله حتي الأن ولكن المهم أنكِ تريه الأن .

عضت شفتيها بحرج منه وما زال الذهول مسيطراً عليها قبل أن تقطب جبينها مجدداً مدققة بالمطعم لتقل بصدمة : انتظر هذا .. هذا المطعم أنا صممته ،، تابع للشركة التي أعمل بها .

ثم نظرت حولها تتأكد : نعم هذا موقعه .

ضحك ليخبرها : نعم ولأنه مطعم سبأ اخترت أن تصممه سبأ ،، كي أعيش بتفاصيله التي خرجت من أناملك طوال يومي .. كى لا يكون ممل .. يعني مثلاً كنت جالساً أمس أنتظر بملل انتهاء العمال كي أغلق وأذهب فجلست أفكر لماذا قررتي تعليق يافطة من الايبوكس مليئة بمنتجات الزينة البحرية بينما اسم المطعم يتوهج من داخله هكذا .. تعلمين اقترحت لأن المطعم علي البحر ولكن أنا واثق أن هناك سبب أخر لذلك ستخبرينني إياه .

كم رأي شعاع من الأمل يحاوط عينيها وهي تجيبه بحماس : أنا أحب تلكَ المادة جداً أعمل بها ولكن بشكل شخصي ،، لم أخرج شيئاً منها للبيع أو للعرض حتي وأحبها خاصةً مع عالم البحار وصراحةً لقد أحببت أن تكون أول قطعة أخرجها لهذا العالم كبيرة بهذا القدر ،، لم أصنعها بنفسي بسبب ما مررنا بهِ مؤخرا ولكن كنت أتمني حقاً .

نظر للهدية بيديها قائلاً بدفئ وداخله يتألم من تلكَ الزهرة الذى اقتطفها بشكل قاسٍ فآذاها .. رباه هي كم أحبت أنه سألها عن شئ يخصها .. انه فعل كل هذا ليثبت لها حبها في قلبه : دعيني أخمن الهدية من نفس المادة .

ابتسمت برقة بدهشة من تخمينه الصحيح وناولته إياها : نعم إنه برواز قلت لتعلقه بمكتبك ، خذها إذاً .

التقطته يداه منها وهو يبسط ذراعه لها فتتمسك به قائلاً : إذا صاحبة التصميم وزوجة مالك المكان وحبيبته هل تسمحين بقص شريط الافتتاح معه .

ضحكت لتجيبه : نعم ولكنه مطعمك سأكون جوارك فقط وتقصه أنت .

وأمام ذلك الشريط جعلها تمسك بالمقص ليحاوط كفها ويقصاه معاً ومن ثم تعالت التسقيفات والهتافات وبدأ الناس بالتوافد وبدأ هو بمتابعة المطبخ والزائرين بنفسه بعد أن جلس مع سبأ والجميع قليلاً علي طاولة كبيرة قد أعدها لهم جوار سور النيل مباشرة مستقبلاً تهانيهم ودعواتهم .

ومن بعيد كانت سبأ تتابعه بقلق فمازالت حرارته مرتفعة وكذلك الإرهاق بدأ يخرج لملامحه بوضوح ،، ولكن رغم ذلك لم يجلس أبداً بل كان علي رأسه عمله ولأول مرة تراع يعمل بكل تلكَ الجدية .. دائماً أساسا ما كان جدىّ بكل شئ يفعله ولكن الأن بدون هذا الغموض الذى كان يسيطر عليه مسبقاً .. بدون جمود أعصابه .. مرتخي لأبعد حد فقد وجد نفسه وضالته بعد سنوات طويلة من عذابه وحيداً .

راقبته وهو يقترب منهم ليمد كفه لها قائلاً : تعالي معي قليلاً .

ثم استأذن من الجميع الحالس علي الطاولة وأخذها بعيداً فسألته : أين نذهب .

أجابها برفق : سأريكي اكتشافي السري لهذا المكان .

ووقف بها أمام باب خشبي ليخرج مفتاحه من جيبه ليتبين لها سلم حجرى للأسفل فنزلت معه لتشهق بخوف وهي ترى ذلك المكان الصغير للغاية بالكاد استوعب الطاولة الصغيرة والكرسيين الذى وضعهم بها .. مفتوح مباشرةً علي ذلك النيل ليسألها : ماذا هل تخافي .

سألته بترقب : هل هذا المكان آمن .. أقصد هل يحتمل .

أومأ لها بضحك : نعم لا تقلقي تعالي اجلسي قلت لنأكل سوياً هنا ،، أنا حضرت هذا الطعام بنفسي لكِ .

سألت بهمس : لي .

قربها منه بتردد يخشي رفضها ولكن أسفاً لم يجد شعرها الذى يريد تلمس نعومته فقبل وجنتها بدلاً عن ذلك .. وكم ستعذبه بعد أن تحجبت ليهمس بتأكيد : نعم لكِ .

ثم همس : سبأ .

أجابته بتهدج : نعم .

توسل بآسي : عودى لي .

ابتعدت بارتباك قائلة : لست مستعدة لذلك بعد ،، دعنا نأكل لنصعد لهم لا يصح أن نختفي هكذا فجأة ،، قد يحتاجونك فوق .

تنفس بعمق وغيظ وسحب كرسيها لتجلس وجلس أمامها يخبرها : سيكون هذا مخبأى بعد الأن .

تسائلت بصدق وهي تنظر للمياه لو حركت قدميها خطوتين ستلمسها : ولكن المكان خطر حقاً ماذا لو وقعت لن يشعر بكَ أحداً أساساً .

ابتسم ليخبرها بمرح : لا تخافي أربط حبلاً بقدمي وطرفه الأخر بإحدى الصحون بالمطبخ إن وقعت يقع معي فينقذني أحدهم .

نظرت بغير استيعاب له قبل أن تضحك بشدة وتناولت طعامها كي تتوقف عن الضحك قائلة : خذ حذرك فقط .

ابتسم لخوفها عليه وبعد انتهائم صعدا مجدداً .. نغمات هادئة كانت تملأ المكان والكثير كان يرقص بهدوء عليها .. ديم ولورين .. جيلان وجود .. أما راكان فلم يكن ليرقص بزوجته أمام الجميع وهو يعدها بعد أن تضايقت أنه سيراقصها حتي تمل ليلاً ولكن في غرفتهم.. هيا كذلك كانت محرجة فرفضت دعوة دوروك الذى سيصبح زوجها بعد يومين .. رسيل انشغلت بطفلها لأن والدتها ووالدة جود انشغلتا بطفلى جيلان .. نظر سفيان لسبأ لترفض بعينيها فيلح كطفل : رقصة واحدة أرجوكِ .

وافقت على مضض تخشي الاستسلام الأن ،، تخشي أن تفضحها خفقاتها ولكنها فضحت نفسها بقولها : أنتَ مريض وتكابر ،، حرارتك تزداد ارتفاعاً .

أخبرها بتلقائية : ربما من قربك يا سبأ .

أبعدت نظرها عنه مرفرفة بأهدابها دون الحديث ليطمئنها : سأحضر أى دواء بطريق عودتنا .

وبعد عودتهم حين أصرت أن تعود هي مع هيا ودوروك ووالدتها ،، تحتاج للاختلاء بنفسها بعيداً بعد ما بعثره من مشاعر داخلها تلكَ الليلة ولكنه كان يسير أمامهم ولم يتوقف عند أى صيدلية .. نزعت ثيابها وأخذت حمامها ثم قادتها قدماها للأدوية بمنزلهم ،، لتلتقط بعضهم وتصعد له ،، دقت الباب ففتحت والدته كبتهجة برؤيتها : تعالي يا ابنتي .

دخلت متسائلة : أين سفيان .

أخبرتها بدفئ : لقد نام فوراً تعرفين أخر يومين أرهقوه كثيراً وهو يحضر للإفتتاح .

أومأت لها قائلة : نعم ،، لقد كانت حرارته مرتفعة قليلاً فأحضرت دوائاً هلا تعطيه إياه .

قالت بسرعة قبل أن تتركها وتذهب : أنا كنت سأنام لأنني متعبة كثيراً يا ابنتي ،، اصعدى أنتِ  له ،، بغرفتكم هو ،، أساساً هو طفل من صغره يعذبني بموضوع الدواء إن قدرتي عليه فأعطيه إياه .

وذهبت لتقطب سبأ حاجبيها من هذا المأزق ،، وتعلم أنها قصدت ذلك لتتنهد بعمق قبل أن تصعد له .. وجدته نائماً بتبعثر، وسادتها بين ذراعيه  ، ورأسه مغمورة بها فذكرها هذا بها حين كانت تتلمش وسادته هنا ببكاء .. أيفعل مثلها الأن .. نعم يفعل وببكاء أيضاً كما كان حالها .

لاحظت انتفاضته لتقترب منه بسرعة تترك الادوية جانباً فتتلمس جبينه المتوهج كما وجهه لتوقظه بقلق : سفيان ،، سفيان استيقظ لتأخذ الدواء .

تململ يفتح عينيه بتعب ليراها فيحتضن خصرها الجالس جواره بلا وعي .. تجاهلت دقات قلبها وتنفست بعمق قبل أن توقظه مجدداً : هيا يا سفيان استيقظ أنتَ مريض للغاية .

غمغم بإرهاق وقد استوعب قليلاً : أنا بخير .

تأففت لتزجره بضيق : ستكون بخير إن أخذت الدواء هيا استيقظ .

ابتعد عنها محاوطاً نفسه : سأكون بخير حين استيقظ يا سبأ ،، لا احتاج لدواء .

علمت أنه يشعر بالبرد فبحثت عن غطاء ودثرته به قائلة برفق وهي تسنده ليجلس رغماً عنه : هيا يا سفيان لا تتعبني هكذا هم حبتان ستأخذهم وتنام .

جلس مستنداً للخلف بتأوه ،، عظامه كلها تأن ،، وضعت الحبتان أمام فمه وناولته الكوب بعد ذلك وساعدت يده المرتعشة ليبتلعهم ثم غاص بجسده مجدداً أسفل الغطاء لتحاوطه بهِ جيداً ،، كادت تذهب فهمس برجاء : لا تذهبي ،، ظلام وذكريات تلكَ الغرفة يبتلعني وحدى يا سبأ ،، يقتلني فلا تذهبي أرجوكِ .

هل يهذي أم أنه يشعر بما يقوله متي هذيت هي وهي مريضة يالتأكيد يشعر ،، أجبته برفق : سأحضر منشفة ومياه باردة لأنزل حرارتك أنا هنا لا تقلق .

وبعد قليل عادت له ،، جلست جواره ووضعت المنشفة الصغيرة المبللة علي جبهته لينتفض جسده مستيقظاً .. أزاحها بضيق قائلاً : لا أحبها أبعديها .

نفخت بتأفف مغتاظة من تصرفاته الطفولية : أنتَ طفل سفيان طفل ،، تحملها لتذهب حرارتك .

سمعت تأففه لتخبره بضيق : حسناً لن أضعها أنا سأنزل تصبح علي خير .

نفي بسرعة : لا لا تذهبي ،، حسناً ضعيها .

ابتسمت علي طفوليته وظلت جواره حتي انخفضت حرارته .. تأملته أيضاً وعبثت بخصلاته البنية قبل أن تغلق عينيها بتنهيدة عميقة .. وجملته تعبث بعقلها لتنظر لظلام الغرفة قبل أن تقف وتخرج من الغرفة والشقة بأكملها ولم تنسي أن تكتب له ورقة جوار الدواء كي يأخذه صباحاً مجدداً .

_______________________________

كانت أخت صهيب ترزع الغرفة ذهاباً وإياباً قائلة بقلق وضيق .. كجباناً كما حال المجرم ليس بهِ مقدار ذرة من قوة : لماذا نبقي هنا بعد يا أماه ،، هل لحين موت الطفل ليتهموننا .

زجرتها أمها بعينيها بحدة لتهمد الأخرى بانصياع وهي تستمع لحديث والدتها الصارم : لا أذهب من هنا حتي أتأكد من الأمر بنفسي ،، لا أقع بالخطأ مرتين ذهبت من قبل وتفاجأت بها حية .

برطمت الأخرى مستغلة أن المنزل فارغ إلا منهم : نعم بسبعة أرواح تلكَ .

أومأت والدة صهيب وكم يصعب نعتها بالوالدة : لماذا لم يحدث شئ حتي الأن ،، ها قد مرت خمسة أيام ولم يحدث للصغير شئ .

قالت الأخري بمكر : ماذا يا أماه هل كنت أضع العلبة بأكملها في الحليب ليمت فوراً ويكشف أمرنا ،، لا تخافي أنا سألت جيداً ووضعت الكمية المطلوبة بعلبة الحليب بأكملها حتي تتضرر صحة هذا الطفل رويداً رويداً كما فعلنا معها ولكن لم ينفع معها تلكَ الحقيرة ،، بانتهاء تلكَ العلبة سينتهي هذا الطفل وأمه من حياة صهيب وسيعود صهيب لنا وحدنا .

أومأت والدتها بصرامة قائلة : وحينها لا يخرج قرشاً من مالنا خارجاً ،، لا أعطيها ولدى ومالى أيضاً .

_______________________________

طلت أخر حورياتك بالأبيض اليوم يا قرة عيني ،، لم يتبقي الكثير أشعر بذلك ف والله لم تعد تطيق نفسي دونك .. لأطمئن عليهن وعلى حياتهن ولأستكين جوارك هذا ما أرجوه من الله .

يا الله كم أشتقت لك يا دياب يا الله كم هى صعبة الابتسامة المزيفة التى ارسمها على وجهى من أجل بناتنا ،، كم هو صعب أن اتظاهر أننى بخير أمامهم ، والله أنا لست بخير ..

ثم رفعت وجهها للسماء ببكاء مختنقة كيف تسأل لماذا ذهب ،، كيف تقول لقضاء الله لماذا ، ولكن يبقي موت حبيبها هو ابتلائها الأعظم في تلك الحياة الفانية .

انتهت من حديثها معه كما تفعل عادةً بعد أداء فروضها على صوت سبأ حبيبتها وهي تخبرها مدركة تماما ما تفعله والدتها الأن : حبيبتي تعالي أعطيني رأيك بما وصلت له بقطعتي الفنية الجديدة .

كفكفت دموعها وتنهدت لتقف راسمة بسمة حزينة علي شفتيها مجيبة : سألحقك يا حبيبتي .
__________________________

فتح باب منزلهم ،، شقة الزوجية التى ستبدأ بها حياتها معه .. ثم التفت لها ليحملها فشهقت ،، أنزلها برفق بعد ذلك وأغلق الباب ثم التفت لها قائلاً وهو يقترب منها ساحباً إياها : والله لم أعد أطيق صبراً .

رجعت للخلف قائلة بتوتر : انتظر انتظر .

سحبها لأحضانه ثم حاوط وجهها ليتذوق تلكَ البرتقالية التي أذهبت عقله منذ لقائهم الأول منذ أكثر من سنة .. لم تبادله .. لم تعرف كيف تساير عاطفته المجنونة تلك فاحتضنته حتي لا تقع وما إن تركها حتي أخفت وجهها بكتفه ليحاوط خصرها حاملاً إياها مجدداً : الأن يمكنني أن أنتظر حتي تغيرى ثيابك ولكن لا أعدك بذلك .

لم تتعرف عليه حقاً ،، نظرته اللعوب المرحة دائماً حلت محلها أخرى رجولية بحتة شغوفة وهو يتحدث : يا الله توت برى أنتِ توووووت .

ضحكت حينها بقوة تشعر به إنسان أخر قائلة : ما بكَ هاا أين دوروك أعده لى بسرعة أرجوك .

أنزلها برفق في غرفتهم ليقم بالصلاة علي النبي ثم يقول : دخيل قلبو هالضحكة .

ضحكت مجدداً متسائلة : ماذا تقول ؟ .

عبث بطرحتها ليخلعها عنها قائلاً : هذا التركي بترجمة خليجية كما بالتلفاز .

ضحكت لتنظر للطرحة الذى وضعها بين يديها وهو يجذبها له مجدداً متلمساً شعرها يستكشف إياه .. استنشقه وغلغل أصابعه متلمساً نعومته .. خصلات صغيرة كالنار بين يديه كم اشتهي أن يحاوطهم بيديه ،، متسائلاً : ما تلكَ الرائحة الجميلة .

لم تجيبه وهي تقول بعد أن خانتها قدميها من الخجل : أريد أن أجلس .

ضحك ليحملها مجدداً متجهاً لسريرهم عابثاً معها : مستعجلة كثيراً يا زوجتي الصغيرة .

سعلت برفق وهي تضع يديها علي وجهها قائلة بتذمر بخجل : توقف إذا سمحت وأخرج لأغير ثيابي .

وقبل أن يخرج رن هاتفه بخبر صادم منفعل جعل ملامحه تقفهر بغير استيعاب وتوترت هيا بجواره حتي أغلق هاتفه لتسأله بقلق : ما الذى حدث .

كانت عيناه متسمرة خاصةً بعد تلكَ الرسالة التي استلمها عقب المكالمة " مبارك يا صديقي أظن أن هدية زواجتك وصلتك صحيح " .

قالت هيا بفزع : أرجوك تحدث ما الذى حدث .

ملامحه المذهولة تحولت لغضب شديد وهو يهتف بصدمة : ذلكَ الحقير كيف وصلت دنائنه لهنا .

رأته يتجه نحو الباب لتجرى خلفة متسائلة بدهشة : أين تذهب .

وقف فجأة ليلتفت لها فوقفت تنظر له بملامح خائفة تتنفس بسرعة ليحتضنها بشدة وهو يخبرها : هناك شخص يعبث معي أرسل لي هدية زفاف ثقيلة قليلاً ولكن أنا أعرف كيف أسترجع حقي .

أبعدها عنه لتنظر له بملامحها الصغيرة الخائفة نبرته غاضبة ومقرة لأبعد حد .. كانت عصفوراً بين يديه فأخبرها بجدية : غيرى ثيابك ستأتين معي لن أتركك هنا وحدك .

ركبت جواره السيارة بعد قليل تسأله بترقب وعينيها بدات بالبكاء بعد أن أنهي رابع مكالمة أجراها مثلاً كلها تنم عن أفكار اجرامية مع أصدقائه وما تبينته أنه سيعاقب هذا الذى عبث معه بطريقة ما لم تعلمها : أين سنذهب ،، أرجوك أخبرني ماذا يحدث .

نظر لها بغضبه هذا لتشهق وهي تنظر أمامها فيمسك كفها بشدة يضغط عليه : لا تبكي يا هيا .. كان لي صديق من سباق السيارات تشاجرنا منذ فترة لسبب ما والحقير الأن لا أعرف كيف فعل هذا ولكنه أرسل محامٍ للمشفي مع قوى خاصة تقول أنه تم بيع المشفي له وأنه المالك الجديد .. أخى وأبي لم يفعلا ذلك ولا أنا لذا هي بالتأكيد لعبة من هذا الحقير ولكن أنا سأريه .

سألته بخوف : لماذا تتحدث بهذا الشكل ماذا ستفعل .

نظر لها بحدة مجيباً : سأسترد حقي الذى سرقه هذا الحقير ،، هذا تعب أبي منذ صغره .. حلمه ومجهوده ... هذا الوضيع كيف يجرؤ أساساً .

قالت بخوف : عائلتك هل عرفو .

ضرب المقود صارخاً ليتحدث بشراسة : لو حدث شئ لأبي أو لفرد من عائلتي أقسم لأقتله .

انتفضت جواره قائلة بهمس ،، لا تعرف ماذا تقول ليهدأ : إن شاء الله لا يحدث شئ .

وصل أمام المشفي ليقل أمراً : ابقي هنا سأرسل أحد يقف جوارك .

راقبته يتجه للمشفي الواقف في بهوها تجمهر كبير .. رأته يربت علي كتف أحدهم ثم شاور علي السيارة ودخل للمشفي .. وبعد ذلك أقبل ذلكَ الشخص عليها فتبينت من هو حين أقترب منه ودق علي زجاج السيارة لتنزله .. كلن صديقه الذى عرفها إليه بالفرح وقال أنهم أكثر من اخوة لا تتذكر اسمه بهذا الوضع ولكنه استند علي الباب بكلا ذراعيه مشاكساً بهدوء : كيف حالك يا زوجة أخى .

ثم تابع مشاكساً بكثرة : لماذا تبكي هل تبكي عروس بليلة زفافها .. نحن فقط كلنا لنقم جواً حماسياً احتفالاً بكم .

لم تبتسم كيف تفعل وهو بهذا المأزق ولكنها نظرت له مكفكفة دموعها لتسأله : هل سيكون كل شئ بخير .. من هذا الشخص الذى فعل ذلك ولماذا يكره دوروك هكذا .. هل يؤذيه .

رأت غضبه هو أيضاً ولكنه هدأ نفسه قائلاً : إنه شخص حقير سنحل أمره دعكِ منه .

وهنا ظهرت رحمة والدة دوروك والجميع من خلفه .. والد دوروك واخيه الذان تقدما للمشفي واخته لتقل رحمة بصدمة : من هو لما فعل هذا .

تنحنح صديقه ليقل صدقاً : كان صديق لنا إنه مجنون قليلاً لا تقلقي سنحل الأمر .

أعادت رحمة السؤال بصرامة ليخبرها : إنه راغب يا خالتى رحمة تعرفينه ،، كان كثير الشجار مع دوروك معنا جميعاً ولكن أخر مرة .

تذكرت رحمة كل شئ وهي تقول بحدة : أخر مرة حين عاد ووجهه متورماً حين تخانقو علي تلك صحيح .

شاورت علي هيا بالسيارة لتتوسع عينيها الزرقاء بدهشة ليقل الأخر مؤنباً برفق : خالتي رحمة !! .

لم تصمت وهي تزجر هيا بصياح قبل ان تتركهم وتذهب : أنتِ السبب بسببك يحدث هذا بنا ،، منذ دخولك حياة ابني والمشاكل توافدت علينا .

ارتعبت هيا من اتهاماتها لها وتدفقت دموعها مجدداً ،، ماذا فعلت هي لهم .. كيف تقول لها كلاماً مثل هذا .. قالت أخته بسرعة قبل ان تلحق بوالدتها : هيا ماما لا تقصد قدرى وضعها أرجوكِ .

نزلت هى الأخرى من السيارة تلحق بهم مع صديقه لن تبقي هنا حائرة خائفة هكذا .. لتتواجد بجوار دوروك على الأقل ،، الأمر كان هرجاً ووالده يصيح بالجميع والشرطى يتحدث : إن لم تلتزما بالقانون سأعتقلكم جميعاً .

تحدث محامي راغب هذا الحقير عندها : سيدي أرجوك أنا لا أعلم كيف تمت تلكَ البيعة أنا وكلت بموجب هذا العقد لكي أصدر حق موكلى .. لنجعل الشرطة ترى عملها ونتفاهم بعد ذلك .

صرخ دوروك حينها : أى عمل هذا أقول لم نبع المشفي ،، هذه الأوراق مزورة .

قال الشرطي : تذهب المشفي للمالك الجديد الأن ثم ترفعو انتم قضية طعن بتلك العقود .

وبين هذا وهذا وصياح الجميع سقط والد دوروك ممسكاً بقلبه وهو يرى سرقة عمره أمام عينيه لتصرخ رحمة ويصرخ الجميع وشرعا باسعافه .. ليتم إنقاذه بأخر لحظه .

_______________________________

لم تصدق عينيها وهي ترى طفلها هكذا شاحب الملامح ،، مثلج الأطراف ،، مزرق الوجه لا يصدر منه نفساً لتتوسل صهيب ببكاء : أسرع أرجوك أسرع .

توقف أمام المشفي ليدور حول السيارة ويلتقطته منها ليجرى به للداخل صارخاً بأول من رآه أمامه ليسعف طفله .. أخذوه منهم وأغلقو الباب بوجهها : أريد أن أكون مع طفلى لماذا أغلقو الباب .

سحبها صهيب لأحضانه لتبكي قائلة برجاء : لا يحدث له شئ أرجوك يا ربي لا يحدث له شئ .

ولكن لله رأى أخر ،، خرج الطبيب بأسف علي حال الصغير قائلاً .. لم يعرف كيف يخبر تلكَ الأمر الباكية أمام عينيها بوفاة طفلها ولكنه يبقي مجبراً ،، نظر لصهيب قائلاً : ما زال صغيراً عوضكم الله خيراً أنا أسف جداً .

تركهم وذهب بعد أن تكبد عناءاً لإخراج تلكَ الكلمات لتهز رسيل رأسها بنفي وهي تنظر لصهيب الجامد المتصلب : ماذا .. ماذا قال ماذا يقصد .. يمزح بالتأكيد يمزح .

خرج أخرون ينظرون لصهيب .. كان عليه أن يتمالك صدمته من أجلها ولكن كيف يجابه هذا وهي بين يديه تهزى هكذا .. لم يجد أمامه إلا أن اتصل بأحدهم وسفيان أول رقم خرج له ليتصل به ،، أمنه علي رسيل المصدومة حتي تولى هو إجراءات إخراج ابنه من المشفي رافضاً وصوله لقسم المشرحة .

وقبل كل هذا سأل الطبيب : كيف توفي ، لماذا .

كتشخيص مبدأى : أعضائه لم تحتمل الحليب الصناعي ،، ببعض الحالات لا ينفع الحليب الصناعي للأطفال إنها حالة نادرة ولكن بنسبة ٣٨% سنوياً يتوفي الطفل إن لم يحصل على حليب والدته بعد الولادة مباشرةً لأنه وسبحان الله يعطي الطفل مناعةً ويحميه من الفيروسات أيضاً .. وأيضاً قد يكون نوع الحليب المستخدم منتهي الصلاحية أو ما شابه طالما لم يستحمله الصغير .

أومأ صهيب بجمود ليخرج محدثاً سفيان : أين أنتم .

ليجيبه سفيان بأسف : أسفل منزلكم لا تريد الصعود .

_ كيف هي .
سأله بهدوء ليجيبه : والله لا تصدر صوتاً وتبكي بصمت بأحضان سبأ ،، لا تقلق إنها قوية تعال أنت فقط .

وما إن صف سيارته خلفهم وتوجه لها حتي وضعت رأسها بأحضانه : صهيب طفلي .

كوب وجهها ليرفعه لها قائلاً : مع ربك يا صغيرتي مع ربك .

ثم قادها ليصعدا معاً .. أدخلها لتجلس بوجع علي الأريكة وجلست سبأ جوارها مجدداً تدعمها بألم : حبيبتي هو بالجنة سينتظرك بالجنة .

غمست رسيل وجهها بصدر أختها صارخة فتحدث مالك الذى انتظرهم بقلق : بابا أين أخى لما تقول خالتي أنه بالجنة .

حاوطه سفيان حينها ولم يجب صهيب الجامد قائلاً : تعال يا صغيرى لنحضر المياه لوالديك .

خرجت والدته وأخته من غرفتها حينها متسائلان لتنظر لهما رسيل بصدمة وكأنها وعت على شئ ما .. وكأنها تذكرت شئ ما .. تذكرت حالة تسممها أثناء حملها تسممت بعد مجيئهم لزيارتها مباشرةً والأن توفي طفلها بتواجدهم .. هؤلاء القتلة .. رفعت وجهها عن صدر أختها لترمقهم بنيران عينيها وهي تقف بانفعال : أنتم .. أنتم قتلتموه أيها المجرمون أنتم قتلتم صغيرى .

وقف صهيب مراعياً حالتها ليحاوطها قائلاً : رسيل لا تهذى توقفي ،، هذا قضاء الله لنا .

دفعته بغضب صارخة بلا وعي : هما فعلو ذلك لأنهم يكرهونني .. أنتم تكرهون أنفسكم أساساً .. منذ مجيئكم لم تبتسمو بوجه طفلى حتي أنا سأسجنكم .

نظرت لصهيب الغير مصدق لما تقوله ويطالعها بتوسع عينيه المصدوم : أريد حق ابني من هؤلاء أريد حق طفلي الذى لم أشبع منه بعد .

بكت سبأ وهي تحاول تهدأتها : توقفي يا حبيبتي .

وصدح صوت والدته : هل تصمت علي اهانتي بمنزلك يا صهيب .
لتزيدها أخته بخبث : وماذا سيفعل يا أماه هل يطلقها من أجلنا مثلاً .

نظر صهيب لهم بجمود قبل ان تصيح رسيل مجدداً : ماذا تفعلون هنا أخرجو من منزلى ،، أقسم سأبلغ عنكم ستنالون عقابكم أيها الجحدة .

صرخ صهيب حينها إنه يقدر حالتها  ولكن لا تضعه بين نارين هكذا : رسييييييل ،، الطبيب اخبرني أنه أمر نادر حدوثه ولكنه يحدث لا يتحمل الطفل الحليب الصناعي .

نفت بتقهقر ملامحها مذهولة قبل أن تدفعه وتضرب صدره بغضب أهوج متهمة إياه : أنتَ أنتَ لا تصدقني ،، وكيف ستصدقني وأنتَ مثلهم .

طالعها بعيون مذبوحة : هل ترينني هكذا الأن ،، هل ترينني واحداً منهم .

لم تعي لنبرة اتهامه هو الأخر ، لم تعي لنبرة قهره وهي تتابع بهذيان : تدارى علي جريمتهم  إذاً فأنتَ منهم ،، لن تكون لي صلة بك بعد الأن أو بعائلتك المجرمة لم تعد طرقنا واحدة منذ اليوم  .

تركته لتذهب ولكنه سحبها من ذراعيها قائلاً برفق : رسيل أنتِ تدمرين كل شئ .

صرخت به : بل أنتَ تدمر كل شئ بتنازلك عن حق ابني .

صرخ بالمقابل : ابننا يا رسيل ابننا ، لستِ وحدك المقهورة هنا ، انا دفنت صغيري بيدى ، أنا أحاول مراعاة مشاعرك المجروحة ولكن تزيدينها هكذا ،، من قال أنني أصدقك ، أى جدة تلك التي تقتل حفيدها .

سحبت يديها منه تدفعه بغل وتضرب صدره صائحة : هي نفسها التي دفنت ابنتها حية ولم يرمش لها جفن .

يتبع ..